السبت 20 شوّال 1446 هـ | 19-04-2025 م

A a

«ما أَطْعَمْتَ نفسكَ فهو لكَ صدقةٌ، وما أَطْعَمْتَ ولدَكَ فهو لكَ صدقةٌ، وما أَطْعَمْتَ زوجتَكَ، فهو لكَ صدقةٌ، وما أَطْعَمْتَ خادِمكَ فهو لكَ صدقةٌ».


رواه أحمد برقم: (17179)، والنسائي في الكبرى برقم: (9141)، والبخاري في الأدب المفرد برقم: (82)، من حديث المقدام بن مَعْدِي كَرِبَ -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (5535)، سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (452).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


.


شرح الحديث


قوله: «ما أَطْعَمْتَ نفسكَ فهو لكَ صدقَةٌ»:
قال السندي -رحمه الله-:
قوله: «ما أطعمتَ نفسَك» أي: إذا نويتَ الخيرَ، فإنَّ نفسَ الإنسان أيضًا مخلوقة لله، كسائر المخلوقات، فالإحسان إليها وإلى غيرها سواء. حاشيته على مسند أحمد (4/174).
وقال الصنعاني رحمه الله-:
الإنفاق على النفس صدقة. التنوير (1/ 237).
وقال العراقي -رحمه الله-:
سمَّى الإنفاق على نفسه صدقة، وهو قُرْبة إذا كان من حلال، وبقدر الحاجة، وقد يصل إلى الوجوب؛ وذلك عند الاضطرار. طرح التثريب (6/ 218).
وقال ابن العطار -رحمه الله-:
أمَّا الإنفاق على النفس فيجوز تقديمها بالنفقة المتوسطة على العيال وغيرهم، ثم يصرف ما بقي على العيال وما ذكرنا، لكن الأفضل إنْ كانت (أي النَّفْس) ممن تَصبر وتحتسب أنْ تُؤثِر وتحتسب، وإنْ كانت لا تصبر فالأفضل تقديمها.
وأما حال الاضطرار المفضي إلى الهلاك فيتعين تقديم النفس، والله أعلم. العدة في شرح العمدة (3/ 1702).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
إنَّ الإنفاق على النفس صدقة، ولكن هي صدقة شرعًا، أمَّا عرفًا فلا، وعلى هذا فلو أنَّ الإنسان حلف قال: والله لأتَصَدَّقنَّ، ثم ذهب إلى المطعم فأفطر، هل يكون برَّ بيمينه؟
عُرْفًا: لا؛ لأن الصدقة عُرْفًا إنَّما تكون لغير نفس الإنسان، بل ولغير نفقته على زوجته وأهله، فيُستفاد من هذا: أنَّ الصدقة في الشرع أوسع منها في العُرف.فتح ذي الجلال والإكرام (3/ 114).

قوله: «وما أَطْعَمْتَ ولدَكَ فهو لكَ صدقَةٌ»:
قال فضل الله الجيلاني -رحمه الله-:
أي: ما يُنفق الرَّجُل في الواجب وإنْ كان في ظنه أبعد الأشياء في الطاعة فإنه يُؤجَر فيه، ولا شك أنَّ ثواب الواجب والفرض أكثر من ثواب النافلة. فضل الله الصمد (1/251).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«وما أطعمتَه ولدك فهو لك صدقة...» وهو مقيَّد بحديث: «وهو يحتسبها» فلا بد من النيَّة في الكل. التنوير (9/ 350-351).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
نفقتُه على مَن يعول من أهل وولد محسوب له في الصدقة، وإنَّما أمرهم الله أنْ يبدؤوا بأهليهم («وابدأ بمن تعول») خشية أنْ يظنوا أنَّ النفقة على الأهل لا أجر لهم فيها، فعرَّفهم -عليه السلام- أنَّها لهم صدقة؛ حتى لا يُخرجوها إلى غيرهم إلا بعد أنْ يقُوتُوهم. شرح صحيح البخاري (7/ 530).
وقال النووي -رحمه الله-:
قال أصحابنا (الشافعية): إذا امتنع الأب من الإنفاق على الولد الصغير، أو كان غائبًا أَذِنَ القاضي لأمِّه في الأخذ من مال الأب، أو الاستقراض عليه، والإنفاق على الصغير، بشرط أهليتها، وهل لها الاستقلال بالأخذ من ماله بغير إذن القاضي؟ فيه وجهان: مبنيان على وجهين لأصحابنا في أنَّ إذن النبي -صلى الله عليه وسلم- لهند امرأة أبي سفيان كان إفتاءً أم قضاءً؟ والأصح: أنَّه كان إفتاءً، وأنَّ هذا يجري في كل امرأة أشْبَهَتْهَا، فيجوز، والثاني: كان قضاءً، فلا يجوز لغيرها إلا بإذن القاضي، والله أعلم. شرح صحيح مسلم(12/ 8).
قوله: «وما أَطْعَمْتَ زوجتَكَ، فهو لكَ صدقةٌ»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
«ما أطعمتَ زوجتَك فهو لك صدقة» تُؤجر عليه؛ لأنه وإن كان واجبًا فأجر الواجب أكبر من أجر النفل، والمراد: له أجر الصدقة، لا أنه صدقة حقيقة. التنوير (9/ 350-351).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«ما أطعمتَ زوجتَك فهو لك صدقة...» إنْ نواها في الكل، كما دل عليه تقييده في الخبر الصحيح، بقوله: «وهو يحتسِبها» فيُحمل المطلق على المقيد. فيض القدير (5/ 423).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
الإنفاق على الزوجة عائد إلى مصلحة الزوج نفسه، فيكون الإنفاق عليها من باب الإنفاق على النفس؛ ولهذا يُبدأ بها قبل الولد، وقبل الوالدين، ثم إنَّ نفقتها معاوَضة، عوضًا عن الاستمتاع بها، وإذا مُنع العوض فلصاحب الحق أنْ يمنع المعوض، فيعود الضرر على الإنسان نفسه. فتح ذي الجلال والإكرام (3/ 113).

قوله: «وما أَطْعَمْتَ خادِمك فهو لك صدقةٌ»:
قال السهارنفوري -رحمه الله-:
الخادم يُطلَق على الغلام والجارية. بذل المجهود (6/ 560).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
لا يُعطى الخادم إلا ما فَضَل عن الزوجة؛ لأنَّ الرَّجل إذا وجب في ذمته نفقة للزوجة، وعجز عنها يُباع الخادم في نفقتها إذا كانت مُقيمة على طاعته، سواء تَرَكَ الإنفاق متعديًّا أو لعجزه. شرح سنن أبي داود (8/ 105).
وقال الساعاتي -رحمه الله-:
معناه: أنَّ الانسان يُثاب على النفقة الواجبة عليه، كثواب الصدقة حيث نوى بها التقرُّب إلى الله، وامتثال الأمر، فقد جاء مقيَّدًا بذلك في صحيح مسلم عن أبي مسعود البدري عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إنَّ المسلم إذا أَنْفَقَ على أهله نفقةً وهو يحتسبها كانت له صدقة».
ففيه: بيان أنَّ المراد بالصدقة والنفقة المطلقة في باقي الأحاديث إذا احتسبها، ومعناه: أراد بها وجه الله تعالى، فلا يدخل فيه مَن أنفقها ذاهلًا، ولكن يدخل المحتسب، وطريقه في الاحتساب: أنْ يتذكر أنَّه يجب عليه الإنفاق على الزوجة وأولاده القُصَّر، والمملوك وغيرهم ممن تجب نفقته على حسب أحوالهم، واختلاف العلماء فيهم، وأنَّ غيرهم ممن ينفق عليه مندوب إلى الإنفاق عليهم فيُنفق بنيَّة أداء ما أُمر به، وقد أُمر بالإحسان إليهم، والله اعلم. الفتح الرباني (9/ 190).


ابلاغ عن خطا