السبت 20 شوّال 1446 هـ | 19-04-2025 م

A a

«أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- بَزَقَ يومًا في كفِّه، فوضَع عليها أُصْبُعَهُ، ثم قال: قال الله: ابنَ آدمَ، أَنَّى تُعجزُنِي وقد خلفتُك مِن مثل هذه؟ حتى إذا سَوَّيْتُكَ وعَدَلْتُكَ، مَشَيْتَ بين بُردَيْنِ وللأرض منك وئِيدٌ، فجمَعت ومَنعت، حتى إذا بَلَغَتِ التَّراقيَ قلتَ: أتصدَّقُ، وأَنَّى أَوَانُ الصدقة؟».


رواه أحمد برقم: (17842) واللفظ له، وابن ماجه برقم: (2707) والحاكم برقم: (3855)، والطبراني في الكبير برقم: (1194)، من حديث بُسْرِ بن جَحَّاشٍ القُرَشِي -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (8144)، سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (1143).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«بَزَقَ»:
بَزَقَ: قال اللَّيْث: بَزَق وبَصَقَ وَاحِد، وَهُوَ البُزاق والبُصاق. تهذيب اللغة، للأزهري (8/ 332).
قال ابن منظور -رحمه الله-:
البَزْقُ والبَصْق: لُغَتَانِ فِي البُزاق والبُصاق، بَزَق يَبْزُق بَزْقًا. لسان العرب (10/ 19).

«أنَّى»:
بتشديد النون، وأَلِف مقصورة في آخره. كفاية الحاجة، للسندي (2/ 157).
قال الأصفهاني -رحمه الله-:
«أنَّى» للبحث عن الحال والمكان؛ ولذلك قيل: هو بمعنى (كيف) و(أين)؛ لتضمنه معناهما، قال الله -عز وجل-: {أَنَّى لَكِ هَذَا} آل عمران: 37؟ أي: من أين؟ وكيف؟ المفردات، للراغب (ص: 95).

«بُرْدَيْن»:
البُرْدُ: نوع من الثياب معروف، والجمع أَبْرَاد وبُرُود، والبُرْدَةُ: الشَّمْلة المخَطَّطَة، وقيل: كِساء أسود مربَّع فيه صور، تلبسه الأعراب، وجمعها: بُرُد. النهاية، لابن الأثير (1/ 116).

«وَئِيْد»:
الوَئِيْدُ: صوتُ شدَّة الوَطْءِ على الأرض. النهاية، لابن الأثير (5/ 143).

«فَجَمَعْتَ»:
الجمع: ضمُّ الشيء بتقريب بعضه من بعض، يقال: جمعتُه فاجتَمَع. المفردات، للراغب (ص: 201).

«التَّرَاقِي»:
جمع تُرْقُوة، وهي عَظْم وصل ما بين ثغرة النحر والعاتق. المفردات، للراغب (ص: 166).


شرح الحديث


قوله: «أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- بَزَقَ يومًا في كفِّه، فوضعَ عليها أُصْبُعَهُ»:
قال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«بَزَقَ» أي: بَصَقَ النبي -صلى الله عليه وسلم- «في كفِّه» وراحَتِه. مرشد ذوي الحجا (15/ 531).

قوله: «ثم قال: قال اللهُ: ابنَ آدمَ أَنَّى تُعْجِزُنِي وقدْ خَلَقْتُكَ مِن مِثْلِ هذه؟»:
قال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«وقال» رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يقول الله -عز وجل-» مخاطبًا لابن آدم. مرشد ذوي الحجا (15/ 531).
وقال السندي -رحمه الله-:
قوله: «ابنَ آدم» بالنصب على النداء. كفاية الحاجة (2/ 157).
وقال السندي -رحمه الله- أيضًا:
قوله: «ابنَ آدم» بالنصب، بتقدير حرف النداء، «أنَّى» بتشديد النون والقَصْرِ، للإنكار، أي: كيف «تُعجزني» مِن الإعجاز. حاشيته على مسند أحمد (4/272).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«أنَّى» بفتح الهمزة والنون المشددة، وأَلِف مقصورة: اسم استفهام بمعنى كيف، أي: كيف «تُعجزني»؟ مرشد ذوي الحجا (15/ 531).
وقال السندي -رحمه الله-:
«تُعجزني» مِن أَعْجَزْت بصيغة الخطاب. كفاية الحاجة (2/ 157).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
قوله: «وقد خلقتك» أي: أَوْجَدتك «مِن» نطفة «مثل هذه» البزاق في كونه ماءً مهينًا!. مرشد ذوي الحجا (15/ 531).

قوله: «حتى إذا سَوَّيْتُكَ وعَدَلْتُكَ ‌مَشيت ‌بين ‌بُردين ‌وللأرض ‌منك ‌وئيد»:
قال الزبيدي -رحمه الله-:
«حتى إذا سوَّيْتك وعَدَلْتُك مشيتَ بين بُرْدَين» أي: مُعْجَبًا بنفسك «وللأرض منك (وئيد)» أي: وطْءٌ ثقيل، ومنه قول الزباء:
ما للجِمَال مشْيُها وَئِيدًا. إتحاف السادة المتقين (8/ 348).
وقال السندي -رحمه الله-:
«سوَّيْتُك» من التسوية «وعَدَلْتُك» مِن التعديل، أو هو بالتخفيف، وبالوجهين قرئ في القرآن قوله تعالى: {فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ} الانفطار: 7، «مشيتَ» بالخطاب، «وئيدٌ» صوتُ شدة الوطء على الأرض، أي: مشيتَ متكبرًا، وتركتَ النظر في أصلك، وفي أمر خالقك من ذلك الأصل. حاشيته على مسند أحمد (4/272).
وقال السيوطي -رحمه الله-:
قوله: «وللأرض منك وَئِيْدٌ» جملة حالية بالواو، و«وئيد» مبتدأ، و«للأرض» خبر، و«منك» في موضع نصب على الحال، وأصله لو تأخَّر صفة «وئيد»، فلما قُدِّمَ نعتُ النكرة عليها صار حالًا. عقود الزبرجد (1/ 241).
قوله: «فجمَعت ومَنعت»:
قال الزبيدي -رحمه الله-:
«جمعتَ» الأموال «ومنعتَ» الحقوق. إتحاف السادة المتقين (8/ 348).
وقال السندي -رحمه الله-:
«فجمعتَ» بالخطاب، أي: المال «ومنعتَ» الحق. حاشيته على مسند أحمد (4/272).

قوله: «حتى إذا بلغت التراقي»:
قال السندي -رحمه الله-:
أي: قَارَبَتْ فيه الموت، قاله على زعمه يومئذٍ. كفاية الحاجة (2/ 158).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«إذا بلَغَت» ووَصَلَت. مرشد ذوي الحجا (15/ 531).
وقال الزبيدي -رحمه الله-:
«حتى إذا بلَغَت» الروح «التَّراقي» جمع تُرْقُوة، وهي عظام العُنق. إتحاف السادة المتقين (8/ 348).
وقال السندي -رحمه الله-:
«حتى إذا بلَغَتْ» بالتأنيث، أي: الروح، أو النَّفْس. حاشيته على مسند أحمد (4/272).

قوله: «قلتَ: أتصدق وأنّى أوان الصدقة ؟»:
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«قلتَ» لنفسك: «أتصدَّقُ» الآن، «وأنَّى» أي: وكيف يوجد لك «أوان الصدقة؟» لأنَّ هذا الوقت وقت خروج الروح من الدنيا. مرشد ذوي الحجا والحاجة (15/ 531).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
(فيه:) تنجيز وفاء الدَّين، والتصدُّق في الحياة، وفي الصحة أفضل منه بعد الموت، وفي المرض. فتح الباري (5/ 374).
وقال ابن حجر -رحمه الله- أيضًا:
قال بعض السلف عن بعض أهل التَّرف: يعصون الله تعالى في أموالهم مرتين؛ يبخلون وهي في أيديهم، يعني في الحياة. ويسرفون فيها إذا خرجت من أيديهم. يعني بعد الموت.
وأخرج الترمذي بإسناد حسن، وصححه ابن حبان، عن أبي الدرداء مرفوعًا: «الذي يعتق ويتصدق بعد موته، مثل الذي يهدي إذا شبع»، وهو يرجع إلى معنى حديث الباب.
وروى أبو داود، وصححه ابن حبان، عن أبي سعيد الخدري مرفوعًا: «لأن يتصدق الرجل في حياته وصحته بدرهم، خير له من أن يتصدق عند موته بمائة». فتح الباري(5/ ٣٧٤)

وللاستفادة من الرواية الأخرى ينظر(هنا)


ابلاغ عن خطا