السبت 20 شوّال 1446 هـ | 19-04-2025 م

A a

«لنْ يَلِجَ النارَ أحدٌ صلَّى قبل طلوعِ الشمسِ، وقبلَ غروبِهَا» يعني: الفجرَ والعصرَ.


رواه مسلم برقم (634)، من حديث عُمارة بن رُؤَيْبَةَ -رضي الله عنه-. 


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«‌يَلِجَ»:
أي: لن يدخلَ. شرح المصابيح، لابن الملك(1/ 384).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
الوُلُوجُ: الدخول، وقد وَلجَ يَلِجُ، وأَوْلَجَ غيره. النهاية، لابن الأثير (5/ 224).


شرح الحديث


قوله: «لن ‌يَلِجَ ‌النَّارَ ‌أحدٌ»:
قال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: «لن يَلِجَ النار» (لن) لتأكيد النفي في المستقبل، وتقريره. الكاشف عن حقائق السنن (3/ 894).
قال محمد المختار الشنقيطي -رحمه الله-:
قوله: «لن يلج» (لن) حرف نفي، بمعنى: الحصول في المستقبل على التأبيد، وقيل: إنها لا تدل على التأبيد إلا بالقرينة، وكذلك إفادتها للتوكيد بالقرينة، وهي حَرف وُضع على ما هو عليه. شروق أنوار المنن الكبرى (4/ 1056).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
لا نسلِّم أنَّ «لن» تدل على التأبيد، بدليل قوله تعالى: {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا} البقرة: 95، مع أنهم يتمنونه في الآخرة.
قال ابن مالك -رحمه الله-:
ومَن رأى النفي بـ(لن) مُؤبدًا *** فقوله ارْدُدْ وسواه فاعضدا. البحر المحيط الثجاج (14/ 40).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«لن يَلِج» بفتح التحتية، وكسر اللام، مضارع (وَلَج) والأصل يُوْلِج، حُذفت الواو؛ لوقوعها بين حرف مضارعةٍ مفتوح، وحرف مكسور، أي: لن يدخل. دليل الفالحين (6/ 535).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
أي: لن يدخل النار من عاهد وحافظ على هاتين الصلاتين ببركة المداومة عليهما، والله أعلم. المفهم(2/ 262).
وقال السهارنفوري -رحمه الله-:
«لا يلج النار» أي: لا يدخلها أصلًا للتعذيب، أو على وجه التأبيد. بذل المجهود (3/ 109).
وقال محمود السبكي -رحمه الله-:
«لن يَلِجَ النار أحدٌ» أي: لا يدخلها أصلًا للتعذيب، بل يدخلها أو يمر عليها تحلَّة القَسَم، وهذا إذا وُفق لبقية الأعمال، أو لا يدخلها على وجه التأبيد، وهذا لا ينافى أنه قد يعذَّب؛ لما في حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم- قال: «أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: إنَّ المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيُعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أنْ يُقضى ما عليه أُخذ من خطاياهم، فطُرحت عليه، ثم طُرح في النار» رواه مسلم. المنهل العذب المورود (4/ 7).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
لا ينافي (يعني: عدم الدخول) الورود عليها المحتُوم على كُلِّ أحد؛ لأنه غير الدخول للتعذيب، أو المراد لا يدخلها على التأبيد فيها، وإنما أوَّلتُ هذا وما قبله بما ذكر فيهما؛ لما في الحديث الصحيح «إنَّ من المسلمين من يأتي يوم القيامة وله صلوات وصيام وغيرهما، وعليه ظُلامات الناس فيأخذون ذلك منه» قيل: ما عدا الصوم لاختصاص عمله به تعالى.
قلتُ: وَرُدَّ بأنه جاء في صحيح مسلم أنه كغيره من العبادات يؤخذ في ظُلامات العباد: «فإذا لم يبق له عمل وُضع عليه من سيئاتهم، ثم يُلقى في النار». دليل الفالحين (6/ 535).
وقال محمد المختار الشنقيطي -رحمه الله-:
قوله: «لن يلج النار» أي: بصفة الخلود إنْ مات على ذلك، بدليل النصوص التي دلت على أنَّ الأعمال بالخواتيم، وظاهر الحديث أنَّ هذا الوعد لمن صلى من هذين الوقتين ولو مرة، وليس ذلك مرادًا بالإجماع، وإنَّما المراد المواظبة على ذلك، فهو كقوله تعالى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} طه: 130، وهاتان الصلاتان تقعان في أوقات يصعب على كثير من الناس المحافظة عليهما إلا بتوفيق من الله، بل المحافظة على الصلوات كلها كذلك، قال تعالى: {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} البقرة: 45.
ويحتمل: أنَّ المراد عدم دخوله النار مطلقًا، وهو ظاهر الإطلاق في الحديث؛ لأنهما مشهودتان بأنْ يجتمع فيهما ملائكة بالليل، وملائكة النهار، كما في حديث أبي هريرة المشهور، وحديث الصحيحين: «ما منكم من أحدٍ إلا سيُكَلِّمه ربه، ليس بينه وبينه تُرجمان، فإنْ استطعتم أن لا تُغْلَبُوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا»، والمراد هنا: أنكم سترون ربكم كما ترون القمر لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم ألا تُغْلَبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا. شروق أنوار المنن الكبرى (4/ 1057-108).

قوله: «‌صلَّى ‌قبلَ ‌طلوعِ الشمسِ»:
قال الشيخ محمد المختار الشنقيطي -رحمه الله-:
قوله: «صلَّى» أي: الصلاة المفروضة، حُذف المفعول للعلم به، وقوله: «قبل طلوع الشمس» أي: صلاة الصبح، ولا ينافي ذلك أنَّ التغليس بها وفِعْلَها في أول الوقت أفضل؛ لمواظبة النبي -صلى الله عليه وسلم- على فعله، إلا أنَّ مَن صلاها قبل طلوع الشمس متأخرًا لا يأثم، وأَجْر المقدِّم أعظم، كما هو الشأن في سائر الصلوات. شروق أنوار المنن الكبرى (4/ 1057).

قوله: «وقبلَ غُروبِهَا» يعني: الفجرَ والعصرَ:
قال الشيخ محمد المختار الشنقيطي -رحمه الله-:

قوله: «قبل غروبها» يعني: العصر، وقد ورد النهي عن تأخيرها إلى الغروب وأنه فِعْل المنافقين. شروق أنوار المنن الكبرى (4/ 1057).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«يعني» أي: يقصد بهذا «الفجر والعصر» أي: دَاوَمَ على أداء صلاتهما. البحر المحيط الثجاج (14/ 46).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«يعني» أي: النبي «الفجر» بما قبل الطلوع «والعصر» بما قبل الغروب، هذا تفسير للصلاة فيهما المذكورة في الحديث المحتملة لهما ولغيرهما من النافلة. دليل الفالحين (6/ 535).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
ظاهر الحديث يدل على أنَّ مُصلِّيها لا يدخل النار لا لأجل ترك الصلوات الأُخر، ولا لأجل ارتكاب الذنوب الأُخر؛ لصيرورتهما مكفِّرتين لها، وفضل الله أوسع، لكنه ينافي ما عليه الجمهور من اختصاص الكفارة بالصغائر...
وبالجملة الظاهر: أنَّ المراد المبالغة في بيان فضلهما، وأنَّ مِن شأن مَن يحافظ عليهما أنْ لا يدخل النار إلا أنَّ الله سبحانه يُجزي كُلَّ أحدٍ على كل عملٍ بما هو جزاؤه، ومع ذلك إن شاء لم يعذب ويعفو بفضله ورضاه عن فاعلهما، والله أعلم. لمعات التنقيح (2/ 380-381).
وقال ابن الجوزي -رحمه الله-:
فإنْ قيل: كيف الجمع بين هذا وبين دخول الموحدين النار وقد صلَّوا؟
فالجواب من خمسة أوجه:
أحدها: أنْ يكون قال هذا قبل نزول الحدود، وبيان المحرمات.
والثاني: أنْ يكون خارجًا مخرج الغالب، والغالب ممن صلى، وراعى هاتين الصلاتين أنْ يتقي ما يحمل إلى النار.
والثالث: لن يدخلها دخولَ خلود.
والرابع: أنْ يُراد به النار التي يدخلها الكفار.
والخامس: أنْ يكون هذا حكمه ألا يدخل النار، كما تقول إذا رأيتَ دارًا صغيرة: هذه لا ينزلها أمير، وقد ينزلها. كشف المشكل (4/ 224).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
خَصَّ الصلاتين بالذِّكر؛ لأن وقت صلاة الصبح وقت لذيذ الكَرَى (مرتبة من مراتب النوم، بحيث يكون الإنسان بين النائم اليقضان) والنوم، والقيام فيه أشق من القيام في غيره، قال الله تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا} السجدة: 16، وصلاة العصر وقت قوة الاشتغال بالتجارة، وحينئذٍ يحمي البيع والشراء، فما ينتهي عنه إلا مَن كَمُلَ دِينه، قال الله تعالى: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} النور: 37؛ ولأن الوقتين مشهودان تشهدهما ملائكة الليل والنهار، ويرفعون فيهما أعمال العباد إلى الله تعالى، والمسلم إذا حافظ عليهما مع ما فيه من التثاقل والمشاغل كان الظاهر من حاله أنْ يحافظ على غيرهما أشد محافظة، وما عسى أن يقع منه من التفريط، فالحري أنْ يقع مكفَّرًا، فيغفر له، ولن يلج النار. الكاشف عن حقائق السنن (3/ 894-895).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
وتخصيصهما بالذكر ليس لإفادة حصول النَّجاة من النار لمن جاء بهما دون باقي الخَمس؛ لأنه بخلاف المنصوص، بل لأمر آخر فلا مفهوم للاقتصار عليهما، بل لا بد في النجاة منها من الإتيان بالبقية، مع عدم تحمُّل حق آدمي؛ وذلك الأمر هو أنَّ وقت الصبح يكون عند النوم ولذته، ووقت العصر يكون عند الاشتغال بتتمات أعمال النهار وتجارته وتهيئة العشاء، ففي صلاة تَيْنِك مع ذلك دليل على خلوص النفس من الكسل، ومحبتها للعبادة، ويلزم من ذلك إتيانها ببقية الصلوات الخمس، وأنها إذا حافظت عليهما كانت أشد محافظة على غيرهما، ومِن ثم مَدَحَ الله تعالى مَن هجر النوم ولذته، والبيع وربحه في جنب عبادته وطاعته، فقال -عزّ وجل-: {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} الذاريات: 17، وقال: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} النور: 37 الآيتين، ومن هو كذلك حريٌّ أنْ لا يرتكب كبيرة ولا صغيرة لآدمي، وإنْ فعل تاب، وصغائره المتعلقة بالله تعالى تقع مكفِّرة، فحينئذٍ هو لا يلج النار أبدًا. دليل الفالحين (6/ 535-536).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
ولأن الوقتين مشهودان يشهدهما ملائكة الليل والنهار، ويرفعون فيهما أعمال العباد إلى الله تعالى، فبالحري أنَّ من داوم عليهما لا يدخل النار أصلًا، ويدخل الجنة لصيرورة ذلك مكفِّر الذنوب، وإن كان هذا ينافي ما عليه الجمهور من اختصاص كفارة الصلاة بالصغائر، ولكن فضل الله واسع.
وقيل: خُصَّتا بالذِّكر؛ لأن أكرم أهل الجنة على الله من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية، كما في حديث ابن عمر عند أحمد والترمذي، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: «إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تُغْلَبُوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا» إلخ، يدل على رؤية الله تعالى والنظر إلى وجهه قد يرجى نيله بالمحافظة على هاتين الصلاتين اللتين تؤدَّيان طَرَفَي النهار غدوة وعشية. مرعاة المفاتيح (2/ 330-331).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
فيه: دليل على أنَّ الورود في قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} مريم: 71 ليس بمعنى الدخول، وهذا أبلغ من لو قيل: يدخل الجنة، على ما مر في باب الإيمان. الكاشف عن حقائق السنن (3/ 894).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله- مُتعقِّبًا:
وفيه بحثٌ؛ إذ يمكن أنْ يكون الورود العام بمعنى: الدخول المطلق، وهو المرور؛ ولذا ورد في بعض الأحاديث استثناؤه بقوله: «إلا تَحِلَّة القسم». مرقاة المفاتيح (2/ 540).
وقال محمود السبكي -رحمه الله-:
فقه الحديث: دل الحديث على أنَّ المحافظة على أداء الصلوات الخمس في أوقاتها ولا سيما العصر والصبح علامة على عدم دخول النار. المنهل العذب المورود (4/ 8).
وقال الشيخ محمد المختار الشنقيطي -رحمه الله-:
بعض فوائد الحديث:
في الحديث: دليل على فضل هاتين الصلاتين، والحث على فعلهما، وأنه لا يوفق للمحافظة عليهما إلا من أراد الله به الخير.
وفيه: حث على العبادة ببيان فضلها، وعِظَم أجرها عند الله، وهذا من وظيفة الرسل. شروق أنوار المنن الكبرى (4/ 1058).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
في فوائده:
منها: بيان فضل صلاتي العصر والفجر، والمحافظة عليهما.
ومنها: بيان ما كان عليه الصحابة -رضي الله عنهم- من حرصهم على طلب العلم، والتثبت في نَقْلِهِ، والله تعالى أعلم بالصواب. البحر المحيط الثجاج (14/ 49)


ابلاغ عن خطا