السبت 20 شوّال 1446 هـ | 19-04-2025 م

A a

«مَن أُعْطِيَ عطاءً، فوجدَ، فَلْيَجْزِ به، ومَن لم يجِدْ فلْيُثْنِ؛ فإنَّ مَن أثنى فقدْ شكَرَ، ومَن كَتَمَ فقد كَفَرَ، ومَن تَحلَّى بما لم يُعْطَهُ كان كلابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ».


رواه أبو داود برقم: (4813)، والترمذي برقم: (2034) واللفظ له، والبخاري في الأدب المفرد برقم: (215)، من حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-.
ورواه أحمد بنحوه برقم: (24593)، من حديث عائشة -رضي الله عنها-
صحيح الجامع برقم: (6056)، سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (617).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«فَلْيَجْزِ»:
بفتح الياء، وسكون الجيم، وكسر الزاي، أي: فليُجَازِ. شرح سنن أبي داود، لابن رسلان (18/ 492).
«فَلْيُثْنِ»:
بضمِّ المثَنَّاة تحت، أي: يُثني عليه على معروفه له. شرح سنن أبي داود، لابن رسلان (18/ 492).
«تَحَلَّى»:
بالحاء المهملة من الحِلْيَةِ. التنوير، للصنعاني (10/ 123).
قال ابن الملك -رحمه الله-:
«تَحَلَّى» أي: تزيَّن. شرح المصابيح(3/ 506).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
الحُلْيَ: اسم لكل ما يُتزين به. النهاية في غريب الحديث(1/ 435).
«ثَوْبَي زُورٍ»:
معنى ثوبَي الزُّور: أنْ يعمد إلى الكُمِّين، فيوصل بهما كمان آخران، فمَن نظر إليهما ظنَّهما ثوبين. تهذيب اللغة، للأزهري(1/ 284).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
وهذا إنَّما يكون فيه أحد الثُّوبين زورًا لا الثوبان، وقيل: معناه: أنَّ العرب أكثر ما كانت تلبس عند ‌الجِدَة ‌والقُدْرة ‌إِزَارًا ورِداءً. النهاية (1/ 228).


شرح الحديث


 قوله: «مَن أُعْطِيَ عَطاءً»:
قال ابن رسلان -رحمه الله-:
«أُعْطِي» بضم الهمزة. شرح سنن أبي داود (18/ 492).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«مَن أُعطي» بصيغة المجهول. مرقاة المفاتيح (5/ 2011).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«عطاءً» مِن هِبةٍ، ونحوها. شرح سنن أبي داود (18/ 492).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«مَن أُعطي» أي: مَن أُعطي حقًّا، فليكن عارفًا بحقه. فيض القدير (6/ 75).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«عطاءً» مفعول مطلق، أو عطية، وفي رواية: «شيئًا» فهو مفعول ثانٍ. مرقاة المفاتيح (5/ 2011).

قوله: «فوجد»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«فوجد» أي: سعةً ماليةً. مرقاة المفاتيح (5/ 2011).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«فوجد» عنده شيئًا يكافئه به من المال. شرح سنن أبي داود (18/ 492).

قوله: «فَلْيَجْزِ به»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«فَلْيَجْزِ» بسكون الجيم، أي: فليُكَافِئ «به» أي: بالعَطاء. مرقاة المفاتيح (5/ 2011).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«فَلْيَجْزِ به» أي: فلْيُعْطِهِ عطاءً؛ مكافأةً لفعله. شرح المصابيح (3/ 506).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
أي: يكافئه بجميع ما صنع إليه، أو أعطاه، أو بما يقدر عليه، ويدعو له، ويثنيه على ما بقي. شرح سنن أبي داود (18/ 492).
وقال الأردبيلي -رحمه الله-:
الأمر في قوله: « فَلْيَجْزِ به» للندب والاستحباب على الأصح، وكذا في «فَلْيثْنِ». الأزهار مخطوط لوح (290).
وقال المظهري -رحمه الله-:
يعني: مَن أحسن إليه أحدٌ إحسانًا من مالٍ، أو فعلٍ، أو قولٍ حسنٍ، فليكن عارفًا حقَّه على نفسه، فإنْ وجد مالًا فليُحسن إليه بالمال، أو ليُقابل فِعْلَهُ وقوله الحسن بمثله، فإنْ عجز عن مقابلته بالمال والفعل «فليثنِ عليه». المفاتيح (3/ 519).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
يدل على المكافأة قوله تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} النساء: 86؛ فإن العموم فيها شامل للهديَّة والعاطس والرد على المشمِّت والهِبة.
قال ابن خُوَيْز مِنْدَاد: يجوز أنْ تُحمل هذه الآية على الهِبة إذا كانت للثواب، فمن وُهب له هبة على الثواب فهو بالخيار إن شاء ردَّها، وإن شاء قَبِلَهَا، وأثاب عليها قيمَتَها، ونحوه قول أصحاب أبي حنيفة: التحية هنا الهدية، لقوله: {أَوْ رُدُّوهَا} النساء: 86، ولا يمكن ردُّ السلام بعينه، وظاهر هذا الكلام يقتضي ردُّ التحية بعينها...شرح سنن أبي داود (18/ 492-493).

قوله: «ومَن لم يجدْ فَلْيُثْنِ»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«ومن لم يجد» أي: سعة من المال. مرقاة المفاتيح (5/ 2011).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«فإن لم يجد» ما يكافئ به، ولا بعضه «فَلْيُثْنِ». شرح سنن أبي داود (18/ 492).
وقال المظهري -رحمه الله-:
«فَلْيُثْنِ عليه» أي: فلْيَدْعُ له بخير، وليشكر له، ولا يجوز له كتمان نعمته؛ فإن من لم يشكر الناس لم يشكر الله. المفاتيح (3/ 520).
وقال الأردبيلي -رحمه الله-:
«فَلْيُثْنِ» أي: فليدعُ له، ويتحدَّث به للناس، وقيل: فليَذْكُر فضائله وشمائله، والأول أصح؛ لقوله: «والتحدُّث بنعمة الله شكرًا»، وقال الله تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} الضحى: 11. الأزهار مخطوط لوح (290).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«فَلْيُثْنِ» عليه بخير، ولْيَشْكُره، ولا يكتم نعمته عليه. شرح المصابيح (3/ 506).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
أي: فليمدحه، أو فليَدْعُ له. مرقاة المفاتيح (5/ 2011).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
فإنْ قلتَ: كان من حق الظاهر العطف بالواو؛ ليفيد أنَّ الجمع بين الإعطاء والوجدان سبب للجزاء، فما معنى الترتيب؟
قلتُ: هذا الترتيب لا يمنع الجمع، وفائدته: أنَّ مَن أُعطي فلا يُؤخِّر الجزاء عن العطاء ريثما وجد اليَسَار، فيُعلم أنَّ مَن وجد لا ينبغي له التأخير بالطريق الأولى. الكاشف عن حقائق السنن (7/ 2231).

قوله: «فإنَّ مَن أَثْنَى فقد شَكَرَ»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«فقد شكر»... أي: جازاه في الجملة. مرقاة المفاتيح (5/ 2011).
وقال السهارنفوري -رحمه الله-:
«فقد شكره» أي: أدى شكر عطائه. بذل المجهود (13/ 241).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«فقد شكره» لأن الثناء إظهار للنعمة، قال بعضهم: إذا قَصُرَتْ يداك عن المكافأة فلْيَصِلْ لسانك بالشكر، والشكر عند أهل التحقيق: الاعتراف بنعمة المنعِم على وجه الخضوع. شرح سنن أبي داود (18/ 493-494).

قوله: «ومَن كَتَمَ فقد كَفَرَ»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«ومن كَتَمَ» أي: النعمة بعدم المكافأة بالعطاء، أو المجازاة بالثناء. مرقاة المفاتيح (5/ 2011).
وقال المظهري -رحمه الله-:
قوله: «فقد كفر» أي: فقد ترك أداء حقَّه. المفاتيح (3/ 520).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«فقد كفر» مِن الكُفران، لا من الكفر. شرح المصابيح (3/ 506).
وقال المظهري -رحمه الله-:
وهو من كفران النعمة، لا مِن الكفر الذي هو نقيض الإيمان. المفاتيح (3/ 520).

قوله: «ومَن تَحَلَّى بما لم يُعْطَهُ»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«ومَن تحلَّى» أي: تزيَّن وتلبَّس. مرقاة المفاتيح (5/ 2011).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
أي: يُظهر مِن نفسه ما لم يكن فيه. لمعات التنقيح (5/ 678).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«ومَن تحلَّى بما لم يُعْطَ» أي: ومَن تزيَّن بشعار الزهاد، وليس منهم. فيض القدير (6/ 75).
وقال المظهري -رحمه الله-:
«بما لم يُعْطَ» بفتح الطاء. المفاتيح (3/ 520).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«بما لم يُعْطَ» على بناء المجهول، أي: بما لم يُعْطَاه. شرح المصابيح (3/ 506).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«بما لم يُعْطَ» ادعاءً أنَّه أعطى شيئًا كذبًا. التنوير (10/ 123).

قوله: « كان كلابسِ ثَوْبَيْ زُورٍ»:
قال المظهري -رحمه الله-:
قوله: «كلابِسِ ثوبَي زور» أي: كان كمن كذَبَ كذبتين، أو أظهر شيئين كاذبين. المفاتيح (3/ 520).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«كلابس ثوبَي زُور» أي: فهو كمن لَبِسَ قميصًا، وصل كُمَّه بكُمَّيْنِ آخرين، موهِمًا أنه لابس قميصين، فهو كالكاذب القائل ما لم يكن، وقيل: شبه بالثوبين أنَّ المتحلِّي كَذَبَ كذبين، فوصف نفسه بصفة ليست فيه، ووصف غيره بأنه خصه بصلة. فيض القدير (6/ 75).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
قوله: «كلابس ثوبَي زور» يتأول على وجهين:
أحدهما: أنَّ الثوبين ها هنا كأنه كناية عن حاله ومذهبه، وقد تُكنِّي العرب بالثوب عن حال لابِسِه، وعن طريقه ومذهبه، كقول الشاعر:
وإني بحمد الله لا ثوب غادرٍ *** لبستُ ولا مِن ريبة أَتَقَنَّعُ
والمعنى: أنَّ المتشبِّع بما لم يعطَ بمنزلة الكاذب القائل ما لم يكن.
والوجه الآخر: ما يُروى عن فلان أنه كان يكون في الحي الرَّجل له هيئة ونُبْلٌ، فإذا احتيج إلى شهادة زور شهد بها، فلا يُرد من أجل نُبْلِهِ، وحُسن ثوبيه، فأضيف الشهادة إلى ثوبيه إذ كانا سبب جوازها ورواجها. معالم السنن (4/ 135).
وقال النووي -رحمه الله-:
«لابس ثوبَي زور» أي: ذي زور، وهو الذي يزوِّر على الناس، بأن يتزيَّا بزيِّ أهل الزهد أو العلم أو الثروة؛ ليغتر به الناس، وليس هو بتلك الصفة، وقيل غير ذلك، والله أعلم. رياض الصالحين (ص: 435).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
أي: ذي زُور، وهو الذي يتزيَّا بزيِّ أهل الصلاح رياءً، وأضاف الثَّوبين إليه؛ لأنهما كالملبوسَين، وأراد بالتثنية أنْ المتَحَلِّي بما ليس فيه كمن لبس ثوبَيْ الزُّور ارتدى بأحدهما، واتَّزَر بالآخر، كما قيل: إذا هو بالمجد ارتدى وتأزَّرَا.
فالإشارة بالإزار والرداء إلى أنه متَّصف بالزور من رأسه إلى قدمه، ويحتمل أنْ تكون التثنية إشارة إلى أنه حصل بالتشبُّع حالتان مذمومتان، فُقدان ما يتشبع به، وإظهار الباطل. فتح الباري(9/ 318).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
أما حكم التثنية في قوله: «ثوبَي زور» فللإشارة إلى أنَّ كَذِب المتحلِّي مُثنى؛ لأنه كَذَبَ على نفسه بما لم يأخذ، وعلى غيره بما لم يُعط، وكذلك شاهد الزور يظلم نفسه، ويظلم المشهود عليه.
وقال الداودي: في التثنية إشارة إلى أنه كالذي قال الزور مرتين؛ مبالغة في التحذير من ذلك. فتح الباري (9/ 318).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «كلابس ثوبَي زور» فإنه الرَّجل يلبس الثياب المشبهة لثياب الزهاد، يوهِم أنه منهم، ويُظهر من التخشع والتقشُّف أكثر مما في قلبه منه. فتح الباري (9/ 318).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
إنَّما أَتْبَعَ الجازي والْمُثْنِي بالمتحلِّي؛ لأنهما أظهرا حق ما وجب عليهما؛ لئلا يكفرا المنعِم، وهذا إنما يظهر ما يلبس به الناس، ويتلبس عليهم؛ ليجز منهم، وإليه أشار أبو عبيدة بقوله: هو المرائي يلبس ثياب الزاهد، ويُري أنه زاهد. الكاشف عن حقائق السنن (7/ 2231).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
أقول: وبهذا القول تظهر المناسبة بين الفصلين في الحديث، مع موافقته لسبب وروده، فكأنه قال: ومَن لم يُعطَ وأظهر أنه قد أُعْطِي، كان مزوِّرًا مرتين. مرقاة المفاتيح (5/ 2011).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
في هذا رد لما قال بعضهم: المُعطي في الحقيقة هو الله، والمعطي لا يمدح؛ لأنه آلة كما لا يمدح السكين إذا قطعت.
ويمكن أنْ يُفرَّق بينهما: أنَّ المعطي مكتَسب، والله هو الخالق لفعله، والمقدر والمدبِّر له والملْهِم، بخلاف السكين، حيث لا اكتساب لها، بل هي محض آلة، والفاعل بها مكتسب، ولو قلنا بذلك؛ لبَطَلت الحدود والعِقاب والثواب على الأفعال. شرح سنن أبي داود (18/ 492).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
فيه: وجوب المكافأة على الواجد. التنوير (10/ 123).
وقال الأردبيلي -رحمه الله-:
فيه: أنَّ مَن أُعطي عطاءً، وله مال يَقْدِرُ على المجازاة، فيستحب أنْ يكافِئ به قدر ذلك، أو أكثر، وإنْ لم يكن له مال يُستحب أنْ يدعو له، ويُثني عليه، ويتحدَّث به؛ شكرًا لنعمته، فإنَّه واسطة، وإنْ لم يجازه بمالٍ، ولم يدعُ له، ولم يتحدَّث به، كان كمَن كَفَرَ تلك النعمة.
(و) فيه: أنَّ الرَّجل إنْ لم يُعطَ شيئًا لا يُظهِر أنَّه قد أُعطي شيئًا، ولا يتزين بذلك؛ فإنَّه خداع، وإنْ أُعطي شيئًا فلا يُظهِر أكثر مما أُعطي تصنعًا وخداعًا.
(و) قال العلماء: فيه أنَّ الرَّجل لا يُظهر من نفسه أنَّه عالم، ولا يكون كذلك، أو زاهد ولا يكون كذلك، أو مرشد ولا يكون كذلك، فإنَّه يكون كاذبًا مزوَّرًا، كلابِس ثوبَي زور.
وورد في الصِّحاح أنَّ امرأة قالت: يا رسول الله، إنَّ لي ضرة، فهل عليَّ جُناح إنْ تشبَّعت مِن زوجي غير الذي يُعطيني؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «المتَشَبِّع بما لم يُعْطَ كلابس ثوبَي زور». الأزهار مخطوط لوح (290).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
وفيه من الحمد معنى قوله: «الحمد رأس الشُّكر، ما شَكَرَ الله عبد لم يحمد الله». الكاشف عن حقائق السنن (7/ 2230)


ابلاغ عن خطا