«ماءُ زَمْزَمَ لما شُرِبَ له».
رواه أحمد برقم: (14849)، وابن ماجه برقم: (3062)، وابن أبي شيبة برقم: (14137)، من حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-.
صحيح الجامع برقم: (5502)، صحيح الترغيب والترهيب برقم: (1165).
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«زَمْزَم»:
بزاءين، وفتْحِهِما، وإسكان الميم بينهما، وهي بئر في المسجد الحرام، بينها وبين الكعبة -زادها الله تعالى شرفًا- ثمان وثلاثون ذراعًا، قيل: سُميت زَمْزَم لكثرة مائها، يقال: ماء زَمْزَمٌ وزَمْزُوم بانتساخ إذا كان كثيرًا، وقيل: لضمِّ هاجر -عليها السلام- لِمَائِهَا حين انفجرت، وزَمِّها إياها، وقيل: لزَمْزَمَةِ جبريل وكلامه، وقيل: إنه غير مشتق. تهذيب الأسماء واللغات، للنووي (3/ 138-139).
شرح الحديث
قوله: «ماءُ زَمْزَمَ»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«ماءُ زمزم» الذي هو سيِّد المياه وأشرفها، وأجلُّها قدرًا، وأحبُّها إلى النفوس، وهَزْمَة (الغمزة بالعَقِب في الأرض) جبرائيل، وسُقيا إسماعيل. فيض القدير (5/ 404).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
عن مجاهد: إنَّما سُميت زمزم لأنها مُشتقة من الهَزْمَة، والهَزْمَة: الغَمْزُ بالعَقِبِ في الأرض، أخرجه الفاكهي بإسناد صحيح عنه.
وقيل: لحركتها، قاله الحربي.
وقيل: لأنها زُمَّت بالتراب؛ لئلا تَأخذ يمينًا وشمالًا. فتح الباري (3/ 493).
وقال السهيلي -رحمه الله-:
كانت زمزم سُقيا إسماعيل -عليه السلام- فجَّرها له روحُ القُدُس بعِقِبِه، وفي تفجيره إياها بالعَقِب دون أنْ يفجَّرها باليد أو غيره، إشارة إلى أنَّها لِعَقِبِهِ وورّاثه وهو محمد -صلى الله عليه وسلم- وأمَّته، كما قال سبحانه: {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيةً فِي عَقِبِهِ} الزخرف 43، أي: في أمَّة محمد -عليه السلام-. الروض الأنف (2/ 66).
وقال الزمخشري -رحمه الله-:
زمزم هَزْمَة جبريل، أَنْبَطَها (استخرج ماءها) مرتين، مرة لآدم، فلم تزل كذلك حتى انقطعت عند طوفان نوح، ومرة لإسماعيل. ربيع الأبرار (1/ 36).
وقال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
دَفَنَتْهَا جُرْهُم عند نَفْيِهِم من مكة، فاندرس موضعُها، فمَنَحَها الله عبد المطلب، فحَفَرَها بعد أنْ بيَّنها اللهُ له في المنام بعلامات، ولم تزل ظاهرة إلى الآن. المنهل الحديث (2/ 195).
وقال الأزرقي -رحمه الله-:
عن العباس بن عبد المطلب قال: «تَنَافَسَ الناس في زمزم في الجاهلية حتى إنْ كان أهل العيال يَغْدُون بعيالهم، فيشربون منها، فتكون صبوحًا لهم، وقد كُنا نعدُّها عونًا على العيال». أخبار مكة (2/ 241).
وقال الأزرقي -رحمه الله- أيضًا:
كان ذَرْع زمزم من أعلاها إلى أسفلها: ستين ذراعًا، وفي قعْرِها ثلاث عيون: عين حذاء الركن الأسود، وعين حذاء أبي قبيس والصفا، وعين حذاء المروة. أخبار مكة (2/ 282).
قوله: «لما شُرِبَ له»:
قال النووي -رحمه الله-:
«لما شُرِبَ له» معناه: مَن شَرِبَه لحاجة نالها، وقد جرَّبه العلماء والصالحون لحاجاتٍ أُخروية ودنيوية، فنالوها بحمد الله تعالى وفضله.
وفي الصحيح عن أبي ذر الغفاري -رضي الله تعالى عنه-: أنَّه أقام شهرًا بمكة، لا قوتَ له إلا ماء زمزم، وفضائلها أكثر من أنْ تُحصر، والله تعالى أعلم. تهذيب الأسماء واللغات (3/ 139).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«لما شُرِبَ له» عامٌّ في كل ما نواه شاربُه لِدَفْعِهِ أو جَلْبِهِ. التنوير (9/ 317).
وقال المناوي -رحمه الله-:
لأنه سقيا الله، وغِيَاثه لولد خليله، فبقي غياثًا لمن بعده، فمَن شربه بإخلاص وجد ذلك الغوث، وقد شربه جمع من العلماء لمطالب فنالوها. فيض القدير (5/ 404).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
قال مجاهد: إنْ شربتَه تريد الشفاء شفاك الله، وإنْ شربته تريد أنْ تقطع ظمأك قطعه الله، وإنْ شربته تريد أنْ يُشبعك أشبعك الله...، وقال وهب بن مُنبه: تجدها في كتاب الله (لعله أراد الكتب السابقة) -يعني: زمزم- شراب الأبرار، وطعام طُعْمٍ، وشفاء مِن سُقْمٍ، ولا تُنْزَحُ ولا تُذَمُّ، مَن شرب منها حتى يتضلَّع أحدثت له شفاء، وأخرجت منه داء. شرح صحيح البخاري (4/ 316).
وقال ابن القيم -رحمه الله-:
قد جربتُ أنا وغيري من الاستشفاء بماء زمزم أمورًا عجيبة، واستشفيتُ به من عدة أمراض، فَبَرِئْتُ بإذن الله، وشاهدتُ مَن يتغذَّى به الأيام ذوات العدد قريبًا من نصف الشهر أو أكثر، ولا يجد جوعًا، ويطوف مع الناس كأحدهم، وأخبرني أنه ربما بقي عليه أربعين يومًا، وكان له قوة يجامع بها أهله، ويصوم ويطوف مرارًا. زاد المعاد (4/ 361).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
قد شَرِبَه العلماء لمقاصد، كالشافعي والخطيب البغدادي، وغيرهما، لمقاصد نالوها، والحمد لله. التوضيح (11/ 457).
وقال الذهبي -رحمه الله-:
قال أبو بكر محمد بن جعفر: سمعتُ ابن خزيمة، وسُئل: من أين أُوتيت هذا العلم؟
فقال: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: «ماء زمزم لِمَا شُرب له» وإنِّي لما شربتُ ماء زمزم، سألتُ اللهَ علمًا نافعًا. تذكرة الحفاظ (2/ 208).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
وكذلك يكون (أي: ماء زمزم) إلى يوم القيامة لمن صحَّت نيَّته، وسلمت طَوِيَّتُه، ولم يكن به مكذبًا، ولا شَرِبَه مجرِّبًا؛ فإنَّ الله مع المتوكلين، وهو يفضح المجرِّبين.
ولقد كنتُ بمكة مقيمًا في ذي الحجة، سنة تسع وثمانين وأربعمائة، وكنتُ أشرب ماء زمزم كثيرًا، وكُلما شربته نويتُ به العلم والإيمان، حتى فتح الله لي بركته في المقدار الذي يسره لي من العلم، ونسيتُ أنْ أشربه للعمل؛ ويا ليتني شربته لهما، حتى يفتح الله عليَّ فيهما، ولم يقدر؛ فكان صَغْوِي (أي مَيْلِي) إلى العلم أكثر منه إلى العمل، ونسأل الله الحفظ والتوفيق برحمته. أحكام القرآن (3/ 98).
وقال الذهبي -رحمه الله-:
قال أبو حازم عمر بن أحمد العبدوي الحافظ: سمعتُ الحاكم أبا عبد الله إمام أهل الحديث في عصره يقول: شربتُ ماء زمزم، وسألتُ الله أنْ يرزقني حسن التصنيف. سير أعلام النبلاء (17/ 171).
وقال السيوطي -رحمه الله-:
حُكي أنَّه (أي: الحافظ ابن حجر) شرب ماء زمزم؛ ليصل إلى مرتبة الذهبي في الحفظ، فبلغها، وزاد عليها. ذيل طبقات الحفاظ (ص: 251).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
إنَّها تَظهر بركتُها على مَن صحَّ صِدْقُه، وحَسُنَت فيها نيته، كما قد روى العقيلي أبو جعفر من حديث أبي الزبير عن جابر أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «ماء زمزم لما شُرِبَ له».
فينبغي أنْ يَتبرك بها، ويحسن النية في شربها، ويَحمل من مائها، فقد روى الترمذي عن عائشة -رضي الله عنها- أنها كانت تحمل من ماء زمزم، وتخبر أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يحمله، قال: حديث حسن غريب. المفهم (6/ 398).
وقال ابن القيم -رحمه الله-:
في سنن ابن ماجه من حديث جابر بن عبد الله عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «ماء زمزم لِمَا شُرب له» وقد ضعَّف هذا الحديث طائفة بعبد الله بن المؤمل راويه عن محمد بن المنكدر، وقد روينا عن عبد الله بن المبارك أنه لما حجَّ أتى زمزم، فقال: اللهم إنَّ ابن أبي الموالي حدثنا عن محمد بن المنكدر، عن جابر -رضي الله عنه- عن نبيك -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «ماء زمزم لما شرب له» وإنِّي أشربه لظمأ يوم القيامة، وابن أبي الموالي ثقة، فالحديث إذًا حسن، وقد صحَّحه بعضهم، وجعله بعضهم موضوعًا، وكلا القولين فيه مجازفة. زاد المعاد (4/ 360-361).
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
فيه: دليل على أنَّ ماء زمزم ينفع الشارب لأي أمرٍ شَرِبَه لأجله، سواء كان من أمور الدنيا أو الآخرة؛ لأن (ما) في قوله: «لما شُرِبَ له» من صيغ العموم. نيل الأوطار (5/ 105).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
الحاصل: أنَّ زمزم ماء مبارك، طعام وطُعم، وشفاء سُقم، وماء زمزم لِمَا شُرب له: إنْ شربتَه لعطش روِيت، وإنْ شربتَه لجوع شبعت، حتى إن بعض العلماء أخذ من عموم هذا الحديث: أنَّ الإنسان إذا كان مريضًا وشربه للشفاء شُفي، وإذا كان كثير النسيان وشرِبَه للحفظ صار حافظًا، وإذا شربه لأي غرض ينفعه، فعلى كل حال هذا الماء ماء مبارك. شرح رياض الصالحين (4/ 253).