«ما مِن يومٍ يُصْبِحُ العبادُ فيه إلَّا ملكانِ يَنْزِلاَنِ، فيقولُ أحدُهُمَا: اللَّهمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، ويقولُ الآخرُ: اللَّهمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا».
رواه البخاري برقم: (1442)، ومسلم برقم: (1010)، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«خَلَفًا»:
أي: عِوَضًا. النهاية، لابن الأثير (2/ 66).
«تَلَفًا»:
التَّلَفُ: عَطَبٌ وهلاكٌ في كل شيء. العين، للخليل (8/ 120).
شرح الحديث
قوله: «ما من يوم يُصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان»:
قال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: «ما من يوم» «ما» بمعنى: ليس، و«يوم» اسمه، و«من» زائدة، و«يصبح العباد» صفة «يوم» و«ملكان» مُستثنى من متعلّق محذوف هو خبر «ما» المعنى: ليس يوم موصوف بهذا الوصف ينزل فيه أحد إلا ملكان يقولان: كيت وكيت، فحذف المستثنى منه، ودل عليه بوصف الملكين بـ«ينزلان»، ونظيره في مجيء الموصوف مع الصفة بعد إلا في الاستثناء المفرغ: قولك: ما اخترتُ إلا رفيقًا منكم، التقدير: ما اخترتُ منكم أحدًا إلا رفيقًا. الكاشف عن حقائق السنن (5/ 1523).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«ما من يوم» (ما) نافية، و(من) زائدة لتأكيد الاستغراق، والمعنى: ليس يوم «يصبح العباد فيه» صفة يوم «إلا ملكان» مبتدأ خبره، «ينزلان» أي: فيه، وهذه الجملة مع ما يتعلق بها في محل الخبر، وهو مستثنى من محذوف، أي: على وجه إلا هذا الوجه. مرقاة المفاتيح (4/ 1319).
وقال الكرماني -رحمه الله-:
قوله: «إلا ملكان» فإنْ قلتَ: ما المستثنى؟
قلتُ: خبر «ما» محذوف، وهو مفعول (أحد) أي: ليس يوم موصوف بكذا، ينزل أحد إلا ملكان، فحذف المستثنى منه بقرينة دلالة وصف الملكين عليه. الكواكب الدراري (7/ 205).
قال البرماوي -رحمه الله-:
«إلا ملكان» استثناء، وخبر «ما» محذوف، أي: لا ينزل فيه أحد إلا ملكان، أي: ليس يوم موصوف بكذا ينزل أحد فيه إلا ملكان، فإنهما ينزلان. اللامع الصبيح (5/ 388، 389).
وقال الأردبيلي -رحمه الله-:
قيل: المراد بالملكين: الحافظان لأعمال العباد، وقيل: غيرهما، ينزلان إلى السماء الدنيا، و«ما من يومٍ» يعُم ولا يُخصص. الأزهار شرح مصابيح السنة مخطوط لوح (209).
وقال الكوراني -رحمه الله-:
«يصبح العباد فيه» أي: إلى يوم القيامة. الكوثر الجاري (3/ 439).
قوله: «فيقول أحدهما: اللهم أَعْطِ مُنفِّقًا خَلَفًا»:
قال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«اللَّهمَّ أَعْطِ» بقطع الهمزة من الإعطاء رباعيًّا، «مُنْفِقًا» أي: منفق مالٍ، «خَلَفًا» بفتح اللام، أي: عِوَضًا عظيمًا، وهو العوض الصالح، أو عِوَضًا في الدنيا، وبدلًا في العقبى. البحر المحيط الثجاج (19/ 354).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
«منفقًا» أي: منفق مال، وقيل: أي من يُنفق من محلِّه في محلِّه. مرعاة المفاتيح (6/ 283).
وقال الأردبيلي -رحمه الله-:
«منفقًا» يعني: في الخير دون الشر، «خَلَفًا» بفتح اللام، أي: عِوضًا وبدلًا حسنًا؛ لأن الخَلْفَ هو الولد الصالح. الأزهار شرح مصابيح السنة مخطوط لوح (209).
قال الكرماني -رحمه الله-:
قوله: «خَلَفًا» أي: عِوضًا، يقال: أخلف الله عليك، أي: أبدلك بما ذهب منك. الكواكب الدراري (7/ 205).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
قوله: «اللهم أعطِ مُنفِّقًا خَلَفًا» هو موافق في المعنى لقوله تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ} سبأ: 39، وهذا يعم الواجبات والمندوبات. المفهم (3/ 55).
وقال المظهري -رحمه الله-:
«الخَلَف» بفتح اللام: العِوَض الصالح، يعني: اللهم أعطِ مَن صَرَفَ ماله في الخيرات، ولم يُمسكه عِوَضًا، وكثِّر مَالَه. المفاتيح (2/ 522، 523).
وقال الكرماني -رحمه الله-:
«خَلَفًا» أي: عِوضًا، يُقال: أَخْلَفَ الله عليك، أي: أبدلك بما ذهب منك. الكواكب الدراري (7/ 205).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«منفقًا خَلَفًا» أي: عِوضًا صالحًا. شرح المصابيح (2/ 452).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
«اللهم أعطِ» بقطع همزة أعطِ، «مُنفِّقًا» مالَه في طاعتك «خَلَفًا» بفتح اللام، أي: عِوضًا، كقوله تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ} سبأ: 39، وقوله: «ابن آدم أَنْفِقْ أُنْفِقْ عليك». إرشاد الساري (3/ 37).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«خَلَفًا» أي: عِوضًا عظيمًا، وهو العِوَض الصالح، أو عِوضًا في الدنيا، وبدلًا في العقبى؛ لقوله تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ} سبأ: 39. مرقاة المفاتيح (4/ 1319).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
«خَلَفًا» أي: مالًا عِوضًا مما أنفق، ويجوز أن يكون المراد أعم من المال والولد، فكأنه ببركة الإنفاق يُبارك في المال والأولاد، والخَلْفُ: ما استخلفت من شيء والولد الصالح. لمعات التنقيح (4/ 320).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«منفقًا خَلَفًا» أي: عِوضًا عن نفقته. التحبير (6/ 401).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
وأما الخَلَفُ فإبهامه أَوْلى؛ ليتناول المال والثواب وغيرهما، فكم مِن مُنفقٍ مات قبل أن يقع له الخَلَفُ المالي، فيكون خلفه الثواب المعدُّ له في الآخرة، أو يدفع عنه من السوء ما يُقابل ذلك. فتح الباري (3/ 305).
قوله: «ويقول الآخر: اللهم أَعطِ ممسكًا تَلَفًا»:
قال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
قوله: «اللهم أعطِ ممسكًا تلفًا» يعني: الْمُمسِك عن النفقات الواجبات، وأما الممسك عن المندوبات فقد لا يستحق هذا الدعاء، اللهم إلا أنْ يغلب عليه البخل بها، وإن قلَّت في أنفسها، كالحبَّة واللقمة، وما شاكل هذا، فهذا قد يتناوله هذا الدعاء؛ لأنه إنما يكون كذلك لغلبة صفة البخل المذمومة عليه، وقلَّ ما يكون كذلك إلا ويبخل بكثير من الواجبات، أو لا يطيب نفسًا بها، والله تعالى أعلم. المفهم (3/ 55).
وقال الأردبيلي -رحمه الله-:
قوله: «ممسكًا» يعني: عن الخير، دون الشر، والتَّلف: الهلاك والانعجاف، ولفظ الإعطاء فيه سُخرية، كقوله: {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} آل عمران: 21 ، وقيل: للحقيقة؛ لأن إتلاف ماله عطاء للآخر، وقطع لمادة المعصية. الأزهار شرح مصابيح السنة مخطوط لوح (209).
وقال الكرماني -رحمه الله-:
وأما «أعطِ» الثاني فهو مُشاكِل للأول؛ إذ التلف لا يُعطى. الكواكب الدراري (7/ 205).
وقال العيني -رحمه الله-:
قوله: «أعط ممسكًا تَلَفًا» التعبير بالعطية هنا من قبيل المشاكلة؛ لأن التلف ليس بعطية...، وفيه: أنَّ الممسك يستحق تلف ماله. عمدة القاري (8/ 307).
وقال الكشميري -رحمه الله-:
قوله: «اللهم أعطِ ممسكًا تلفًا» أي: اجعل التلف في ماله، فلا يحصل له غير النقصان. فيض الباري(3/ 111).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
«تلفًا» بفتح اللام، أي: هلاكًا وضياعًا. مرعاة المفاتيح (6/ 283).
وقال الكوراني -رحمه الله-:
«ممسكًا تلفًا» أي: هلاك المال، وهذان الملكان نزولهما بإذن الله، ومقالتهما كذلك، فكيف لا يستجاب لهما منهما؟ بل هذا مشاهَد محسوس؛ فإن المنفق دائمًا مرزوق، والممسِك محروم، ومصداقه الآية الكريمة: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ} سبأ: 39. الكوثر الجاري (3/ 439، 440).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
«ويقول»: الْمَلَكُ «الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا» زاد ابن أبي حاتم من طريق قتادة عن أبي الدرداء: «فأنزل الله تعالى في ذلك: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} إلى قوله: {لِلْعُسْرَى}» الليل: 5- 10. إرشاد الساري (3/ 37).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
والتَّلَف: تلف المال، أو أعم كما في الخلف. لمعات التنقيح (4/ 320).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
«تَلَفًا» لماله حسيًّا ومعنويًّا، بألا ينتفع به بصرفه في خير، بل لا يزال ممسكًا له إلى أن يموت عنه، فتكوى به جبهته وجنبه وظهره، ويأخذه من لا يَحْمَده، بل قد يلعنه. فتح الإله (6/318-319).
وقال السندي -رحمه الله-:
قوله: «أعط ممسكًا تلفًا» حمله الجمهور على ضياع ماله، وحمله ابن عربي الصوفي على توفيق الصدقة (وهو حمل بعيد)، والله تعالى أعلم. حاشية السندي على صحيح البخارى (1/ 207).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
أفاد حديث أبي هريرة: أنَّ الكلام المذكور موزعٌ بينهما (أي: الملكين)، فنُسب إليهما في حديث أبي الدرداء نسبة المجموع إلى المجموع، وتضمنت الآية الوعد بالتيسير لمن ينفق في وجوه البر، والوعيد بالتعسير لعكسه، والتيسير المذكور أعم من أن يكون لأحوال الدنيا أو لأحوال الآخرة، وكذا دعاء الملَك بالخَلَف يحتمل الأمرين، وأما الدعاء بالتَّلَف فيحتمل تلف ذلك المال بعينه، أو تلف نفس صاحب المال، والمراد به فوات أعمال البر بالتشاغل بغيرها. فتح الباري (3/ 305).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
والتلف نوعان: تلف حسي، وتلف معنوي:
1- التلف الحسي: أن يتلف المال نفسه، بأن يأتيه آفة تحرقه أو يُسرق أو ما أشبه ذلك.
2- والتلف المعنوي: أن تُنزع بركته، بحيث لا يستفيد الإنسان منه في حسناته. شرح رياض الصالحين (3/ 402).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
فأما إمساكه عن الواجبات فشرٌّ على كل حال، وإمساكه عن المندوب إليه، فقد يقال: فيه شرٌّ بالنسبة إلى ما فوَّت الممسك على نفسه من الخير. المفهم (3/ 82).
وقال النووي -رحمه الله-:
إن أمسك عن الواجب استحق العقاب عليه، وإنْ أمسك عن المندوب فقد نقص ثوابه، وفوَّت مصلحة نفسه في آخرته، وهذا كله شر. شرح صحيح مسلم (7/ 127).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
لا لوم عليك على إمساك كفاف، وهو ما كفَّ من الرزق عن مسألة الخَلْق، تكفُّ به وجهك عن الناس، وإنْ حفظتَ أكثر من ذلك، ولم تتصدق بما فضل عنه فأنت بخيل، والبخل مذموم. شرح المصابيح (2/ 453).
وقال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
المراد بالإمساك: عدم الإنفاق المشروع. فتح المنعم (4/ 340).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
والمراد بذلك: من يمسك عما أوجب الله عليه من بذل المال فيه، وليس كل ممسك يُدعى عليه، بل الذي يمسك ماله عن إنفاقه فيما أوجب الله، فهو الذي تدعو عليه الملائكة بأن الله يتلفه، ويتلف ماله. شرح رياض الصالحين (3/ 402).
وقال الشيخ فيصل ابن المبارك -رحمه الله-:
أبهم الخَلَف في هذا الحديث؛ ليتناول المال والثواب وغيرهما، والتَّلَف يتناول ذلك المال بعينه، أو تلف نفس صاحب المال. تطريز رياض الصالحين (ص: 211).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
معنى هذا الحديث: الحض على الإنفاق في الواجبات، كالنفقة على الأهل وصلة الرحم، ويدخل فيه صدقة التطوع والفرض، ومعلوم أن دعاء الملائكة مجاب، بدليل قوله: «فمَن وَافَقَ تأمينُه تأمين الملائكة غُفر له ما تقدم من ذنبه»، ومصداق الحديث قوله تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ} سبأ: 39، يعني: ما أنفقتم في طاعة الله، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: «ابن آدم، أَنْفِقْ أُنْفِقْ عليك». شرح صحيح البخاري (3/ 439).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
هذا -والله أعلم- في الإنفاق في الواجبات والمندوبات، والحقوق المتعيِّنة في المال، والإنفاق بالمعروف، ويصدِّقه قوله تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ} سبأ: 39، وقوله: {وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} الإسراء: 29، وقوله -عليه السلام- للذي أراد الصدقة بجميع ماله: «أَمْسِكْ عليك بعضه فهو خير لك».
وفيه: الحض على الإنفاق، ورجاء قبول دعوة الملائكة. إكمال المعلم (3/ 531).
وقال السندي -رحمه الله-:
لا يُقال: لا فائدة في قولهما (أي: الملكين) هذا على تقدير عدم سماع الناس ذلك؛ إذ لا يترتب عليه ترغيب ولا ترهيب بلا سماع؛ لأنا نقول: تبليغ الصادق يقوم مقام السماع، فينبغي للعاقل أنْ يُلاحظ كل يوم هذا الدعاء، بحيث كأنه يسمعه من الملكين، فيفعل بسبب ذلك ما لو سمعه من الملكين لفعل، وهذا هو فائدة إخبار النبي -صلى الله تعالى عليه وسلم- بذلك، على أن المقصود بالذات الدعاء لهذا، وعلى هذا سواء علموا به أم لا. حاشية السندي على صحيح البخارى (1/ 207).
وقال ابن هبيرة -رحمه الله-:
في هذا الحديث من الفقه: أنَّ الله -سبحانه وتعالى- خلق مَلَكين، وجعل شغلهما الذي خلقهما لأجله أن يدعُوَا اللهَ -سبحانه وتعالى- بأن يُخْلِفَ على المنفق، ويُتْلِفَ على الممسك، وأن يكون ذلك هِجِّيْرَاهُما (عادتهما ودأبهما) صباحًا ومساءً، وهو سبحانه كان غنيًّا عن أن يسأل في هذا، ولكنه أعلمنا على لسان رسوله -صلى الله عليه وسلم- أنه سبق مني خَلْقُ ملكين، يواصلان السؤال لهذا وأنا لا أرد، فحذَّر الممسكين وبشَّر المنفقين. الإفصاح (6/ 255).
وقال ابن هبيرة -رحمه الله- أيضًا:
فيا أهل الإنفاق، لا تظنوا أن ما أعطيتم كان من شيء يَقبل النقص، فيُمسك أحدكم عن إنفاقه، فإنه بقدر ما يُنْفِقُ يُنْفَقُ عليه، لا أن يُوكِئَ (الوِكَاءُ: رباط الشيء) فحينئذٍ يُوكَأُ عليه؛ لأنه حَبَسَ مَسِيل العطاء مِن باب خَرْجِه فانحبس من باب دَخْلِهِ، ولو لم يمسكه ها هنا لما أمسك عليه من هناك، وإنما أمسك عنه الفضل من حيث إنه مَنَعَ الإنفاق، وأن الله سبحانه بحُبِّه للإنفاق يبعث الفضل إلى من ينفقه، لا إلى من يمسكه. الإفصاح (7/ 258، 259).
وقال النووي -رحمه الله-:
قال العلماء: هذا (الحديث) في الإنفاق في الطاعات ومكارم الأخلاق، وعلى العيال والضيفان، والصدقات، ونحو ذلك، بحيث لا يُذم، ولا يُسمَّى سَرَفًا، والإمساك المذموم هو الإمساك عن هذا. شرح صحيح مسلم (7/ 95).
وقال الأردبيلي -رحمه الله-:
فيه: وعد بالعِوض في الدنيا، والأجر في الآخرة، ووعيد بالتلف في الدنيا، وعقوبة في الآخرة، وهذا يرجع إلى السخرية دون الحقيقة. الأزهار شرح مصابيح السنة مخطوط لوح (209).
وقال الشيخ فيصل بن مبارك -رحمه الله-:
فيه: الحض على الإنفاق، ورجاء قبول دعوة الملَك. تطريز رياض الصالحين (ص: 363).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
في فوائده (أي: هذا الحديث):
1. منها: أنه موافق لقوله تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ} الآية، سبأ: 39، ولقوله: «ابن آدم أَنْفِق أُنْفِق عليك»، وهذا يعم الواجب والمندوب.
2. ومنها: بيان أنَّ الممسك يستحقّ تَلَفَ ماله، ويراد به الإمساك عن الواجبات دون المندوبات، فإنه قد لا يستحقّ هذا الدعاء، اللهم إلَّا أن يَغلب عليه البخل بها، وإن قَلّت في نفسها، كالحبة واللقمة ونحوهما، فهذا قد يتناوله هذا الدعاء؛ لأنه إنما يكون كذلك لغلبة صفة البخل المذمومة عليه، وقلَّما يكون كذلك إلا ويبخل بكثير من الواجبات، أو لا يطيبُ نفسًا بها...
3. ومنها: أن فيه الحضَّ على الإنفاق في الواجبات، كالنفقة على الأهل، وصلة الرحم، ويدخل فيه صدقة التطوع والفرض.
4. ومنها: أنَّ فيه دعاء الملائكة، ومعلوم أنه مجاب، بدليل قوله -صلى الله عليه وسلم-: «من وافق تأمينُه تأمين الملائكة غُفِر له ما تقدم من ذنبه». البحر المحيط الثجاج (19/ 356-357).