الأحد 21 شوّال 1446 هـ | 20-04-2025 م

A a

«مَن ثابَرَ على ثنْتَيْ عشرةَ ركعةً مِن السُّنةِ بَنَى الله له بيتًا في الجنة: أربعِ ركعاتٍ قبل الظهرِ، وركعتين بعدها، وركعتين بعدَ المغرب، وركعتين بعدَ العشاءِ، وركعتين قبل الفجرِ».


رواه الترمذي برقم: (414)، والنسائي برقم: (1794)، وابن ماجه برقم: (1140)، من حديث عائشة -رضي الله عنها-.
صحيح الجامع برقم: (6183)، صحيح الترغيب والترهيب برقم: (580).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«ثَابَرَ»:
‌ثَابَرَ على الأمر مثابرة: داوَمَ عليه. أساس البلاغة، للزمخشري (1/ 104).
وقال نشوان الحميري -رحمه الله-:
المثابرة: المداومة والملازمة، يقال: ‌ثابر على الشيء. شمس العلوم (2/ 814).


شرح الحديث


قوله: «مَن ثَابَرَ على ثنتي عشرةَ ركعةً مِن السُّنةِ»:
قال السيوطي -رحمه الله-:
«‌مَن ‌ثَابَرَ» بمثلثة، وبعد الألف موحدة، وراء، أي: واظَبَ ولازَمَ. قوت المغتذي (1/ 196).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«‌مَن ‌ثَابَرَ» أي: واظَبَ وداوَمَ ولازَمَ «على» فعل «ثنتي عشرة ركعة من السُّنة» أي: من النوافل. مرشد ذوي الحجا والحاجة (7/ 179).

قوله: «بَنَى اللهُ له بيتًا في الجنةِ»:
قال الفيومي -رحمه الله-:
والمراد بالبيت: القَصْر. فتح القريب المجيب (4/ 123).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«‌بنى ‌اللهُ ‌له ‌بيتًا» أي: عظيمًا مشتملًا على أنواع النعم. مرقاة المفاتيح (3/ 895).
وقال محمود السبكي -رحمه الله-:
قوله: «بنى له بهن بيت في الجنة» يعنى: جعل الله له بسبب هذه الركعات بيتًا في الجنة. ومحله إذا كانت فرائضه تامة أما إذا كانت ناقصة فتكمل من تطوعه. المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود (7/ 134).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
والظاهر: أنَّ محل هذا فيما إذا كانت فرائضه تامّة، أما إذا كانت ناقصة فتكمِّل من تطوعه. البحر المحيط الثجاج (15/ 410).

قوله: «أربعِ ركعاتٍ قبلَ الظهرِ، وركعتينِ بعدَها»:
قال الكرماني -رحمه الله-:
«بعدها» أي: بعد صلاة الظهر. الكواكب الدراري (7/ 6).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
«أربعًا» بدل تفصيل، «قبل الظهر» فيه دلالة على أنَّ السُّنة الراتبة المؤكدة قبل الظهر أربع ركعات، وإليه ذهبت الحنفية، وقال الشافعي وأحمد: الراتبة قبل الظهر ركعتان، واستدل لهما بحديث ابن عمر («صليتُ مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ركعتين قبل الظهر وركعتين بعدها»). مرعاة المفاتيح (4/ 129).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله- أيضًا:
«وركعتين بعدها» فيه أنَّ السُّنة بعد الظهر ركعتان. مرعاة المفاتيح (4/ 129).
وقال السندي -رحمه الله-:
قوله: «أربع قبل الظهر» المتبادر منه أنها بسلامٍ واحدٍ، ويحتمل كونها بسلامين، والأقرب أنَّ إطلاقها يشمل القسمين. كفاية الحاجة (1/ 350).
وقال المحاملي الشافعي -رحمه الله-:
ويصلي قبل الظهر أربع ركعات بتسليمتين. اللباب (ص: 135).
وقال البغوي -رحمه الله-:
وإذا صلى قبل ‌الظهر، أو قبل العصر أربعًا يفصِل بين كل ركعتين بالتسليم؛ لما روي عن علي قال: «كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي قبل العصر أربع ركعات، يفصِل بينهن بالتسليم على الملائكة المقربين، ومن تبعهم من المسلمين المؤمنين».
وقال الثوري وأبو حنيفة: تطوُّعات الليل أربعًا أربعًا أفضل، ويصلي قبل ‌الظهر والعصر أربعًا ‌بتسليمة ‌واحدة. التهذيب (2/ 226).
وقال المرغيناني الحنفي -رحمه الله-:
والأربع قبل ‌الظُّهر ‌بتسليمة ‌واحدة عندنا، كذا قاله رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وفيه خلاف للشافعي. الهداية (1/ 67).
وقال ابن مازه البخاري -رحمه الله-:
والتطوع قبل ‌الظهر أربع ركعات لا فصل بينهن إلا بالتشهد، يريد به أنه يصليها ‌بتسليمة ‌واحدة وتحريمة واحدة، ولو أداها بتحريمتين لا يكون معتدًا بها عندنا (الأحناف). المحيط البرهاني (1/ 444).
وقال ابن فرْح -رحمه الله-:
وسنن الصلاة مثاني، وقال أبو حنيفة في سُنة ‌الظهر والعصر: الأفضل فيهما أربع ‌بتسليمة ‌واحدة. مختصر خلافيات البيهقي (2/ 287).
وقال العيني -رحمه الله-:
اختُلف في الأربع التي قبل ‌الظُّهر هل هي بتسليمة واحدة أم بتسليمتين؟ فعندنا (الحنفية) بتسليمة واحدة، وعند الشافعي بتسليمتين. شرح سنن أبي داود (5/ 160).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
اختلفت الأحاديث في التنفُّل قبل الظهر، وفي حديث ابن عمر: «أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ركع ركعتين قبل الظهر»، وفي حديث عائشة: «أنه ركع أربعًا»، وقد روى مثل حديث عائشة أبو إسحاق الهمداني، عن عمرو بن أوس، عن عنبسة بن أبي سيفان، عن أم حبيبة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكان جماعة من السلف يفعلون ذلك، وروي عن ابن مسعود وابن عمر والبراء وأبي أيوب أنهم كانوا يصلُّون قبل الظهر، وعن ابن المسيب مثله، وقال إبراهيم (النخعي): من السُّنة أربع قبل الظهر، وركعتان بعد الظهر ببيته، وروي من حديث البراء مثل حديث ابن عمر، رواه الليث، عن صفوان بن سليم، عن أبي بسرة الغفاري، عن البراء قال: «سافرتُ مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ثمان عشرة سفرة، وكان لا يدع ركعتين قبل الظهر»، وقال الطبري: والصواب أن يقال: كِلا الخبرين في عدد صلاته قبل الظهر صحيح، وهو أنه إنما يكون من روى عنه أربعًا رآه يفعل ذلك في كثير من أحواله، ورآه ابن عمر وغيره يصلي ركعتين في بعض الأحوال، فرووا عنه ذلك، وإذا كان ذلك كذلك فللمرء أن يصلي قبل الظهر ما يشاء؛ لأن ذلك تطوع، وقد ندب الله المؤمنين إلى التقرب إليه بما أطاقوا من فعل الخير، والصلاة بعد الزوال وقبل الظهر كانت تعدل بصلاة الليل في الفضل، رُوي هذا عن جماعة من السلف. شرح صحيح البخاري (3/ 173، 174).
قوله: «وركعتينِ بعدَ المغربِ».
قال القسطلاني -رحمه الله-:
«وركعتين بعد» صلاة «المغرب». إرشاد الساري (2/ 339).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
وأما ‌الركعتان ‌بعد المغرب فاختار العلماء أنْ تكون في البيت. المسالك (3/ 172).
وقال المظهري -رحمه الله-:
السنة الراتبة بعد المغرب ركعتان، وما زاد عليهما سُنة غير راتبة. المفاتيح (2/ 255).

قوله: «وركعتينِ بعدَ العشاءِ»:
قال العيني -رحمه الله-:
وأما ‌سُنة ‌العشاء، وهما الركعتان بعدها، فمن السنن المؤكدة. عمدة القاري (6/ 251).
وقال الشيخ فيصل ابن المبارك -رحمه الله-:
الركعتان بعد ‌العشاء من السنن ‌الرواتب المؤكدة، واللتان قبلها من السنن المستحبات. تطريز رياض الصالحين (ص:645).

قوله: «‌وركعتينِ ‌قبلَ ‌الفجرِ»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
وكلها مؤكدة، وآخره آكدها، حتى قيل: بوجوبها. مرقاة المفاتيح (3/ 889).
وقال الحصكفي الحنفي -رحمه الله-:
والسنن آكدها ‌سُنة ‌الفجر ‌اتفاقًا، ثم الأربع قبل الظهر في الأصح؛ لحديث: «مَن تركها لم تنله شفاعتي»، ثم الكل سواء. الدر المختار (ص:91).
وقال البغوي -رحمه الله-:
أوكد التطوعات الوتر، ثم ركعتا الفجر، قال الشافعي: مَن ترك واحدة منهما كان أسوأ حالًا ممن ترك جميع النوافل، ثم بعدهما سائر سنن الرواتب، سواء في الوكادة. شرح السنة(4/ 105).
وقال الماوردي -رحمه الله-:
فأما النوافل التي سُنَّ فعلها منفردًا، فأوكدها صلاتان: الوتر وركعتا الفجر. وفي أيّهما أوكد قولان:
الأول: وهو قوله في القديم، أن ركعتي الفجر أوكد من الوتر.
الثاني: وهو قوله في الجديد، أن الوتر أوكد من ركعتي الفجر. الحاوي الكبير(2/٢٨٣)
وقال ابن تيمية -رحمه الله-:
والوتر أوكَدُ من سُنة الظهر والمغرب والعشاء، ‌وهو ‌أفضل ‌من ‌جميع تطوعات النهار، كصلاة الضحى؛ بل أفضل الصلاة بعد المكتوبة قيام الليل، وأوكد ذلك الوتر وركعتا الفجر، والله أعلم. مجموع الفتاوى(23/٨٨)
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
اختُلف في ترتيب سنن الرواتب، فقيل: أفضلها سُنة الفجر، ثم ‌المغرب، ثم سُنة الظهر والعشاء، سواء في الفضيلة، وهذا عند الحنابلة، وقالت الشافعية: أفضلها بعد الوتر ركعتا الفجر، ثم سائر الرواتب، ثم التراويح، ثم اختلفوا بعد ذلك هل القبلية أفضل أو البعدية؟ ولهم فيه قولان:
أحدهما: أن البعدية أفضل؛ لأن القَبلية كالمقدمة؛ وتلك تابعة والتابع يَشْرُف بشرف متبوعه.
والثاني: أنهما سواء، واختلفت أقوال الحنفية في ترتيب الرواتب، فقال في البحر عن القُنية: اختلف في آكد السنن بعد سُنة الفجر، فقيل: كلها سواء، والأصح أن الأربع قبل الظهر آكد، وقال في الدُّر المختار: آكدها سُنة الفجر اتفاقًا، ثم الأربع قبل الظهر في الأصح، ثم الكل سواء، وهكذا صححه في العناية والنهاية واستحسنه في فتح القدير، وقد تقدم أن سُنة الفجر رغيبة عند المالكية، والباقي تطوعات ونوافل، والراجح عندي: أن آكد السنن الوتر، ثم ركعتا الفجر، ثم التي قبل الظهر، ثم الكل سواء، والله تعالى أعلم. مرعاة المفاتيح (4/ 129).
وقال السندي -رحمه الله-:
والحديث يفيد أنَّ الأجر المذكور منوط بالمواظبة على هذه النوافل، لا بأنْ يُصلي يومًا دون يوم. كفاية الحاجة (1/ 350).
وقال النووي -رحمه الله-:
قال أصحابنا وغيرهم: واختلاف الأحاديث في أعدادها ‌محمول ‌على ‌توسعة ‌الأمر فيها، وأنَّ لها أقلَّ وأكْمَلَ، فيحصل أصل السُّنة بالأقل، ولكن الاختيار فعل الأكثر الأكمل. المنهاج (6/ 9).
وقال ابن العطار -رحمه الله-:
‌السنن ‌الرواتب قبل الفرائض وبعدها.
فأما الحكمة في النوافل قبلها: فلأن النفس متكيِّفة بأسباب الدنيا، واشتغالها بحالة بعيدة عن حضور القلب في العبادة، والخشوع فيها الذي هو روحها، فكان تقديمها عليها تأنيبًا للنفس في الفرض بالعبادة قبله؛ لتتكيف بحالة الخشوع، وتدخل في الفرض على حالة حسنة، لم تكن للنفس قبله، فإنها منافِرة للطاعة، لا سيما إذا كثر أو طال ورود الحالة المنافية لما قبلها، فإنها قد تمحو أثرها، أو تضعفه.
وأما في النوافل بعدها: فلأنها جابرة لما وقع في الفرائض من نقص إن وقع. العدة (1/ 360).
وقال الشيخ عبد الله البسام -رحمه الله-:
الأفضل أن تكون رواتب ‌المغرب والعشاء والصبح والجمعة في البيت. توضيح الأحكام (2/ 382).
وقال الشافعي -رحمه الله-:
التطوع وجهان: أحدهما: صلاة جماعة مؤكَّدة، فلا أجيزُ تركها لمن قدَر عليها، وهي صلاة العيدين، وخسوف الشمس والقمر والاستسقاء، وصلاة منفرد، وبعضها ‌أوكد من بعض، فآكد من ذلك الوتر، ويُشبه أنْ يكون صلاة التهجد، ثم ركعتا ‌الفجر، قال: ولا أُرَخِّص لمسلم في ترك واحدة منهما، وإن أوجبهما، ومن ترك واحدة منهما أسوأ حالًا ممن ترك جميع النوافل. الأم (1/ 167).
وقال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
ووقت الراتبة القبلية يدخل بدخول وقت الفرائض، ويبقى وقتها ما لم يخرج وقت الفريضة، لكن المستحب تقديمها على الفريضة. ويدخل وقت الرواتب البعدية بفعل الفريضة، ويبقى ما دام وقت الفريضة.
والصحيح عند الشافعية استحباب قضاء الرواتب، وبه قال أحمد في رواية عنه، بينما قال أبو حنيفة ومالك في أشهر الروايات عنه: لا تُقضى. فتح المنعم شرح صحيح مسلم (3/ 505- 506).
وقال محمود السبكي -رحمه الله-:
وفي هذا: دليل على أن السنن التابعة للفرائض الخمس ثنتا عشرة ركعة.
وفيه: رد على الحسن البصري القائل بوجوب ركعتي الفجر والركعتين بعد المغرب. المنهل العذب المورود (7/ 134).
وقال الشيخ عبد الله الفوزان -حفظه الله-:
الحديث دليل على عِظَمِ ثواب من صلى في يوم وليلة من النوافل ثنتي عشرة ركعة، وأن ذلك من أسباب دخول الجنة، والنجاة من النار، مع أداء الفرائض، وترك المحارم، وهي أربع قبل الظهر، واثنتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل صلاة الصبح. منحة العلام (3/ 276).
وقال الشيخ عبد العزيز الراجحي -حفظه الله-:
في هذه الأحاديث: بشارة لكل مسلم؛ لما فيه من فضل الله ورحمته، وهذه الاثنتا عشرة ركعة تسمى: السنن الرواتب...
قال أهل العلم: والفضل في هذا الحديث لمن اجتنب الكبائر، أما من ارتكب الكبائر كالزنا، وشرب الخمر، وعقوق الوالدين، وقطيعة الرحم، والتعامل بالربا، والسرقة وغيرها، أو ارتكب ما يوجب الحد في الدنيا فهو من أهل الوعيد. توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (2/ 437).


ابلاغ عن خطا