«كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا رَمَى جَمْرَةَ العَقَبةِ مضَى، ولم يَقِفْ».
رواه ابن ماجه برقم: (3033)، من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-.
صحيح الجامع برقم: (4736)، سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (2073).
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
.
شرح الحديث
قوله: «كان رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- إذا رَمَى جَمْرةَ العَقبةِ»:
قال الزركشي -رحمه الله-:
جمرة العقبة هي آخر الجمرات مما يلي منى، وأَوَّلُها مما يلي مكة، وهي عند العقبة، وبها سُميت، فإذا قدم من مزدلفة إلى منى، فأول ما يبدأ برميها بسبع حصيات، كما فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. شرح مختصر الخرقي (3/ 253).
وقال البرماوي -رحمه الله-:
جمرة العقبة هي حد منى من الجانب الغربي من جهة مكة، ويُقال لها: الجمرة الكبرى، والمراد: مجْتَمَع الحصى؛ لأن الجمرة هي الحصاة. اللامع الصبيح (5/ 535).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
ووقت رمي جمرة العقبة: يوم النحر ضحًى بعد طلوع الشمس إلى الغروب. التمهيد (5/ 284).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
أجمع العلماء أن (وقت) الاختيار في رمي جمرة العقبة يوم النحر من طلوع الشمس إلى زوالها، وأنه إن رمى قبل غروب الشمس من يوم النحر أجزأ عنه، إلا مالكًا فإنه يَستحب له أن يهريق دمًا يجيء به من الحِلِّ، واختلفوا فيمن رمى من الليل، أو من الغد، فقال مالك: عليه دم، وهو قول عطاء والثوري وإسحاق، وقال مالك في الموطأ: مَن نسي جمرة من الجمار أيام منى حتى يمسي يرميها أي ساعة ذكرها من ليل أو نهار ما دام بمنى، كما يصلي الصلاة أي ساعة ذكرها من ليل أو نهار، ولم يذكر دمًا، ومرة لا يرى عليه ذلك، وقال أبو حنيفة: إن رماها من الليل فلا شيء عليه، وإن أخرها إلى الغد فعليه دم، وقال أبو يوسف ومحمد والشافعي: لا شيء عليه وإن أخرها إلى الغد. شرح صحيح البخاري (4/ 407).
وقال النووي -رحمه الله-:
رمي جمرة العقبة يوم النحر، وهو مجمع عليه، وهو واجب. المنهاج (9/ 42).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
الجمهور على أن رمي جمرة العقبة سُنة مؤكدة، يجب بتركها دم، وذهب عبد الملك (ابن الماجشون): إلى أنها ركن من أركان الحج، وعليه فإنْ تركها بطل حجُّه كسائر الأركان، ولا خلاف في أنها تُرمى بسبعٍ يوم النحر قبل الزوال، ولا خلاف في استحباب رميها -على ما في حديث ابن مسعود- من بطن الوادي، والبيت عن يساره، ومنى عن يمينه، وأنَّ رميها من غير ذلك جائز إذا رمى في موضع الرمي، وقد روي: أن عمر جاء فوجد الزحام، فرماها من فوقها، ولا خلاف في استحباب التكبير مع كل حصاة. المفهم (3/ 398).
وقال ابن هبيرة -رحمه الله-:
واتفقوا على وجوب رمي جمرة العقبة يوم النحر خاصة بسبع حصيات.
وقال عبد الملك بن الماجشون من أصحاب مالك: هو ركن من أركان الحج لا يتحلَّل إلا به كسائر الأركان. اختلاف الأئمة العلماء (1/ 289).
قوله: «مَضَى ولم يَقِفْ»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«ولم يقف» أي: لم يقف للدعاء، كما يقف في غيرها من الجمرات. التيسير (2/ 251).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«مضى» بعد رميه إياها «ولم يقف» للدعاء، كما كان يقف بعد رمي الجمرتين اللتين قبلها، فإنه لما فرغ من رمي جمرة الخَيْفِ وقف داعيًا رافعًا يديه بقدر سورة البقرة، وكذلك وقف بعد فراغه من رمي الجمرة الوسطى داعيًا قريبًا من وُقوفه الأول، رافعًا يديه أيضًا. التنوير (8/ 409).
وقال ابن المنذر -رحمه الله-:
فيأتي جمرة العقبة، فيرميها بسبع حصيات، ثم ينصرف، ولا يقف عندها. الإقناع (1/ 223).
وقال الطحاوي -رحمه الله-:
وينبغي للإمام إذا نفر من مزدلفة أن يمضي إلى منى من وجهه ذلك، فيرمي جمرة العقبة في ضحى يوم النحر بسبع حصيات، مثل حصى الخَذْفِ، ولا يقف عندها. أحكام القرآن (2/ 174).
وقال ابن أبي زيد القيرواني -رحمه الله-:
ولا يقف عند جمرة العقبة ولينصرف. الرسالة (ص:75).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
من السُّنة أن جَمرة العقبة تُرمى ولا يُوقف عندها، كما يُوقف عند اللتين قبلها. أعلام الحديث (2/ 909).
وقال الكاساني -رحمه الله-:
ولا يقف عند هذه الجمرة للدعاء، بل ينصرف إلى رَحْلِهِ، والأصل أنَّ كل رمي ليس بعده رمي في ذلك اليوم لا يقف عنده، وكل رمي بعده رمي في ذلك اليوم يقف عنده؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يقف عند جمرة العقبة، ووقف عند الجمرتين. بدائع الصنائع (2/ 158).
وقال ابن الجوزي -رحمه الله-:
يرمي جمرة العقبة ويجعلها عن يمينه، ويستبطن الوادي، ويستقبل القبلة، ولا يقف عندها. كشف المشكل (2/ 574).
وقال المرغيناني الحنفي -رحمه الله-:
الأصل أن كل رمي بعده رمي يقف بعده؛ لأنه في وسط العبادة، فيأتي بالدعاء فيه، وكل رمي ليس بعده رمي لا يقف؛ لأن العبادة قد انتهت؛ ولهذا لا يقف بعد جمرة العقبة في يوم النحر أيضًا. الهداية (1/ 146).
وقال ابن قدامة -رحمه الله-:
فإذا وصل منى بدأ بجمرة العقبة، وهي آخر الجمرات مما يلي منى، وأولها مما يلي مكة، وهي عند العقبة؛ ولذلك سُميت جمرة العقبة، فيرميها بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة، ويستبطن الوادي، ويستقبل القبلة، ثم ينصرف ولا يقف، وهذا بجملته قول مَن عَلِمْنَا قوله من أهل العلم. المغني (5/ 291، 292).
وقال الباجي -رحمه الله-:
ويحتمل أنْ يكون ذلك -والله أعلم- من جهة المعنى: أنَّ موضع الجمرتين الأَوَّلتين فيه سعة للقيام للدعاء ولمن يرمي، وأما جمرة العقبة فموضعها ضيق للوقوف عندها للدعاء، لامتناع الرمي على من يريد الرمي؛ ولذلك الذي يرميها لا ينصرف على طريقه، وإنما ينصرف من أعلى الجمرة، ولو انصرف من طريقه ذلك لمنع من يأتي الرمي. المنتقى (3/ 46).
وقال ابن الرفعة الشافعي -رحمه الله-:
والمعنى في كونه لا يقف عند جمرة العقبة، ويقف عند غيرها: أنَّ ما يليها ضيِّق، فإذا وقف فيه تأذى الناس بوقوفه، وما يلي غيرها واسع. كفاية النبيه (7/ 489).
وقال محمد بن يوسف الصالحي -رحمه الله-:
«ولم يقف عندها»، فقيل: لضيق المكان بالجبل، وقيل -وهو الأصح-: إن دعاءه كان في نفس العبادة قبل الفراغ منها، فلما رمى جمرة العقبة فرغ الرمي، والدعاء في صلب العبادة قبل الفراغ منها أفضل منه بعد الفراغ منها. سبل الهدى والرشاد (8/ 481).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
لا يقف عند جمرة العقبة، فإذا رماها انصرف، وإنما يقف بعد الأولى والوسطى، قال بعض العلماء: لأن المكان ضيق، فلو وقف لحصل منه تضييق على الناس وتعب في نفسه.
وقال بعض العلماء: لأن الدعاء التابع للعبادة يكون في جوف العبادة، ولا يكون بعدها؛ ولذلك دعا بعد الأولى، ودعا بعد الوسطى، وهذه انتهت بها العبادة. الشرح الممتع (7/ 351).