الأحد 21 شوّال 1446 هـ | 20-04-2025 م

A a

أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قَدِمَ المدِينةَ فوجد اليهود صيامًا يومَ عاشُوراءَ، فقال لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ما هذا اليومُ الذي تَصُومُونَهُ؟» فقالوا: هذا يومٌ عظيمٌ، أَنْجَى اللهُ فيه مُوسى وقومهُ، وغَرَّقَ فرعون وقومهُ، فصامهُ موسى شُكْرًا، فنحنُ نصومُهُ، فقال رسول اللهِ -صلى الله عليه وسلم: «فنحنُ أحقُّ وأولى بموسى منكم، فصامه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأَمر بصيامهِ»


رواه البخاري برقم: (2004)، ومسلم برقم: (1130) واللفظ له، من حديث ابن عباس -رضي الله عنه-.


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«‌عاشوراء»:‌
هو ‌اليوم العاشر من المحرم، وهو اسم إسلامي، وليس في كلامهم فاعولاء بالمد غيره، وقد أُلحق به تاسوعاء، وهو تاسع المحرم، وقيل: إنَّ عاشوراء هو التاسع، مأخوذ من العِشْرِ في أوراد الإبل. النهاية، لابن الأثير (3/ 240).


شرح الحديث


قوله: «أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قَدِمَ المدينة فوجدَ اليهودَ صيامًا يومَ عاشوراء»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«قدم المدينة» أي: بعد الهجرة من مكة، «فوجد اليهود» أي: صادفهم في المدينة، وهو في السنة الثانية؛ لأن قدومه في الأُولى كان بعد عاشوراء في ربيع الأول، «صيامًا» أي: ذوي صيام أو صائمين «يوم عاشوراء». مرقاة المفاتيح (4/ 1426).
وقال الوقشي -رحمه الله-:
«‌عاشوراء» اسم الليلة العاشرة من المحرم، وإليها أُضيف اليوم، فقيل: يوم ‌عاشوراء. التعليق على الموطأ (1/ 311).
وقال المازري -رحمه الله-:
عندنا (المالكية) أنَّ يوم ‌عاشوراء ‌هو ‌اليوم العاشر من المحرم، وعند المخالف أنَّه التاسع. المعلم (2/ 57).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
«‌عاشوراء» ‌هو ‌اليوم العاشر، وقال الشافعي: التاسع؛ بدليل قوله -عليه السلام-: «لئن عشتُ لأصومن التاسع» ولا حجة له فيه؛ لأن قوله: «التاسع» معناه: مع العاشر، وليس فيه دليل على ترك العاشر. المسالك (4/ 204، 205).
وقال النووي -رحمه الله-:
قال أصحابنا: عاشوراء هو اليوم العاشر من المحرم، وتاسوعاء هو التاسع منه، هذا مذهبنا، وبه قال جمهور العلماء، وقال ابن عباس: ‌عاشوراء ‌هو ‌اليوم التاسع من المحرم، ثبت ذلك عنه في صحيح مسلم، وتأوَّله على أنَّه مأخوذ من إظماء الإبل؛ فإن العرب تسمي اليوم الخامس من أيام الورد رِبعًا -بكسر الراء-، وكذا تسمي باقي الأيام على هذه النسبة، فيكون التاسع على هذا عِشرًا -بكسر العين-، والصحيح ما قاله الجمهور، وهو أن ‌عاشوراء ‌هو ‌اليوم العاشر، وهو ظاهر الأحاديث ومقتضى إطلاق اللفظ، وهو المعروف عند أهل اللغة، وأما تقدير أخذه من إظماء الإبل فبعيد. المجموع (6/ 383).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
وقد استُشْكِل ظاهر الخبر؛ لاقتضائه أنه -صلى الله عليه وسلم- حين قدومه المدينة وجد اليهود صيامًا يوم عاشوراء، وإنما قدم المدينة في ربيع الأول، والجواب عن ذلك أن المراد أن أول علمه بذلك، وسؤاله عنه، كان بعد أن قدم المدينة، لا أنه قبل أن يقدمها عَلِمَ ذلك، وغايته أن في الكلام حذفًا تقديره: قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة فأقام إلى يوم عاشوراء، فوجد اليهود فيه صيامًا، ويحتمل أن يكون أولئك اليهود كانوا يحسبون يوم عاشوراء بحساب السنين الشمسية، فصادف يوم عاشوراء بحسابهم اليوم الذي قدم فيه -صلى الله عليه وسلم- المدينة، وهذا التأويل مما يترجح به أولوية المسلمين وأحقيتهم بموسى -عليه الصلاة والسلام-؛ لإضلالهم اليوم المذكور، وهداية الله للمسلمين له، ولكن سياق الأحاديث تدفع هذا التأويل، والاعتماد على التأويل الأول. فتح الباري (4/ 247).
قال العيني -رحمه الله-:
قيل: يحتمل أنْ يكون أولئك اليهود كانوا يحسبون يوم عاشوراء بحساب السنين الشمسية، فصادف يوم عاشوراء بحسابهم اليوم الذي قدم فيه -صلى الله عليه وسلم- المدينة، وفيه نظر لا يخفى. عمدة القاري (11/ 122).
قوله: «فقال لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ما هذا اليوم الذي تصومونه؟»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
أي: ما سبب صومه؟ مرقاة المفاتيح (4/ 1426).

قوله: «فقالوا: هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه، وغرَّق فرعون وقومه، فصامه موسى شكرًا، فنحن نصومه»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«فقالوا: هذا يوم عظيم» أي: وقع فيه أمور عظيمة توجِب تعظيم مثل ذلك اليوم، «أنجى الله فيه موسى وقومه» أي: المؤمنين، و«غرَّق» بالتشديد «فرعون وقومه» بالنصب فيهما... «فصامه» أي: ذلك اليوم أو مثله «موسى شكرًا»؛ لاشتماله على النعمتين الجليلتين، وقال تعالى: {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} الأنعام: 45، «فنحن نصومه» أي: شُكرًا أيضًا؛ لأن بقاء الآباء سبب وجود الأبناء، أو متابعة لموسى، وهذا ظاهر من كلامه -صلى الله عليه وسلم- حيث أجابهم. مرقاة المفاتيح (4/ 1426).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«أنجى الله فيه موسى وقومه» من الغرق، «وغرَّق» بتشديد الراء من التغريق «فرعون وقومه، فصامه موسى شكرًا» لله -سبحانه- على إنجائهم، «فنحن» معشر اليهود «نصومه» اتِّباعًا لموسى -عليه السلام-. الكوكب الوهاج (13/ 61).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
قوله: «فصامه موسى شكرًا لله فنحن نصومه» فيه جواز فعل العبادات للشكر على النعم فيما يخص الإنسان، ويعم المسلمين، ويخص أهل الفضل والدِّين والذين أُلزمنا حبهم وولايتهم من الأنبياء والصالحين، وأن الشكر بالعمل والطاعة، وبالقول والثناء، قال الله تعالى: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا} سبأ: 13، وقال -عليه السلام-: «أفلا أكون عبدًا شكورًا؟» وقال الله تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} إبراهيم: 7، وذكر مسلم حديث ابن عباس: «إذا رأيتَ هلال المحرم فاعدد، وأصبح يوم التاسع صائمًا، قلتُ: هكذا كان محمد يصومه؟ قال: نعم»، وذكر حديثه الآخر أنه قيل له: إنه يوم تُعظِّمه اليهود، فقال -عليه السلام-: «إذا كان في العام المقبل -إن شاء الله- صمنا التاسع». إكمال المعلم (4/ 84، 85).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
واستُشكل بأن التعليل بنجاة موسى وغرق فرعون يختص بموسى واليهود، وأجيب باحتمال أن يكون عيسى كان يصومه وهو مما لم يُنسخ من شريعة موسى؛ لأن كثيرًا منها ما نُسخ بشريعة عيسى؛ لقوله تعالى: {وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ} آل عمران: 50، ويقال: إن أكثر الأحكام الفرعية إنما تتلقاها النصارى من التوراة، وقد أخرج أحمد من وجه آخر عن ابن عباس زيادة في سبب صيام اليهود له، وحاصلها: أنَّ السفينة استوت على الجودِيِّ فيه، فصامه نوح وموسى شكرًا. فتح الباري (4/ 248).

قوله: «فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: فنحن أَحقّ وأولى ‌بموسى ‌منكم»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: فنحن» أي: إذا كان الأمر كذلك فنحن «أحق» أي: أثبت «وأَولى» أي: أقرب «بموسى» أي: بمتابعته «منكم»؛ فإنا موافِقون له في أصول الدِّين، ومصدِّقون لكتابه في تبيين اليقين، وأنتم مخالفون لهما في التغيير والتحريف، والتعلُّق بالأمر المشوب بالتزييف. مرقاة المفاتيح (4/ 1426).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
قوله: «فنحن أحق وأَولى» أي: أقرب «بموسى منكم» فيه دفع توهُّم موافقتهم، يعني: نحن نصوم موافقةً لموسى لا موافقة لكم.
بقي أن خبر اليهود في الديانات غير مقبول، فكيف عَمِلَ به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ ويمكن أن يقال: صِدْقُ هذا الخبر ظهر له -صلى الله عليه وسلم- بالتواتر، أو بخبر جماعة منهم أسلموا، كعبد الله بن سلام وأمثاله من علمائهم، أو أوحي إليه بعد إخبارهم بذلك. لمعات التنقيح (4/ 491).
وقال المازري -رحمه الله-:
خبر اليهود غير مقبول، فيحتمل أن يكون -صلى الله عليه وسلم- أوحي إليه بصدقهم فيما حكوا من قصة هذا اليوم، أو يكون قد تواتر عنده -عليه السلام- خبره حتى وقع له العلم بذلك، ومع ذلك أيضًا فإنه -صلى الله عليه وسلم- قد يكون كان من شرعه تعظيم الأيام التي تظهر فيها الرسل، ويُديل الله لهم على الكفرة، واستحسان الصوم فيها. المعلم (2/ 56، 57)
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
«‌أحق ‌بموسى منكم» فلم يكن ذلك باتِّباعٍ لليهود، ولا اقتداء بهم، ولكنه أوحي إليه في ذلك ففعل بمقتضاه، ولكن فيه الاقتداء بموسى -عليه السلام-، وموسى ممن أُمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يقتدي به في قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} الأنعام: 90. القبس (ص:508).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
«نحن أحق وأولى بموسى منكم» ووجه هذه الأولوية: أنه عَلِمَ من حال موسى وعظيم منزلته عند الله وصحة رسالته وشريعته ما لم يعلموه هم، ولا أحد منهم. المفهم (3/ 193).
وقال الكرماني -رحمه الله-:
«‌أحق ‌بموسى» لاشتراكهما في الرسالة والأخوَّة في الدِّين، وللقرابة الظاهرة دونهم؛ ولأنه أطوع وأَتْبَع للحق منهم. الكواكب الدراري (9/ 150).
وقال الكوراني -رحمه الله-:
قوله: «نحن ‌أحق ‌بموسى» معناه: أنه لم يخالف اليهود فيما فيه تعظيم موسى، كما كان يخالفهم في كل أمر. الكوثر الجاري (7/ 116).
وقال الكوراني -رحمه الله- أيضًا:
إنما كانوا ‌أحق ‌بموسى لأنهم على الحق واليهود على الباطل. الكوثر الجاري (8/ 140).
وقال السندي -رحمه الله-:
«أحق بموسى» يدل على أنه قصد موافقة موسى؛ لقوله تعالى: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} الأنعام: 90، لا موافقة لليهود، حتى يقال: اللائق مخالفتهم، وكأنه لهذا عزم في آخر الأمر على ضم اليوم التاسع إلى يوم عاشوراء؛ تحقيقًا للمخالفة، ثم لعل الخبر بلغ مبلغ التواتر، أو عَلِمَ صدقهم بأمارة أو وحي، وإلا فاليهود كفرة، وخبر الكافر مردود. كفاية الحاجة (1/ 528).

قوله: «فصامه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأمر بصيامه»:
قال العيني -رحمه الله-:
قوله: «فصامه» أي: النبي -صلى الله عليه وسلم-، وليس معناه: أنه صامه ابتداء؛ لأنه قد علم في حديث آخر أنه كان يصومه قبل قدومه المدينة، فعلى هذا معناه: أنه ثبت على صيامه وداوم على ما كان عليه، قيل: يحتمل أنه كان يصومه بمكة، ثم ترك صومه، ثم لما علم ما عند أهل الكتاب فيه صامه. عمدة القاري (11/ 122).
وقال الكوراني -رحمه الله-:
«‌فصامه» أي: يوم ‌عاشوراء، «وأمر بصيامه» لَمَّا رأى ذلك لم يمنعه موافقة اليهود عن صومه. الكوثر الجاري (6/ 284).
وقال السيوطي -رحمه الله-:
«فصامه» أي: استمر على صيامه، فإنه كان يصومه قبل ذلك، وكذا قريش في الجاهلية. التوشيح (4/ 1475).
وقال الباجي -رحمه الله-:
«فصامه، وأمر بصيامه» ويحتمل أن تكون قريش تصومه في الجاهلية، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصومه قبل أن يُبعث، فلما بُعث ترك ذلك، فلما هاجر وعلم أنه كان من شريعة موسى -عليه السلام- صامه، وأمر بصيامه، فلما فُرض رمضان نُسخ وجوبه. المنتقى (2/ 58).
وقال زكريا الأنصاري -رحمه الله-:
«‌فصامه، وأمر بصيامه» احتج به من قال: كان صومه واجبًا، وأجاب أصحابنا (الشافعية) بحمل الأمر هنا على تأكد ندبه. منحة الباري (4/ 434).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«فصامه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-»؛ لقوله تعالى: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} الأنعام: 90، فتعظيم ما عظمه لم يكن على جهة المتابعة له في شرعه، بل على طريق موافقة شرعه لشرعه في ذلك، أو كان صيامه شكرًا لخَلَاص موسى، كما سجد فيه -صلى الله عليه وسلم- شكرًا لله على قبول توبة داود، ولكونه يحب موافقة أهل الكتاب ما لم يؤمر فيه بشيء، والظاهر مما تقدم أنه أَمر هنا بالصيام على وجه الوجوب؛ ولذا نادى مناديه: أن من لم يأكل فيه فليصم، ومن أكل فليمسك.
«وأمر» أي: أصحابه «بصيامه»، وفي هذا تواضع عظيم بالنسبة إلى موسى الكليم، وإلا فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: «لو كان موسى حيًّا لما وسعه إلا اتباعي»، وفيه تألف لقومه، واستئناس بهم؛ لعلهم يرجعون عن عنادهم، متفق عليه، وينافيه بظاهره رواية البخاري عن أبي موسى قال: «كان يوم عاشوراء تعده اليهود عيدًا»، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «فصوموه أنتم»، فهذا يُشعر بأن الصوم كان لمخالفتهم، وما سبق صريح بأنه كان لموافقتهم، ويمكن حمله على أن اليهود كانوا طائفتين، أو القضيتين في وقتين، أو يقال: لا يلزم مِن عدِّهم إياه عيدًا كونه عيدًا حقيقة، أو لا يمتنع صومه عندهم، أو صوموه أنتم فلا تجعلوه عيدًا، والله أعلم. مرقاة المفاتيح (4/ 1426).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
«فصامه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-» كما كان يصومه قبل ذلك، «وأمر» أصحابه «بصيامه»، الظاهر: أنه أمر إيجاب، ففيه دليل لمن قال: كان قبل النسخ واجبًا، ومن لا يقول به يقول: إنه أكَّد ندبه، ثم نَسخ تأكيد ندبه، فبقي مندوبًا في الجملة. مرعاة المفاتيح (7/ 96).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
فلم يصم النبي -صلى الله عليه وسلم- عاشوراء اقتداءً باليهود؛ فإنه كان يصومه قبل قدومه عليهم، وقبل علمه بحالهم، لكن الذي حدث له عند ذلك إلزامه والتزامه؛ ‌استئلافًا ‌لليهود، واستدراجًا لهم، كما كانت الحكمة في استقباله قِبلتهم، وكان هذا الوقت هو الوقت الذي كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يحب فيه موافقة أهل الكتاب فيما لم يُنه عنه. المفهم (3/ 192).
وقال ابن الجوزي -رحمه الله-:
اعلم أن نبينا -صلى الله عليه وسلم- كان يتَّبع طريق الأنبياء فيما لم يُشرع له مثله، أو خلافه؛ لأن الله تعالى قال: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} الأنعام: 90، فصام ‌عاشوراء قبل ‌فرض رمضان؛ لأنه لما قدم المدينة لم يكن عليه ‌فرض رمضان، وإنما قدم في ربيع الأول، فأقام إلى أن جاء ‌عاشوراء، فرآهم يصومونه فصامه، فلما جاء شعبان من السنة الثانية من الهجرة ‌فُرض رمضان، فصامه، وترك ‌عاشوراء. كشف المشكل (2/ 355).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: «فصامه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-» فيه إشكالان:
أحدهما: أنهم يؤرِّخون الشهور على غير ما يؤرخه العرب، والآخر: أن مخالفتهم والتحري عن اجتناب ما يرومونه من تعظيم الأيام بالصوم مطلوب، فكيف بالحديث؟
والجواب عنه: أنه لا يبعد أن يتفق عاشوراء ذاك العام اليوم الذي أنجاهم الله من فرعون، وعن الثاني: أن المخالفة التي أُمرنا بها هي ما أخطأوا فيه مكان التعظيم من اختيارهم يوم السبت، كما قال تعالى: {إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ} النحل: 124، وقال -صلى الله عليه وسلم-: «ثم هذا يومهم الذي فُرض عليهم -يعني: الجمعة-، فاختلفوا فيه» الحديث. الكاشف عن حقائق السنن (5/ 1615،1616).
وقال الباجي -رحمه الله-:
«صامه، وأمر بصيامه» يقتضي الوجوب من وجهين: من جهة فعله له، ومن جهة أمره به. المنتقى (2/ 58).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
لا يختلف العلماء أن يوم ‌عاشوراء ليس بفرض صيامه، وأن لا ‌فرض إلا صيام رمضان. التمهيد (5/ 217).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
أجمع المذهب على أن ‌عاشوراء كان فرضًا قبل رمضان؛ بدليل حديث عائشة: «كان يوم ‌عاشوراء فرضًا، فلما ‌فُرض رمضان كان هو الفرض». المسالك (4/ 203).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
جملة مذهب الشافعي في يوم ‌عاشوراء اليوم: أنه مستحب مسنون، وقد اختلف فيه هل كان فرضًا أم لا؟ فظاهر المذهب أنه لم يكن فرضًا، وإنما كان مستحبًّا...
وقال بعض الأصحاب: إنه كان واجبًا، وبه يقول أصحاب أبي حنيفة، والله أعلم. الشافي (3/ 245).
وقال النووي -رحمه الله-:
اتفق العلماء على أن صوم يوم ‌عاشوراء اليوم سُنة ليس بواجب، واختلفوا في حكمه في أول الإسلام حين شُرع صومه قبل صوم رمضان، فقال أبو حنيفة: كان واجبًا، واختلف أصحاب الشافعي فيه على وجهين مشهورين: أشهرهما عندهم: أنه لم يزل سُنة من حين شُرع، ولم يكن واجبًا قط في هذه الأمَّة، ولكنه كان متأكد الاستحباب، فلما نزل صوم رمضان صار مستحبًّا دون ذلك الاستحباب، والثاني: كان واجبًا كقول أبي حنيفة. شرح صحيح مسلم (8/ 4).
وقال البرماوي -رحمه الله-:
«أمر بصيامه» دليل مَن قال: كان قبل النسخ واجبًا. اللامع الصبيح (6/ 468).


ابلاغ عن خطا