الأحد 21 شوّال 1446 هـ | 20-04-2025 م

A a

«أنَّ رسول اللهِ -صلى اللهُ عليه وسلم- كان لا يستلمُ إلا الحَجَرَ والرُّكْنَ اليمانيَّ».


رواه البخاري برقم: (1609)، ومسلم برقم: (1267) واللفظ له، من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-.
وفي لفظ لهما: «لم أَر النبي -صلى الله عليه وسلم- يستلم من البيت ‌إلا ‌الرُّكنين ‌‌اليمانِيَّيْنِ».
وفي لفظ لأحمد برقم: (4686)، وأبو داود برقم: (1876) والنسائي برقم: (2947) «في كل طواف».
صحيح الجامع برقم: (4751)، سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (2078).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«لا يستلمُ»:
أي: لا يَلْمَس. يقال: اسْتَلَمَ الحَجَرَ: لَمَسَه إما بالقُبْلَةِ أو باليَدِ. القاموس المحيط، للفيروز أبادي (ص: 1122).
وقال الفيومي -رحمه الله-:
الاستلام هو المسح باليد بلا خلاف، واسْتَلَمَ الركن معناه: مَسَحَهُ بيده، مشتق من السلام الذي هو التحية؛ ولذلك سُمي المحيَّا، أي: أن الناس يحيونه بالسلام؛ لأن أهل اليمن يسمُّون الركن الأسود المحيَّا، وقيل: مشتق من السِّلام بكسر السين، وهي الحجارة. فتح القريب المجيب (6/ 76).
وقال النووي -رحمه الله-:
الاستلام: هو المسح باليد عليه، وهو مأخوذ من السِّلام بكسر السين، وهي الحِجَارة، وقيل: من السَّلام بفتح السين الذي هو التحية. شرح مسلم (9/ 8-9).


شرح الحديث


قوله: «أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان لا يستلم إلا الحجَر والركن اليماني»:
قال محمد طاهر الكردي -رحمه الله-: الركن اليماني سُمِّي باليماني لاتجاهه إلى اليمن...، (وقيل) سُمِّي بذلك لأنه بناه رجل من اليمن يقال له: ابن أبي سالم والله تعالى أعلم...، والأقرب إلى الصحة التسمية الأولى لاتجاهه إلى اليمن، كما أنَّ كل ركن ينسب إلى بقية الجهات، فالركن الأسود يُطلق عليه الركن الشرقي لوقوعه جهة الشرق، والعراقي يطلق عليه الركن الشمالي لوقوعه جهة الشمال، والشامي يطلق عليه الركن الغربي لوقوعه جهة الغرب، واليماني لوقوعه جهة اليمن، وكل ذلك مطابق لواقع الحال لا يخفى على أهل مكة. التاريخ القويم لمكة وبيت الله الكريم (3/ 452).
وقال المناوي -رحمه الله-:
قوله: «كان لا يستلم إلا الحجر» الأسود «‌والركن ‌اليماني»، فلا يُسَن استلام غيرهما من البيت ولا تقبيله؛ اتفاقًا لهذا الحديث وغيره، فإنْ فَعَلَ فحسنٌ، لكنا نؤْمَر بالاتباع، والاستلام: لمسُ الحجر والركن باليد على نية البيعة، كما قاله الصوفية. فيض القدير (5/ 185).
وقال الصنعاني -رحمه الله- معقبًا:
فلا يُسن استلام غيرهما من الأركان لهذا الحديث وغيره، قال الشارح: فإن فعل فحَسَنٌ، قلتُ: لا حَسَن في البدعة. التنوير شرح الجامع الصغير (8/ 499).
وقال النووي -رحمه الله-:
«إلا الركنين اليمانيَّيْن» وفي الرواية الأخرى: «لم يكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستلم من أركان البيت إلا الركن الأسود والذي يليه من نحو دور الجُمَحِيِّيْن» وفي الرواية الأخرى: «لا يستلم إلا الحجر والرُّكن اليماني» هذه الروايات متفقة، فالركنان اليمانيان هما: الركن الأسود، والركن اليماني، وإنما قيل لهما: اليمانيَّان للتغليب، كما قيل في الأب والأم: الأبوان، وفي الشمس والقمر: القمران، وفي أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما-: العُمَرَان، وفي الماء والتمر الأَسْوَدَان، ونظائره مشهورة.
واليمانيان: بتخفيف الياء هذه اللغة الفصيحة المشهورة، وحكى سيبويه والجوهري وغيرهما فيها لغة أخرى بالتشديد، فمن خفَّف قال: هذه نسبة إلى اليمن، فالألف عوض من إحدى ياءي النَّسَب، فتبقى الياء الأخرى مخفَّفة، ولو شدَّدْناها لكان جمعًا بين العوض والمعوَّض؛ وذلك ممتنع، ومَن شدَّد قال: الألِف في اليماني زائدة، وأصله اليمني، فتبقى الياء مشددة، وتكون الألف زائدة كما زِيْدَت النون في صنعاني ورقباني، ونظائر ذلك، والله أعلم. شرح مسلم (9/ 13-14).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
«إلا الحجر والركن اليماني» لأن اليمانِيَّيْن على أيمن البيت، ورُكنان له، والآخَرين بعض الحائطـ وليسا بركنين صحيحين؛ لأن الحِجْر وراءها، وجمهور العلماء على استلام الركنين اليمانيين دونهما، ورُوي عن بعض السلف استلام الجميع، وما حُكِيَ عن ابن الزبير لاستلامه الأربع، قال القابسي: لأنه كان بنى البيت على قواعده الأربع، فكانت أركانًا كلها، ولو بُني الآن على ما بناه ابن الزبير لاستُلمت كلها، كما فعل ابن الزبير. إكمال المعلم (4/ 343).
وقال الطحاوي -رحمه الله-:
فهذه الآثار كلها تُخبر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه لم يكن يستلم في طوافه غير الركنين اليمانيين، ومع هذه الآثار من التواتر ما ليس مع الأثر الأول.
وكان من الحُجة عندنا -والله أعلم- لمن ذهب إلى هذه الآثار أيضًا على من ذهب إلى من خالفها: أنَّ الركنين اليمانيين هما مبنيَّان على منتهى البيت مما يليهما، والآخران ليسا كذلك؛ لأن الحِجْر وراءهما، وهو من البيت، وقد أجمعوا أن ما بين الركنين اليمانيين لا يُستلم؛ لأنه ليس بركن للبيت، فكان يجيء في النظر أنْ يكون كذلك الركنان الآخران لا يُستلمان؛ لأنهما ليسا بركنين للبيت، وقد روي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الحِجْر أنه من البيت. شرح معاني الآثار (2/ 184).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
وهذا المعنى في الفقه كله جائز عند أهل العلم لا نكير فيه، فجائز عندهم أن ‌يستلم ‌الركن اليماني والركن الأسود، لا يختلفون في شيء من ذلك، وإنما الذي فرَّقوا بينهما فيه التقبيل لا غير، فرأوا تقبيل الركن الأسود ‌والحجر، ولم يروا تقبيل اليماني، وأما استلامهما جميعًا فأمر مجتمع عليه، وإنما اختلفوا في استلام الركنين الآخرين، وقد ذكرنا اختلافهم في ذلك في مواضع من كتابنا والحمد لله، وقد كان عروة بن الزبير -وهو راوية هذا الحديث- يستلم الأركان كلها.
ذكر مالك في الموطأ عن هشام بن عروة: أن أباه كان إذا طاف بالبيت يستلم الأركان كلها، قال: وكان لا يدع الركن اليماني، إلا أن يُغلب عليه.
وذكر ابن وهب في موطأ مالك عن مالك، قال: سمعتُ بعض أهل العلم يستحب إذا رفع الذي يطوف يده على الركن اليماني أن يضعها على فيه من غير تقبيل، ولا يُقبّل إلا الركن الأسود، يُقبّل ويستلم باليد، وتوضع على الفم، ولا يُقبّل اليد فيهما جميعًا. التمهيد (14/ 257).
وقال الجصاص -رحمه الله-:
وإنَّما لم يستلم غير هذين الركنين؛ لأن الركنين الأخيرين ليسا من أركان البيت؛ لأن الحِجْرَ قطعة من البيت، فالركنان من وسط البيت، ليسا ركنين على الحقيقة. شرح مختصر الطحاوي (2/ 526).
وقال الرافعي -رحمه الله-:
وعن يعلى بن أمية قال: طفتُ مع عمر -رضي الله عنه-، فلما بلغنا الركنين الغربيَّين قلتُ: ألا تستلم؟ فقال: ألم تَطُفْ مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قلتُ: بلى، قال: أفرأيته يستلم؟ قلتُ: لا، قال: ذلك في رسول الله أسوة حسنة.
وكان ابن الزبير يستلم الأركان كلها...، والفرق بين الركنين اليمانيَين وبين اللَّذَين يليان الحجر: أن اللذَين يليان الحجر ليسا على قواعد إبراهيم. شرح مسند الشافعي (2/ 328- 329).
وقال النووي -رحمه الله-:
واعلم أنَّ للبيت أربعة أركان: الركن الأسود، ‌والركن ‌اليماني، ويقال لهما: اليمانيان، وأما الركنان الآخران فيقال لهما: الشاميان، فالركن الأسود فيه فضيلتان:
إحداهما: كونه على قواعد إبراهيم -صلى الله عليه وسلم-.
والثانية: كونه فيه الحجر الأسود، وأما اليماني ففيه فضيلة واحدة، وهي كونه على قواعد إبراهيم، وأما الركنان الآخران، فليس فيهما شيء من هاتين الفضيلتين، فلهذا خُص الحجر الأسود بشيئين: الاستلام والتقبيل للفضيلتين، وأما اليماني فيستلمه ولا يقبِّله؛ لأن فيه فضيلة واحدة، وأما الركنان الآخران فلا يُقَبَّلَان ولا يُسْتلمان، والله أعلم. شرح صحيح مسلم (9/ 14).
وقال ابن هبيرة -رحمه الله-:
السُّنة المعمول عليها: استلام الركنيين اليمانيَّيْن، وأنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لو استلم الركنين الآخرين لأخرج الحِجْر من البيت، وقد قال: «الحِجْر من البيت». الإفصاح عن معاني الصحاح (3/ 176-177).
وقال الكشميري -رحمه الله-:
وأما وجه تخصيص الاستلام بالحجر الأسود ‌والركن ‌اليماني دون الركن العراقي والشامي فهو: أن الأوليين باقيين على البناء الإبراهيمي، بخلاف الآخرين، وكان بيت الله احترقت في زمان، فجمعت قريش الأموال الطيبة لبناء بيت الله الكعبة فبنوها وأخرجوا الحطيم؛ لأن الأموال الطيبة كانت قليلة، والحطيم على شكل نصف الدائرة، ودوران الحطيم ستة وثلاثون ذراعًا، وأبعد الحطيم عن بيت الله ستة أذرع، وقال الشافعية: إن بناء البيت من الجانب المقابل أيضًا ضيق فيه شيء تضييق؛ ولذا جعل بعض سلاطين الشافعية موضعًا مرتفعًا من الأرض مسمنًا في أصل جدار الكعبة ليقع الطواف خارجًا، ويسمى ذلك الموضع المرتفع شاذروان، وورد في حديث: «أن الحجر الأسود بمنزلة يمين الله تعالى، فيُبايع به كما يُبايع على يد الرجل». العرف الشذي شرح سنن الترمذي (2/ 244).
وقال النووي -رحمه الله-:
أجمعت الأُمَّة على استحباب استلام الركنين اليمانيين، واتفق الجماهير على أنه لا يُمسح الركنين الآخرين، واستحبه بعض السلف، وممن كان يقول باستلامهما الحسن والحسين ابنا علي وابن الزبير وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك وعروة بن الزبير وأبو الشعثاء جابر بن زيد -رضي الله عنهم-، قال القاضي أبو الطيب (الطبري): أجمعت أئمة الأمصار والفقهاء على أنهما لا يُستلمان قال: وإنما كان فيه خلاف لبعض الصحابة والتابعين، وانقرض الخلاف، وأجمعوا على أنهما لا يُستلمان والله أعلم.
قوله: «أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان لا يستلم إلا الحجر الأسود ‌والركن ‌اليماني» يحتج به الجمهور في أنه يقتصر بالاستلام في الحجر الأسود عليه دون الركن الذي هو فيه. شرح صحيح مسلم (9/ 14).
وقال ابن المنذر -رحمه الله-:
ثَبَتَ أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يستلم الركن اليماني، والركن الأسود، ولا يستلم الآخرين، وبه قال مالك والشافعي وأحمد وإسحاق، وبه نقول.
وقد روينا عن جابر بن عبد الله وابن الزبير وأنس بن مالك وعروة: أنهم كانوا يستلمون الأركان كلها، وروينا ذلك عن الحسن والحسين.
قال أبو بكر (ابن المنذر): وبالقول الأول نقول. الإشراف على مذاهب العلماء (3/ 272).
وقال العيني -رحمه الله-:
وهو (استلام الحَجَر والركن اليماني) مذهب أصحابنا الحنفية أيضًا؛ لأنهما على قواعد إبراهيم -عليه الصلاة والسلام-. عمدة القاري (9/ 255).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
وجمهور العلماء على استلام الركنين اليمانيين، وهو قول مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد وإسحاق، وقد روي عن أنس وجابر ومعاوية وابن الزبير وعروة أنهم كانوا يستلمون الأركان كلها، والحجة عند الاختلاف في السُّنة، وكذلك قال ابن عباس لمعاوية حين قال له معاوية: ليس شيء من البيت مهجورًا، فقال ابن عباس: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} الأحزاب: 21. شرح صحيح البخاري (4/ 291-292).
وقال ابن تيمية -رحمه الله-:
اتفق العلماء على أنه لا يُشرع تقبيل شيء من الأحجار ولا استلامه إلا الركنان اليمانيان، حتى مقام إبراهيم الذي بمكة لا يُقبّل، ولا يتمسّح به، فكيف بما سِواه من المقامات والمشاهد؟! مجموع الفتاوى (3/ 274).
وقال ابن المنير -رحمه الله-:
وفيه (أي: باب من لم يستلم إلا الركنين اليمانيين) ابْن عمر: لم أر النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- يسْتَلم من الْبَيْت إِلَّا الرُّكنين اليمانيين.
قلتُ: رضي الله عنك، رجَّح البخاريّ اخْتِصَاص اليمانيَّين بالاستلام، فلهذا ترجم على اختصاصهما، وساق القولين المتعارضين عن الصحابة في التعميم والاختصاص، فنبَّه بالترجمة على أنَّ الاختصاص مرجح؛ لأن مستنده السُّنة في ترك ما عداهما.
ومستند التعميم الرأي وقياس بعضها على بعض في التعظيم، وهو معنى قول معاوية: "ليس شيء من البيت مهجورًا"، وهذا يقال بموجبه، وليس ترك الاستلام هجرانًا، وكيف يهجرها وهو يطوف بها؟! فالحجة مع ابن عمر أظهر، والله أعلم. المتواري على أبواب البخاري (ص: 140-141).

قوله: «في كلِّ طوافٍ»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«في كل طواف» أي: في كل طوفة، فذلك سُنة. فيض القدير (5/ 148).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«في كل طواف» كل شوط يحلِّق فيه على البيت. التنوير شرح الجامع الصغير (8/ 423).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
وقد كان جماعة من السلف لا يستلمون الركن إلا في الوتر من الطواف، منهم: مجاهد وطاوس، واستحبَّته طائفة من الفقهاء. الاستذكار (4/ 200).
وقال الشافعي -رحمه الله-:
أُحِبُّ الاستلام في كل وتر أكثر مما أستحب في كل شفع ، فإذا لم يكن زحام أحببتُ الاستلام في كل طواف. الأم (3/ 434).
وقال النووي -رحمه الله-:
ويُستحب تقبيل الحجر واستلامه، واستلام اليماني عند محاذاتهما في كل طوفة، وهو في الأوتار آكد؛ لأنها أفضل.
قلتُ: ولا يُستحب للنساء استلام، ولا تقبيل إلا عند خلو المطاف في الليل أو غيره، والله أعلم. روضة الطالبين (3/ 85).
وقال الجويني -رحمه الله-:
قال الشافعي: إذا فرغ الطائف من الطواف، واستتمَّ الأشواط السبعة، فإنا نستحب له أن يعود إلى الحَجَر ويستلمَه؛ ليكون آخر عهده الاستلام، وأول طوافه مفتتحًا بالاستلام.
ثم قال: إن تمكن الطائف من الاستلام في كل شوط فحسن، وإلا فليعتنِ به في كل وتر. نهاية المطلب في دراية المذهب (4/ 302).
وقال المرغيناني -رحمه الله-:
ويَسْتَلِم الحَجَر كُلما مرّ به إن استطاع؛ لأن أشواط الطواف كركعات الصلاة، فكما يفتتح كل ركعة بالتكبير، يفتتح كل شوط باستلام الحجر، وإن لم يستطع الاستلام استقبل وكبَّر وهلَّل على ما ذكرنا. الهداية في شرح بداية المبتدي (1/ 138).
وذكر ابن نجيم الحنفي عن بعض الكتب الحنفية:
أنَّ الاستلام في الابتداء والانتهاء سُنة، وفيما بين ذلك أدبٌ. البحر الرائق شرح كنز الدقائق (2/ 355).
وقال الكاساني -رحمه الله-:
ويستلم الحجر في كل شوط يفتتح به إن استطاع من غير أن يؤذي أحدًا؛ لما روي «أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان كلما مر بالحجر الأسود استلمه»؛ ولأن كل شوط طواف على حِدة، فكان استلام الحجر فيه مسنونًا كالشوط الأول، وإن لم يستطع استقبله وكبَّر وهلَّل. بدائع الصنائع (4/ 467).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
عن ابن عمر قال: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يدع أن ‌يستلم ‌الركن اليماني والحجر في كل طوفة» قال: وكان عبد الله بن عمر يفعله.
هذا أفضل ما روي في هذا الباب وأولاه وأصحه، وقد روي عن مجاهد وطاوس، أنهما كانا يستحبان استلام الركنين الأسود واليماني في كل وتر من الطواف، روي ذلك عنهما من طرق.
وأما إنكار ابن وضاح لاستلام الركن اليماني فلا وجه له، اللهم إلا أن يكون أنكر اللفظة في حديث مالك عن هشام عن أبيه في قصة عبد الرحمن بن عوف دون أن ينكر استلام الركن اليماني، فإن استلامه لا خلاف بين العلماء فيه. التمهيد (14/ 259).
وقال الشيخ عبد الله البسام -رحمه الله-:
استلام الحجر الأسود في ابتداء كل طواف، وعند محاذاته في كل طوفة لمن سهل عليه ذلك، وتقدم مشروعية تقبيله. تيسير العلام (ص: 397).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
فيه دليل لما قاله الشافعي والأصحاب على أنه يُستحب استلام الركن اليماني وتقبيل اليد بعده، واستلام الحجر الأسود وتقبيله في كل طوفة من السبع، وهو في الأوتار آكد؛ لأنها أفضل. شرح سنن أبي داود (8/ 500).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
لا يُشرع أن يُقبّل شيء من الكعبة المشرفة إلا الحجر الأسود فقط، أما الركن اليماني فيُستلم يعني: يمسح ولا يُقبَّل، والحجر الأسود أفضل شيء أن يمسحه بيده اليمنى، ويُقبّله، فإن لم يمكن استلَمَه وقبّل يده، فإن لم يُمكن أشار إليه بشيء معه أو بيده، ولكن لا يُقبّل ما أشار به؛ لأن هذا الذي أشار به لم يمس الحَجَرَ حتى يُقبّله.
أما الركن اليماني فليس فيه إلا استلام فقط، ويكون الاستلام باليد اليمنى، ونرى بعض الجهال الذين لا يدرون لماذا استلموا هذا الحجر يستلم باليد اليسرى، واليد اليسرى كما قال أهل العلم: لا تُستعمل إلا في الأذى، في القذر والنجاسات وما أشبهها، أما أن تعظم بها شعائر الله فلا.
ثم إن بقية الأركان: الركن الشامي والعراقي، يعني الشمالي الشرقي، والشمالي الغربي، هذان الركنان لا يُقبّلان، ولا يُمسحان؛ وذلك لأنهما ليسا على قواعد إبراهيم -عليه الصلاة والسلام-. شرح رياض الصالحين (2/ 316 -319).
وقال الشيخ عبد الله البسام -رحمه الله-:
ما يُؤخَذ من الحديث:
1- استحباب استلام الركنين اليمانيين.
والمستحب في حق الطائف، استلام وتقبيل الحجر الأسود إن أمكن بلا مشقة، فإن لم يمكن، استلمه فقط بيده، وَقَبَّلَ يَده، وإن لم يمكن استلمه بعَصًا ونحوها، وقبَّل ما استلمه به، فإن آذى وشقَّ على نفسه أو غيره أشار إليه ولم يُقَبِّل يده.
‌والركن ‌اليماني إن تمكن من استلامه استلمه، وإن لم يتمكن لم يُشِرْ إليه؛ لأنه لم يرد، والشرع في العبادات نقل وسماع...
2- عدم مشروعية استلام غير الركنين اليمانيَّين من أركان الكعبة ولا غيرها من المقدسات، كمقام إبراهيم، وجبل الرحمة في عَرَفة، والمشعر الحرام في مزدلفة، وروضة النبي -صلى الله عليه وسلم- الشريفة، وصخرة بيت المقدس وغيرها، فإن الشرع يُؤخَذ عن الشارع بلا زيادة ولا غُلُوّ، ولا نقصان ولا جفاء. تيسير العلام (ص: 399).
وقال الشيخ عبد العزيز الراجحي -حفظه الله-:
قال ابن عمر -رضي الله عنهما-: «ما تركتُ استلام هذين الركنين: اليماني، والحجر، مذ رأيتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستلمهما، في شدة ولا رخاء»، هذا اجتهاد من ابن عمر -رضي الله عنهما-، حيث كان يزاحم على استلام الحجر، والركن اليماني، والصواب: أَلا يُزاحم عليهما، وإنما يستلمهما إذا كان في رخاء، أما في الشٍّدة فلا.
واستلام الحجر فيه أربع سُنن:
السُّنة الأولى: استلام الحجر باليد اليمنى وتقبيله بالفم.
السُّنة الثانية: إذا لم يتيسر التقبيل يستلمه بيده، ويُقبِّل يده.
السُّنة الثالثة: يستلمه بعصا أو مِحْجَن وهو عصا مُعْوَجَّة الرأس، كالصولجان، ثم يقبِّله.
السُّنة الرابعة: إذا عجز يشير إليه بيده ويقبِّل يده، فإذا لم يتيسر ذلك كله فلا حرج عليه.
وأما الركن اليماني ففيه سُنتان:
إحداهما: استلامه باليد بدون تقبيله، وقيل: بتقبيل اليد.
الثانية: الإشارة إليه، عند العجز كالحجر الأسود، وفي ثبوت دليلها نظر.
وأما استقبال البيت عند الاستلام فيكفيه أن يشير إليه وهو ماشٍ دون استقبال.
وهذه سنن، فمَن تركها فلا حرج عليه، وطوافه صحيح. توفيق الرب المنعم (3/ 527).
وقال الشيخ عبد الله الفوزان -حفظه الله-:
ـ الحديث دليل على أن السُّنة كما تكون في الأفعال تكون كذلك في التروكات، فإذا وُجد سبب الفعل في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- فلم يفعل دل هذا على أن السُّنة تركه، وهذا النوع من السُّنة أصل عظيم، وقاعدة جليلة، به تُحفظ أحكام الشريعة، ويوصد باب الابتداع في الدين.
ـ الحديث دليل على أنه لا يُشرع استلام شيء من أركان الكعبة أو جدرانها سوى الركنين اليمانيين، باتفاق أهل العلم، وكذا مقام إبراهيم -عليه السلام-، فإنه لا يجوز استلام شيء منه أو التمسح به؛ بل هو من البدع المحدثة في دين الله تعالى. منحة العلام (5/ 287- 289).


ابلاغ عن خطا