قال نبي الله -صلى الله عليه وسلم- : «التَّكبيرُ في الفِطْرِ سبْعٌ في الأُولى، وخَمْسٌ في الآخِرةِ، والقراءةُ بعدَهُما كِلْتَيْهِمَا».
رواه أبو داود برقم: (1151) واللفظ له، والنسائي في الكبرى برقم: (1817)، من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما-.
صحيح الجامع برقم: (3017)، صحيح أبي داود برقم: (1045).
شرح مختصر الحديث
.
شرح الحديث
قوله: «التكبيرُ في الفطرِ سبعٌ في الأولى، وخمسٌ في الآخرة»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
«التكبير في الفطر» أي: في صلاة عيد الفطر «سبع في الأولى» أي: في الركعة الأولى غير تكبيرة الإحرام. التنوير (5/ 125).
وقال السهارنفوري -رحمه الله-:
«التكبير في الفطر سبع في الأولى» أي: في الركعة الأولى «وخمس في الآخرة» أي: في الركعة الثانية. بذل المجهود (5/ 228).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«وخمسٌ» من التكبيرات «في الآخرة» بعد استوائه قائمًا، قبل التعوذ، زاد الدارقطني في روايته: «سوى تكبيرة الصلاة». فيض القدير (3/ 283).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
هذا قول أكثر أهل العلم، وروي ذلك عن أبي هريرة وابن عمر وابن عباس وأبي سعيد الخدري، وبه قال الزهري ومالك والأوزاعي والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه.
وقال الشافعي: ليس من السبع تكبيرة الافتتاح، ولا من الخمس تكبيرة القيام.
وقال أبو ثور: سبع تكبيرات مع تكبيرة الافتتاح، وخمس في الثانية، وروي عن ابن مسعود أنه قال: يكبر الإمام أربع تكبيرات متواليات، ثم يقرأ، ثم يكبر فيركع ويسجد، ثم يقوم فيقرأ، ثم يكبر أربع تكبيرات يركع بآخرها، وإليه ذهب أصحاب الرأي، وكان الحسن يكبِّر في الأولى خمسًا، وفي الأخرى ثلاثًا سوى تكبيرتي الركوع.
وروى أبو داود في هذا الباب حديثًا ضعيفًا عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يكبر في العيد أربعًا، تكبيره على الجنائز. معالم السنن (1/ 251، 252).
وقال الطحاوي -رحمه الله-:
قال أصحابنا (الأحناف) والثوري: خمس في الأولى، وأربع في الأخيرة، ويوالي بين القراءتين.
وقال مالك والليث والشافعي: سبع في الأولى، وخمس في الأخيرة، ويبدأ فيهما جميعًا بالتكبير، روي مثله عن أبي يوسف.
وقال الشافعي: ولا يُعتد بتكبيرة الافتتاح والركوع. اختلاف العلماء (1/ 374).
وقال ابن أبي زيد القيرواني -رحمه الله-:
قال مالك في (المختصر) وغيره: والتكبير في صلاة العيدين سبع في الأُولى بتكبير الإحرام، وخمس في الأخرى سوى التكبيرة التي يقوم بها من السجود، وليس بين التكبير صمت، إلا قدر ما يُكبِّر الناس، والتكبير قبل القراءة، فإن قرأ قبل التكبير أعاد القراءة، وسجد بعد السلام، قال ابن حبيب: ويقف بين كل تكبيرتين هنيَّة قدر ما يُكبِّر الناس، وليس بين التكبير دعاء، وإنْ سها عن شيء من التكبير سجد قبل السلام، ولا يقضي تكبير ركعة في ركعة أخرى. النوادر (1/ 501).
وقال الماوردي -رحمه الله-:
أما صلاة العيد فركعتان إجماعًا، ويتضمن تكبيرًا زائدًا قد اختلف الناس في عدده، فعند الشافعي أن التكبير الزائد فيها اثنتا عشرة تكبيرة، سبع في الأولى سوى الإحرام، وخمس في الثانية سوى الإحرام، وكل التكبير من قَبل القراءة، وبه قال أكثر الصحابة والتابعين.
وقال مالك: التكبير الزائد إحدى عشرة، ست في الأولى وخمس في الثانية، وقال أبو حنيفة: يزاد في الأولى ثلاث تكبيرات قبل القراءة، ويزاد في الثانية ثلاثًا بعد القراءة. الحاوي الكبير (2/ 489، 490).
وقال الباجي -رحمه الله-:
ذهب مالك والشافعي وأحمد وابن أبي ثور إلى أن التكبير في الأولى سبع تكبيرات، وقال أبو حنيفة: التكبير في الأولى ثلاث غير تكبيرة الافتتاح وتكبيرة الركوع. المنتقى (1/ 319).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
وبهذا (أي ما جاء في الحديث) قال مالك والشافعي وأصحابهما والليث بن سعد، إلا أن مالكًا قال: سبعًا في الأولى بتكبيرة الإحرام، وقال الشافعي: سوى تكبير الإحرام، واتفقا في الثانية على خمس سوى تكبير القيام والركوع.
وقال أحمد بن حنبل كقول مالك: سبعًا بتكبير الإحرام في الأُولى، وخمسًا في الثانية، إلا أنه لا يوالي بين التكبير، ويجعل بين كل تكبيرتين ثناء على الله، وصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه: التكبير في العيدين خمس في الأُولى، وأربع في الثانية، بتكبير الافتتاح والركوع، يُحرم في الأولى ويستفتح، ثم يكبر ثلاث تكبيرات، ويرفع فيها يديه، ثم يقرأ أم القرآن وسورة، ثم يكبِّر، ولا يرفع يديه ويسجد، فإذا قام للثانية كبَّر، ولم يرفع يديه، وقرأ فاتحة الكتاب وسورة، ثم كبَّر ثلاث تكبيرات، يرفع فيها يديه، ثم يكبِّر أخرى يركع بها، ولا يرفع يديه فيها، يوالي بين القراءتين. التمهيد (10/ 75، 76).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
وأما التكبير المشروع في صلاة العيدين فاختلف العلماء وأئمة الأمصار في ذلك، فذهب مالك وأحمد وأبو ثور في آخرين إلى أنه سبع في الأولى بتكبيرة الإحرام، وخمس في الثانية غير تكبيرة القيام، وقال الشافعي: سبع غير تكبيرة الإحرام، وفي الثانية خمس بتكبيرة القيام، وقال أبو حنيفة والثوري: خمس في الأولى، وأربع في الثانية بتكبيرة الافتتاح والقيام، لكنه تُقدَّم عندهم القراءة على الثلاث تكبيرات في الثانية، وكلهم يرى صلة التكبير وتواليه، وقال أحمد والشافعي وعطاء: يكون بين كل تكبيرتين ثناء على الله، وصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- ودعاء، وروي عن ابن مسعود، واختلف عن السلف والصحابة في تكبير العيد اختلافًا كثيرًا نحو اثني عشر مذهبًا. إكمال المعلم (3/ 300-301).
وقال ابن هبيرة -رحمه الله-:
واختلفوا في تقديم التكبيرات على القراءة، فقال مالك والشافعي: تقدَّم التكبيرات على القراءة في الركعتين، وقال أبو حنيفة: يوالي بين القراءتين فيكبر في الأولى قبل القراءة، وفي الثانية بعد القراءة، وعن أحمد روايتان كالمذهبين.
واتفقوا على رفع اليدين مع كل تكبيرة إلا مالكًا فإنه قال: يرفعها من تكبيرة الإحرام فقط في إحدى الروايتين عنه، والرواية الأخرى كالجماعة. اختلاف الأئمة العلماء (1/ 162).
وقال المغربي -رحمه الله-:
ظاهر ما دلَّ عليه الحديث في صفتها من التكبير: أنه لا يجوز النقصان عن ذلك؛ لقوله: «التكبير...» إلخ، فإنَّ فيه تعريف صفتها، ومفهوم العدد يقضي أنه لا يزيد على ذلك ولا ينقص، فمَن أخلَّ بشيء من ذلك فقد أخلَّ بركن، فيجب عليه الإعادة، سواء كان تركه عمدًا أو سهوًا، إلا أنه إذا ترك شيئًا من التكبير سهوًا، وذكره في الصلاة رجع لتمامه، وألغى ما تخلَّل على مقتضى القواعد، وإنْ كان بعد تمام الصلاة أعادها في الوقت، وقال الشافعي: إنه لا يعيد الصلاة، ولا يسجد للسهو؛ لأن التكبيرات عنده لا فرضًا ولا بعضًا من الفرض، وإنما يكره ترك التكبير، أو ترك بعضه، وكذلك الزيادة، وإنْ نسي فَعَلَه قبل القراءة حتى يشرع في القراءة، فإن فعله في الجديد، وفي القديم يكبر ما لم يركع لبقاء القيام، وهو محله، فإن رجع بعد الركوع لفعل التكبير فجزم الرافعي ببطلان صلاته، مع العلم لا مع الجهل فيعذر، هكذا في عجالة المحتاج إلى المنهاج، وقال أبو حنيفة: لا يعيد، ويسجد للسهو، وإذا أتى المؤتم وقد كبر الإمام شيئًا من التكبير، فقالوا: إنه يتحمل ما فعله مما فات اللاحق، ولا يظهر وجه هذا القول، وإذا اختلف مذهب الإمام والمؤتم في التكبير، فإنه يفعل المؤتم ما ترك الإمام، وأما العكس لو فعل الإمام زائدًا على ما يعتقد فعله المؤتم متابعته؛ لئلا يخالف إمامه، والله أعلم. البدر التمام (4/ 37-38).
وقال ابن القيم -رحمه الله-:
كان (-صلى الله عليه وسلم-) يبدأ بالصلاة قبل الخطبة، فيصلي ركعتين، يكبر في الأولى سبع تكبيرات متوالية بتكبيرة الافتتاح، يسكت بين كل تكبيرتين سكتة يسيرة، ولم يُحفظ عنه ذكر معين بين التكبيرات، ولكن ذكر عن ابن مسعود أنه قال: يحمد الله، ويثني عليه، ويصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم-، ذكره الخلَّال، وكان ابن عمر مع تحرِّيه للاتباع يرفع يديه مع كل تكبيرة. زاد المعاد (1/ 427).
وقال النووي -رحمه الله-:
جمهور العلماء يرى هذه التكبيرات متوالية متصلة، وقال عطاء والشافعي وأحمد: يُستحب بين كل تكبيرتين ذكر الله تعالى، وروي هذا أيضًا عن ابن مسعود -رضي الله عنه-. المنهاج (6/ 180).
وقال ابن رجب -رحمه الله-:
فأما التكبير في الأولى سبعًا، وفي الثانية خمسًا، وهو قول جمهور العلماء، وقد روي عن عمر وعثمان وعلي وابن عمر وابن عباس وأبي هريرة، عن عمر بن عبد العزيز وسعيد بن جبير ومجاهد والزهري، وقال: مضت السُّنة به.
وحكاه ابن أبي الزناد عن فقهاء المدينة السبعة، وهو قول مكحول وربيعة والليث والأوزاعي ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وداود، وأكثر أهل الحديث منهم: ابن المديني وابن أبي شيبة وأبو خثيمة وسليمان بن داود الهاشمي وغيرهم...، وفي عدد التكبير أقوال متعددة للسلف. فتح الباري (9/ 84- 85).
وقال ابن العطار -رحمه الله-:
أجمع العلماء على استحباب الجهر بالقراءة فيهما (ركعتي صلاة العيد) بخلاف كسوف الشمس. العدة (2/ 739).
وقال المناوي -رحمه الله-:
قال بعض الأعاظم: حكمة هذا العدد: أنَّه لما كان للوترية أثر عظيم في التذكير بالوتر الصمد الواحد الأحد، وكان للسبعة منها مدخل عظيم في الشرع جعل تكبير صلاته وترًا، وجعل سبعًا في الأولى لذلك، وتذكيرًا بأعمال الحج السبعة من الطواف والسعي والجمار تشويقًا إليها؛ لأن النظر إلى العيد الأكبر أكثر، وتذكيرًا بخالق هذا الوجود بالتفكر في أفعاله المعروفة من خلق السماوات السبع، والأرضين السبع، وما فيها من الأيام السبع؛ لأنه خلقهما في ستة أيام، وخلق آدم -عليه السلام- في السابع يوم الجمعة؛ ولما جرت عادة الشارع بالرِّفق بهذه الأمَّة، ومنه تخفيف الثانية على الأولى، وكانت الخمسة أقرب وترًا إلى السبعة من دونها، جعل تكبير الثانية خمسًا لذلك. فيض القدير (3/ 283).
قوله: «والقراءةُ بعدَهُما كلتيهما»:
قال السهارنفوري -رحمه الله-:
«والقراءة بعدهما» أي: بعد التكبيرتين «كلتيهما». بذل المجهود (5/ 228).
وقال المغربي -رحمه الله-:
قوله: «والقراءة بعدهما كلتيهما» فيه دلالة على أنَّ محل التكبير قبل القراءة في الركعتين جميعًا، وقد ذهب إلى هذا الشافعي ومالك عملًا بهذا الحديث.
وذهب الهادي والمؤيد وأبو طالب إلى أنه يقدم القراءة على التكبير في الركعتين جميعًا، واحتج له في البحر (البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار للمهدي) قال: لرواية ابن عمر؛ ولفعل علي -رضي الله عنه-، والظاهر: أنَّه وهمٌ، فإنَّه لم يكن عن أحد منهما ما يدل على ذلك، وإنَّما الرواية عنهما في عدد التكبير كما عرفت، وفي رواية زيد بن علي عن علي -رضي الله عنه- كما في مذهب الشافعي ومالك.
وذهب القاسم والناصر وأبو حنيفة إلى أنَّه يقدم التكبير في الركعة الأولى، ويؤخره في الثانية؛ ليوالي بين القراءتين؛ لرواية ابن مسعود لذلك عن النبي -صلى الله عليه وسلم- حكاها في الانتصار، والأقوى هو المذهب الأول؛ لما عرفت. البدر التمام (4/ 37).
وقال النووي -رحمه الله-:
السُّنة في صلاة العيد في الركعة الأولى سورة (ق) وفي الثانية سورة الساعة بكمالها، وإن شاء {سَبِّحِ} الأعلى: 1، و{هَلْ أَتَاكَ} الغاشية: 1، فكلاهما صحيح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ وليجتنب الاقتصار على البعض. التبيان (ص:178).
وقال ابن القيم -رحمه الله-:
كان -صلى الله عليه وسلم- إذا أتم التكبير أخذ في القراءة، فقرأ فاتحة الكتاب، ثم قرأ بعدها {قَ وَالقُرْآنِ المجِيدِ} ق: 1، في إحدى الركعتين، وفي الأخرى {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَ القَمَرُ} القمر: 1، وربما قرأ فيهما {سَبِّحْ اسْم رَبِّكَ الأَعْلَى} الأعلى: 1، و{هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الغَاشِيةِ} الغاشية: 1، صح عنه هذا وهذا، ولم يصح عنه غير ذلك.
فإذا فرغ من القراءة كبَّر وركع، ثم إذا أكمل الركعة وقام من السجود كبر خمسًا متوالية، فإذا أكمل التكبير أخذ في القراءة، فيكون التكبير أول ما يبدأ به في الركعتين، والقراءة يليها الركوع.
وقد روي عنه -صلى الله عليه وسلم- أنَّه والى بين القراءتين، فكبر أولًا، ثم قرأ وركع، فلما قام في الثانية، قرأ وجعل التكبير بعد القراءة، ولكن لم يثبت هذا عنه؛ فإنَّه من رواية محمد بن معاوية النيسابوري، قال البيهقي: رماه غير واحد بالكذب. زاد المعاد (1/ 427-428).
وقال المناوي -رحمه الله-:
فيه: أنَّ السُّنة في الأُولى من صلاة عيد الفطر سبع تكبيرات، وفي الثانية خمس، ومثلها في ذلك صلاة عيد الأضحى. فيض القدير (3/ 283).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
وفي الحديث: دليل على أنَّ القراءة بعد التكبير في الركعتين، وبه قال الشافعي ومالك. سبل السلام (1/ 433).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
وأما ما يقال بين التكبيرات: فمن العلماء من يقول: لا ذكر بينها، ومنهم من يقول: إنه يحمد الله، ويصلي على النبي -صلَّى اللَّه عليه وسلَّم- والأمر في ذلك واسع، ولله الحمد. مجموع الفتاوى (16/240).