الأحد 21 شوّال 1446 هـ | 20-04-2025 م

A a

«أَعْطُوا كلَّ سورةٍ حظَّهَا مِن الرُّكوعِ والسُّجودِ».


رواه أحمد برقم: (20590)، ورقم (20651)، والبيهقي في الكبرى برقم: (4694)، ورقم: (4695)، وابن أبي شيبة برقم: (949) عن رجلٍ من الصحابة -رضي الله عنهم-.
ورواه الطبراني في الكبير برقم: (9856)، من حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (1054)، وأصل صفة الصلاة (1/ 396).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«سورةٍ»:
السُّورة: قِطْعَة من القُرآن معينة بمبدأ ونهاية لا يتغيران، مُسماة باسم مخصوص، تشتمل على ثلاث آيات فأكثر في غرض تامٍّ ترتكز عليه معاني آيات تلك السورة، ناشئ عن أسباب النزول، أو عن مقتضيات ما تشتمل عليه من المعاني المتناسبة.تفسير ابن عاشور(1/84)


شرح الحديث


قوله: «أَعْطُوا كلَّ سورةٍ حظَّهَا مِن الرُّكوعِ والسُّجودِ»:
قال السندي -رحمه الله-:
يُحتمل أنْ يكون هذا المبهم (أي: في سند الحديث) هو ابن مسعود، فقد جاء هذا المعنى عنه.
وظاهر هذا الحديث: أنَّه ينبغي أنْ يُجعل كل سورة في ركعة، ولا يُجمع بين السور فيها، والمراد بالسورة: غير الفاتحة -والله أعلم-. حاشيته على مسند أحمد (5/68).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «أعط كل سورة حظها من الركوع والسجود» هذا فيمَن يصلي بالسور، وهو إرشاد له أنَّه لا يتابع بينها في ركعة، وكأنَّه خاص بمن يعتريه ملل وسآمة من سَرد السور في ركعة، وإلا فإنَّه قد ثبت أنَّه -صلى الله عليه وسلم- كان يقوم الليل يتلو سورًا في ركعة واحدة، وثبت أنه قيل له: إنَّ رجلًا كان يؤمُّ أصحابه، ويقرأ بهم: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} الإخلاص: 1، بعد قراءة سورة، وأنَّه أقرَّه -صلى الله عليه وسلم- على ذلك، ويحتمل أنَّه خاص بالفريضة؛ لأنه لم يَرْوِ عنه -صلى الله عليه وسلم- أنَّه قرأ في فريضة سورتين غير الفاتحة في ركعة، ويكون تقريره للقارئ الصمد مع سورة بما ذكره من محبته لها. التنوير (2/ 476).
وقال المناوي -رحمه الله-:
قوله: «لكل سورة حظّها من الركوع والسجود» أي: فلا يُكْرَهُ قراءة القرآن في الركوع والسجود، وإلى هذا ذهب بعض المجتهدين.
وذهب الشافعية: إلى كراهة القراءة في غير القيام؛ لأدلة أخرى. فيض القدير (5/ 284).
وقال الصنعاني -رحمه الله- مُتعقِّبًا:
قلتُ: قد ثبت النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود، وأنَّه نهي تحريم، فيحتمل أنَّ المراد: أنَّه إذا كانت السورة طويلة طوَّل الركوع والسجود، وإن كانت قصيرة فبقدرها؛ لحديث: أنَّها كانت صلاته كالسواء، فإذا طال القيام أطال الركوع والسجود. التنوير (9/ 79).
وقال الساعاتي -رحمه الله-:
قوله: «حظَّهَا مِن الرُّكوعِ والسُّجودِ» أي: نصيبها ومقدارها، يعني -والله أعلم-: أنَّه إذا كانت القراءة طويلة يكون الركوع والسجود قريبين من ذلك في الطول، وإذا كانت قصيرة فكذلك تكون النسبة، ويؤيد ذلك ما قدَّمْنا في الكلام على الحديث السابق من رواية مسلم عن البراء بن عازب، وفيه قال: «فوجدتُ قيامه، فركعته، فاعتداله بعد ركوعه، فسجدته، فجلسته بين السجدتين، فجلسته بين التسليم والانصراف قريبًا من ذلك»؛ فهذه الرواية تشير على تقارب الأركان بعضها من بعض، ومنها: القيام للقراءة، هذا ما ظهر لي -والله أعلم-.
وحمل بعضهم قوله: «لكل سورة حظَّها من الركوع والسجود» على جواز القراءة فيهما، ويمنع من ذلك: ما صح في النهي عن القراءة في الركوع والسجود عند مسلم والإمام أحمد وغيرهما. الفتح الرباني (3/ 257).
وقال العيني -رحمه الله-:
فهذا يدل على أنَّ المصلي لا ينبغي له أنْ يزيد في كل ركعة من صلاته على سورة واحدة، مع فاتحة الكتاب، كما ذهب إليه جماعة من السلف.
ويمكن أنْ يكون قوله: «لكل سورة ركعة» من باب القلب، من قولهم: عرضتُ الحوض على الناقة، والمعنى: لكل ركعة سورة واحدة، لا يُزاد عليها. نخب الأفكار (5/ 435).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قال الزين ابن المنير: ذهب مالك إلى أنْ يقرأ المصلي في كل ركعة بسورة، كما قال ابن عمر: «لكل سورة حظَّها من الركوع والسجود» قال: ولا تقسم السورة في ركعتين، ولا يقتصر على بعضها، ويترك الباقي، ولا يقرأ بسورة قبل سورة، يخالف ترتيب المصحف، قال: فإنْ فعل ذلك كله لم تفسد صلاته، بل هو خلاف الأولى. فتح الباري (2/ 257).
وقال الطحاوي -رحمه الله-:
ذهب إلى هذا قوم فقالوا: لا ينبغي لرجل أنْ يزيد في كل ركعة من صلاته على سورة مع فاتحة الكتاب، واحتجوا في ذلك بهذا الحديث...، وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا: لا بأس أنْ يصلي الرجل في الركعة الواحدة ما بدا له من السور. شرح معاني الآثار (1/ 345-345).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
اختلف العلماء في جمع السورتين في كل ركعة، فأجاز ذلك ابن عمر، وكان يقرأ بثلاث سور في ركعة، وقرأ عثمان بن عفان، وتميم الداري القرآن كله في ركعة، وكان عطاء يقرأ سورتين في ركعة، أو سورة في ركعتين في المكتوبة.
وقال مالك في المختصر: لا بأس بأن يقرأ السورتين وثلاثًا في ركعة، وسورة أحب إلينا، ولا يقرأ بسورة في ركعتين، فإنْ فعل أجزأه، وقال مالك في المجموعة: لا بأس به، وما هو من الشأن، وأجاز ذلك كله الكوفيون.
وممن كَرِهَ الجمع بين سورتين في ركعة: زيد بن خالد الجهني وأبو العالية وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، وأبو عبد الرحمن السلمي، وقال: أعطِ كل سورة حظَّها من الركوع والسجود، وروي عن ابن عمر أنه قال: إن الله فَصَّل القرآن لتُعطى كلُّ سورة حظَّها من الركوع والسجود، ولو شاء لأنزله جملة واحدة، والقول الأول أولى بالصواب؛ لحديث ابن مسعود: أن النبي -عليه السلام- كان يقرن بين سور المفصل سورتين في ركعة.
قال الطحاوي: وقد قال -عليه السلام-: «أفضل الصلاة طول القيام»؛ فذلك حجة على مَن خالف ذلك، ودليل واضح: أنَّ الأفضل من الصلوات ما أطلت فيه القراءة، ولا يكون ذلك إلا بالجمع بين السور الكثيرة في ركعة، وقد فعل ذلك الصحابة والتابعون، وثبت عن ابن عمر أنه فعله بخلاف ما روي عنه.
وأما من جهة النظر: فإنا رأينا فاتحة الكتاب تُقْرَأُ هي وسورة غيرها في ركعة، ولا بأس بذلك، فالنظر على ذلك أنْ تكون كذلك سائر السور. شرح صحيح البخاري (2/ 390-391).
وقال البيهقي -رحمه الله-:
هذا كله على طريق الاستحباب، وأما الجواز فقد أخبرنا أبو محمد بن يوسف، أنا أبو سعيد بن الأعرابي، ثنا الحسن بن محمد الزعفراني، ثنا يزيد بن هارون، ثنا محمد بن عمرو عن محمد بن إبراهيم عن عبد الرحمن بن عثمان، قال: قمتُ خلف المقام، وأنا أُريد أنْ لا يغلبني عليه أحد تلك الليلة، فإذا رجل يغمزني، فلم ألتفت، ثم غمزني فالتفتُّ، فإذا عثمان بن عفان، فتجنبت، فتقدم فقرأ القرآن في ركعة. شعب الإيمان (2/ 398-398).
وقال الطحاوي -رحمه الله- بعد أنْ ذَكَرَ عدة آثار تدل على جواز الجمع بين سورتين في ركعة:
ففي هذه الآثار أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يَقْرِنُ بين السورتين في كل ركعة، فقد خالف هذا ما روى أبو العالية وهو أولى؛ لاستقامة طريقه، وصحة مجيئه.
وأما قول ابن مسعود -رضي الله عنه- بعد ذلك: «إنما سُمِّيَ المفصَّل لتُفَصِّلُوه»؛ فإنَّ ذلك لم يذكره عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقد يُحتمل أنْ يكون ذلك من رأيه، فإنْ كان ذلك من رأيه، فقد خالفه في ذلك عثمان بن عفان -رضي الله عنه-؛ لأنه كان يختم القرآن في ركعة. شرح معاني الآثار (1/ 346).


ابلاغ عن خطا