«إذا قال الإمامُ: سَمِعَ اللَّهُ لمنْ حَمِدَهُ، فقولوا: اللَّهمَّ ربَّنَا لك الحمدُ؛ فإنَّه مَنْ وافقَ قولُهُ قول الملائكةِ غُفِرَ له ما تقدَّمَ مِنْ ذنبِهِ».
رواه البخاري برقم: (796)، ومسلم برقم: (409)، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
ورواه مسلم أيضًا برقم: (416) بلفظ: «فإذا وافق قولُ أهلِ الأرضِ قولَ أهلِ السماءِ...».
شرح مختصر الحديث
.
شرح الحديث
قوله: «إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده»:
قال الخطابي -رحمه الله-:
قوله: «سمع الله لمن حَمده» معناه: الدعاء بالاستجابة لمن دعاه وحَمِدَهُ وأثنى عليه. أعلام الحديث (1/ 520).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
ومعنى «سمع الله لمن حمده»: تقبَّل الله حمْد مَن حمده، ومنه قولهم: سمع الله دعاءك، أي: أجابه الله، وتقبَّله. التمهيد (13/ 564).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
وأما قوله «سمع الله لمن حمده» فيحتمل أنْ يكون خبرًا عن فضل الله تعالى، ويحتمل: أنْ يكون دعاء إلى الله تعالى، وإنْ جاء بلفظ الخبر، وهو أظهر. القبس (ص: 238).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
أي: أجاب الله دعاء مَن حَمِدَهُ، وقيل: أراد به الحث على التحميد، وسياق هذا الحديث يدل على أنه إعلام بذلك، وهو بمعنى: الحث الذي قيل. إكمال المعلم (2/ 299).
وقال ابن قرقول -رحمه الله-:
قوله: «سمع الله لمن حمده» أي: أجاب الله دعاء مَن حَمِدَه، قيل: ذلك على الخبر، وقيل: ذلك على الحض والترغيب. مطالع الأنوار (5/ 509).
وقال التوربشتي -رحمه الله-:
معنى قوله: «سمع الله لمن حمده» أي: تقبَّل الله منه حَمْدَهُ، وأجابه، يقال: اسمع دعائي، أي: أَجِبْ، وضع السمع موضع القبول والإجابة؛ للاشتراك الذي بين القول والسمع، والغرض من الدعاء هو القبول والإجابة. الميسر (1/ 247).
وقال النووي -رحمه الله-:
ومعنى «سمع الله لمن حمده» أي: أجاب دعاء مَن حمده، ومعنى يسمع الله لكم: يستجب دعاءكم. شرح صحيح مسلم (4/ 121).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
معنى «سمع الله لمن حمده» أي: أجاب، ومعناه: أنَّ مَن حمد الله متعرِّضًا لثوابه استجاب له، فأعطاه ما تعرَّض له. الإعلام (2/ 559).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«سمع الله لمن حمده» أي: تقبَّل منه وجازاه به. شرح سنن أبي داود (3/ 680).
قوله: «فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد»:
قال الأردبيلي -رحمه الله-:
الأمر في قوله -صلى الله عليه وسلم-: «فقولوا» للندب، وهو متعلِّق بمقدَّر، والتقدير: إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده، قالت الملائكة: اللهم ربنا لك الحمد، فقولوا؛ فإنَّ مَن وافق قوله قول الملائكة غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه. الأزهار شرح مصابيح السنة مخطوط لوح (147).
وقال الرافعي -رحمه الله-:
«لك الحمد» يُروى بلا واو، ويُروى «ولك الحمد» بالواو، أي: ولك الحمد على ما رَزَقْتَنَا من الذِّكر والعمل. شرح مسند الشافعي (1/ 343).
وقال زكريا الأنصاري -رحمه الله-:
أي: مع ما علمتموه مِن سمع الله لمن حمده؛ لعلمهم بقوله: «صلوا كما رأيتموني أصلي». منحة الباري (2/ 505).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
«اللهم ربنا» أي: يا ألله، يا ربنا، ففيه تكرار النداء. إرشاد الساري (2/ 108).
وقال القسطلاني -رحمه الله- أيضًا:
«اللهم ربنا لك الحمد» بدون الواو، وفي بعضها بالواو، والأمران جائزان، ولا ترجيح لأحدهما على الآخر في مختار أصحابنا (الشافعية). إرشاد الساري (5/ 274).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
قوله: «ربنا ولك الحمد» اختلفت الآثار فيه بإثبات الواو وحذفها، واختلف اختيار مالك وغيره من العلماء بين اللفظين، وفي إثبات الواو زيادة؛ لأن قوله: «ربنا» إجابة قوله: «سمع الله لمن حَمِده» أي: ربنا استجب دُعَانا، واسمع حمْدنا، ولك الحمد على هدايتنا لذلك، وإلهًا من إله، وبحذف الواو ليس فيها غير امتثال قول الحمد.
ويظهر لي أنَّ اختلاف قول مالك وترددهُ في الاختيار بين اللفظين إما لاختلاف الآثار في ذلك، وترجيح أحدهما مرَّة على الآخر من جهة الصحة أو الشهرة والعمل، أو لمطابقة المعنيين المتقدِّمين في «سمع الله لمن حمده»، فإذا جعلنا «سمع الله لمن حمده» معنى الحث على الحمد، كان الوجه في الجواب: ربنا لك الحمد، دون واو؛ لأنه مطابق لما حُث عليه، وامتثال لما نُدِبَ إليه، وعلى التأويل الآخر الأَولى إثبات الواو؛ لأنه يتضمن تأكيد الدعاء الأوَّل وتكراره؛ لقوله: «ربنا» أي: استجب لنا، أو اسمع حمدنا، ثم نأتي بالعبادة التي دُعِيَ بالاستجابة لقائلها، وهو الحمد، فيقول: ولك الحمد. إكمال المعلم (2/ 299).
وقال النووي -رحمه الله-:
قوله: «ربنا لك الحمد» هكذا هو هنا بلا واو، وفي غير هذا الموضع: «ربنا ولك الحمد»، وقد جاءت الأحاديث الصحيحة بإثبات الواو وبحذفها، وكلاهما جاءت به روايات كثيرة، والمختار: أنَّه على وجه الجواز، وأنَّ الأمرين جائزان، ولا ترجيح لأحدهما على الآخر.
ونقل القاضي عياض -رضي الله عنه- اختلافًا عن مالك -رحمه الله تعالى- وغيره في الأرجح منهما، وعلى إثبات الواو يكون قوله: «ربَّنا» متعلقًا بما قبله، تقديره: سمع الله لمن حمده يا ربنا فاستجب حمدنا ودعاءنا، ولك الحمد على هدايتنا لذلك. شرح مسلم (4/ 121).
وقال الكرماني -رحمه الله- مُتعقِّبًا:
أقولُ: يحتمل أنْ يكون السماع بمعناه المشهور.
فإنْ قلتَ: فلا لا بد أنْ يُستعمل بـ(من) لا باللام، قلتُ: معناه: سمع الحمد لأجل الحامد منه، ثم لفظ «ربنا» لا يمكن أنْ يتعلَّق بمن قبله؛ لأنه كلام المأموم، وما قبله كلام الإمام، بدليل «فقولوا»، بل هو ابتداء كلام، «ولك الحمد» حال منه، أي: أدعوك والحال أنَّ الحمد لك لا لغيرك.
فإنْ قلتَ: هل يكون عطفًا على جملة أدعوك؟
قلتُ: لا؛ لأنها إنشائية، وهذه خبرية. الكواكب الدراري (5/ 104).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
أقولُ: هذه الجملة مفتقرة إلى مزيد كشف وبيان، وذلك أنَّ قوله: «سمع الله لمن حمده» وسيلة، و«ربنا لك الحمد» طلب، وفيها التفات من الغَيبة إلى الخطاب، فإذا رُوي بالعطف يتعلَّق «ربنا» بالأُولى؛ ليستقيم عطف الجملة الخبرية على مثلها، وإذا عزل عنه الواو يتعلَّق «ربنا» بالثانية، فإذا لا يجوز عطف الإنشائي على الخبري، وتقديره على الوجه الأول: يا ربنا قَبِلْتَ في الدهور الماضية حمد مَن حمدك من الأمم السابقة، ونحن نطلب منك الآن قبول حمدنا، ولك الحمد أولًا وآخرًا.
فأخرجت الأولى على الجملة الفعلية، وعلى الغيبة، وخص اسم الله تعالى الأعظم بالذِّكر، والثانية على الاسمية وعلى الخطاب؛ لإرادة الدوام، ولمزيد إنجاح المطلوب، فعلى هذا الكلام التفاتة واحدة، وعلى الأول التفاتان من الخطاب إلى الغَيبة، ومنه إلى الخطاب، والله أعلم. الكاشف عن حقائق السنن (3/ 1001).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
واختلف الناس فيما يقوله المأموم إذا رفع رأسه من الركوع، فقالت طائفة: يقتصر على «ربنا لك الحمد» وهو الذي جاء به الحديث، لا يزيد عليه، وهو قول الشعبي، وإليه ذهب مالك وأحمد بن حنبل، وقال أحمد: إلى هذا انتهى أمر النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وقالت طائفة: يقول «سمع الله لمن حمده، اللهم ربنا لك الحمد» يجمع بينهما، هذا قول ابن سيرين وعطاء، وإليه ذهب الشافعي، وهو مذهب أبي يوسف ومحمد. معالم السنن (1/ 209، 210).
وقال الباجي -رحمه الله-:
ولا خلاف في صفة ما يقوله الإمام من ذلك، وقد اختلف العلماء فيما يقوله المأموم، واختلفت الآثار في ذلك، فروي في هذا الحديث: «اللهم ربنا لك الحمد» بزيادة «اللهم» ونقصان الواو من قوله: «لك الحمد»، وفي حديث عائشة وأنس: «ربنا ولك» وفي حديث سعيد عن أبي هريرة: «اللهم ربنا ولك الحمد».
وروي عن مالك أنه كان يقول: اللهم ربنا ولك الحمد، واختاره ابن القاسم.
وروي عنه أنه كان يقول: اللهم ربنا لك الحمد، واختاره أشهب.
وجه ما اختاره ابن القاسم: أن سعيد بن أبي سعيد قد رواه وهو ثقة، والأخذ بالزائد أَولى إذا كان ثقة، ومن جهة المعنى أنه زيادة في لفظ الذِّكْر.
ووجه ما اختاره أشهب أن الواو الزائدة في الكلام لا تفيد معنى، فكان حذفها أولى، وقد قال الداودي: إنها واو الابتداء، كقوله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} آل عمران: 133، في قراءة من قرأها، والله أعلم.
قال القاضي أبو الوليد (الباجي): ويحتمل عندي أن يكون معنى الكلام: اللهم افعل ولك الحمد، إذا ثبت ذلك فإن قول المصلي: سمع الله لمن حمده يحتمل الإخبار عن ذلك على وجه الإذكار لمن معه من المأمومين؛ إذ الصلاة مبنية على الجماعة، ويحتمل أن تكون بمعنى الدعاء أن يسمع الله لمن حمده، ويكون معنى يسمعه أي: يُثِيْبه ويتقبل منه، وقول المأموم: اللهم ربنا لك الحمد معناه: المبادرة إلى فعل ما دعا إليه، والعمل بما دعا له، أي: يُثاب عليه، ويُتقبل منه. المنتقى (1/ 164).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
وإنما اختلفوا في الإمام والمأموم؛ فقالت طائفة من أهل العلم: الإمام إنما يقول: «سمع الله لمن حمده» فقط، ولا يقول: «ربنا ولك الحمد» وممن قال بذلك أبو حنيفة ومالك والليث ومَن تابعهم، وحُجَّتهم ظاهر حديث أنس هذا («وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد») وما كان مثله، وقال أبو يوسف ومحمد بن الحسن والشافعي وأحمد بن حنبل: يقول الإمام: «سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد». التمهيد (4/ 136، 137).
وقال الأردبيلي -رحمه الله-:
قال أبو حنيفة ومالك: إذا قال الإمام: «سمع الله لمن حمده» يقول المأموم: «اللهم ربنا لك الحمد»؛ تمسكًا بهذا الحديث، وقال الشافعي: يقول المصلي: «سمع الله لمن حمده»، وإذا انتصب يقول: «ربنا لك الحمد» إمامًا كان أو مأمومًا؛ تمسكًا برواية عبد الله بن أبي أوفى: «كان رسول الله إذا رفع ظهره من الركوع قال: سمع الله لمن حمده، ربنا لك الحمد» وهذا فعله، وقد قال: «صلوا كما رأيتموني أصلي». الأزهار شرح مصابيح السنة مخطوط لوح (147).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
قول الإمام: «سمع الله لمن حمده» هل يقول معها: «ربنا ولك الحمد» أم لا؟
ذهب مالك إلى أن الإمام لا يقولها، وقال ابن دينار وابن نافع: يقول الإمام اللفظتين وكذلك المأموم، وبه قال الشافعي، ودليلنا (مذهب مالك): الحديث المتقدم، وأما المنفرد فإنه يقولهما. المسالك (2/ 384).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
«فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد» ظاهر هذا الحديث يقتضي أن الإمام لا يقول: «ربنا ولك الحمد» وهو مشهور مذهب مالك، وذهب الجمهور ومالك في رواية ثانية إلى أن الإمام يقولها. المفهم (2/ 44).
وقال المظهري -رحمه الله-:
يعني: يقول الإمام في الرفع من الركوع: «سمع الله لمن حمده» ويقول المأموم: «ربنا لك الحمد» وبهذا قال أبو حنيفة ومالك وأحمد، وقال الشافعي: يقول الإمام والمأموم: «سمع الله لمن حمده، ربنا لك الحمد»؛ لما روى ابن عمر -رضي الله عنهما-: أن رسول الله -عليه السلام- كان إذا رفع رأسه قال: «سمع الله لمن حمده، ربنا لك الحمد» هذا في الإمام، ولم يجئ في الحديث أن المأموم يقول: «سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد»، ولكن قد جاء في الحديث: «إنما جُعل الإمام ليُؤتمَّ به» وإنما يكون المأموم مؤتمًا بالإمام إذا قال ما يقول الإمام. المفاتيح (2/ 128).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
قد تبيَّن بما سبق من البحث أنَّ أرجح الأقوال: أنْ يَجمع الإمام ومثله المنفرد بين التسميع والتحميد؛ لصحَّة ذلك عن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، حيث كان يجمع بينهما وهو إمام، وأما المأموم فلا يُسمِّع؛ لظاهر هذا الحديث، حيث قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: «وإذا قال: سمع اللَّه لمن حمده» فقولوا: «اللَّهمّ ربنا لك الحمد» فوزَّع بينهما التسميع والتحميد، فأَمَره بالتحميد فقط، ولولا ثبوت الجمع بينهما عنه -صلى اللَّه عليه وسلم- إمامًا لكان للإمام أيضًا التسميع فقط، فتبصّر، واللَّه تعالى أعلم بالصواب. البحر المحيط الثجاج (10/ 11).
قوله: «فإنَّه مَن وافَقَ قولُه قولَ الملائكة»:
قال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«فَإِنَّهُ» الضمير للشأن، وهو الضمير الذي تفسِّره الجملة بعده «مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلَائِكَةِ» برفع «قولُهُ» على الفاعليَّة لـ«وَافَقَ»، ونَصْبِ «قولَ» على المفعوليَّة. البحر المحيط الثجاج (10/ 8).
وقال المظهري -رحمه الله-:
«فإنه مَن وافق قولُه قولَ الملائكة» يعني: إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده تقول الملائكة: «ربنا لك الحمد» فقولوا أنتم أيضًا: «ربنا لك الحمد». المفاتيح (2/ 145).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«فإنه» أي: الشأن «من وافق قولُه» وهو قوله: ربنا لك الحمد بعد قول الإمام: سمع الله لمن حمده، «قولَ الملائكة» أي: في الزمان، أو في القبول. مرقاة المفاتيح (2/ 711).
وقال الزرقاني -رحمه الله-:
«فإنه من وافق قولُه قولَ الملائكة» أي: حَمْدُهُ حَمْدَهُم. شرح الموطأ (1/ 333).
وقال السهارنفوري -رحمه الله-:
أي: إذا قال الإِمام: «سمع الله لمن حمده» يقول الملائكة: «اللَّهم ربنا لك الحمد» فقولوا أنتم أيها القوم: «اللَّهم ربنا لك الحمد»؛ فإنه إذا وافق قولكم قول الملائكة. بذل المجهود (4/ 297).
قال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
فيه: إشعار بأن الملائكة تقول ما يقوله المأمومون.
وأرجح الأقوال في معنى موافقة الملائكة: هو الموافقة في القول والزمن. البحر المحيط الثجاج (10/ 8).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
ظاهره: أنَّ المراد بالملائكة جميعهم، واختاره ابن بزيزة، وقيل: الحَفَظَة منهم، وقيل: الذين يتعاقبون منهم إذا قلنا: إنهم غير الحفظة، والذي يظهر أن المراد بهم مَن يشهد تلك الصلاة من الملائكة ممن في الأرض أو في السماء. فتح الباري (2/ 265).
قوله: «غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه»:
قال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«غُفِرَ لَهُ» بالبناء للمفعول، ونائب فاعله قوله: «مَا» موصولة «تَقَدَّمَ» بالبناء للفاعل «مِنْ ذَنْبِهِ» بيان لـ«ما».
ثم ظاهره غفران جميع الذنوب الماضية، صغيرها وكبيرها، وفضل اللَّه واسع، لكن خصّه العلماء بالصغائر. البحر المحيط الثجاج (10/ 8).
وقال ابن هبيرة -رحمه الله-:
قوله: «مَن وَافَقَ قولُه قولَ الملائكة غُفِرَ له» لأنه توافق قول غير مُتَدِنِّس بالذنوب، فيكون ضياء أقوالهم يشمل ما عساه أن يكون في قول غيرهم من ظُلْمة. الإفصاح (6/ 417).
وقال الباجي -رحمه الله-:
قوله: «غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه» يقتضي غفران جميع الذنوب المتقدمة. المنتقى (1/ 162).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
إنَّما تُكفَّر الصغائر دون الموبقات، وإنَّ الصغيرة من السيئات لا بقاء لها مع الحسنات قطعًا، فأما كبيرة سيئة بكبيرة حسنة فإنَّما يقع التكفير والمغفرة بعد الموازنة لها، فما رجح كان الحكم له. المسالك (2/ 112).
وقال ابن العطار -رحمه الله-:
قوله: «غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه» أي: من الصغائر إن كانت، وإن لم تكن رُجِيَ تخفيف الكبائر، وإن لم تكن كبائر رُفعت درجات. العدة (1/ 434).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه» أي: من الصغائر عدلًا، ومن الكبائر فضلًا. مرقاة المفاتيح (2/ 711).
وقال السهارنفوري -رحمه الله-:
والمراد غفران الصغائر؛ فإنَّ غفران الكبائر منوط بالتوبة. بذل المجهود (4/ 297).
وقال الأردبيلي -رحمه الله-:
المراد بالغفران: الصغائر من حقوق الله تعالى. الأزهار شرح مصابيح السنة مخطوط لوح (147).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
قوله: «غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه» فيه فائدة حسنة، وهي أنه يُغفر له وإن لم يسأل المغفرة؛ لأن الملائكة سألتها له؛ لقوله تعالى: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ} الشورى: 5. القبس (ص: 238).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
وقع في أمالي الجرجاني عن أبي العباس الأصم، عن بحر بن نصر، عن ابن وهب، عن يونس في آخر هذا الحديث: «وما تأخر» وهي زيادة شاذة. فتح الباري (2/ 265).
قوله: «فإذا وافق قولُ أهل الأرض قولَ أهل السماء»:
قال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«قولَ أهل السماء» يعني: الملائكة. الكوكب الوهاج (7/ 172).
وقال النووي -رحمه الله-:
واختلفوا في هؤلاء الملائكة، فقيل: هم الحَفَظَة، وقيل: غيرهم؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم- «فوافق قولُه قولَ أهل السماء»، وأجاب الأولون عنه بأنه إذا قالها الحاضرون من الحفظة قالها مَن فوقهم حتى ينتهي إلى أهل السماء. شرح صحيح مسلم (4/ 130).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
قيل: المراد بالملائكة هنا: الحَفَظَة المتعاقبون بالليل والنهار، يشهدون الصلاة مع المؤمنين، ويؤمِّنون معهم.
ولكن قيل: يَرُدُّ هذا قوله: «في السماء»، وقيل: لا يردُّه، بل إذا قالها الحاضرون قالها مَن فوقهم، حتى ينتهي إلى ملائكة السماء. إكمال المعلم (2/ 309).
وقال ابن هبيرة -رحمه الله-:
في هذا الحديث: ما يدل على أنَّ الملائكة تصلي مع المصلين؛ رغبة في فضيلة الجماعة، فلهذا إن وافق قولُه قولَ الملائكة غُفر له ما تقدَّم من ذنبه.
وفيه: أنَّ الملائكة تتبرك وتغتنم وتبادر إلى الدخول في جملة من دعا له الإمام عند قوله: «سمع الله لمن حمد»، و«مَن» تتناول من يعقل، فتبادر الملائكة إلى الجهر؛ رغبة أن تشملهم الدعوة. الإفصاح (6/ 417).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
في هذا دلالة على أن الملائكة يقولون مع المصلي هذا القول، ويستغفرون ويحضرونه بالدعاء والذِّكر. معالم السنن (1/ 209).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«اللهم» فيه فضيلة ابتداء الدعاء بقوله: «اللهم»، وبوَّب ابن حبان على هذا الحديث: باب ذكر الإباحة للمرء أن يجعل ابتداء دعائه «اللهم». شرح سنن أبي داود (3/ 689).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
في فوائده (أي: هذا الحديث):
1. منها: بيان مشروعيّة قول: «سمع اللَّه لمن حمده» للإمام، وسيأتي حكم تحميده قريبًا.
2. ومنها: بيان مشروعيّة «اللهم ربنا لك الحمد» للمأموم، وسيأتي حكم تسميعه أيضًا.
3. ومنها: بيان رغبة الملائكة في مشاركة المؤمنين في صلاتهم، فيؤمّنون لتأمينهم، ويحمدون لتحميدهم.
4. ومنها: الحثّ على موافقة الملائكة في التحميد؛ وذلك بمتابعة تسميع الإمام.
5. ومنها: بيان فضل موافقة الملائكة في التحميد؛ وذلك أنه سبب لغفران ما تقدّم من الذنوب.
6. ومنها: ما قيل: إنه يُستَدَلُّ به على أن الإمام لا يقول: «ربنا لك الحمد»، وعلى أنَّ المأموم لا يقول: «سمع اللَّه لمن حمده»؛ لكون ذلك لم يُذْكَر في هذه الرواية، كما حكاه الطحاويّ، وهو قول مالك وأبي حنيفة.
وتُعُقّب بأنَّه ليس فيه ما يدلُّ على النفي؛ بل فيه أنَّ قول المأموم: «ربنا لك الحمد» يكون عقب قول الإمام: «سمع اللَّه لمن حمده» والواقع في التصوير ذلك؛ لأن الإمام يقول التسميع في حال انتقاله، والمأموم يقول التحميد في حال اعتداله، فقوله يقع عقب قول الإمام، كما في الخبر. البحر المحيط الثجاج (10/ 9-10).
وينظر الرواية الأخرى في مغفرة الذنوب (هنا)