«ما منكم أحدٌ إلا سَيُكَلِّمُهُ ربُّهُ ليسَ بينَهُ وبينَهُ تُرْجُمَانٌ، فينظرُ أَيْمَنَ منه فلا يرى إلا ما قَدَّمَ من عملِهِ، وينظرُ أَشْأَمَ منه فلا يرى إلا ما قدَّمَ، وينظرُ بينَ يديهِ فلا يرى إلا النارَ تلقاءَ وجهِهِ، فاتقوا النارَ ولو بشِقِّ تمرةٍ».
رواه البخاري برقم: (7512) واللفظ له، ومسلم برقم: (1016)، من حديث عدي بن حاتم -رضي الله عنه-.
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«تُرْجُمَانٌ»:
التُّرْجُمانُ بالضم والفتح: هو الذي يُتَرْجِمُ الكلام، أي يَنْقُلُهُ من لغة إلى لغة أخرى. النهاية، لابن الأثير (1/ 186).
«أَشْأَمَ منه»:
أي: في الجانب الذي في شماله. مرقاة المفاتيح (8/ 3524).
والأَشْأَمُ يعني: الشِّمال، ويقال لليد الشِّمال: الشُّؤْمَى...، ومنه قول الله -جلَّ ثناؤه-: {وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ} الواقعة:9، يريد أصحاب الشِّمال. غريب الحديث، لأبي عبيد القاسم بن سلام (2/ 634).
«تَلْقَاءَ وَجْهِهِ»:
يعني: جِهَةَ وَجْهِهِ. مقاييس اللغة، لابن فارس (6/ 89).
«بِشِقِّ تَمْرَةٍ»:
الشِّقُّ: نصف الشيء...، أي: نصف تمرة؛ يريد ألا تَسْتَقِلُّوا من الصدقة شيئًا. لسان العرب، لابن منظور (10/ 183).
شرح الحديث
قوله: «ما منكم أحدٌ إلا سَيُكَلِّمُهُ ربُّه ليس بينه وبينه تُرْجُمَانٌ»:
قال ابن الملك -رحمه الله-:
قال: «ما منكم من أحد إلا سَيُكَلِّمُهُ ربُّه يوم القيامة، ليس بينه وبينه» أي: ليس بين ربه تعالى وبين العبد، «تُرْجُمَانٌ» بضم التاء والجيم وبفتح التاء أيضًا؛ يعني: مُفَسِّر. شرح المصابيح (6/ 39-40).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «ما منكم من أحد» ظاهرُ الخطاب للصحابة، ويلتحق بهم المؤمنون كلهم، سابِقُهم ومُقَصِّرهم. فتح الباري (11/ 404).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«ما منكم من أحد» (مِن) مَزِيدة لاستغراق النفي، والخِطَاب للمؤمنين، «إلا سَيُكَلِّمُهُ ربُّه» أي: بلا واسطة، والاستثناء مُفَرَّغٌ من أَعَمِّ الأحوال، «ليس بينه وبينه» أي: بين الرب والعبد، «تُرْجُمَانٌ» بفتح الفوقية وسكون الراء وضم الجيم، ويجوز ضَمُّه إِتْبَاعًا على ما في نُسْخَةٍ، وكزعفران على ما في القاموس، أي: مُفَسِّرٌ للكلام بلغة عن لغة، يقال: تَرْجَمْتُ عنه، والفعل يدل على أصالة التاء، وفي التهذيب التاء أصلية وليست بزائدة، والكلمة رباعية. مرقاة المفاتيح (8/ 3524).
وقال الشيخ فيصل ابن المبارك -رحمه الله-:
قوله: «ليس بينه وبينه تُرْجُمَانٌ» المراد أن الله يُكَلِّمه بلا واسطة. تطريز رياض الصالحين (ص: 274).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
هذا الحديث الذي بيَّن فيه أن الله -سبحانه وتعالى- سَيُكَلِّم كل إنسان على حِدة يوم القيامة، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الإنسان إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ} الانشقاق: 6، يعني سوف تلاقي ربك ويُحاسبك على هذا الكَدْحِ، أي الكَدّ والتعب الذي عَمِلْتَ، ولكن بشرى للمؤمن، كما قال الله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} البقرة:223، الحمد لله، المؤمن إذا لاقى ربه فإنه على خير.
ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم- هنا في الحديث: «ما منكم من أحد إلا سَيُكَلِّمُهُ ربُّه ليس بينه وبينه تُرْجُمَانٌ» يعني: يُكلِّمه الله يوم القيامة بدون مُتَرْجِم، يُكَلِّمُ الله كل عبد مؤمن، فيُقَرِّرُه بذنوبه، يقول له: عَمِلْتَ كذا وكذا في يوم كذا وكذا، فإذا أَقَرَّ بها وظَنَّ أنه قد هلك، قال: «إني قد سَتَرْتُهَا عليك في الدنيا، وأنا أَغْفِرُها لك اليوم»، فكم من ذنوب علينا سَتَرَهَا الله -عز وجل- لا يعلمها إلا هو؟ فإذا كان يوم القيامة أتم علينا النعمة بمغفرتها وعدم العقوبة علينا، ولله الحمد. شرح رياض الصالحين (2/ 201-202).
وقال الشيخ عبد الله الغنيمان -حفظه الله-:
الحديث واضح الدلالة على عموم كلام الله تعالى للمؤمنين؛ لأن قوله: «ما منكم من أحد» نكرة سبقت بالنفي، فهي من صيغ العموم، غير أن قوله: «منكم» يجوز أن يكون قيدًا في المؤمنين، ويخرج من ذلك العموم الكفار؛ لأنهم ليسوا منا.
وقوله: «سَيُكَلِّمُهُ ربُّه» السين للاستقبال من الزمان؛ لأن هذا التكليم لا يكون إلا يوم القيامة، والتُرْجُمَانُ: هو الواسطة التي تنقل الكلام من المتكلم إلى المكَلَّم، سواء اختلفت اللغة، أو لم تختلف.
قال في اللسان: التُرْجُمَانُ: الْمُفَسِّرُ للسان، وهو الذي يُتَرْجِمُ الكلام، أي: ينقله من لغة إلى لغة، وليس هذا من تمام التعريف، بل لا يلزم أن يكون نقله من لغة إلى أخرى.
ومعنى ذلك: أن العبد سيقف بين يدي الله تعالى يوم القيامة، فيحاسبه على ما كَلَّفَه به من دِينه هل قام به، أو أهمله؟ ويحاسبه على أعماله، وكل تصرفاته؛ وذلك بدون واسطة من خلقه، بل هو -جل جلاله- يتولى ذلك بنفسه، فيُكَلِّمُ عبده ويُسَائِلُهُ. شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري (2/ 413-414).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«ما منكم من أحد» ظاهر الخطاب للصحابة ويلحق بهم المؤمنون كلهم سابقهم ومقصرهم، أشار إلى ذلك ابن أبي جمرة، أي: ما من أحد منكم إلا سَيُكَلِّمه الله -سبحانه وتعالى- يوم القيامة، والحال أنه «ليس بينه» أي: بين الله -سبحانه وتعالى-، «وبينه» أي: وبين أحد منكم، «تُرْجُمَانٌ» بفتح التاء وضم الجيم وفتحها، فيُضَمَّان ويُفْتَحَان، وهو الذي يُتَرْجِمُ الكلام، أي: ينقله من لغة إلى أخرى، والمراد أن الله -سبحانه وتعالى- يُكلِّم ويخاطِب العبد بلا واسطة، ولم يذكر في هذه الرواية ما يقول له، ولكن بيَّنه في رواية أخرى: «ثم لَيَقُولَنَّ له: أَلَمْ أُوتِكَ مالًا؟ فلَيَقُولَنَّ: بلى، ثم ليَقُولنَّ: أَلَمْ أُرْسِلْ إليك رسولًا؟ فلَيقُولنَّ: بلى».
والمراد بالتُّرْجُمَانِ هنا: الرسول؛ لأن الله تعالى لا يخفى عليه لغة، فيكون كلامه تعالى في الآخرة بالوحي لا بالرسول. الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم (12/ 61-62).
وقال الشيخ عبد العزيز الراجحي -حفظه الله-:
قوله: «ما منكم من أحد إلا سَيُكَلِّمُهُ ربُّه» فيه: إثبات الكلام لله يوم القيامة، مع الأنبياء وغير الأنبياء. شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري (ص: 144).
قوله: «فينْظُرُ أَيْمَنَ منه فلا يرى إلا ما قدَّم مِن عَمَلِهِ، وينظر أَشْأَمَ منه فلا يرى إلا ما قَدَّمَ، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تِلْقَاءَ وَجْهِهِ»:
قال ابن الملك -رحمه الله-:
«فينظر» أي: العبد، «أَيْمَنَ منه» أي: يمينًا؛ حَيْرَةً ودَهْشَةً من ذلك الموقف، «فلا يرى إلا ما قدَّم مِن عَمَلِهِ» الذي عَمِلَه في الدنيا، «وينظر أَشْأَمَ منه» أي: شمالًا، «فلا يرى إلا ما قدَّم مِن عَمَله، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاءَ وجهه». شرح المصابيح (6/ 39-40).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
وقوله: (أَيْمَنَ وأَشْأَمَ) بالنصب فيهما على الظرفية، والمراد بهما اليمين والشمال، قال ابن هبيرة: نَظَرُ اليمين والشمال هنا كالمثل؛ لأن الإنسان مِن شَأْنِهِ إذا دَهَمَهُ أمْرٌ أن يلتفت يمينًا وشمالًا يطلب الغوث.
قلتُ: ويحتمل أن يكون سبب الالتفات أنه يَتَرَجَّى أن يجد طريقًا يذهب فيها؛ ليحصل له النجاة من النار فلا يرى إلا ما يُفضي به إلى النار، كما وقع في رواية مُحِلِّ بن خليفة قوله: «ثم ينظر بين يديه فتَسْتَقْبِلُه النار»، في رواية عيسى: «وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه»، وفي رواية أبي معاوية: «ينْظُرُ تلقاءَ وجهه فتَسْتَقْبِلُهُ النار»، قال ابن هبيرة: والسبب في ذلك أن النار تكون في مَمَرِّهِ فلا يمكنه أن يحيد عنها؛ إذ لا بد له من المرور على الصراط. فتح الباري (11/ 404).
وقال الكرماني -رحمه الله-:
«الأَيْمَنُ» الميمنة، و«الأَشْأَمُ» الْمَشْأَمَة. الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (25/ 201).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
«فينظر أَيْمَنَ منه فلا يرى إلا ما قدم مِن عَمَله، وينظر» ولأبي ذر عن الكشميهني: «ثم ينظر أَشْأَمَ منه فلا يرى إلا ما قدَّم» مِن عَمَله، «وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه»؛ لأنها تكون في مَمَرِّهِ فلا يمكنه أن يحيد عنها؛ إذ لا بد له من المرور على الصراط. إرشاد الساري (10/ 444).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
وقوله: «أَيْمَنَ منه»، و«أَشْأَمَ منه» كلاهما منصوب على الظرف، ويعني بهما: يمينه وشماله، مأخوذ من اليد اليمنى والشُّؤْمَى. المفهم (3/ 61).
وقال المظهري -رحمه الله-:
«الأيمن» بمعنى اليمين، و«الأَشْأَمُ» بمعنى الشمال؛ يعني: إذا كَلَّم الله سبحانه عبدًا من عباده، فقد تَحَيَّرَ في ذلك الموطن؛ بحيث لا مهرب له ولا نصير، فإذا نظر إلى يمينه وشماله فلا يرى إلا العمل، وإذا نظر إلى بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه. المفاتيح في شرح المصابيح (5/ 486-487).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«أَيْمَنَ منه» أي: مِن ذلك الموقف، وقال شارحٌ: ضميرُ (منه) راجع إلى العبد، قلتُ: والمآل واحد، والمعنى: ينظر في الجانب الذي على يمينه، «فلا يرى إلا ما قدَّم مِن عَمَله» أي: عَمَلِهِ الصالح مُصَوَّرًا، أو جَزَائِهِ مُقَدَّرًا، «وينظر أَشْأَمَ منه» أي: في الجانب الذي في شماله «فلا يرى إلا ما قدم» أي: مِن عَمَله السيئ.
والحاصل أن النصب في (أَيْمَنَ) و(أَشْأَمَ) على الظرفية، والمراد بهما اليمين والشمال، فقيل: نظر اليمين والشمال هنا كالمثل؛ لأن الإنسان من شأنه إذا دَهَمَه أمر أن يلتفت يمينًا وشمالًا؛ لطلب الغوث...، «وينظر بين يديه، فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه» أي: في محاذاته وعليها الصراط. مرقاة المفاتيح (8/ 3524).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
ثم قال: «فينظر أَيْمَنَ منه» يعني: عن يمينه «فلا يرى إلا ما قدَّم، وينظر أَشْأَمَ منه» أي: عن يساره «فلا يرى إلا ما قدَّم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه». شرح رياض الصالحين (2/ 202).
وقال الشيخ عبد الله الغنيمان -حفظه الله-:
وقوله: «فينظر أَيْمَنَ منه فلا يرى إلا ما قدَّم من عَمَله، وينظر أَشْأَمَ منه فلا يرى إلا ما قدَّم» أي: أن أعماله تكون حاضرة عن يمينه، وعن شماله، فالحسنات عن يمينه، والسيئات على شماله، لا يُغَادِره في ذلك الموقف شيء منها؛ ولهذا قال: «فلا يرى إلا ما قدَّم»، وقد يكون كما قال ابن هبيرة: إنه ينظر عن يمينه وعن شماله كحالة الذي دَهَمَهُ أمر عظيم، فهو يتلفت يطلب النجاة، أو الغوث.
قوله: «وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه»؛ وذلك أن النار في ذلك الموقف حائلة بين الناس وبين الجنة، فلا بد من وُرُودِهَا لكل أحد، ثم يُنَجِّي الله الذين اتقوا، ويَذَرُ الظالمين فيها جثيًّا. شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري (2/ 414).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«فينظر» أحدكم حينما كلَّمه تعالى «أَيْمَنَ منه» أي: إلى جانبه الأيمن، «فلا يرى إلا ما قدَّم» من أعماله الصالحة، «وينظر أَشْأَمَ منه» أي: إلى جانبه الشمال «فلا يرى إلا ما قدَّم» مِن أعماله السيئة، «وينظر بين يديه» أي: قُدَّامَه «فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه» أي: قبالة وجهه. الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم (12/ 62).
قوله: «فاتقوا النار ولو بِشِقِّ تمرة»:
قال القسطلاني -رحمه الله-:
«فاتقوا النار ولو بِشِقِّ تمرة» بِكسرِ المعجمة: بنصفها، أي: فاحذروا النار فلا تظلموا أحدًا ولو بمقدار شِقِّ تمرة، أو فاجعلوا الصدقة جنة بينكم وبين النار ولو بِشِقِّ تمرة. إرشاد الساري (10/ 444).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
أي: اجعلوا بينكم وبينها وقاية؛ من الصدقة وعَمَلِ البِرِّ ولو بشيء يسير. فتح الباري (11/ 405).
وقال ابن الملك -رحمه الله- أيضًا:
«ولو بِشِقِّ تمرة» أي: ولو بشيء يسير من عمل البِرِّ. شرح المصابيح (6/40).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«شِقّ تمرة» بكسر المعجمة أي: جانِبها أو نصفها، فإنه يفيد، فقد يَسُدُّ الرمق للطفل، فلا يحتقر المتصدق ذلك، فـ(لو) هنا للتقليل، كما تقرر، وهو معدود من معانيها، كما في المغني عن اللخمي وغيره.
وقد ذَكَرَ التمرة دون غيرها كلقمة طعام؛ لأن التمر غالبُ قُوْتِ أهل الحجاز، والاتِّقاء من النار كناية عن محو الذنوب. فيض القدير (1/ 138).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
وقوله: «اتقوا النار ولو بِشِقِّ تمرة» تحريض على الصدقة، وأنه لا يُسْتَحْقَرُ منها شيء، وشِقُّ الشيء: نصفه. إكمال المعلم (3/ 539).
وقال المظهري -رحمه الله-:
«فاتقوا النار ولو بِشِقِّ تمرة» يعني: فإذا عرفتم ذلك، فاحذروا النار، ولو بشيء يسير؛ يعني: لا تَجْتَرِئُوا على المعاصي ولو كانت صغائر، فإن المعاصي في معرض المؤاخذة، إلا أن يتوب وتصلح سريرته. المفاتيح في شرح المصابيح (5/ 487).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«فاتقوا النار» أي: إذا عرفتم ذلك فاحذروا منها، ولا تظلموا أحدًا «ولو بِشِقِّ تمرة»، أو فتصدقوا ولو بِشِقِّ تمرة، أي: ولو بمقدار نصفها أو ببعضها، والمعنى: ولو بشيء يسير منها أو من غيرها؛ فإنه حجاب وحاجز بينكم وبين النار، فإن الصدقة جُنَّةٌ ووسيلةٌ إلى جَنَّةٍ. مرقاة المفاتيح (8/ 3524).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«فـ» أقول لكم: «اتقوا النار» أي: اجعلوا الوقاية والسِّتَارة بينكم وبين النار «ولو بِشِقِّ تمرة» أي: ولو كان الذي تتقون به منها بعض حَبَّةِ تمرٍ، أي: ولو كان الاتقاء بِتَصَدُّقِ تمرة. الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم (12/ 62).
وقال الشيخ فيصل ابن المبارك -رحمه الله-:
وفي الحديث: الحث على الصدقة، والاستكثار من الأعمال الصالحة. تطريز رياض الصالحين (ص: 274).
وقال الشيخ ابن سعدي -رحمه الله-:
في هذا الحديث: أنَّ من أعظم المنجيات من النار: الإحسان إلى الخَلْقِ بالمال والأقوال، وأن العبد لا ينبغي له أن يَحْتَقِر من المعروف ولو شيئًا قليلًا.بهجة قلوب الأبرار (ص: 181-182).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: «فاتقوا النار ولو بِشِقِّ تمرة» يعني: ولو بنصف تمرة أو أقلَّ، اتَّقِ النار بهذا.
ففي هذا الحديث: دليل على كلام الله -عز وجل-، وأنه -سبحانه وتعالى- يتكلم بكلام مسموع مفهوم، لا يحتاج إلى ترجمة، يعرفه المخاطَب به.
وفيه: دليل على أن الصدقة ولو قَلَّتْ تنجي من النار؛ لقوله: «اتقوا النار ولو بِشِقِّ تمرة». شرح رياض الصالحين (2/ 202-203).
وقال الشيخ عبد الله الغنيمان -حفظه الله-:
«فاتقوا النار ولو بِشِقِّ تمرة» يعني: نصفها، والمقصود: تقديم العمل الصالح الذي يكون واقيًا لصاحبه من النار، وساترًا له منها، وهذا يدل على وجوب تقديم العمل الصالح، المنْبَعِثِ عن تقوى الله تعالى والإيمان به، وبملاقاته ومحاسَبته، ويدل على نفع العمل الصالح ولو قلَّ. شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري (2/ 414).