الأحد 21 شوّال 1446 هـ | 20-04-2025 م

A a

«أنَّ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كانَ إذا رَمَى الجِمارَ مَشَى إليها ذَاهِبًا ورَاجِعًا».


رواه أحمد برقم: (6457)، وأبو داود برقم: (1969)، والترمذي برقم: (900) واللفظ له، والبيهقي في الكبرى برقم: (9558)، والدارقطني برقم: (2681)، من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-.
صحيح الجامع برقم: (4735)، سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (2072).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«الجِمَار»:
جمْع جَمْرَة، والجَمْرَة: اجتماعُ القَبِيلَة الواحدة على من ناوأها من سائِر القبائِل، ومن هذا قيل لمواضع الجِمار التي تُرْمى بمِنًى: جمرات؛ لأنَّ كلَّ مُجْتَمعِ حَصًى منها جَمْرَة، وهِي ثلاثُ جَمَرات. تهذيب اللغة، للأزهري (11/ 53).
وقال النسفي -رحمه الله-:
الجَمرة هي الحِجارة مثل ‌الحَصى. طلبة الطلبة، للنسفي (ص:32).


شرح الحديث


قوله: «أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- كان إذا رمى الجِمَارَ مشى إليها ذاهبًا وراجعًا»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
«إذا رمى الجمار» جمع جمرة، وهي الحجر الصغيرة، والمراد هنا مواضع الرمي بمنى، وسُمي الموضع جمرة؛ لأنه يُرمى بالجمار، وقيل: لأنها مجمع الحصى التي يرمى بها من الجمرة، وهي اجتماع القبيلة، وقيل: لغير ذلك، والمراد: إذا أراد ‌رمي ‌الجمار «‌مشى إليه» ولم يركب، وذكَّر الضمير نظرًا إلى أنَّه محلٌّ وموضعٌ، بل يمشي «ذاهبًا» إليها «وراجعًا» منها، فهو من سُنن الرمي. التنوير (8/ 408).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«ذاهبًا وراجعًا» فيه أنَّه يسنُّ الرَّمي ماشيًا، وقيَّده الشافعية برمي غير النَّفْرِ، أما هو فيرميه راكبًا؛ لأدلةٍ مبيَّنة في الفروع، وقال الحنفية: كل رمي بعده رمي يرميه ماشيًا مطلقًا، ورجَّحه المحقق ابن الهمام، وقال مالك وأحمد: ماشيًا في أيام التشريق. فيض القدير (5/ 141).
وقال سحنون -رحمه الله-:
قال (ابن القاسم): قال مالك: أما الشأن يوم النحر فيرمي جمرة العقبة راكبًا، كما يأتي على دابته، يمضي كما هو يرمي، وأما في غير يوم النحر، فكان يقول: يرمي ‌ماشيًا.
قلتُ: فإن ركب في ‌رمي ‌الجمار في الأيام الثلاثة، أو مشى يوم النحر إلى جمرة العقبة فرماها ‌ماشيًا هل عليه لذلك شيء؟ قال: ليس عليه لذلك شيء. المدونة (1/ 437).
وقال الشافعي -رحمه الله-:
ولا يرمي يوم النحر إلا ‌جمرة ‌العقبة وحدها، ويرميها راكبًا، وكذلك يرميها يوم النَّفْرِ راكبًا، ويمشي في اليومين الآخرين أحب إليَّ، وإن ركب فلا شيء عليه. الأم (2/ 234).
وقال الطحاوي -رحمه الله-:
حدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد بن خالد الكندي، عن إبراهيم بن الجراح قال: دخلتُ على أبي يوسف أعوده في مرض موته فوجدته مغمى عليه، فقال: يا إبراهيم، أيهما أفضل للحاج في رمي ‌الجمار، أنْ يرميها راجلًا أو راكبًا؟ قال: فقلتُ: راجلًا، ثم قال: ما كان منها يوقف عنده فالأفضل أنْ يرميه راجلًا، وما كان منها لا يوقف عنده فالأفضل أنْ يرميه راكبًا، قال: ثم خرجتُ من عنده، فما بلغتُ باب داره حتى سمعتُ الصراخ عليه، وإذ هو قد تُوفي.
وقال مالك: يرمي جمرة العقبة يوم النحر راكبًا، وفي غير يوم النحر يرمي ‌ماشيًا، وإن ركب في كلها فلا شيء عليه، وعن الشافعي مثله. اختلاف العلماء (2/ 159).
وقال ابن الجَلَّاب المالكي -رحمه الله-:
ويرمي يوم النحر راكبًا وسائر أيام منى ‌ماشيًا. التفريع (1/ 231).
وقال القاضي عبد الوهاب بن نصر المالكي -رحمه الله-:
والمستحب عندنا أنْ يرمي يوم النحر راكبًا، وأنْ يرمي أيام منى ‌ماشيًا؛ لأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كذلك كان يفعل. شرح الرسالة (2/ 189).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
ويرمي ‌الجمار في أيام منى ‌ماشيًا بخلاف جمرة النحر. الكافي (1/ 377).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله- أيضًا:
رمى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أيام التشريق الجمار ماشيًا، وفعل ذلك جماعة الخلفاء بعده، وعليه العمل عند العلماء وحسبك.
وما حكاه القاسم بن محمد عن جماعة الناس في ذلك لا يختلفون أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقف بعرفة راكبًا، ورمى الجمار ماشيًا؛ وذلك أفضل عند الجميع، فمَن وقف راجلًا بعرفة، أو رمى الجمار راكبًا فلا أعلم أحدًا أوجب عليه شيئًا؛ ولما قال القاسم: إنَّ أول مَن فعل ذلك معاوية دل على أنَّ غيره فعل ذلك بعده، وإنَّ كان ذلك لم يُحمد له، والله أعلم، وأما جمرة العقبة، فقد روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنَّه رماها راكبًا؛ ليرى الناس كيف الرمي؟ وذلك محفوظ في حديث جابر، وكان ابن عمر يرمي جمرة يوم النحر راكبًا، ويرمي سائر الجمار أيام التشريق ماشيًا. الاستذكار (4/ 351).
وقال اللخمي المالكي -رحمه الله-:
ويرمي جمرة العقبة يوم النحر على هيئة ما يأتون عليه من المزدلفة، فلا ينزل للرمي مَن أتى راكبًا، ولا يركب له مَن أتى ‌ماشيًا. التبصرة (3/ 1225).
وقال القنازعي -رحمه الله-:
وسُنة ‌رمي ‌الجمار: أنْ يرميها الرجل ‌ماشيًا، وإنما ركب معاوية بن أبي سفيان في رميه إياها حين ثَقُلَ، وحمل اللحم، وصعب عليه المشي. تفسير الموطأ (2/ 660).
وقال اللكنوي -رحمه الله-:
ثم المراد بالركوب ها هنا المحكوم بأوّليّته من معاوية الركوب في جميع الجمار، أو الركوب في غير يوم النحر، وإلا فالركوب يوم النحر عند جمرة العقبة ثابت في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند البخاري ومسلم وغيرهما. التعليق الممجد على موطأ محمد (2/ 409).
وقال الترمذي -رحمه الله- بعد أنْ ذكر هذا الحديث:
والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم، وقال بعضهم: يركب يوم النحر، ويمشي في الأيام التي بعد يوم النحر، وكأنَّ مَن قال هذا إنَّما أراد اتباع النبي -صلى الله عليه وسلم- في فعله؛ لأنه إنَّما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه ركب يوم النحر، حيث ذهب يرمي الجمار، ولا يرمي يوم النحر إلا جمرة العقبة. سنن الترمذي (3/ 236).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
ليس من سُنة الرمي الركوب له، ولا الترجُّل، ولكن يرمي الرجل على هيئته التي يكون حينئذٍ عليها، من ركوب أو مشي، ولا ينزل إن كان راكبًا لرمي، ولا يركب إن كان ‌ماشيًا، وهذا في جمرة العقبة، وأما الأيام بعدها فيرمي ‌ماشيًا؛ لأن الناس نازلون بمنى منازلهم فيها، فيمشون للرمي، ولا يركبون؛ لأنه خروج عن التواضع حينئذٍ، هذا مذهب مالك، واستحب أحمد وإسحاق الرمي ‌ماشيًا، ورُوي ذلك عن بعض الصحابة. إكمال المعلم (4/ 379).
وقال القاضي عبد الوهاب بن نصر المالكي -رحمه الله-:
المستحب أنْ يرمي يوم النحر راكبًا، وأيام مِنَى ‌ماشيًا؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- كذلك فعل. المعونة (ص:587).
وقال ابن مازه البخاري -رحمه الله-:
وقال أبو يوسف: ‌كل ‌رمي ‌بعده ‌وقوف فالرمي ماشيًا أفضل، وكل رمي لا وقوف بعده فالرامي راكبًا أفضل؛ وهذا لأن كل رمي لا وقوف بعده، والمستحق على الرامي الوقوف بعد الرمي، والماشي أمكن للوقوف من الراكب، فمكان الرمي ماشيًا أفضل، وفي مناسك الحسن (ابن دينار): ويُستحب له أنْ يمشي إلى الجمار إذا أراد أنْ يرميها، وإنْ ركب فلا بأس، والمشي أفضل. المحيط البرهاني (2/ 430).
وقال النووي -رحمه الله-:
مذهبنا (الشافعية) أنه يستحب رمي ‌جمرة ‌العقبة يوم النحر راكبًا إن كان دخل منى راكبًا، ويرمي في أيام التشريق ‌ماشيًا إلا يوم النَّفْرِ فراكبًا، وبه قال مالك. المجموع (8/ 183).
وقال النووي -رحمه الله- أيضًا:
يُستحب لمن وصل منى راكبًا أن يرمي جمرة العقبة يوم النحر راكبًا، ولو رماها ماشيًا جاز، وأما من وصلها ماشيًا فيرميها ماشيًا، وهذا في يوم النحر، وأما اليومان الأولان من أيام التشريق فالسُّنة أن يرمي فيهما جميع الجمرات ماشيًا، وفي اليوم الثالث يرمي راكبًا وينفر، هذا كله مذهب مالك والشافعي وغيرهما، وقال أحمد وإسحاق: يُستحب يوم النحر أنْ يرمي ماشيًا، قال ابن المنذر: وكان ابن عمر وابن الزبير وسالم يرمون مشاة، قال: وأجمعوا على أن الرمي يجزئه على أي حال رماه إذا وقع في المرمى. المنهاج (9/ 45).
وقال النسفي الحنفي -رحمه الله-:
وكُل رمي بعده رمي فارمِ ‌ماشيًا وإلا فراكبًا. كنز الدقائق (ص:230).
وقال ابن تيمية -رحمه الله-:
والسُّنة أن يمشي من منزله إلى الجمار، ويرميها واقفًا، ويرجع إلى منزله؛ لما روي عن ابن عمر أنه كان يأتي الجمار في الأيام الثلاثة بعد النحر ماشيًا ذاهبًا وراجعًا، ويخبر «أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يفعل ذلك» رواه أحمد وأبو داود -وهذا لفظه- والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح، ولفظ أحمد: أنه كان يرمي الجمرة يوم النحر راكبًا، وسائر ذلك ماشيًا، ويخبرهم «أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يفعل ذلك»، فإن كان له عذر فلا بأس بالركوب، قال حرب: قلتُ لأحمد: فالركوب إلى الجمار؟ قال: للنساء والضعفة، ولا فرق بين الرمي يوم النفر وقبله.
واختلف أصحابنا في الأفضل، فقال أبو الخطاب وجماعة: الأفضل أن يرمي الجمار كلها ماشيًا؛ لأن في حديث ابن عمر: «أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا رمى الجمار مشى إليها ذاهبًا وراجعًا» هذا لفظ الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح. شرح عمدة الفقه (2/ 561، 562).
وقال ابن أبي العز الحنفي -رحمه الله-:
ينبغي أن يكون الأفضل أن يرمي ‌جمرة ‌العقبة يوم النحر راكبًا، وبقية الرمي في الأيام كلها ‌ماشيًا. التنبيه على مشكلات الهداية (3/ 1052).
وقال العيني -رحمه الله-:
وقد أجمع العلماء على جواز الأمرين معًا، واختلفوا في الأفضل من ذلك، فذهب أحمد وإسحاق إلى استحباب الرمي ‌ماشيًا، وروى البيهقي بإسناده إلى جابر بن عبد الله: أنه كان يكره أن يركب إلى شيء من الجمار إلا من ضرورة، وذهب مالك إلى استحباب المشي في رمي أيام التشريق، وأما جمرة العقبة يوم النحر فيرميها على حسب حاله كيف كان. عمدة القاري (10/ 75).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
أجمعوا على أنَّ إتيان الجمار راكبًا وماشيًا جائز، ولكن اختلفوا في الأفضل، فقال الشافعي: يرمي ‌جمرة ‌العقبة راكبًا، وكذلك يرمي يوم النفر راكبًا، وأن يمشي في اليومين الأخيرين أحب إليَّ، وإن ركب فلا شيء عليه، هذا لفظ الشافعي، وهو مذهب مالك. شرح سنن أبي داود (9/ 86، 87).


ابلاغ عن خطا