الأحد 21 شوّال 1446 هـ | 20-04-2025 م

A a

«‌لا ‌يَغُرَّنَّكُمْ ‌مِن ‌سَحُورِكُمْ ‌أذانُ ‌بلالٍ، ‌ولا ‌بياضُ ‌الأُفُقِ ‌المُسْتَطِيلُ ‌هكذا، ‌حتَّى ‌يَسْتَطِيرَ ‌هكذا»


رواه مسلم برقم: (1094)، من حديث سَمُرَة بن جُنْدُب -رضي الله عنه-.


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«لا يغرنَّكم»:
قال ابن حجر -رحمه الله-:
الغرور وهو فعول بمعنى فاعل، تقول: غررتُ فلانًا، أصبتُ غِرّته، ونلتُ ما أردتُ منه، والغِرّة: بالكسر غفلة في اليقظة. فتح الباري(11/ 250).

«الأُفُق»:
بضمَّتينِ (وبضم فسكون): النَّاحيةُ مِن الأرضِ، ومِن السَّماءِ، والجمْعُ: آفَاق (أي: نواحي السماء والأرض). المصباح المنير، للفيومي (1/ 16).
وقال ابن فارس -رحمه الله-:
ومِن ذلك الآفَاقُ: النَّوَاحِي والأطرافُ، وآفَاقُ البيتِ مِن بُيُوتِ الأعرابِ: نواحِيهِ دونَ سَمْكِهِ. مقاييس اللغة (1/ 114).

«يَسْتَطَيرُ»:
أي: يكون معترضًا. إتحاف أهل الإسلام بخصوصيات الصيام، للهيتمي (ص: 168).
قال الأزهري -رحمه الله-:
استطارَ الغُبَارُ إِذا انْتَشَر في الهواء، واستطار الفجرُ إذا انْتَشَر في الأفُق ضَوْؤُه، فهو مُسْتَطِيرٌ، وهو الصُّبْح الصَّادِق البيّن الَّذي يُحَرِّم على الصَّائِم الأكل والشربَ والجماعَ، وبه تحلُّ صلاةُ الفجر، وهو الخيط الأبيضُ الَّذِي ذكره الله تعالى في كتابه. تهذيب اللغة (14/ 12).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
استطار ضوء الفجر: إذا انبسط في ‌الأفق وانتشر. جامع الأصول (6/ 370).


شرح الحديث


قوله: «‌لا ‌يَغُرَّنَّكُمْ ‌مِنْ ‌سَحُورِكُمْ ‌أذانُ ‌بلالٍ»:
قال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«لا يغرنكم» أي: لا يمنعنكم. الكوكب الوهاج (12/ 385).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
المعنى: ولا يمنعكم البياض الذي يَصْعَد إلى السماء، وتسميه العرب ذَنَب السِّرْحان، وبطلوعه لا يدخل وقت الصبح، وهو الفجر الكاذب، يَطْلُع أوّلًا مستطيلًا إلى السماء، ثم يغيب، وبعد غيبوبته بزمان يسير يظهر الفجر الصادق. البحر المحيط الثجاج(20/٥٤٥)
وقال النووي -رحمه الله-:
«مِن سَحوركم» السَّحور: ضبطناه بفتح السين وضمِّها، فالمفتوح اسم للمأكول، والمضموم اسم للفعل، وكلاهما صحيح هنا. المنهاج (7/ 205).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«مِن سَحوركم» بضم السين مصدرًا، أي: تَسَحُّركم، وبفتحها اسم، أي: مِن أَكْلِ سحوركم، وهو ما يُتسحر به.
«أذان بلال» أي: فإنه يؤذِّن بليلٍ. مرقاة المفاتيح (2/ 574).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
ادَّعى بعض الحنفية -كما حكاه السروجي منهم- أنَّ النداء قبل الفجر لم يكن بألفاظ الأذان، وإنما كان تذكيرًا أو تسحيرًا، كما يقع للناس اليوم، وهذا مردود؛ لكون الذي يصنعه الناس اليوم محْدَثٌ قطعًا، وقد تضافرت الطرق على التعبير بلفظ الأذان، فحَمْلُه على معناه الشرعي مقدَّم؛ ولأن الأذان الأول لو كان بألفاظ مخصوصة لما الْتَبَس على السامعين، وسياق الخبر يقتضي أنه خَشِي عليهم الالتباس، وادعى ابن القطان أنَّ ذلك كان في رمضان خاصة، وفيه نظر. فتح الباري (2/ 104).

قوله:‌ «ولا ‌بياضُ ‌الْأُفُقِ ‌المُسْتَطِيلُ هكذا»:
قال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«ولا بياضُ ‌الأفق المستطيلُ» بالرفع صفة لـ«بياض»، «هكذا» أي: عاليًا في السماء. الكوكب الوهاج (12/ 386).
وقال السهارنفوري -رحمه الله-:
«ولا بياضُ ‌الأُفق هكذا» أي: المستطيلُ؛ فإنه الفجر الكاذب، «حتى ‌يستطير» أي: حتى ينتشر في ‌الأفق عَرْضًا، والصبح الصادق المبدأ للصوم. بذل المجهود (8/ 483).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
الفجرُ المستطيل: وهو الفجر الكاذب يَطلع أولًا مستطيلًا صاعدًا إلى السماء، ثم يغيب، وبعد غَيبته بزمان يسيرٍ يظهرُ الفجر الصادق. شرح المصابيح (1/ 412).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
«المستطيلُ» يعني: الذي يَطلع طويلًا، فهذا البياض هو المسمى: بالفجر الكاذب، وشُبِّه بذَنَب السِّرحان، وهو الذئب، وسُمِّي به، وهذا الفجر لا يتعلق عليه حكم، لا من الصيام، ولا من الصلاة، ولا من غيرهما.
وأما الفجر الصادق: فهو الذي أشار النبي -صلى الله عليه وسلم- حيث وضع المسبِّحَة على المسبِّحة، ومدَّ يديه، وهو إشارة إلى أنه يطلع مُعْتَرضًا، ثم يعمُّ الأفق ذاهبًا فيه عرضًا، ويستطير أي: ينتشر. المفهم (3/ 153).

قوله: «حتى ‌يَسْتَطِيرَ ‌هكذا»
قال ابن قرقول -رحمه الله-:
«المُسْتَطِيرُ» هو المنتشِر في ‌الأفق لا الصاعد، وخلافُه: «المُسْتَطِيْلُ» وهو الصاعد إلى ‌الأفق. مطالع الأنوار (3/ 289).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
«حتى ‌يستطير» أي: ينتشر ذلك العمود أي: في نواحي ‌الأفق. تحفة المحتاج (1/ 426).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«حتى ‌يستطير» أي: إلى أن ينتشر البياض في أفق المشرق، وفي رواية شعبة: «ولا هذا البياض حتى يبدو الفجر، أو قال: حتى ينفجر الفجر»، والله تعالى. البحر المحيط الثجاج(20/٥٤٥)
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
قيل: وفائدة ذكره: بيان أنَّ ما بعده مِن الليل، وأنَّ بلالًا ربما أذَّن بعده مع كونه كان يؤذن بليلٍ، اهـ.
والأظهر: أنه لما قال تعالى: {مِن الفَجْرِ} البقرة: 187، وهو مجمل، بيَّنه -عليه السلام- بأنَّ المراد به المستطير لا المستطيل. مرقاة المفاتيح (2/ 574).
وقال الطحاوي -رحمه الله-:
‌فذهب ‌قوم ‌إلى ‌أنَّ ‌الفجر ‌يؤذَّن ‌لها ‌قبل دخول وقتها، واحتجوا في ذلك بهذه الآثار، فمن ذهب إلى ذلك أبو يوسف -رحمه الله-، وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: لا ينبغي أنْ يؤذَّن للفجر أيضًا إلا بعد دخول وقتها، كما لا يؤذَّن لسائر الصلوات إلا بعد دخول وقتها، واحتجوا في ذلك فقالوا: إنما كان أذان بلال الذي كان يؤذِّن به بليل، لغير الصلاة...، عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يمنعنَّ أحدكم أذانُ بلال مِن سَحوره؛ فإنه ينادي -أو يؤذِّن- ليرجع غائبكم، ولينتبه قائمكم»، وقال: «ليس الفجر -أو الصبح- هكذا وهكذا وجمع أصبعيه وفرقهما»، وفي حديث زهير خاصة ورفع زهير يده وخفضها حتى يقول هكذا، أو مدَّ زهير يديه عرضًا، فقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أنَّ ذلك النداء كان مِن بلال لينتبه النائم، وليرجع الغائب لا للصلاة...، فثبَت بذلك أنَّ ما كان مِن ندائه قبل طلوع الفجر مما كان مباحًا له هو لغير الصلاة، وأنَّ ما أنكره عليه إذا فَعَلَه قبل الفجر كان للصلاة. شرح معاني الآثار (1/ 139).
وقال ابن رجب -رحمه الله-:
أما تفريق النبي -صلى الله عليه وسلم- بين الفجرين: فإنَّه فرَّق بينهما بأنَّ الأول مستطيل، يأخذ في السماء طولًا؛ ولهذا مدَّ أصابعه ورفعها إلى فوق وطأطأها أسفل، والثاني مستطير، يأخذ في السماء عرضًا، فينتشر عن اليمين والشمال، وهكذا في حديث سمرة، عن النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «لا يغرَّنكم مِن سَحوركم أذان بلال، ولا بياض الأفق المستطيل، حتى يستطير هكذا» وحكاه حماد بن زيد بيده، يعني: معترضًا، خرَّجه مسلم بمعناه. فتح الباري (5/ 334).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
في حديث سمرة الذي أخرجه مسلم بيان لما أُبْهِمَ في حديث ابن مسعود، وذلك أنَّ في حديث ابن مسعود: «وليس الفجر أنْ يقول، ورفع بأصابعه إلى فوق، وطأطأ إلى أسفل، حتى يقول هكذا»، وفي حديث سمرة عند مسلم: «لا يغرَّنكم مِن سَحوركم أذان بلال، ولا بياض الأفق المستطيل هكذا، حتى يستطير هكذا» يعني: معترضًا، وفي رواية: «ولا هذا البياض حتى يستطير». فتح الباري (4/ 136).
وقال الكنكوهي -رحمه الله-:
(فيه) تعدُّد الأذان في رمضان، وأنَّ أذان بلال -رضي الله عنه- لم يكن لصلاة الغداة، وإلا لما احتيج إلى تكراره. الكوكب الدري (2/ 42).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
فيه: جواز الأكل والشرب والجماع بعد الأذان الأول، وقبل أذان الفجر الثاني.
وفيه: جواز الأكل بعد النيَّة، ولا يفسد مرتبة الصوم بالأكل بعدها؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أباح الأكل إلى طلوع الفجر، ومعلوم أنَّ النية لا تجوز عند الشافعي بعد الفجر، فدل على أنها سابقة، وأن الأكل بعدها لا يضر، وهذا هو الصواب المشهور من مذهبنا ومذهب غيرنا، وقال بعض أصحابنا: متى أكل بعد النية أو جامع فسدت، ووجب تجديدها، وإلا فلا يصح صومه، قال النووي: وهذا غلط صريح. شرح سنن أبي داود (10/ 332-333).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
وفيه: البيان بالإشارة، وأنها تقوم مقام النطق. إكمال المعلم (4/ 31).

وللاستفادة من الرواية الأخرى ينظر (هنا) و (هنا) و (هنا)


ابلاغ عن خطا