«دَعَانِي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى السَّحُورِ في رمضانَ، فقال: هَلُمَّ إلى الغَدَاءِ المبارَكِ».
رواه أحمد برقم: (17152) وأبو داود برقم: (2344) واللفظ له، والنسائي برقم: (2163)، من حديث العِرْبَاض بن سَارِية -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (7043)، صحيح أبي داود برقم: (2030).
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«هَلُمَّ»:
أي: تعال، وفيه لغتان: فأهل الحجاز يطلقونه على الواحد والاثنين والجمع والمؤنث بلفظ واحد، مبنيٌّ على الفتح، وبنو تميم تُثني وتجمع وتُؤنِّث. عمدة القاري، للعيني (15/ 58).
وقال الجوهري -رحمه الله-:
هَلُمَّ يا رجل، بفتح الميم، بمعنى: تعال، قال الخليل: أصله لُمَّ، من قولهم: لَمَّ الله شَعَثَه، أي: جَمَعَه، كأنه أراد: لُمَّ نفسَك إلينا، أي: اقْرُب، وها للتنبيه، وإنما حُذفت أَلِفُها لكثرة الاستعمال، وجُعلا اسمًا واحدًا، يستوى فيه الواحد والجمع والتأنيث، في لغة أهل الحجاز، قال الله تعالى: {والقائِلينَ لإخْوانِهِمْ هَلُمَّ إلينا} الأحزاب: 18، وأهل نجد يصرِّفونها فيقولون للاثنين: هَلُمَّا، وللجميع هلموا، وللمرأة هلمي، وللنساء هَلْمُمْنَ، والأول أفصح. الصحاح (5/ 2060).
شرح الحديث
قوله: «دَعَانِي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إِلى السَّحُورِ فِي رمضان»:
قال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
قوله: «دعاني» أي: ناداني. الكوكب الوهاج (2/ 279).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«إلى السَّحُور» بفتح السين، ويجوز ضمها. مرقاة المفاتيح (4/ 1388).
وقال السندي -رحمه الله-:
«إلى السَّحور» بفتح السين ما يُتسحَّر به من الطعام والشراب، وبالضم أكْلُه، والوجهان جائزان ها هنا. فتح الودود (2/ 632).
وقال التوربشتي -رحمه الله-:
أما حديث العرباض بن سارية: «دعاني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى السحور» فالوجه فيه نصب السين؛ لقوله: «إلى الغداء المبارك» (أي: لأنَّه يريد هنا الطعام، لا الفعل). الميسر (2/ 463).
قوله: «فقال: هَلُمَّ إِلَى الغداء المبارك»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«قال» عطف، أو تفسير وبيان «هَلُمَّ» أي تعال. مرقاة المفاتيح (4/ 1388).
وقال محمود السبكي -رحمه الله-:
قوله: «هلمَّ» اسم فعل، بمعنى: أَقْبِلْ. المنهل العذب المورود (10/ 66).
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«إلى الغداء المبارك» والغداء: مأكول الصباح، وأُطْلِقَ عليه لأنه يقوم مقامه، وصحَّفه بعضهم وضَبَطَه بالمعجمة، وكَسر أوّله. مرقاة المفاتيح (4/ 1388).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
«الغداء المبارك» يريد السحور، وأول وقت الغداء عند العرب قبيل الفجر الثاني، ويقال لمن خرج في ذلك الوقت: قد غدا في حاجته، فمن خرج قبل ذلك الوقت قيل: أَدْلَجَ. غريب الحديث (2/ 480).
وقال المديني -رحمه الله-:
يريدُ: السحورَ، والغَداءُ: الطَّعام الذي يؤكل في أول النهار، إلى أن يقارب المَنْصَف. المجموع المغيث (2/ 542).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
إنَّما سمَّاه غداء: لأن الصائم يتقوَّى به على صيام النهار، فكأنه قد تغدَّى، والعرب تقول: غدا فلان لحاجته إذا بكَّر فيها؛ وذلك مِن لَدُنْ وقت السحر إلى طلوع الشمس، قال:
أَمِن آل نُعْمٍ أنتَ غادٍ فمُبْكِر. معالم السنن (2/ 104).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
«الغداء المبارك» الغداء: الطعام الذي يؤكل أول النهار، فسُمي السحور غداء لأنه للصائم بمنزلته للمفطِر. النهاية (3/ 346).
وقال ابن قدامة -رحمه الله-:
سماه غداء لقُرْبِ وقته منه؛ ولأن المقصود بالسحور: التقوّي على الصوم، وما كان أقرب إلى الفجر كان أعون على الصوم. المغني (4/ 433).
وقال الفخر الزيلعي -رحمه الله-:
«الغداء المبارك» وليس إلا مجازًا؛ لقُرْبِهِ من الغداة، وكذا السحور لَمَّا كان لِمَا يؤكل في السَّحرِ والسَّحرُ مِن الثلث الأخير؛ سُمِّيَ ما يؤكل في النصف الثاني لقربه من الثلث الأخير سَحورًا بفتح السين، والأكل فيه: التَّسحُّر. تبيين الحقائق (3/ 133).
وقال قاضي خان -رحمه الله-:
السحور سُمِّي غداء إلا أنه ليس بغداء حقيقة، ولا يُسمَّى غداء عادة؛ ولهذا لو حلف: لا يتغدَّى، فتسحَّر، لا يحنث (هكذا قال، ولعل المعتبر نية الحالف وقصده هنا). شرح الزيادات (ص: 378).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
فيه: إشارة ما إلى تأخير التسحر، وهو المسنون كتعجيل الإفطار، وفي بعض النُّسخ: «الغِذَاء» بكسر المعجمة وبالذال المعجمة بمعنى ما به نماء الجسم وقوامه، أي: الطعام. لمعات التنقيح (4/ 436).
وقال ابن قتيبة -رحمه الله-:
أما الغَداءُ فإنه مأخوذٌ من الغداةِ، والعشاء مأخوذٌ من العَشِي، فأوَّلُ وقتِ الغداءِ قبلَ الفجر الثاني، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للعِرْباضِ حينَ دعاهُ إلى السحورِ: «هَلُمَّ إِلى الغَداءِ المُبارَكِ»، ويُقالُ لمن خرجَ من المنزلِ في هذا الوقتِ: قد غدا منه، فإنْ تقدَّمَ هذا الوقت لم يُقَلْ: غَدَا، ولكنْ يُقال: أَدْلجَ، إذا خرج في نصفِ الليل، أو في أوَّلِهِ، وادَّلَجَ: إذا خرج في آخرِهِ، فإذا انْبَسَطَتِ الشمس فإنْ شئتَ سَمَّيْتَ الغداءَ ضُحَىً، تقول العرب: ضَحِّ إِبِلَكَ أي: غَدِّها، وسُمي ضُحًى؛ لأنهم يَضْحون للشمسِ، ومنه قولُ الله -عز وجل-: {وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى} طه: 119 أي: لا تعطشُ، وَلَا تصيبُكَ الشمسُ. المسائل والأجوبة (ص: 37).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
قيل: المراد بالبركة حصول التقوّي به على صوم الغد؛ بدليل ما روي عنه -صلى الله عليه وسلم-: «استعينوا بِقَائِلَةِ النهار على قيام الليل، وبأكل السحور على صيام النهار»، أو المراد زيادة الثواب؛ لاسْتِنَانِهِ بسُنَنِ المرسلين، قال -صلى الله عليه وسلم-: «فَرْق ما بين صومنا وصوم أهل الكتاب أَكلَةُ السَّحَر» ولا منافاة، فليكن المراد بالبركة كلًّا من الأمرين، والسحور: ما يؤكل في السَّحَر، وهو السدس الأخير من الليل. مرقاة المفاتيح (4/ 1381).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
فيه: دليل على أنَّ وقت الغداء قبل الفجر، فيحصل ببركته من القوة للأكل ما يحصل لمن أكله وقت الغداة، والغدوة ما بين صلاة الفجر وطلوع الشمس، وأما الغِذاء بكسر الغين وبالذال المعجمة فهو ما يغذَّى به من الطعام والشراب، وقيل: سمي مباركًا؛ لأنه يتضمن الاستيقاظ للذكر والدعاء، وربما توضأ.
«المبارك» سمي بذلك لأنه أعانه على العبادة، وهي صيام رمضان، وفي رواية لأحمد بإسنادٍ قوي: «السحور كله بركة»، فيدخل فيه سحور رمضان وغيره، وروى ابن ماجه وابن خزيمة في صحيحه: «استعينوا بطعام السَّحَر على صيام النهار». شرح سنن أبي داود (10/ 328-329).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
فيه: استحباب الدعوة إلى الطعام، والاجتماع على أكله. ذخيرة العقبى (20/ 369).