«البركةُ في ثلاثةٍ: في الجماعةِ، والثَّرِيدِ، والسُّحُورِ».
رواه الطبراني في الكبير برقم: (6127)، والبيهقي في شُعب الإيمان برقم: (7114)، من حديث سلمان -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (2882)، صحيح الترغيب والترهيب برقم: (1065).
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«الثَّريد»:
الثاء والراء والدال أصل واحد، وهو فَتُّ الشيء وما أشبهه، يقال: ثَرَدْتُ الثَّريد أَثْرُدُه. مقاييس اللغة، لابن فارس (1/ 375).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
بفتح المثلثة، وكسر الراء معروف، وهو: أنْ يُثْرَدَ الخبز بمرقِ اللحم، وقد يكون معه اللحم، ومن أمثالهم: الثريد أحد اللَّحْمين، وربما كان أنفع وأقوى من نفس اللحم النضيج إذا ثُرد بِمَرَقَتِهِ. فتح الباري، (9/ 551).
شرح الحديث
قوله: «البركةُ في ثلاثةٍ»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«البركَةُ» حاصِلَةٌ «في ثلاثَةٍ» من الخِصَال. التيسير (1/ 439).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
البركة في اللغة هي: الزيادة والنماء، فإذا وردت في الشريعة فإنما المراد بها سلامة الدِّين، وقلَّة الحساب، وكثرة النماء في الآخرة. القبس (ص: 1085).
وقال ابن العربي -رحمه الله- أيضًا:
البركة: هي الإنماء والزيادة، وهي من خمسة أوجه:
قبول الرخصة، إقامة السُّنة، مخالفة أهل الكتاب، التقوِّي على العبادات، فراغ البال مِن تَعَلُّقه بالحاجة إلى الطعام، فربما لم يفِ بالمقاساة له، والصبر عليه. عارضة الأحوذي (3/ 228).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
أصل البركة: الزيادة، وقد تكون هذه البركة القوَّة على الصيام، وقد جاء كذلك مفسَّرًا في بعض الآثار، وقد تكون الزيادة في الأكل على الإفطار، وهو مما اختصت به هذه الأمَّة في عمومها، وقد تكون البركة في زيادة الأوقات المختصة بالفضل، وهذا منها؛ لأنه في السَّحَر، ومنه اشتق اسم السحور، وقد جاء في فضل ذلك الوقت، وقبول الدعاء فيه، والعمل فيه، وتنزل الرحمة ما جاء، وقد تكون هذه البركة ما يتفق للمتسحِّر من ذِكْرٍ أو صلاة أو استغفار، وغيره من زيادات الأعمال التي لولا القيام للسحور لكان الإنسان نائمًا عنها، وتاركًا لها، وتجديد النية للصوم؛ ليَخرج من الاختلاف، والسحور بنفسه بنية الصوم، وامتثال الندب طاعة وزيادة في العمل. إكمال المعلم (4/ 32).
وقال النووي -رحمه الله-:
أما البركة التي فيه فظاهرة؛ لأنه يقوِّي على الصيام، ويُنَشِّط له، وتحصل بسببه الرغبة في الازدياد من الصيام؛ لخفَّة المشقَّة فيه على المتسحِّر، فهذا هو الصواب المعتمد في معناه، وقيل: لأنه يتضمن الاستيقاظ والذكر والدعاء في ذلك الوقت الشريف، وقت تنزُّل الرحمة وقبول الدعاء والاستغفار، وربما توضأ صاحبه وصلى، أو أدام الاستيقاظ للذكر والدعاء والصلاة، أو التأهب لها حتى يطلع الفجر. المنهاج (7/ 206).
وقال ابن دقيق العيد -رحمه الله-:
هذه البركة: يجوز أنْ تعود إلى الأمور الأخروية؛ فإنَّ إقامة السُّنة تُوجِب الأجر وزيادته، ويحتمل أنْ تعود إلى الأمور الدنيوية؛ لقوة البدن على الصوم، وتيسيره من غير إجحاف به. إحكام الأحكام (2/ 9).
وقال العيني -رحمه الله-:
قد ذكروا فيها معانٍ:
الأول: أنه يبارَك باليسير منه، بحيث يحصل به الإعانة على الصوم، ويدل عليه قوله -صلى الله عليه وسلم-: «ولو بجرعة ماء، ولو بتمرة» ونحو ذلك، ويكون ذلك بالخاصية كما بُورك في الثريد، والطعام إذا هدأ في الحرارة (أي: الطعام الحار إذا برد)، واجتماع الجماعة على الطعام؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «اجتمعوا على طعامكم، يُبَارك لكم فيه».
الثاني: يراد بالبركة: نفي التَّبعة فيه، وقد ذكر صاحب الفردوس من حديث أبي هريرة: «ثلاثة لا يحاسَب عليها العبد: أكْلَة السحور، وما أفطر عليه، وما أكل مع الإخوان».
الثالث: يراد بالبركة: القوة عن الصيام وغيره من أعمال النهار.
الرابع: يراد بالبركة: الرخصة والصدقة، وهو الزيادة في الأكل على الأكل عند الإفطار كما كان أولًا ثم نُسخ، وأصل البركة في اللغة: الزيادة والنماء. عمدة القاري (10/ 302).
قوله: «في الجماعة»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«في الجماعة» أي: صلاة الجماعة، أو لزوم جماعة المسلمين. فيض القدير (3/ 219).
وقال المناوي -رحمه الله- أيضًا:
«الجماعة» أفاد أنَّ الكفاية تَنْشَأ عن بركة الاجتماع. التيسير (2/ 221).
قوله: «والثَّرِيْدُ»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«والثَّريد» مَرَقَةُ اللَّحْم بالْخبز. التيسير (1/ 439).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
الثريد لا يكون إلا مِن لحم غالبًا، والعرب قلَّما تجد طبيخًا ولا سيما بلحم، ويقال: الثريد أحد اللَّحْمَين، بل اللذة والقوة إذا كان اللحم نضيجًا في المرق أكثر مما يكون في نفس اللَّحم. النهاية (1/ 209).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
قال بعض الأطباء: الثريد من كلِّ طعام أفضل من المرق، فثريد اللحم أفضل مِن مرقه، وثريد ما لا لحم فيه أفضل مِن مرقه، والمراد من فضل الثريد: نفْعُه، والشبع منه، وسهولة مساغه، والالتذاذ به، ويُسر تناوله، وتمكن الإنسان من أخذ كفايته منه بسرعة، فهو أفضل من المرق، ومن سائر الأطعمة، من هذه الحيثيات. جمع الوسائل (1/ 219).
وقال القنازعي -رحمه الله-:
وفيه: إباحة أكل الطعام المأدوم. تفسير الموطأ (2/ 754).
قوله: «والسُّحُور»:
قال ابن حجر -رحمه الله-:
«السُّحور» هو بفتح السين وبضمها؛ لأن المراد بالبركة الأجر والثواب فيُناسب الضم؛ لأنه مصدر بمعنى التسحُّر، أو البركة؛ لكونه يقوي على الصوم، وينشِّط له، ويخفِّف المشقَّة فيه، فيناسب الفتح؛ لأنه ما يُتسحَّر به، وقيل: البركة ما يتضمن من الاستيقاظ والدعاء في السَّحَر، والأَولى أنَّ البركة في السحور تحصل بجهات متعددة، وهي: اتباع السُّنة، ومخالفة أهل الكتاب، والتقوِّي به على العبادة، والزيادة في النشاط، ومدافعة سوء الخلق الذي يثيره الجوع، والتسبب بالصدقة على من يَسأل إذ ذاك، أو يجتمع معه على الأكل، والتسبب للذكر والدعاء وقت مظنة الإجابة، وتَدَارك نية الصوم لِمَن أغفلها قبل أنْ ينام. فتح الباري (4/ 140).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
تنبيه: إنْ قلنا: إنَّ المراد بالبركة الأجر والثواب فالسُّحور بالضم؛ لأنه مصدر بمعنى: التسحُّر، وإنْ قلنا: التقوية، فبالفتح. إرشاد الساري (3/ 365).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«والسُّحور» يعني: أنه قُوت وزيادة قدرة على الصوم، ففيه زيادة رِفْقٍ وزيادة حياة؛ إذ لولاه لكان نائمًا، والنوم موت واليقظة حياة. فيض القدير (3/ 219).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
وسمي سُحورًا؛ لأنه قُرب السَّحَر، وكانوا يسمونه الغداء؛ لأنه بدل منه، قاله الداودي. التوضيح (13/ 131).
وقال ابن المنذر -رحمه الله-:
وأجمعوا على أنَّ السحور مندوب إليه. الإجماع (ص: 57).