الأحد 21 شوّال 1446 هـ | 20-04-2025 م

A a

«‌تَرَاءَى ‌الناسُ ‌الهلالَ، ‌فأَخْبَرْتُ ‌رسول ‌الله -صلى الله عليه وسلم- ‌أنِّي ‌رَأَيْتُهُ؛ ‌فصام ‌وأَمَرَ ‌الناس ‌بصيامِهِ».


رواه أبو داود برقم: (2342)، وابن حبان برقم: (3447)، والحاكم برقم: (1541)، والدارمي برقم: (1733)، من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-.
صحيح سنن أبي داود برقم: (2028)، إرواء الغليل برقم: (908).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«‌تَرَاءَى ‌النَّاسُ»:
التَّرَائِي: أنْ يرى بعضُ القومِ بعضًا، والمراد به ها هنا: أنَّه اجتمع الناسُ لطلب الهلال. المفاتيح، المظهري (3/ 17).
وقال ابن السكيت -رحمه الله-:
وقد تراءينا الهلال أي: نظرنا إليه. الألفاظ (ص: 287).
وقال ابن الجوزي -رحمه الله-:
تراءينا الْهلَال، أَي: تكلَّفْنا النّظر هَل نرَاهُ أم لا؟ غريب الحديث (1/ 370).


شرح الحديث


قوله: «‌تَرَاءَى ‌النَّاسُ ‌الهلالَ»:
قال ابن رسلان -رحمه الله-:
«تَراءَى» بالمدِّ لأجل الهمزة التي بعد الألف، «الناسُ الهلالَ» أي: اشتركوا في الرؤية. شرح سنن أبي داود (10/ 323).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
«تراءى ‌الناس» أي: أَرَى بعضُهم بعضًا، يعني: اجتمعوا لرؤية الهلال. لمعات التنقيح (4/ 419).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
«تراءى الناس الهلال» أي: طلبوا رؤيته، هذا هو معنى «تَرَاءى»، كأنَّ كل واحد يقول للثاني: انظر الهلال، وما أشبه ذلك، فيدل هذا على أنَّ ترائي الهلال في الليلة التي يتحرَّى فيها مِن عمل الصحابة الذي أقرهم النبي -صلى الله عليه وسلم عليه-، فيكون من السُّنة التقريرية. فتح ذي الجلال والإكرام (3/ 180-181).

‌قوله: «فَأَخْبَرْتُ ‌رسولَ ‌اللهِ -صلى الله عليه وسلم- ‌أنِّي ‌رَأَيْتُهُ»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«فأَخبرتُ» أي: وحدي «‌رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أني رأيته» أي: ‌الهلال. مرقاة المفاتيح (4/ 1378).

قوله: «‌فصامَ ‌وأَمَرَ ‌النَّاسَ ‌بصيامِهِ»:
قال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
«‌فصام» أي: ‌رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «وأَمَر ‌الناس بصيامه» أي: بصيام رمضان. مرعاة المفاتيح (6/ 449).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
فيه: بيان أن شهادة الواحد العَدْل في رؤية هلال شهر رمضان مقبولة، وإليه ذهب الشافعي في أحد قوليه، وهو قول أحمد بن حنبل.
وكان أبو حنيفة وأبو يوسف يجيزان على هلال شهر رمضان شهادة الرجل الواحد العَدل وإن كان عبدًا، وكذلك المرأة الواحدة وإن كانت أمَة، ولا يجيزان في هلال الفطر إلا رُجلين أو رجلًا وامرأتين، وكان الشافعي لا يجيز في ذلك شهادة النساء، وكان مالك والأوزاعي وإسحاق بن راهويه يقولون: لا يُقبل على هلال شهر رمضان، ولا على هلال الفطر أقل من شاهدين عَدلين.
وفي قول ابن عمر: «تراءى الناس الهلال، فأخبرتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أني رأيته»، وقبوله في ذلك قوله وحده دليل على وجوب قبول أخبار الآحاد، وأنه لا فرق بين أن يكون المخبِر بذلك منفردًا عن الناس وحده، وبين أن يكون مع جماعة من الناس فلا يشاركه أصحابه في ذلك. معالم السنن (2/ 102).
وقال البغوي -رحمه الله-:
اختلف أهل العلم في وجوب الصوم بشهادة الواحد، فذهب أكثرهم إلى أنه يجب بشهادة الواحد، وبه قال ابن المبارك وأحمد وهو أحد قولي الشافعي، وبه قال أبو حنيفة إذا كان السماء متغيِّمًا.
واحتجوا بحديث ابن عباس، وبما روي عن ابن عمر، قال: «تراءى الناس الهلال، فأخبرتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أني رأيته، فصام، وأمر الناس بصيامه»، وروي مثله عن علي «أنَّ رجلًا شهد عنده على رؤية هلال رمضان، فصام، وأمر الناس أن يصوموا، وقال: أصوم يومًا مِن شعبان أحبُّ إليَّ من أن أفطر يومًا من رمضان».
وذهب مالك والأوزاعي وإسحاق إلى أنَّ هلال رمضان لا يثبت إلا بعَدْلين، قياسًا على هلال شوال، وهو أظهر قولي الشافعي.
ومن ذهب إلى ثبوته بقول الواحد، اختلفوا في أنه هل يُقبل فيه قول العبد والمرأة؟ فذهب بعضهم إلى قبوله؛ لأن بابه باب الإخبار، وذهب آخرون إلى أنه لا يَثبت إلا بقول رَجل عدلٍ حر، وهو قول الشافعي، ولا يسْلُك به مسْلك الإخبار، بدليل أنه يُشترط فيه لفظ الشهادة، ولا يثبت بقوله: أخبرني فلان عن فلان أنه رأى الهلال.
أما هلال شوال فلا يثبت إلا بقول رَجلين عَدلين عند عامة العلماء، وقد روي عن عمر بن الخطاب، من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى، أنه أجاز شهادة رجل واحد في أضحى أو فطر، ومال إلى هذا القول بعض أهل الحديث. شرح السنة (6/ 244-245).
وقال النووي -رحمه الله-:
في الشهادة التي يثبت بها رؤية هلال شهر رمضان قولان:
قال (الشافعي) في البويطي: لا تُقبل إلا من عدلين؛ لما روى الحسين بن حريث الجدلي -جديلة قيس- قال: «خَطَبَنَا أمير مكة الحارث بن حاطب فقال: أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نَنْسُكَ لرؤيته، فإن لم نرهُ فشهد شاهدان عدلان نَسَكْنَا بشهادتهما».
وقال في القديم والجديد: يُقبل مِن عدلٍ واحد، وهو الصحيح؛ لما روى عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: «تراءى الناس الهلال، فأخبرتُ النبي -صلى الله عليه وسلم- أنِّي رأيته، فصام رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأمر الناس بالصيام»؛ ولأنه إيجاب عبادة، فقبل من واحد احتياطًا للفرض. المجموع (6/ 275).
وقال ابن قدامة -رحمه الله-:
المشهورُ عن أحمدَ أنَّه يُقبلُ في هِلَالِ رمضانَ قولُ واحدٍ عَدْلٍ، ويَلْزَمُ الناسَ الصيام بقوله، وهو قولُ عمرَ وعليٍّ وابنِ عمرَ وابنِ المُبارَكِ والشافعي في الصحيحِ عنه، ورُوِي عن أحمد أنَّه قال: اثنين أعجَبُ إليَّ...، ولَنا ما رَوَى ابن عباس... وروَى ابن عمر قال: «تَرَاءَى النّاسُ الهِلالَ...»؛ ولأنه خبرٌ عن وقت الفريضة فيما طريقه المشاهدة، فقُبل من واحد، كالخبر بدخول وقت الصلاة؛ ولأنه خبر ديني يشترك فيه المخبِر والمخبَر، فقُبل من واحد عَدْلٍ، كالرواية... المغني (4/ 416)
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
أما الفطر فمالك وأبو حنيفة والشافعي يقولون: لا يُقبل الواحد، وقَبِلَهُ أبو ثور، وأما الصوم فاتفق هؤلاء على قبول الواحد فيه، إلا مالكًا خاصة، وأجاز أبو حنيفة فيه شهادة المرأة والعبد، وسبب الخلاف: هل ذلك من باب الشهادة أم من باب الإخبار؟ وكأنَّ ما طريقه الشياع يُقبل فيه الواحد كالخبر عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بحكم من الأحكام، وما كان يخص بعض الأشخاص - كالقول: لهذا عند هذا وشبهه - فيطلب فيه اثنان، واعتمد من يجيز شهادة الواحد في الصوم بحديث الأعرابي، وحديث ابن عمر: «شهدتُ عند رسول الله -صَلَّى اللهُ عليه وسلم-...» الحديث، ويصح أنْ يحتجَّ في ذلك بقوله -عليه الصلاة والسلام-: «فكُلُوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم»، فأمرهم -عليه الصلاة والسلام- بالإمساك عن الأكل بخبره، وهم في زمان يحلُّ لهم الأكل فيه، فكذلك إذا أخبرَ رجل عن رؤية الهلال. إكمال المعلم (4/ 12).
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
وقد ذهب إلى العمل بشهادة الواحد: ابن المبارك، وأحمد بن حنبل والشافعي في أحد قوليه، قال النووي: وهو الأصح، وبه قال المؤيد بالله، وذهب مالك والليث والأوزعي والثوري إلى أنه يعتبر اثنان، واستدلوا بحديث عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب وفيه: «فإن شهد شاهدان مسلمان فصوموا وأفطروا» أخرجه أحمد والنسائي، وفي حديث أمير مكة الحارث بن حاطب قال: «عَهِدَ إلينا ‌رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نَنْسُك للرؤية، فإن لم نره وشهد شاهدَا عدل نَسَكْنَا بشهادتيهما» أخرجه أبو داود والدارقطني وقال: وهذا إسناد متصل صحيح، وغاية ما في هذين الحديثين: أنَّ مفهوم الشرط يدل على عدم قبول الواحد، ولكن أحاديث قبول الواحد أرجح من هذا المفهوم. الدراري المضية (2/ 171).
وقال الكرماني -رحمه الله-:
ونِصَاب غالب الشهادات رَجلان، فلهذا اشترط في الإفطار رؤية رجلين، وخُولِف في الصوم بالاكتفاء بواحد؛ لحديث ابن عمر –رضي الله عنه-. الكواكب الدراري (9/ 85).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
فيه دليل على شهادته رواية وإخبارًا لا شهادة، وإذا قلنا: إنه إخبار، فليس بخبرٍ من كل وجه، بدليل أنه لا يكفي أن يقول: أخبرني فلان عن فلان أنه رأى الهلال إجماعًا. شرح سنن أبي داود (10/ 323).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
يُستفاد من هذا الحديث: أنه لا تُشترط الشهادة في الإعلام بدخول الشهر؛ لقوله: «وأخبرتُ النبي -صلى الله عليه وسلم- أني رأيته فصام، وأمر الناس بالصيام»، فلو قال للقاضي: لقد رأيتُ الهلال، ولم يقل: أشهد، وجب الحكم بخبره، وهل هذا خاص برؤية هلال رمضان أو عام في كل الشهادات؟ يعني: هل يشترط في الشهادة سواء في المال أو في غير المال أن يقول الشاهد: أشهد أو لا يشترط، بل يكفي أن يقول: إني أقول كذا أو أخبر بكذا؟
الصحيح: أنه لا تشترط الشهادة إلا ما دل الدليل على اشتراطها؛ لقوله: {فَشَهَادةُ أَحَدِهِم أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ} النور: 6، وإلا فإنَّ الخبر يكفي عن الشهادة؛ ولهذا قيل للإمام أحمد -رحمه الله-: إنَّ فلانًا يقول: العشرة في الجنة ولا أشهد، فقال الإمام أحمد: إذا قال: إنهم في الجنة فقد شهد، وهذا هو الحق، أي: أن الشهادة لا يُعتبر فيها لفظ (أشهد) بل إذا أخبر خبرًا جازمًا به فإنه يعتبر شاهدًا، ويدل عليه هذا الحديث. فتح ذي الجلال والإكرام (3/ 181).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
هذا الحديث: أقوى دليل على ثبوت شهادة رمضان بعَدْلٍ واحد، وهو نصُّ الشافعي في القديم، ومعظم كتبه الجديدة، وهو الأصح باتفاق الأصحاب.
وفي الحديث: دليل على وجوب قبول أخبار الآحاد، وأنَّه لا فرق بين أنْ يكون المخبِر بذلك منفردًا عن الناس وحده، وبين أنْ يكون مع جماعة من الناس، ولا يشاركه أصحابه في ذلك. شرح سنن أبي داود (10/ 323-324).

وللاستفادة من الرواية الأخرى ينظر (هنا


ابلاغ عن خطا