الأحد 21 شوّال 1446 هـ | 20-04-2025 م

A a

«مَن صام ستةَ أيامٍ بعد الفطرِ ‌كان ‌تمامَ ‌السَّنةِ، مَن جاء بالحسنة فلهُ عشرُ أمثالها».


رواه أحمد برقم: (22412)، والنسائي في الكبرى برقم: (2874)، وابن ماجه برقم: (1715) واللفظ له، من حديث ثوبان -رضي الله عنه-.
ولفظ النسائي: «جعلَ اللهُ الحسنةَ بعشرٍ، ‌فَشهرٌ ‌بعشرةِ ‌أشهرٍ وستةُ أيامٍ بعدَ الفطرِ تمامُ السَّنةِ».
صحيح الجامع برقم: (6328)، صحيح الترغيب والترهيب برقم: (1007).


شرح مختصر الحديث


.


شرح الحديث


قوله: «مَن صامَ ستةَ أيامٍ بعدَ الفطرِ ‌كانَ ‌تمامَ ‌السَّنةِ، مَن جاءَ بالحسنةِ فلهُ عشرُ أمثالِها»:
قال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«مَن ‌صام ‌ستة ‌أيام» كائنة «بعد» عيد «‌الفطر كان» صومه تلك الأيام «تمام» صوم «السَّنة» كلها؛ لأن رمضان بعشرة أشهر، والستة بشهرين، فالمجموع اثنا عشر شهرًا؛ وذلك لقوله تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} الأنعام: 160. مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه (10/ 213).
وقال السندي -رحمه الله-:
قوله: «كان تمام السَّنة» أي: كان صومه ذاك صوم تمام السَّنة؛ إذ السَّنة بمنزلة شهرين بحساب: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} الأنعام: 160، وشهر رمضان بمنزلة عشرة أشهر. حاشية سنن ابن ماجه (1/ 524).
قال يحيى بن يحيى الأندلسي -رحمه الله- في رواية الموطأ:
سمعتُ مالكًا يقول في صيام ستة أيام بعد الفطر من رمضان: إنه لم يرَ أحدًا ‌من ‌أهل ‌العلم ‌والفقه ‌يصومها، ولم يبلغني ذلك عن أحد من السلف، وإن أهل العلم يكرهون ذلك، ويخافون بدعته، وأن يُلْحِقَ برمضان ما ليس منه أهلُ الجهالة والجفاء لو رأوا في ذلك رخصة عند أهل العلم، ورأوهم يعملون ذلك. موطأ مالك، رواية يحيى(1/ 311).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله- معلقًا:
لم يبلغ مالكًا حديث أبي أيوب (يعني حديث: «مَن صام رمضان وأَتْبَعَه بستٍّ من شوال فكأنه صام الدهر») على أنه حديث مَدَني، والإحاطة بعلم الخاصة لا سبيل إليه، والذي كرهه له مالك أمر قد بيَّنه وأوضحه؛ وذلك خشية أن يضاف إلى فرض رمضان، وأن يستبين ذلك إلى العامة، وكان -رحمه الله- متحفِّظًا كثير الاحتياط للدِّين، وأما صيام الستة الأيام من شوال على طلب الفضل وعلى التأويل الذي جاء به ثوبان -رضي الله عنه- فإن مالكًا لا يَكره ذلك -إن شاء الله-؛ لأن الصوم جُنّة، وفضله معلوم لمن رد طعامه وشرابه وشهوته لله تعالى، وهو عمل بِرٍّ وخير، وقد قال الله -عز وجل-: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} الحج: 77، ومالك لا يجهل شيئًا من هذا، ولم يَكره من ذلك إلا ما خافه على أهل الجهالة والجفاء إذا استمر ذلك، وخَشِيَ أن يعدُّوه من فرائض الصيام مضافًا إلى رمضان، وما أظن مالكًا جَهِلَ الحديث -والله أعلم-؛ لأنه حديث مدَني انفرد به عمر بن ثابت، وقد قيل: إنه روى عنه مالك ولولا علمه به ما أنكره، وأظن الشيخ عمر بن ثابت لم يكن عنده ممن يعتمد عليه، وقد ترك مالك الاحتجاج ببعض ما رواه عن بعض شيوخه إذا لم يثق بحفظه ببعض ما رواه، وقد يمكن أن يكون جَهِلَ الحديث، ولو عَلِمَه لقال به والله أعلم. الاستذكار (3/ 379).
وقال القاضي عياض -رحمه الله- معلقًا:
ويحتمل أن كراهة ما كَرِهَ من ذلك وأخبر أنه غير معمول به: اتصالُ هذه الأيام برمضان إلا فضل يوم الفطر، فأما لو كان صومها في شوال من غير تعيين ولا اتصال أو مبادرة ليوم الفطر فلا، وهو ظاهر كلامه بقوله في صيام ستة أيام بعد الفطر. إكمال المعلم (4/ 140).
وقال الشوكاني -رحمه الله- معلقًا:
استدل بأحاديث الباب على استحباب صوم ستة أيام من شوال، وإليه ذهب الشافعي وأحمد وداود وغيرهم، وبه قالت العِتْرة، وقال أبو حنيفة ومالك: يُكره صومها، واستدلَّا على ذلك بأنه رُبما ظُنَّ وجوبها، وهو باطل لا يليق بعاقل فضلًا عن عالم نصب مثله في مقابلة السُّنة الصحيحة الصريحة، وأيضًا يلزم مثل ذلك في سائر أنواع الصوم المرغَّب فيها ولا قائل به.
واستدل مالك على الكراهة بما قال في الموطأ مَن أنه ما رأى أحدًا من أهل العلم يصومها، ‌ولا ‌يخفى ‌أنَّ ‌الناس ‌إذا ‌تركوا ‌العمل ‌بسُنَّة ‌لم يكن تركهم دليلًا تُردُّ به السُّنة. نيل الأوطار (4/ 282).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله- معلقًا:
والحاصل: أن الحق والصواب ما قاله كثير من أهل العلم من استحباب صوم ستة أيام من شوال؛ لصحة الأحاديث بذلك، وأما مَن كَرِهَ منهم ذلك كمالك، فيُعتذر عنه بأنه لم تصح هذه الأحاديث عنده، فخالفها، فلو صحَّت لقال بها، كما قال ابن عبد البر -رحمه الله-. البحر المحيط الثجاج (21/ 536).
وقال النووي -رحمه الله-:
فيه: دلالة صريحة لمذهب الشافعي وأحمد وداود وموافقيهم في استحباب صوم هذه الستة، وقال مالك وأبو حنيفة: يُكره ذلك، قال مالك في الموطأ: ما رأيتُ أحدًا من أهل العلم يصومها، قالوا: فيُكره؛ لئلا يُظن وجوبه، ودليل الشافعي وموافقيه هذا الحديث الصحيح الصريح، وإذا ثبتت السُّنة لا تُتْرَك لِتَرْكِ بعض الناس أو أكثرهم أو كلهم لها، وقولهم: قد يُظنُّ وجوبها ينتقض بصوم عرفة وعاشوراء وغيرهما من الصوم المندوب، قال أصحابنا (الشافعية): والأفضل أن تُصام السِّتة متوالية عقب يوم ‌الفطر؛ فإن فرَّقها أو أخَّرها عن أوائل شوال إلى أواخره حصلت فضيلة المتابعة؛ لأنه يصدُق أنه أَتْبَعَه ستًّا من شوال، قال العلماء: وإنما كان ذلك كصيام الدهر؛ لأن الحسنة بعشر أمثالها، فرمضان بعشرة أشهر والستة بشهرين، وقد جاء هذا في حديث مرفوع في كتاب النسائي. شرح صحيح مسلم (8/ 56).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
لا يجوز استقبال رمضان ولا تشييعه من أجله؛ ولأجل هذا قلنا في قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «مَن صام رمضان وستًّا من شوال...» الحديث؛ لأنه لا يحل صِلَتها بيوم الفطر ولكن يصومها متى ما كان؛ لأن المقصود بالحديث: «مَن صام رمضان وستًّا من شوال...» الحديث فقد حصلت له المثوبة ثلاث مائة وستين يومًا، وذلك الدهر؛ لأن الحسنة بعشر أمثالها، فأفضلها أن ‌تكون ‌في ‌عشر ‌ذي ‌الحجة؛ إذ الصوم فيه أفضل منه في شوال. المسالك في شرح موطأ مالك (4/ 163).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
ولا دليل على اختيار كونها من أول شوال؛ إذ مَن أتى بها في شوال في أي أيامه صَدَق عليه أنه أَتْبَعَ رمضان ستًّا من شوال.
وإنما شبَّهها بصيام الدهر؛ لأن الحسنة بعشر أمثالها، فرمضان بعشرة أشهر وست من شوال بشهرين.
وليس في الحديث دليل على مشروعية صيام الدهر. سبل السلام (1/ 582).

وللاستفادة من الرواية الأخرى ينظر (هنا)


ابلاغ عن خطا