السبت 20 شوّال 1446 هـ | 19-04-2025 م

A a

«لا تسبُّوا الأمواتَ؛ فإنهم قد أَفْضَوْا إلى ما قدَّموا».


رواه البخاري برقم: (1393)، من حديث عائشة -رضي الله عنها-.  


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«أَفْضَوْا»:
بفتح همزة وضاد أي: وصَلُوا. مجمع بحار الأنوار، للفتني(3/ 10).


شرح الحديث


قوله: «لا تسبُّوا الأمواتَ»:
قال الكوراني -رحمه الله-:
السبُّ: هو الشتم، ونسبة الشخص إلى العار. الكوثر الجاري (3/ 396).
قال الشيخ عبد القادر شيبة الحمد -رحمه الله-:
«‌لا ‌تسُبُّوا ‌الأموات» أي: لا تشتموهم، ولا تذكروا عيوبهم. فقه الإسلام (3/ 84).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
«لا تسبُّوا الأموات» نهي تحريم، كما هو الأصل في النهي. فتح الإله في شرح المشكاة (6/88).
وقال الأردبيلي -رحمه الله-:
النهي في قوله: «لا تسبوا الأموات» للتحريم، واللفظ عام مخصَّص بالكافر، فلا يحرم سبُّه، إن لم يتأذ منه مسلم... وشرط جواز سب الكافر: عدم إيذاء المسلم، وبه قطع في الإحياء. الأزهار شرح مصابيح السنة مخطوط لوح (196).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«لا ‌تسبُّوا ‌الأموات» النهي فيه للتحريم، و(أل) لإبطال معنى الجمعية، أي: أيّ ميت. دليل الفالحين (8/ 406).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«‌لا ‌تسبُّوا ‌الأموات» أي: باللعن والشتم وإن كانوا فُجَّارًا أو كفارًا إلا إذا كان موته بالكفر قطعيًّا، كفرعون وأبي جهل وأبي لهب. مرقاة المفاتيح (3/ 1203).
وقال الكوراني -رحمه الله- أيضًا:
«‌لا ‌تسبُّوا ‌الأموات» ظاهر هذا أنه يشمل المؤمن والكافر، وكذا تعليله بقوله: «فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا» أي: جزائه، لكن الأصح أنه يريد المؤمن؛ لقوله تعالى في حق الكفار: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} البقرة: 161؛ ولِمَا تقدم في الحديث أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أَتْبَعَ أصحاب القليب اللعنة. الكوثر الجاري (10/ 184).
وقال الكوراني -رحمه الله- أيضًا:
والحقُّ: أنَّ الظَّلَمة من المؤمنين أيضًا يجوز سبُّهم، وقد روي عن الحسن البصري لَمَّا بلغه موت الحَجَّاج بالَغَ في سبّه، وقول البخاري في الباب بعده سبّ الشرار دون الكفار يدل على هذا. الكوثر الجاري (3/ 396).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«‌لا ‌تسبوا ‌الأموات» أي: المسلمين كما دل عليه بلام العهد، فالكفار سبُّهم قُربة. فيض القدير (6/ 398).
وقال الدهلوي -رحمه الله-:
قوله: «‌لا ‌تسبُّوا ‌الأموات» النهي عن سب الأموات إنما هو في غير المنافق والكافر والفاسق المجاهر بفسقه، وأما هؤلاء فلا يحرم سبُّهم؛ للتحذير من طريقهم، كما في الغِيبة. لمعات التنقيح (4/ 141).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «لا تسبُّوا الأموات» ظاهره العموم للمؤمنين والكفار، وقيل: سبُّ ميت الكفار قُرْبة. التنوير شرح الجامع الصغير (11/ 102-103).
وقال يوسف أفندي زاده -رحمه الله-:
«لا تسبوا الأموات» اللام فيه للعهد أي: المسلمين، ويؤيده ما رواه الترمذي من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «اذكروا محاسن موتاكم، وكُفُّوا عن مساوئهم» وأخرجه أبو داود أيضًا في كتاب الأدب من سننه.
ولا حرج في ذكر مساوئ الكفار، ولا يذكر لهم محاسن إن كانت لهم من صدقة وإعتاق وإطعام طعام ونحو ذلك، اللهم إلا أن يتأذى بذلك مسلم من ذريته فيجتنب ذلك حينئذٍ؛ كما ورد في حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- عند أحمد والنسائي: أن رجلًا من الأنصار وقع في أبي العباس -رضي الله عنه- كان في الجاهلية، فلطَمَه العباس، فجاء قومه، فقالوا: والله لنلطمنَّه كما لطمه، فلبسوا السلاح، فبلغ ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فصعد المنبر، فقال: «أيها الناس، أيُّ أهل الأرض أكرم على الله؟ قالوا: أنت، قال: فإن العباس مني، وأنا منه، فلا تسبوا أمواتنا، فتؤذوا أحياءنا، فجاء القوم، فقالوا: يا رسول الله، نعوذ بالله من غضبك». نجاح القاري شرح صحيح البخاري (1/ 1053).
وقال الشيخ ابن باز -رحمه الله- أيضًا:
السب إذا كان لبيان التحذير كالمبتدع؛ لئلا يُقتدي به فلا حرج، فيكون من باب التحذير، لا من باب السب. الحلل الإبريزية (1/ 427).
وقال الشيخ ابن باز -رحمه الله- أيضًا:
استثنى بعض الأئمة مَن إذا ذُكر يُخشى شرُّه، فقالوا: لا بأس بذمِّه والتحذير من بدعته وشرِّه، وفي الحديث: «فأَثْنَوا عليها شرًّا» بعد موتها وأقرَّهم على ذلك. الحلل الإبريزية (4/ 259).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
«الأموات» يعني الأموات من المسلمين، أما الكافر فلا حرمة له إلا إذا كان في سبه إيذاء للأحياء من أقاربه فلا يُسب، وأما إذا لم يكن هناك ضرر فإنه لا حُرمة له. شرح رياض الصالحين (6/ 230).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
وأما ثناء الشر في الحديث المتقدم («وهذا أثنيتُم عليه شرًّا فوجبت له النارُ») فيحتمل أن يكون قبل ورود النهي، أو النهي في شأن غير الكفرة؛ المنافقين والمظاهِرين بفسقٍ وبدعة، وأما هؤلاء فلا يحرم ذكرهم بالشرِّ بعد موتهم؛ تحذيرًا من طرائقهم والتخلق بأخلاقهم. شرح المصابيح (2/ 357).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
قوله -صلى الله عليه وسلم-: «مَن أَثْنَيتم عليه شرًّا وجَبَتْ له النار» يُشكل بالنهي عن سب الموتى؛ ولقوله: «اذكروا محاسن موتاكم، وكفُّوا عن مساوئهم» وقد انفصل عنه من أوجه:
أحدها: أنَّ هذا الذي تحدَّث عنه بالشر كان مستظهرًا له، ومشهورًا به، فيكون ذلك من باب لا غيبة لفاسق.
وثانيها: أنَّ محمل النهي إنما هو فيما بعد الدفن، وأما قبله فمسوَّغ؛ ليتعظ به الفساق، وهذا كما يكره لأهل الفضل الصلاة على المعْلِن بالبدع والكبائر.
وثالثها: أنَّ الذي أثنى عليه الصحابة بالشر يحتمل أن يكون من المنافقين، ظهرت عليه دلائل النفاق، فشهدت الصحابة بما ظهر لهم؛ ولذلك قال -صلى الله عليه وسلم-: «وجبت له النار» والمسلم لا تجب له النار، وهذا هو مختار عياض.
ورابعها: أنَّ يكون النهي عن سب الموتى متأخرًا عن هذا الحديث، فيكون ناسخًا. المفهم (2/ 607-608).
وقال ابن حجر -رحمه الله- معلقًا:
وهذا (الرابع وهو ادعاء النسخ) ضعيف...، والوجه عندي: حَمْله على العموم، إلا ما خصصه الدليل، بل لقائل أن يمنع أنَّ ما كان على جهة الشهادة، وقصد التحذير يُسمَّى سبًّا في اللغة. فتح الباري (3/ 258-259).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
(سب الأموات) يجري مجرى الغِيبة في الأحياء، فإنْ كان الرجل أغلب أحواله الخير، وقد تكون منه الفلتة، فالاغتياب له محرم، وإن كان فاسقًا مُعْلِنًا فلا غِيبة فيه، فكذلك الميت إذا كان أغلب أحواله الخير لم يجز ذكر ما فيه من شر، ولا سبه به، وإن كان أغلب أحواله الشر فيباح ذكره منه، وليس ذلك مما نهى عنه من سبِّ الأموات، ويؤيد ذلك ما أجمع عليه أهل العلم من ذكر الكذابين، وتجريح المجرَّحين، وفيه وجه آخر: وهو أنَّ حديث: «لا تسبوا الأموات» عام، وسببه: ما روي عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «أمسكوا عن ذي قبر»، فيحتمل أنْ يكون -صلى الله عليه وسلم- أباح ذكر الميت بما فيه من غالب الشر عند موته خاصة؛ ليتعظ بذلك فساق الأحياء، فإذا صار الميت في قبره، وجب الإمساك عنه؛ لإفضائه إلى ما قدم، كما قال -صلى الله عليه وسلم-، فسقط التعارض. شرح صحيح البخاري (3/ 354-355).
وقال الشوكاني -رحمه الله- معلقًا:
ويُتعقَّب (أي: ابن بطال) بأنَّ ذكر الرجل بما فيه حال حياته قد يكون لقصد زجره وردعه عن المعصية، أو لقصد تحذير الناس منه، وتنفيرهم، وبعد موته قد أفضى إلى ما قدَّم، فلا سواء، وقد عملت عائشة رواية هذا الحديث بذلك في حق من استحق عندها اللعن، فكانت تلعنه وهو حي، فلما مات تركت ذلك، ونهت عن لعنه، كما روى ذلك عنها عمر بن شبة في كتاب أخبار البصرة، ورواه ابن حبان من وجه آخر وصححه. نيل الأوطار (4/ 131-132).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
«لا تسبُّوا» ما هو السبّ؟ السبّ هو: ذكر العيب، فإن كان في مقابلة الشخص فهو سبّ، وإن كان في غِيبته فهو غِيبة، وإن كان كذبًا فهو بهتان وسبّ أو غِيبة، فقوله: «‌لا ‌تسبُّوا ‌الأموات» هذا سبّ ولكنهم أموات، فهو سبٌّ متضمن للغيبة؛ لأنهم ليسوا عندك حتى نقول: إن هذا مجرد سب، وقوله: «الأموات» جمعٌ محلَّى بـ"أل"، والجمع المحلَّى بـ"أل" إذا لم تكن للعهد فهو يفيد العموم، فيشمل الأموات المسلمين وغير المسلمين، حتى الكافر لا يُسب إذا مات؛ لأنه -كما سيأتي- أفضى إلى ما قدّم، وهذا تعليل عدم جواز سبهم مطلقًا. فتح ذي الجلال (2/ 631).

قوله: «فإنهم قد أفضَوْا إلى ما قدَّموا»:
قال المظهري -رحمه الله-:
«أفضوا» أصله أفضيوا، فقُلبت الياء أَلِفًا وحُذفت، ومعناه: وصلوا إلى ما أرسلوه إلى الآخرة من الأعمال؛ يعني: كما لا يجوز غِيبة الأحياء، لا يجوز غيبة الأموات. المفاتيح في شرح المصابيح (2/ 438).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: «قد أفضوا إلى ما قدموا» أي: قد مضوا إلى جزاء ما قدموا من أعمالهم، إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر، والله تعالى هو المجازي، إن شاء عفا عنهم وإن شاء عذبهم، فما لكم وإياهم، و«مِن حُسْنِ إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» هذا يدل على أنه لا يجوز الخوض بلا فائدة، وإن كان للتحذير فلا بأس. الكاشف عن حقائق السنن (4/ 1398).
وقال ابن الجوزي -رحمه الله-:
المعنى: قد صاروا إلى جزاء ما قدموا، فإن كانوا قد جُوزوا بالشر فيكفي ما هم فيه، وإن كانوا قد غُفر لهم لم يضرهم السبّ. كشف المشكل (4/ 392).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
«فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا» أي: بَلَغُوه، ووصلوا إليه مشافهة، ومنه: أفضى إلى سرِّهِ، وأفضى إلى امرأته: أي: باشرها. التوضيح لشرح الجامع الصحيح (29/ 613).
وقال الفيومي -رحمه الله-:
الإفضاء الإسراع، فمعنى «أفضوا» أي: وصلوا أو صاروا إلى ما قدَّموا من خير وشر، فإن كانوا من أهل السعادة فقد صاروا إليها، فينبغي عليكم تبعة مَن سبهم، وإن كانوا من أهل الشقاء فتتحملون من أوزارهم بالسب. فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب (13/ 748).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
«فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا» يعني: إلى ما عملوه من حَسن أو قبيح، وقد أحصاه الله ونسوه، وقد يَختم الله لأهل المعاصي من المؤمنين بخاتمة حسنة تخفى عن الناس، فمَن سبهم فقد أثم، وقد جاء أنه لا يجب القطع على أحد بجنة ولا نار، وقد قال -صلى الله عليه وسلم- في الميت الذي شُهد له بالجنة: «والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي»، فلهذا وجب الإمساك عن الموتى، والله أعلم.
شرح صحيح البخاري (3/ 383).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
والحديث في سب أموات المسلمين، أما أموات الكفار فيجوز سبهم عمومًا، وأما المعيَّن منهم فلا يجوز سبُّه؛ لاحتمال أنه مات مسلمًا، إلا أن يكون ممن نص الشارع على موته كافرًا، كأبي لهب وأبي جهل. دليل الفالحين (8/ 406).
وقال النووي -رحمه الله-:
قال العلماء: يحرم سبُّ الميت المسلم الذي ليس معلِنًا بفسقه، وأما الكافر والمعْلِن بفسقه من المسلمين ففيه خلاف للسلف، وجاءت فيه نصوص متقابلة وحاصلُه: أنه ثبت في النهي عن سبّ الأموات ما ذكرناهُ في هذا الباب، وجاء في الترخيص في سبّ الأشرار أشياء كثيرةٌ، منها: ما قصَّه الله تعالى علينا في كتابه العزيز، وأمرنا بتلاوته وإشاعة قراءته، ومنها: أحاديثُ كثيرة في الصحيح، كالحديث الذي ذكر فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عمروَ بن لحيّ، وقصة أبي رِغال، والذي كان يسرقُ الحاجَّ بِمِحْجَنِهِ، وقصة ابن جُدْعان وغيرهم، ومنها الحديث الصحيح الذي قدّمناه لَمَّا مرّت جنازة، فأثنوا عليها شرًّا، فلم ينكر عليهم النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، بل قال: «وجبتْ».
واختلف العلماء في الجمع بين هذه النصوص على أقوال، أصحها وأظهرها: أن أموات الكفار يجوز ذكر مساوئهم؛ وأما أموات المسلمين المعلِنين بفسقٍ أو بدعة أو نحوهما، فيجوز ذكرهم بذلك إذا كان فيه مصلحة لحاجة إليه؛ للتحذير من حالهم، والتنفير من قبول ما قالوه، والاقتداء بهم فيما فعلوه، وإن لم تكن حاجة لم يجز؛ وعلى هذا التفصيل تُنزَّل هذه النصوص، وقد أجمع العلماء على جرح المجروح من الرواة، والله أعلم. الأذكار (ص:295).
وقال الفيومي -رحمه الله-:
وفي الحديث النهي عن سب الأموات كالأحياء، وهو حرام فيهما، وإنما خصص الأموات لأنهم في محل أن يُرحموا وليس في محل المؤاخذة؛ لانقطاع حياتهم وخراب أيديهم، وأيضًا فإن مجازاتهم على أعمالهم لا تزيد بسب الأحياء لهم، فإنه مَن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره، وهذا معنى قوله: «فإنهم أفضوا إلى ما قدموا» أي: من خير وشر.
ومن أسباب النهي أيضًا: أن الأحياء يتأذون بذلك كما جاء: «لا تسبوا الموتى فتؤذوا الأحياء»، فيقع الإنسان بسبِّهم في إثمين، إثم لأذى الحي وإثم لذكر الميت بالسب والأذى، فقوله: «لا تسبوا الأموات» عام مخصوص بذلك، وممن يغلب شره لوحظ به الفساق، نعم إن كان الميت كافرًا فيجوز ذلك؛ لأنه عدو لله وللمؤمنين وعذابه في ازدياد إلى أبد الآبدين والله أعلم، قاله في شرح الإلمام. فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب (13/ 748).
وقال المغربي -رحمه الله-:
الحديث فيه دلالة على تحريم سب الأموات، وظاهره العموم في حق المسلم والكافر، والظاهر أنّ ذلك مخصوص بمن عدا الكافر، وبعض المؤمنين، فأمّا الكافر فيدلُّ على ذلك ما حكاه الله -سبحانه وتعالى- من قصص عاد وثمود وفرعون وأضرابهم، وأما بعض المسلمين فمخصوص بما ثبت في حق مَن أُثني عليه شرًّا، ومَن أُثني عليه خيرًا، وقال -صلى الله عليه وسلم - في ذلك: «أنتم شهداء الله»، والظاهر أنّ ذلك في حق مسلم. البدر التمام شرح بلوغ المرام (4/ 273).
وقال الصنعاني -رحمه الله- معلقًا:
قلتُ: لكن قوله: «قد أفضوا إلى ما قدموا» علة عامة للفريقين معناها: أنه لا فائدة تحت سبِّهم والتَّفَكُّه بأعراضهم، وأما ذكره تعالى للأمم الخالية بما كانوا فيه من الضلال فليس المقصود ذمهم، بل تحذيرًا للأمَّة من تلك الأفعال التي أفضت بفعلها إلى الوبال، وبيان محرمات ارتكبوها، وذكر الفاجر بخصال فجوره لغرض جائز، وليس من السبِّ المنهي عنه فلا تخصيص بالكفار.
نعم الحديث مخصَّص ببعض المؤمنين كما في الحديث: «أنه مر عليه -صلى الله عليه وسلم- بجنازة فأثنوا عليها شرًّا» الحديث، وأقرهم -صلى الله عليه وسلم- على ذلك بل قال: «وجبت» أي: النار، ثم قال: «أنتم شهداء الله»، ولا يقال: إن الذي أثنوا عليه شرًّا ليس بمؤمن؛ لأنه قد أخرج الحاكم في ذمِّه: «بئس المرء كان؛ لقد كان فظًّا غليظًا» والظاهر أنه مسلم؛ إذ لو كان كافرًا لما تعرضوا لذمِّه بغير كُفره. سبل السلام (1/ 510).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
وقد أخذ من هذا الحديث أئمتنا (الشافعية) قولهم: يحرم بلا غرض شرعي ذكر شيء من مساوئ الميت، بخلافه لغرض شرعي، وهو ما يُبيح غِيبة الحي، كتَجَاهُرِهِ بفسقه أو بدعته، حيث كان في الذكر مصلحة. فتح الإله في شرح المشكاة (6/88).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
من فوائد الحديث: النهي عن سبَّ الأموات، والمراد سب أعمالهم الخاصة بهم مثل أن يقول: فلان قليل الصلاة، بعدما مات، فلان يرتاد بيوت الدعارة، فلان يشرب الخمر، ما الفائدة؟ لا فائدة، لكن إذا كان قال قولًا خطأ فالواجب بيانه، لا سيما إذا كان ممن يعتبر بقوله وينتشر بين الناس، فإن الواجب بيانه حتى لا يغتر به أحد.
ومن فوائد الحديث: مراعاة خواطر الناس فيما يتأذون به وإن كان ليس فيهم على وجه المباشرة؛ بناء على الرواية الأخرى: «فتؤذوا الأحياء».
ومن فوائد الحديث: أنه لا ينبغي للإنسان أن يقول ما لا فائدة منه، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت»؛ لأنه لا فائدة من سب الأموات فيما يتعلق بالأمور الشخصية.
لو قال قائل: أيجوز لي أن أسب رئيسًا من رؤساء الكفر قد مات كأبي لهب؟
فالجواب: لا، الحديث يدل على أنه لا يسبهم باعتبار عمله الشخصي، أما باعتبار إيذائه للنبي -صلى الله عليه وسلم- فهذا نعم، يقال: هذا الرجل كان يؤذي الرسول -صلى الله عليه وسلم-؛ لينتهي غيره عن أذية الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وكذلك يقال في كل كافر سبه العائد إليه شخصيًّا لعلة فنهاه عنه، وأما ما كان يعود إلى المصلحة العامة كالنَّيْلِ من أقواله أو من أفعاله التي قد يُقتدى به فيها فإنه لا بأس؛ لأن السب هنا ينصبُّ على القول أو الفعل لا على الميت. فتح ذي الجلال والإكرام (6/ 401).
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
والمتحرِّي لدِينه في اشتغاله بعيوب نفسه ‌ما ‌يشغله ‌عن ‌نشر ‌مثالب ‌الأموات، وسب مَن لا يدري كيف حاله عند بارئ البريات، ولا ريب أن تمزيق عِرض مَن قدم على ما قدم وجثا بين يدي مَن هو بما تكنُّه الضمائر أعلم مع عدم ما يحمل على ذلك من جرح أو نحوه أحموقة لا تقع لمتيقظ ولا يُصاب بمثلها متديِّن بمذهب. نيل الأوطار (4/ 132).


ابلاغ عن خطا