السبت 20 شوّال 1446 هـ | 19-04-2025 م

A a

«عَلِّمُوا ويَسِّرُوا، ولا تُعَسِّرُوا، وإذا غَضِبَ أحدُكُمْ فلْيَسْكُتْ».


رواه أحمد برقم: (2136)، والبخاري في الأدب المفرد برقم: (245)، والبيهقي في شُعب الإيمان برقم: (7935)، من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-.
صحيح الجامع برقم: (4027)، سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (1375).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«يَسِّرُوا»:
أي: سَهِّلُوا. مرقاة المفاتيح، للقاري (6/ 2421).

«وَلا تُعَسِّرُوا»:
أي: هوِّنُوا، ولا تشدِّدوا. شرح الشفاء، للقاري (1/414).   


شرح الحديث


قوله: «علِّمُوا، ويَسِّرُوا، ولا تُعَسِّروا»:
قال المناوي -رحمه الله-:
قوله: «علِّموا» الناس ما يلزمهم من أمر دِينهم، «‌ويسروا ولا تعسروا» الواو للحال، أي: علموهم وحالتكم في التعليم اليسر لا العسر؛ بأنْ تسلكوا بهم سبيل الرفق في التعليم. فيض القدير (4/ 328).
وقال السندي -رحمه الله-:
قوله: «علِّموا» مِن التعليم، «ويسِّروا» بالتعبير بأسهل عبارة، وأوضحها، وأقربها إلى الفهم. حاشيته على مسند أحمد (1/490).
وقال ابن هبيرة -رحمه الله-:
اليُسر ضد العسر، ومعنى ذلك: أنَّ ‌التيسير عند التعليم، وعند الإخبار، وحمل على اليسر على أسَرِّ محامله، وأحسن وجوهه، وهو الدِّين؛ إذ ذلك تأنيس للخَلْق، وتسهيل على العباد، فيكون قدر التأليف، ولقاحًا لتكثير سواد المسلمين، وعلى ضده ‌التعسير؛ لما فيه من التنفير. الإفصاح (7/ 325).
وقال ابن هبيرة -رحمه الله- أيضًا:
قوله -صلى الله عليه وسلم-: «يسِّروا» فيه إطلاق وتعميم، يتناول كل شيء يَقْبَل التعسير، فلم يقصر ذلك على تيسير شيء بعينه، كما أنَّه لم يقصر النهي عن التعسير في شيء بعينه، فكل شيء يكون فيه الأمر بين أمرين فإنَّ الأحسن بمن يريد توخِّي أوامر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يختار أيسرهما على أعسرهما، وهذا فإني أراه على ما فيه من هذا التعميم فإنه يُفهم منه أنَّه أَمْرٌ لكل امرئ، وكبير وسيد؛ لقوله: «يَسِّروا» أي: اؤمروا بالتيسير، «ولا تعسِّروا» أي: لا تأخذوا بالمأمورين في التعسير، وأنَّ من أُولي الأمر: العلماء، وأنهم مِن أوَّل من امتثل أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في تيسيرهم على المتعلمين بأقوالهم وأحوالهم؛ فإنَّ ذلك مما يسهِّل العلم، والعمل على عباد الله، ومما يحبب إليهم دوام صحبته. الإفصاح (5/ 230، 231).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
المراد عَلِّمُوهم ما يلزمهم من أمور دِينهم، وسهِّلوا عليهم، واسلكوا طريق الرفق في التعليم، ولا تُشَدِّدوا عليهم، وتَلْقَوْهُمْ بما يكرهون، فينفروا من قَبُولِ الدين، واتباعِ الهدى. الشافي في شرح مسند الشافعي (1/ 142).
وقال المظهري -رحمه الله-:
«التيسير» التسهيل، يعني: أُمِرْتُم باللطف والرحمة على الناس، وترك إيذائهم، «‌التعسير» ضد ‌التيسير. المفاتيح (1/ 436).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«ويسِّروا» بالمثناة تحت، والسين المهملة، أي: ‌اعملوا ‌بالتيسير ‌في ‌أموركم، «ولا تعسروا» فيها وتُشَدِّدوا. شرح سنن أبي داود (18/ 529).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قال الطبري: المراد بالأمر بالتيسير فيما كان من النوافل مما كان شاقًّا؛ لئلا يُفضي بصاحبه إلى الملل، فيتركه أصلًا، أو يُعجب بعمله، فيحبط فيما رخص فيه من الفرائض، كصلاة الفرض قاعدًا للعاجز، والفطر في الفرض لمن سافر فيشق عليه.
وزاد غيره: في ارتكاب أخف الضررين إذا لم يكن من أحدهما بُدٌّ، كما في قصة الأعرابي حيث بال في المسجد. فتح الباري (10/ 525).
وقال ابن حجر -رحمه الله- أيضًا:
قوله: «‌يسِّروا» هو أمر بالتيسير، والمراد به الأخذ بالتسكين تارة، وبالتيسير أخرى، من جهة أنَّ التنفير يصاحب المشقة غالبًا، وهو ضد التسكين، والتبشير يصاحب التسكين غالبًا، وهو ضد التنفير. فتح الباري (10/ 525).
وقال المناوي -رحمه الله-:
أي: سهِّلوا على الناس، ولا تُنَفِّروهم بالتعسير والتشديد. التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 242).
وقال المناوي -رحمه الله- أيضًا:
«يسِّروا» على الناس بذكر ما يؤلِّفهم لقبول الموعظة والتعليم، «ولا تعسِّروا» أَرْدَفَهُ بنفي ‌التعسير، مع أنَّ الأمر بالشيء نهي عن ضده؛ إيذانًا بأن مراده نفي ‌التعسير رأسًا. التيسير (2/ 508).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«يسِّروا» على العباد الأمور، وأَدْخِلُوا عليهم السرور، «ولا تعسِّروا» عليهم، بل خاطبوهم بما هو أقرب إلى مثلهم إلى الخير. التنوير (11/ 200).
وقال الصنعاني -رحمه الله- أيضًا:
«علِّموا ويسِّروا» عطفه عليه؛ لأنه قد يلازم التعليم التعنيف والتعسير، «ولا تعسروا» لأن الله بعث نبيه بالحنيفية السمحة السهلة. التنوير (7/ 267).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«يسِّروا» أَمْرٌ بالتيسير؛ لينشطوا، «ولا تعسِّروا» نهي عن ‌التعسير، وهو التشديد في الأمور؛ لئلا ينفروا. البحر المحيط الثجاج (30/ 341).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله- أيضًا:
«‌ويسِّروا» على أنفسكم، وعلى غيركم في أمور الدِّين. ذخيرة العقبى (37/ 367).
وقال الساعاتي -رحمه الله-:
بشِّروا المتعلِّم بالنجاح في تعليمه، وأنه يُرجى خيره، «ولا تعسِّروا» في التعليم، بأن تجتنبوا كل ما يُنفِّر المتعلِّم من تقريع وتوبيخ، فليس ذلك من مكارم الأخلاق. الفتح الرباني (1/ 152).
وقال النووي -رحمه الله-:
إنما جمع في هذه الألفاظ بين الشيء وضده؛ لأنه قد يفعلهما في وقتين، فلو اقتصر على «يسِّروا» لصَدَق ذلك على من يسَّرَ مرة أو مرات، وعسَّر في معظم الحالات، فإذا قال: «ولا تعسِّروا» انتفى التعسير في جميع الأحوال من جميع وجوهه، وهذا هو المطلوب. شرح صحيح مسلم (12/ 41).
وقال محمد الخولي -رحمه الله-:
وإنما نهى الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن ‌التعسير بعد أمره بالتيسير، مع أنَّ الأمر بالشيء يستلزم النهي عن ضده؛ تقوية وتأكيدًا؛ حتى لا يبقى لمتنطِّع عِلة يعتل بها لتَنَطُّعِه، على أنه لو اقتصر على «يسِّروا» لتحقق الامتثال بالتيسير مرة، وإن عسَّر مرارًا، فلما قَرَنَهُ بالنهي عن ‌التعسير، والنهي يقتضي الكفّ عن الفعل دائمًا فَهِمْنَا المداومة على ‌التيسير. الأدب النبوي (ص:103).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«‌يسِّروا ‌ولا ‌تعسِّروا» اليُسر ضد العُسر، وذكر في الثانية تأكيدًا وإطنابًا، وإلا فالأمر بالشيء نهي عن ضده، أو لأنه لو اقتصر على الأمر بالتيسير لصَدَقَ على من أتى به مرة وبالعسر بعض أوقاته، فلما قال: «ولا تعسروا» انتفى العسر سائر الأوقات؛ وذلك لقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} الحج: 78. دليل الفالحين (5/ 92).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
يجب الاقتداء به (-صلى الله عليه وسلم-) من التيسير في الأمور، والرفق بالناس، وتحبيب الإيمان إليهم، وترك الشدة، والتنفير لقلوبهم، لا سيما فيمن كان قريب العهد به، وكذلك يجب فيمن قارب حدَّ التكليف من الأطفال، ولم يتمكَّن رسوخ الأعمال في قلبه، ولا التمرُّن عليها، ألَّا يُشدَّد عليه ابتداءً؛ لئلا ينفر عن عمل الطاعات، نعم وكذلك يجب للإنسان في نفسه في تدريبها على الأعمال إذا صدقت إرادته، ألا يبتدئها أولًا إلا بتدريج وتيسير، حتى إذا آنست بحاله، ودامت عليها، ينقلها لحال آخر، وزاد عليها في عمل أكثر من الأول؛ حتى يرى قدر احتمالها، ولا يكلفها ما لعلها تعجز عنه، ولا يدوم عليه. إكمال المعلم (6/ 37).
وقال ابن القيم -رحمه الله-:
فنهى النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- عن التشديد في الدِّين؛ وذلك بالزيادة على المشروع، وأخبر أن تشديد العبد على نفسه هو السبب لتشديد الله عليه، إما بالقَدْرِ، وإما بالشرع.
فالتشديد بالشرع كما يشدّد على نفسه بالنذر الثقيل، فيلزمه الوفاء به، وبالقَدْرِ كفعل أهل الوسواس، فإنهم شدَّدوا على أنفسهم، فشدد عليهم القَدْر، حتى استحكم ذلك، وصار صفة لازمة لهم. إغاثة اللهفان (1/ 132).

قوله: «وإذا غضب أحدكم فليسكت»:
قال ابن الجوزي -رحمه الله-:
الغضب: غَلَيَانُ دم القلب طلبًا للانتقام؛ وذلك يُخرج الطبع عن حد الاعتدال. كشف المشكل (2/ 14).
وقال السندي -رحمه الله-:
قوله: «فليسكت» لأن الكلام في تلك الحالة يؤدي إلى الندامة. حاشيته على مسند أحمد (1/424).
وقال السندي -رحمه الله- أيضًا:
(المعنى): إذا غضبتَ بكثرة مراجعة المتعلِّم ونحوه «فاسكت» عن الكلام ولا ترد بما لا يليق به الرد. حاشيته على مسند أحمد (1/490).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«غضبَ أحدُكم» أي: ‌واشتعلت ‌نار ‌غضبه ‌من ‌جوفه، ‌ويريد ‌إحراق ‌المغضوب ‌عليه ‌بنوعٍ ‌من ‌عذابه. مرقاة المفاتيح (8/ 3193).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«إذا غضب أحدكم» لشيء نابَهُ «فليسكت» عن النطق بغير الذِّكْرِ المشروع (الاستعاذة)؛ لأن ‌الغضب يصدر عنه من قبيح القول ما يوجب الندم عليه عند سكون سَوْرَةِ ‌الغضب؛ ولأن الانفعال ما دام موجودًا فنَارُ ‌الغضب تتأجج وتتزايد، فإذا سكتَ أَخَذَت في الهدوء والخمود، وإن انضمَّ إلى ‌السكوت الوضوء كان أَولى، فليس شيء يُطفئ النار كالماء. فيض القدير (1/ 407).
وقال المناوي -رحمه الله- أيضًا:
«وإذا ‌غضب ‌أحدكم فليسكت» فإن السكوت يُسَكِّنُ الغضب، وحركة الجوارح تُثِيْرُه. التيسير (2/ 136).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«فليسكت» عن كلام يزيد به الغضب، لا أنه يسكت عن كل شيء؛ فإنَّ من أدوية الغضب التكلم بالاستعاذة. التنوير (2/ 151).
وقال الصنعاني -رحمه الله- أيضًا:
«وإذا غضب أحدكم» من أمر يتعلق به «فليسكت»، لا إذا كان غضبه لمنكَر ارتُكب، أو حُرمة انْتُهِكَت، فلا سكوت، بل يجب عليه التكلم بما هو فرضه، ويحتمل أن يراد «فليسكت» عن قبيح الكلام وبذيئه الذي يستخرجه بسَوْرة الغضب، لا عن الكلام مطلقًا، وهذا من أدوية دفع الغضب، وهو صفة الكاظمين الغيظ. التنوير (7/ 267).
وقال ابن رجب -رحمه الله-:
وهذا أيضًا دواء عظيم للغضب؛ لأن الغضبان يَصْدر منه في حال غضبه من القول ما يندم عليه في حال زوال غضبه كثيرًا، من السِّباب وغيره، مما يعظم ضرره، فإذا سكت زال هذا الشر كله عنه. جامع العلوم والحكم (1/ 366).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
الغضب يُغيِّر الطِّباع، ويفسد الرأي، ويضر بالعقل. أعلام الحديث (4/ 2336).
وقال الباجي -رحمه الله-:
الغضب يفسد كثيرًا من الدِّين؛ لأنه يؤدي إلى أن يُؤذِي ويُؤذَى، وأنْ يأتي في وقت غضبه من القول والفعل ما يأثم به، ويُؤثِم غيره، ويُؤدِي الغضب إلى البغضة التي قلنا: إنها الحالقة، والغضب أيضًا يمنعه كثيرًا من منافع دنياه. المنتقى (7/ 214).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
وقد قيل: إن أعظم أسباب ‌الغضب الكِبْر، وإنما يغضب الإنسان لِمَا يَتَداخله من الكِبْر عندما يُخالف في أمر يريده، أو يعارض في شيء يهواه، فيَحْمِله الكِبْرُ على ‌الغضب لذلك، فإذا تواضع وذل في نفسه ذهبت عنه عزة النفس، وماتت ‌سَوْرة ‌الغضب (حدته وثورانه)، فسَلِمَ بإذن الله من شرِّه. أعلام الحديث (3/ 2197).
وقال الطوفي -رحمه الله-:
الناس ‌في ‌الغضب على ضربين:
أحدهما: مغلوب للطبع الحيواني، فلا يمكنه دفعه، وهو الغالب نمط الناس.
والثاني: غالب للطبع بالرياضة، فيمكنه منعه. التعيين (1/ 141).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
والناس في ‌الغضب ‌أربعة:
فبعضهم: كالحَلفاء (نوع من الكلأ) سريع الوقود، سريع الخمود.
وبعضهم: كالعصا بطيء الوقود، بطيء الخمود.
وبعضهم: بطيء الوقود، سريع الخمود، وهو الأحمد ما لم ينته إلى فتور الحميَّة.
وبعضهم: سريع الوقود، بطيء الخمود، وهذا هو أشرهم. المسالك (7/ 261).
وقال الطوفي -رحمه الله-:
فإذا اجْتَنَبَ الغضب اندفع عنه نصف الشر بهذا الاعتبار (اعتبار أنَّ الإنسان في مدة حياته بين لذة سببها الشهوة وألم سببه الغضب) وأكثره في الحقيقة، فإن الإنسان يغضب فيَقْتُل أو يَقْذِفُ أو يُطَلِّق امرأته أو يُهاجِرُ صاحبه، أو يحلف يمينًا فيحنث فيها، أو يندم عليها، كما جاء في الحديث «اليمين حنث أو ندم»، وقد يغضب فيَكْفُرْ، كما كَفَرَ جَبَلَةُ بن الأيهم حين غضب مِن لطمةٍ أُخذت منه قصاصًا.
وبالجملة فالشر إنما يصدر عن الإنسان بشهوة كالزنا، أو غضب كالقتل، فهما -أعني الشهوة والغضب- أصل الشرور ومبدؤها. التعيين (1/ 139).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
إنما يُذَمُّ الغضبُ حيث لم يكن لله، وإلا فهو محمود. الفتح المبين (ص:337).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
الغضب ‌لله ولشرائع الله محمود، وهو مِن هدي الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ودليل على غيرة الإنسان، وعلى محبته لإقامة شريعة الله، أما الغضب للنفس فينبغي للإنسان أن يكتمه وأن يَحْلُم. شرح رياض الصالحين (3/ 622).


ابلاغ عن خطا