السبت 20 شوّال 1446 هـ | 19-04-2025 م

A a

«إذا قاتلَ أحدُكم أخاه فليجتنبِ الوجهَ».


 رواه البخاري برقم: (2559)، ومسلم برقم: (2612)، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«قاتَلَ»:
أي: ضارَبَ غيره. مرقاة المفاتيح، للقاري (6/ 2302).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
قاتل بمعنى: قَتَلَ، فالمفاعلة ليست على ظاهرها. إرشاد الساري(4/ 327).


شرح الحديث


قوله: «إذا قاتلَ أحدُكم أخاه»:
قال القاضي عياض -رحمه الله-:
قوله: «‌إذا ‌قاتل ‌أحدكم أخاه»، وفي رواية أخرى: «إذا ضربه فليتجنب الوجه». إكمال المعلم (8/ 87).
وقال المظهري -رحمه الله-:
«قاتَلَ» أي: حارب. المفاتيح في شرح المصابيح (4/ 223).
وقال القرطبي -رحمه الله-:
معنى «قاتل»: ضرب، وقد جاء كذلك في بعض رواياته، وقد قلنا: إن أصل المقاتلة المدافعة، ويعني بالأُخوَّة هنا -والله أعلم- أُخُوَّة الآدمية؛ فإن الناس كلهم بنو آدم، ودل على ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم-: «فإن الله خلق آدم على صورته» أي: على صورة وجه المضروب، فكأن اللَّاطم في وجه أحدِ ولد آدم لطَمَ وجه أبيه آدم، ... ولو أراد الأخوَّة الدينية لما كان للتعليل بخَلْقِ آدم على صورته معنى. المفهم (6/ 597).
وقال العراقي -رحمه الله-:
قد يقال: إن قوله: «قاتَلَ» بمعنى قتل، وإن المفاعلة هنا ليست على ظاهرها، بل هي مثل: عاقبتُ اللص وطارقتُ النَّعْل، ويدل لذلك قوله في الرواية الأخرى: «إذا ضرب»...
ظاهر قوله: «أخاه» اختصاص ذلك بالمسلم، وقد يقال: إنه خَرَجَ مخرج الغالب فلا مفهوم له، ويؤيده أنه ورد غير مقيد بأحد وذلك في صحيح البخاري وغيره. طرح التثريب في شرح التقريب (8/ 16- 17).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
و«قاتل» بمعنى قتل، فالمفاعلة ليست على ظاهرها، ويؤيده حديث مسلم من طريق الأعرج عن أبي هريرة بلفظ: «إذا ضرب» ومثله للنسائي من طريق عجلان، ولأبي داود من طريق أبي سلمة كلاهما عن أبي هريرة، وعند المؤلف في الأدب المفرد من طريق محمد بن غيلان: أخبرني سعيد عن أبي هريرة: «إذا ضرب أحدكم خادمه»، ويحتمل أن تكون على ظاهرها؛ ليتناول ما يقع عند دفع الصائل مثلًا، فينتهي دافعه عن القصد بالضرب إلى وجهه، ويدخل في النهي كل مَن ضُرب في حدٍّ أو تعزير أو تأديب، وفي حديث أبي بكرة وغيره عند أبي داود وغيره في قصة التي زنت فأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- برجمها وقال: «ارموا واتقوا الوجه»... وظاهر النهي التحريم. إرشاد الساري (4/ 327).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
وفي قوله: «أخاه» ما يُشعر أنه ‌إذا ‌قاتل كافرًا فلا عليه أن يتقي الوجه. التحبير لإيضاح معاني التيسير (3/ 61).
وقال الصنعاني -رحمه الله- أيضًا:
«إذا قاتَلَ أحدكم أخاه...» أي: ضَرَبَه فيه، ولعله المراد: أخاه المسلم، وأما قتال الكافر في الجهاد فيجوز تعمد وجهه. التحبير لإيضاح معاني التيسير (7/ 25).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
«‌إذا ‌قاتل» يشمل القتال الأعظم المؤدي إلى الموت والهلاك، ويشمل القتال الذي دون ذلك، مثال الذي دون ذلك: قوله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا صلى ‌أحدُكم إلى شيء يستره من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه، فإن أبى فليقاتله» ليس هذا هو القتال الذي يؤدي إلى الهلاك؛ «فإنما هو شيطان»، المهم ‌إذا ‌قاتل قتالًا يؤدي إلى الهلاك وقد أُذِنَ له به، أو قتالًا دون ذلك. فتح ذي الجلال والإكرام (6/ 368).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«‌إذا ‌قاتل» وفي الرواية الآتية: «إذا ضرب»، «‌أحدكم أخاه» وفي رواية: «خادمه»، وفي لفظ: «عبده»، وذِكر الخادم في بعض الروايات، والعبد في بعضها ليس للتخصيص، وإنما خصّ لأنَّ سبب ذِكره أن إنسانًا ضرب خادمه، وآخر عبده على وجهه، فالسبب خاصّ، والحكم عامّ، فشمل الحكم إذا ضرب حدًّا، أو تعزيرًا لله، أو لآدمي، وكذا الوليّ، والسيد، والزوج. البحر المحيط الثجاج (41/ 60).
قوله: «فلْيَجْتَنِبِ الوجهَ»:
قال القاضي عياض -رحمه الله-:
«فليتجنب الوجه»، وفي رواية: «فلا يلطمن الوجه» فيه تشريف هذه الصورة عن الشَّين (العيب والقُبح)؛ إذ الضرب فيها واللطم مما يُظهر الشَّين فيها سريعًا؛ ولأن فيها المحاسن وأعضاء نفيسة، وأكثر الإدراكات، فقد يُبطلها بفعله والتشويه فيها أشد؛ لأنها سيما الإنسان والبادي منه والمتميز به من أمثاله، والصورة التي خلقه الله عليها وكرّم بها بني آدم وفضَّلهم على كثير ممن خلقه تفضيلًا. إكمال المعلم (8/ 87).
وقال المظهري -رحمه الله-:
«فليجتنب» أي: فليحترز عن ضربه وجه مَن يقاتله. المفاتيح في شرح المصابيح (4/ 223).
وقال الأردبيلي -رحمه الله-:
الأمر بالاجتناب للوجوب إلا مع الكافر والصائل العاصي. الأزهار شرح مصابيح السنة، مخطوط، لوح (330).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
وعلى هذا فيحرم لطم الوجه من المسلم والكافر... لا يقال: فالكافر مأمور بقتله وضربه في أي عضو كان؛ إذ المقصود إتلافه، والمبالغة في الانتقام منه، ولا شك في أن ضرب الوجه أبلغ في الانتقام والعقوبة، فلا يمنع، وإنما مقصود الحديث: إكرام وجه المؤمن لحُرمته؛ لأنا نقول: مُسَلَّم أنَّا مأمورون بقتل الكافر، والمبالغة في الانتقام منه، لكن إذا تمكَّنا من اجتناب وجهه اجتنبناه؛ لشرفية هذا العضو؛ ولأن الشرع قد نزَّل هذا الوجه منزلة وجه أبينا، وتقبيح لطم الرَّجُل وجهًا يشبه وجه أبي اللاطم، وليس كذلك سائر الأعضاء؛ لأنها كلها تابعة للوجه، وهذا الذي ذكرناه هو ظاهر الحديث. المفهم (6/ 597- 598).
وقال العراقي -رحمه الله-:
وقوله في الرواية الأخرى: «فلا يلطمن الوجه»، وقد يقال: هي على بابها، والمراد أنه إذا حصلت مقاتلة من الجانبين ولو في دفع صائل ونحوه يتقي وجهه، فما ظنك بما إذا لم يقع من الجانب الآخر ضرب فهو أَولى بأن يتقي الوجه؛ لأن صاحب المدافعة قد تضطره الحال إلى الضرب في وجهه، ومع ذلك فنهى عنه، فالذي لا يدافعه المضروب أولى بأن يؤمر باجتناب الوجه...
يدخل في ذلك ضرب الإمام أو مأذونه في الحدود والتعازير، وضرب الإنسان زوجته أو ولده أو عبده على طريق التأديب، وبوَّب البخاري في صحيحه على هذا الحديث: بابٌ إذا ضرب العبدَ فلْيَجْتَنِب الوجه، ولم يُرد تخصيص العبد بذلك بل العبد من جملة الأفراد الداخلة في الحديث، وإنما خصه بالذكر لأن مقصوده بيان حكم الرقيق في ذلك، وروى أبو داود والنسائي من حديث أبي بكرة قال: «شهدتُ النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو واقف على بغلته فجاءته امرأة حبلى فقالت: إنها قد بَغَت فارجمها» ...الحديث، وفيه: «ثم قال للمسلمين: ارموها وإياكم ووجهها» لفظ النسائي، ولفظ أبي داود: «ارموا واتقوا الوجه»...
ظاهر النهي التحريم، وقد صرح أصحابنا (الشافعية) وغيرهم باتقاء الوجه في ضرب الحدود وغيرها، ولم يُفصحوا عن حكمه، وصرح ابن حزم الظاهري بوجوب ذلك. طرح التثريب في شرح التقريب (8/ 16- 17).
وقال ابن حزم -رحمه الله-:
إلا أنَّه يجب اجتناب الوجه (عند تطبيق الحدود) ولا بد، والمَذَاكِر والمقاتل، أما الوجه: فلما روينا من طريق مسلم...، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا ضرب أحدكم فليجتنب الوجه»، وأما الْمَقَاتِل فضربها غَرَر، كالقلب والأُنْثَيين، ونحو ذلك. المحلى بالآثار (12/ 80).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«فليجتنب الوجه» أي: فليحترز عن ضرب الوجه؛ لأن في جرحه الشَّين والمـُثْلة، قيل: الأمر فيه للندب؛ لأن ظاهر حال المسلم أن يكون قتاله مع الكفار، والضرب في وجوههم أنجح للمقصود. شرح المصابيح (4/ 163).
وقال الكوراني -رحمه الله-:
«فلْيَتَجَنَّب الوجه» لأنه أشرف الأعضاء، ومجمع الحواس اللطيفة التي تتأثر بأدنى شيء. الكوثر الجاري (5/ 198).
وقال الكوراني -رحمه الله- أيضًا:
قال بعض الشارحين: فإن قلتَ: كيف دل الحديث على الترجمة (باب إِذَا ضَرَبَ الْعَبْدَ فَلْيَجْتَنِبِ الْوَجْهَ)؟ قلتُ: إذا وجب الاجتناب عن وجه الكافر الواجب قتله، فعن وجه المؤمن أَولى.
وهذا قد فهم مِن «قاتَلَ» أن المراد قتال الكافر، وهذا غلط فاحش؛ فإن الكافر لا حرمة له، بل الأَولى فيه ضرب وجهه؛ فإنه أسرع لقتله، وأي حرمة لوجه الكافر وقد قال تعالى في حق الكفار: {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ} القمر: 48، وقال: {وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} الأنفال: 12؟ قال صاحب الكشاف: الْمَقْتَل وغيره، والقتال قد يكون بين المؤمنين، قال تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} الحجرات: 9. الكوثر الجاري (5/ 199).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
«فليجتنب الوجه» ولمسلم من طريق أبي صالح عن أبي هريرة: «فليتقِ» بدل: «فليجتنب». إرشاد الساري (4/ 327).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«فليتق» في رواية لمسلم: «فليتجنب» وهي مبيِّنة لمعنى الاتقاء، «الوجه» من كل مضروب معصوم وجوبًا؛ لأنه شَين ومُثلة له؛ للَطَافته وتشريفه على جميع الأعضاء الظاهرة؛ لأنه الأصل في خِلقة الإنسان، وغيره من الأعضاء خادم؛ لأنه الجامع للحواس التي بها تحصل الإدراكات المشتركة بين الأنواع المختلفة؛ ولأنه أوَّل الأعضاء في الشخوص والمقابلة والتحدث والقصد؛ ولأنه مدخل الروح ومخرجه ومقر الجمال والحسن، ‌وبه ‌قوام ‌الحيوان ‌كله ناطقُه وصامتُه، فلما كان بهذه المثابة احترمه الشرع وأمر بعدم التعرض له في عدة أخبار بضربٍ أو إهانة أو تقبيح أو تشويه. فيض القدير (1/ 397).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
فيه تحريم ضرب الوجه بالسيف ونحوه، وأنه لا يحلُّ، وقد تكرر النهي عن ذلك، بل نُهي عن وسم الحيوانات في الوجه، وأُذن فيه في الأُذن.
زاد ابن الأثير: أنه زاد مسلم في روايته: «إذا ‌قاتل ‌أحدكم أخاه»، وفي أخرى: «فلا يلْطِمَنَّ الوجه»، وفي أخرى: «فليتقِ الوجه» انتهى. التحبير لإيضاح معاني التيسير (3/ 61).
وقال الشيخ عبد العزيز الراجحي -حفظه الله-:
النهي عن ضرب الوجه ولطمه، والنهي للتحريم، وهذا سواء أكان المضروب من الآدميين، أم من العجماوات، وكذلك أيضًا جاء في الأحاديث النهي عن وسم الدابة في وجهها؛ وذلك لأن الوجه لطيف، ومجمع المحاسن، ومحل الإدراكات، فالضرب يؤثر فيه، وقد يؤدي إلى إبطال بعض الإدراكات كالسمع والبصر والشم والذوق؛ ولهذا نُهي عن الضرب فيه. توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (7/ 370- 371).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
في هذا الحديث دليل على فوائد:
منها: وجوب اتقاء الوجه عند المقاتلة، ويتفرع على هذا جواب سؤالٍ سألني عنه بعض الإخوة اليوم وهو: ما يسمى بالملاكمة والمصارعة، سألني عن الملاكمة والمصارعة هل تجوز؟
فقلتُ: أما المصارعة فهي جائزة بشرط ألا تكون على عِوض، يعني: بشرط ألا يقول أحدهما للآخر: إن غلبتُك فعليك كذا وكذا والعكس، أما الملاكمة فلا تجوز؛ لأنها خطيرة، وأخبرني هو أن الملاكمة مِن قواعدها: أن يكون الضرب على الوجه خاصة. إذن لا تجوز فهي محرَّمة من وجهين:
أولًا: أنه يقصد بها الوجه قصدًا أوليًّا، وقد نهي عن ذلك.
والثاني: أن فيها خطر لو ضرب هذا الملاكم أخاه على صدره أو على كبده أهلكه، لا سيما وأنهم -كما وَصَفَ- يضربون بشدة وكأنهم يريدون أن يقفز بعضهم على بعض، إذن فهي خطيرة.
ومن فوائد الحديث: أن الوجه هو جمال الإنسان؛ ولهذا أَمَر باتقائه عند المقاتلة. فتح ذي الجلال والإكرام (6/ 368- 369).
وقال الشيخ عبد الله البسام -رحمه الله-:
ما يؤخذ من الحديث:
- مثل الوجه الْمَواطِن التي يُحدث ضربُها موتًا؛ فيجب اجتنابها.
- قال في شرح الإقناع: ويجتنب الضارب الرأس والوجه والفرج والبطن من الرجل والمرأة، ومواضع القتل فيجب اجتنابها؛ لأن ضربها يؤدي إلى القتل، وهو غير مأمور به.
-قال شيخ الإسلام: على مقيم الحدود أن يقصد بإقامتها النفع والإحسان، كما يقصد الوالد بعقوبة ابنه، والطبيب بدواء المريض، فلم يأمر الشرع إلا بما هو أنفع للعباد، وعلى المؤمن أن يقصد ذلك. توضيح الأحكام من بلوغ المرام (7/ 421).
وقال ابن هبيرة -رحمه الله-:
في هذا الحديث من الفقه: أنه يجوز أن يكون المراد اجتناب الوجه أن يُنال بضرب أو سوء، ويجوز أن يُراد اجتناب وجهه بالمواجهة له. الإفصاح (7/ 235).
وقال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
من آداب الشريعة: عدم الفجور عند المخاصمة والمقاتلة، وعدم النكاية وعدم التمثيل، من هنا جاء النهي عن ضرب الوجه عند المخاصمة والمقاتلة والمضاربة، ومثل ذلك عند تأديب الزوج لزوجه والأب لابنه والسيد لخادمه وعند إقامة الحدود، فلا يجلد الوجه إذا جلد الرجل، وإذا كان القصد من النهي عن ضرب الوجه حمايته من التحقير كان تحقيره بغير الضرب منهيًّا عنه كذلك، فلا يبصق عليه ولا يُلطخ بالقاذورات، والله أعلم. فتح المنعم شرح صحيح مسلم (10/ 101).
وقال الشيخ عبد القادر شيبة الحمد -رحمه الله-:
ما يفيده الحديث:
1- ينبغي اجتناب وجه الإِنسان عند ضربه في حدٍّ أو تعزير أو غيرهما.
2- أنه ينبغي مراعاة الإِحسان للناس حتى عند إقامة الحدود عليهم أو تعزيرهم. فقه الإسلام (9/ 59)


ابلاغ عن خطا