السبت 20 شوّال 1446 هـ | 19-04-2025 م

A a

قام معاوية في الناس بِدَيْرِ مِسْحَلٍ الذي على بابِ حِمْصَ، فقال: أيُّها الناس إنَّا قد رأينا الهلال يومَ كذا وكذا، وأنا مُتَقَدِّمٌ، فمَنْ أحبَّ أنْ يَفْعَلَهُ فلْيَفْعَلْهُ، قال: فقام إليه مالكُ بنُ هُبيرة السَّبَئِيُّ، فقال: يا معاويةُ، أشيءٌ سمعته مِن رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- أَمْ شيءٌ مِن رأيك؟ قال: سمعت رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- يقولُ: «صُومُوا الشَّهرَ وسِرَّهُ».


رواه أبو داود برقم: (2329)، والطبراني في الكبير برقم: (901)، وفي مسند الشاميين برقم: (795)، من حديث معاوية -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (3808). 


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«بِدَيْرِ»:
بفتح الدال، وسكون التحتية، أي: دَيْر النصارى. مرقاة المفاتيح، للقاري (8/ 3472).
قال الحموي -رحمه الله-:
الدَّيْر: بيت يَتعبَّد فيه الرهبان، ولا يكاد يكون في المِصْرَ الأعظم، إنما يكون في الصحاري ورؤوس الجبال، فإنْ كان في المصْر كانت كنيسة أو بِيْعَةً، وربما فُرِّق بينهما: فجعلوا الكنيسة لليهود، والبِيْعَةَ للنصارى. معجم البلدان (2/ 495).

«مِسْحَلٍ»:
بكسر الميم، وإسكان السين المهملة، وفتح المهملة أيضًا. شرح سنن أبي داود، لابن رسلان (10/ 287)
قال الحموي -رحمه الله-:
ودَيْرُ مِسْحَل: دَيْرٌ قديم بين حمص وبعْلبَك، من شمالي حمص. الخزل، للحموي (ص: 55).
ومِسْحَل: اسم رجل قد بنى الدَّير، وكان له عليه ولاية. المنهل العذب المورود، لموسى شاهين (10/ 48).

«حِمْص»:
بالكسر، ثم السكون، والصاد مهملة: بلدٌ مشهور كبير مسوَّر. مراصد الاطلاع، للقطيعي (1/ 425)

«وسِرَّهُ»:
بكسر السين، وتشديد الراء. شرح سنن أبي داود، لابن رسلان (10/ 288).
يُقال: سِرار الشَّهْر وسَراره بالكسرِ والفتح، وسَرَره، واختلفوا فيه، فقيل: أوَّله، وقيل: وسطه، وقيل: آخره. عمدة القاري، للقاري (10/ 289).
وقال الزمخشري -رحمه الله-:
أي: آخِره، والسِّرُّ والسِّرار والسَّرَر حِين يستسِرُّ القمر، وقيل: سِرُّه وسطه، يعني: أَيام البيض، مِن سر الشَّيْء وهو وسطه وجوفه. الفائق (2/ 270).
وقال المناوي -رحمه الله-:
أي: آخره، كما صوَّبه الخطابي وغيره، وجرى عليه النووي. فيض القدير(4/ 213).


شرح الحديث


قوله: «قام معاويةُ في النَّاسِ بِدَيْرِ مِسْحَلٍ الذي على بابِ حِمْصَ»:
قال ابن رسلان -رحمه الله-:
قوله: «قام معاوية» بن أبي سفيان، تولَّى الشام «بِدَير مِسْحَل» بكسر الميم، وإسكان السين المهملة، وفتح المهملة أيضًا، «الذي على باب حمص» لا يجوز صرفها كما في هند؛ لأنه اسم أعجمي، سُمِّيت برجُل من العمالقة، قاله البكري. شرح سنن أبي داود (10/ 287).
وقال موسى شاهين -رحمه الله-:
قوله: «بدَيْرِ مِسْحَل...» إلخ، الدَّير: بفتحٍ فسكون، بيتٌ يَتعبَّد فيه الرهبان، ويكون في الصحاري والجبال غالبًا، وهذا الدير بين حمص وبعلبك، و«مِسْحَل» بكسر الميم، وسكون السين، وفتح الحاء، المهملتين اسم رجل قد بنى الدير، وكان له عليه ولاية، و«حمص» بكسر فسكون، بلد معروف بالشام، قريب من دمشق. المنهل العذب المورود (10/ 48).

قوله: «فقال: أيُّها الناسُ إنَّا قد رأينا الهلال يومَ كذا وكذا، وأنا مُتَقَدِّمٌ»:
قال ابن رسلان -رحمه الله-:
«فقال: يا أيها الناس، أنا قد رأيتُ الهلال يوم كذا وكذا، وأنا مُتقدِّمٌ بالصيام» أي: رأينا هلال شعبان يوم كذا وكذا، وأَنا أحبُّ أنْ أستقبل صيام رمضان بصوم على عادتي، أو لأَني نذرته. شرح سنن أبي داود (10/ 287-288).
وقال العظيم أبادي -رحمه الله-:
قوله: «وأنا متقدِّم» رمضان «بالصيام» وهو محل الترجمة (أي: ترجمة أبي داود: باب التقدُّم). عون المعبود (6/ 323).

قوله: «فمَنْ أحبَّ أنْ يفعله فليفعله»:
قال ابن رسلان -رحمه الله-:
قوله: «فمَن أحبَّ أنْ يفعله» أي: مَن أحب أنْ يصومه «فليفعله». شرح سنن أبي داود (10/ 288).
وقال العظيم أبادي -رحمه الله-:
قوله: «أنْ يفعله» أي: تقديم رمضان بالصوم. عون المعبود (6/ 323).

قوله: «قال: فقام إليه مالكُ بنُ هُبَيْرَةَ السَّبَئِيُّ»:
قال ابن رسلان -رحمه الله-:
«قال: فقام إليه مالك بن هبيرة» بن خالد بن مسلم «السبائي» السكوني، معدود في الشاميين، كان أميرًا لمعاوية على الجيوش. شرح سنن أبي داود (10/ 288).

قوله: «فقال: يا مُعاويةُ، أشيءٌ سمعته مِن رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- أَمْ شيءٌ مِن رأيك؟»:
قال ابن رسلان -رحمه الله-:
قوله: «فقال: يا معاوية» أهذا الذي تقوله «شيء سمعتَه من رسول الله» فترفعه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، «أم شيء» قلتَه «من رأيك؟» واجتهادك. شرح سنن أبي داود (10/ 288).

قوله: «قال: سمعتُ رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- يقولُ: «صُومُوا الشهر وسِرَّهُ»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «صوموا الشهر» يُطلَق على الهلال، وعلى العدد المعروف من الأيام، ففي الكلام حذف، أي: أوَّل الشهر، وقرينته قوله: «وسَرَرَهُ» بالمهملة والراء مفتوحات: آخر ليلة منه، ويقال: سَرَارٌ كسحاب، سمي بذلك لاستتار القمر فيه.
والحديث محمول على من كانت له عادة في هذا الصوم، وفي المتفق عليه أنه -صلى الله عليه وسلم- قال لرجل: «صُمْتَ مِن سَرَرِ هذا الشهر شيئًا؟» قال: لا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «فإذا أفطرت رمضان فصم يومين مكانه»، قالوا: ففي هذا دلالة على نهيه، وفيه عندي تأمل؛ لأنه ما قاله -صلى الله عليه وسلم- له إلا وقد ذهب اليوم الذي هو سَرَرُ شعبان، فأمره بقضائه، فلا دليل أنه نهاه عن صوم السرار في سؤاله عن صومه، فالعلة تدل على جوازه، عن صوم السرر من شعبان ولو كان بعبادة من كل شهر، أو يذره منه، بدليل قوله: «فإذا أفطرت فصم يومين مكانه». التنوير (7/ 15-16).
قال المناوي -رحمه الله-:
قوله: «صوموا الشهر» أي: أوَّله، والعرب تُسمِّي الهلال: الشهر (كما أنشد ابن الأعرابي:
ابْدَأْنَ من نجدٍ على مَهَلٍ *** والشهرُ مثْل قُلامة الظُّفرِ.
أي: الهلال).
«وسَرَره» أي: آخره، كما صوَّبه الخطابي، وقيل: وسطه، وسرّ كلّ شيء جوفه، أراد الأيام البيض. التيسير (2/ 95).
وقال السندي -رحمه الله-:
قوله: «صوموا الشهر وسِرَّه» يحتمل أنَّ المراد بالشهر: رمضان، وسِرَّهُ: أي آخره؛ لتأكيد الاستيعاب، أو المراد بآخره: آخر شعبان، وإضافته إلى رمضان للاتصال، أي: لآخره المتصل به، والخطاب لمن يَعتاد، أو لبيان الجواز، والنهي للتنزيه، أو غير ذلك، ويحتمل أن المراد بالشهر: كل شهر، والمراد: صوموا أوَّل كل شهر وآخره، والمقصود بيان الإباحة، وأنه لا حرج في ذلك، والله تعالى أعلم. فتح الودود (2/ 624-625).
وقال السهارنفوري -رحمه الله-:
الظاهر: أنَّ المراد بالشهر شهر شعبان؛ ليطابق الدليل المدَّعَى (يعني: ترجمة أبي داود: باب التقدُّم بالصيام).
«وسِرّه» أي: آخره، وأما التأويلات الأُخَر فلا يطابق بها الجواب السؤال، إلَّا أنْ يُقال: أنْ يكون المراد بالشهر رمضان، و«بِسِرِّه» أي: قَبْله، فعلى التأويل الأول معناه: صوموا شعبان، ثم أكد بقوله: «وسرّه» بأن آخر شعبان أولى بالصيام. بذل المجهود (8/ 461).
وقال ابن التركماني -رحمه الله-:
هذا الحديث غير مطابق للباب (أي: ترجمة البيهقي في الكبرى: باب الخبر الذي ورد في صوم سرر شعبان)؛ إذ ليس فيه أنَّ المراد بالشهر هو شعبان، بل ذكر ابن حزم: إنه رمضان بلا شك، وأن سِرَّه مضاف إليه، سواء كان أوله، أو آخره، أو وسطه، فهو من رمضان، لا من شعبان. الجوهر النقي (4/ 211).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
«صوموا الشهر وسِرَّه» الشهر: الهلال، سُمي به لشُهرته وظهوره، أراد صوموا أول الشهر، وآخره. النهاية (2/ 515)
وقال البيضاوي -رحمه الله-:
وخُصَّ النهي فيما روى أبو هريرة أنَّه -عليه السلام- قال: «لا تَقَدَّموا شهر رمضان بصيام يوم أو يومين» بمن يبتدئ به من غير إيجابٍ، ولا اعتياد؛ توفيقًا بينهما، وقيل: المراد به: البِيْض؛ فإنَّ سر الشيء: وسطه وجوفه، ومنه السُّرة. تحفة الأبرار (1/ 505).
وقال المناوي -رحمه الله- مُعلِّقًا:
وأُيِّد بندب صيام أيام البيض، ولم يَرِد في صوم آخر الشهر ندب، ويرد بأنه قد ورد ندب صوم الأيام السُّود، وهو آخر أيام الشهر. فيض القدير (4/ 213).
وقال أبو داود -رحمه الله-:
حدثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي في هذا الحديث قال: قال الوليد: سمعت أبا عمرو -يعني الأوزاعي- يقول: سِرُّهُ: أوَّلُهُ. سننه (2/ 299).
وقال الخطابي -رحمه الله- مُتعقِّبًا:
قلتُ: أنا أنكر هذا التفسير، وأراه غلطًا في النقل، ولا أعرف له وجهًا في اللغة، والصحيح أنَّ سرَّه: آخره، هكذا حدثناه أصحابنا عن إسحاق بن إبراهيم بن إسماعيل، حدثنا محمود بن خالد الدمشقي عن الوليد عن الأوزاعي، قال: سِره آخره، وهذا هو الصواب...؛ ولذا كان أول الشهر مأمورًا بصيامه في قوله: «صوموا الشهر»، فقد عُلِم أنَّ الأمر بصيام سره غير أوله. معالم السنن (2/ 97).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
المعروف عند اللغويين وغيرهم: أنَّ سِرار الشهر: آخره، يقال: سَرَاره وسَرَرُه ، وهو حين يستسرُّ الهلال. المفهم (10/ 15).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
والأظهر في تفسير سِرار الشهر: أنَّه آخره. إكمال المعلم (4/ 136).
وقال النووي -رحمه الله-:
قال الأوزاعي وأبو عبيد وجمهور العلماء من أهل اللغة والحديث والغريب: المراد بالسَّرَرِ: آخر الشهر، سُمِّيت بذلك لاستسرار القمر. شرح مسلم (8/ 53).
وقال البيهقي -رحمه الله-:
روي عن معاوية أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «صوموا الشهر، وسَرَرَه»، وإنَّما أراد بالشهر الهلال، وأراد بالسَّرر آخر الشهر، فكأنه استحب صوم أول الشهر وآخره، فمَن كره صوم يوم الشك حمل ذلك على أنه علم ذلك من عاداته، أو أراد اليوم الذي يستسر فيه القمر قبل يوم الشك، وقد قيل: أراد بالسرر: وسط الشهر، وسرر كل شيء جوفه، فكأنه أراد أيام البِيض، والله أعلم. معرفة السنن والآثار (7/ 117).
وقال البغوي -رحمه الله-:
روي عن معاوية قال: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «صوموا الشهر، وسِرَّه».
قوله: «صوموا الشهر» أراد مُسْتَهل الشهر، والعرب تسمي الهلال شهرًا، فهذا الحديث في الظاهر معارض لحديث أبي هريرة «لا تقدَّموا شهر رمضان بصيام يوم أو يومين» يُحكى عن الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز أنهما قالا: سِرَّه: أوَّله، قال أبو سليمان الخطابي: أنا أنكر هذا التفسير، وأراه غلطًا في النقل، ولا أعرف له وجهًا في اللغة، والصحيح أن سِرَّه: آخره، يقال: سِرُّ الشهر وسَرَرُ الشهر وسراره، سمي سرًّا لاستسرار القمر فيه، وحُمل الحديث على أنَّ ذلك الرجل كان قد أوجب صومه على نفسه بنذر، فأمره بالوفاء به، أو كان ذلك عادة قد اعتادها من صيام أواخر الشهر، فترك في آخر شعبان لاستقبال الشهر، فاستحب له النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يقضيه، والنهي إنما هو في حق من يبتدئه متبرعًا من غير إيجاب ولا عادة.
وقيل: أراد بسِرِّه: وسطه، وسِرُّ كل شيء جوفه، وعلى هذا أراد أيام البِيض. شرح السنة (6/ 239).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
رجَّح بعضهم بأنَّ السَّرر جمع سُرة، وسُرَّة الشيء وسطه، ويؤيده الندب إلى صيام أيام البيض، وهي وسط الشهر، وأنه لم يرد في صيام آخر الشهر ندب، بل ورد نهي خاص، وهو آخر شعبان إن صامه لأجل رمضان. شرح سنن أبي داود (10/ 288).
وقال ابن قرقول -رحمه الله-:
وقيل: سِرُّه: وسطه، وسرُّ كل شيء: جوفه...، وذكر مسلم في حديث عمران بن حصين: «أَصُمْتَ مِنْ سُرَّةِ هذا الشهرِ؟» وهذا يدل على أنه وسطه. مطالع الأنوار (5/ 477).
وقال البيضاوي -رحمه الله- عن حديث عمران بن حصين:
حُمل الحديث على أنَّه -عليه السلام- عَلِمَ أنَّ المُخاطب نذر صومه، أو اعتاد صيام سرر الشهور، فأمر بالقضاء بعد عيد الفطر. تحفة الأبرار (1/ 505).
وقال محمود السبكي -رحمه الله-:
الحديث الذي فيه «سُرَّة هذا الشهر» ورد في غير ما ورد فيه حديث «سَرَر الشهر» فلا يصح الاحتجاج به على أنَّ المراد بالسَّرر: الوسط، وأما النهي عن صيام آخر شعبان، فإنَّما هو لمن لم يعتده. المنهل العذب (10/ 50).
وقال ابن الجوزي -رحمه الله-:
أنبأنا محمد بن ناصر قال...، عن مكحول أنَّ معاوية كان إذا حضر شهر رمضان قال: «أما هلال شعبان يوم كذا وكذا، ونحن متقدمون، فمن أحب أنْ يتقدَّم فعل»، ثم قال معاوية: «هكذا كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا حضر رمضان قال كما قلتُ».
(و) هذا حديث لا يصح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومكحول لم يسمع معاوية، وما صح أنَّه سمع من صحابي سوى ثلاثة: أنس وواثلة وأبو ثعلبة الخشني، وأما خالد بن يزيد فقال أحمد: ليس بشيء، وقال النسائي: ليس بثقة.
وفي الصحيح: «لا تقدَّموا الشهر بيوم أو يومين». العلل المتناهية (2/ 529-530).
وقال ابن حزم -رحمه الله-:
لو صح (حديث معاوية) لما كانت فيه حُجة أصلًا؛ لأن نصه: «صوموا الشهر وسِرَّه» وهو بلا شك شهر رمضان لا ما سواه، «وسِره» مضاف إليه، ولا يخلو «سره» من أن يكون أوله أو آخره أو وسطه، وأي ذلك كان؟! فهو من رمضان لا من شعبان، وليس فيه: صوموا سِرَّ شعبان؛ فبطل التعلق به. المحلى بالآثار (4/ 446).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
أعلَّه ابن الجوزي...، وقال ابن حزم في المحلى وقد أورد الحديث: المغيرة بن فروة غير مشهور، ثم لو صح لما كانت فيه حُجة أصلًا.
قلتُ: يشير بقوله هذا إلى عدم صحته. التوضيح (13/ 69).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
قول معاوية -رضي الله عنه-: «صوموا الشهر وسِرَّه» أي: أول الشهر وآخره، لكن كما هو معلوم أنَّ النهي قد جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في التقدُّم، وهذا فيه التجويز، وقد جاء في بعض الروايات أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في بعض الأحاديث لرجل: « صُمْتَ؟ من سَرَرِ الشهر؟ قال: لا، قال: صم من شوال»، ويكون ذلك -كما أسلفنا- محمولًا على ما إذا كان من عادته، ثم تركه خشية أنه لا يجوز.
وحديث معاوية -رضي الله عنه- هذا ذكر الألباني أنَّه ذكره في ضعيف سنن أبي داود، ولكنه ذكر في صحيح الجامع أنَّه حَسَن، وعزاه إلى صحيح سنن أبي داود، وذكر أنه صحيح، ففيه تناقُض بين ما جاء في ضعيف السنن الموجود بأيدينا وبين ما في صحيح الجامع، وإحالته إلى صحيح أبي داود، ولعله يقصد بصحيح أبي داود المؤلف الكبير الذي فيه استيفاء التخريج والطرق والشواهد، وهو بخلاف هذه الطبعة الموجودة التي ليس فيها إلا مجرد الإشارة إلى أنَّ هذا صحيح أو ضعيف.
فإنْ كان ضعيفًا فلا إشكال، ولا يعارِض ما تقدَّم، وإنْ كان صحيحًا فهو مثل ما جاء في قصة الرجل الذي قال: «صمتَ من سرر شعبان؟ قال: لا، قال: فإذا أفطرت رمضان فصم يومين»، ويكون ذلك محمولًا على من كان له عادة، وهذا حتى يتفق مع الأحاديث التي فيها النهي عن التقدُّم.
ثم أيضًا: لو لم يكن هناك هذا فإن الاحتياط هو عدم الصيام؛ لأن الأخذ بالنهي أولى من الأخذ بالرخصة والإذن، فالإنسان إذا لم يصم أكثر ما في الأمر أنه تَرَكَ سُنة، ولم يترك واجبًا، فلا يلحقه إثم، ولكنه إذا صام وقد جاء النهي فإنه يكون متعرضًا للإثم، فعلى الإنسان ألا يتعرض للإثم في سبيل أن يفعل شيئًا هو سُنة، وقد جاء عن عمار أنه قال: «مَن صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم-» يعني: في قوله: «لا تتقدموا رمضان بيوم أو يومين». شرح سنن أبي داود (ص: 2).


ابلاغ عن خطا