السبت 20 شوّال 1446 هـ | 19-04-2025 م

A a

عن ابن الساعدي المالكي، أنه قال: استعملني عمرُ بن الخطابِ -رضي الله عنه- على الصدقةِ، فلما فرغتُ منها، وأديتُها إليه، أمر لي بعُمالةٍ، فقلتُ: إنما عملتُ للهِ، وأجري على اللهِ، فقال: خذْ ما أُعطيتَ؛ فإني عملتُ على عهدِ رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فعَمَّلَني، فقلتُ مثلَ قولِك، فقال لي رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: «إذا أُعطيتَ شيئًا من غيرِ أنْ تَسْأَلَ، فكُلْ وتصدَّقْ».


رواه البخاري برقم: (7163)، ومسلم برقم: (1045) واللفظ له.  


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«استعْمَلَني»:
أي: جعلني عاملًا. مرقاة المفاتيح، للقاري (4/ 1316).

«بعُمالةٍ»:
بضم أوله، يجوز الكسر، وهي أُجرة العامل. فتح الباري، لابن حجر (1/ 160).
وأصل العُمالة: أُجرة مَن يَلِي الصدقة، ثم كثُر استعمالها حتى أُجريت على غير ذلك. الفروق اللغوية، للعسكري (ص: 577).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
«العُمَالة» بضم المهملة وتخفيف الميم أي: أجرة العمل، وأما العَمالة بفتح العين فهي نفس العمل. فتح الباري(13/ 152).

«فعَمَّلَني»:
أي: جعل لي عُمالة، أو جعلني عاملًا، أي: نائبًا على بلدٍ. فتح الباري، لابن حجر (1/ 160).


شرح الحديث


قوله: «أنه قال: استَعْمَلَني عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- على الصدقة»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«استعملني ‌عمر» أي: جعلني عاملًا «على الصدقة» أي: على أَخْذِها وجمعها وحفظها. مرقاة المفاتيح (4/ 1316).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«قال: ‌استعملني ‌عمر» بن الخطاب أي: جعلني عاملًا «على الصدقة» والزكاة أي: واليًا على أخذها من أرباب الأموال وجمعها. الكوكب الوهاج (12/ 163).

قوله: «فلما فرغتُ منها، وأدَّيتُها إليه، أَمَر لي بعُمالة»:
قال ابن رسلان -رحمه الله-:
«فلما فرغتُ منها» أي: مِن تحصيلها «وأدَّيتُها إليه أَمَر لي بعُمالة» قال الجوهري: العُمالة بالضم: رِزْقُ العامل أي: على عمله. شرح سنن أبي داود (8/ 17).
وقال ابن رسلان -رحمه الله- أيضًا:
«فلما فرغتُ» من عملي «أمر لي بعُمالة» بضم العين، وهو الذي يأخذه العامل على أجرته في استخراج الزكاة، ونحوها. شرح سنن أبي داود (12/ 555).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«فلما فرغتُ منها» أي: مِن جمع الصدقة «وأديتُها» أي: أديتُ وسلمتُ الصدقة المجموعة «إليه» أي: إلى عمر، «أَمَرَ لي» أي: أمر بعض مَن يلي قسم الصدقات أن يعطيني، «بعُمالة» أي: بأجرة عملي كما في القاموس. الكوكب الوهاج (12/ 163).

قوله: «فقلتُ: إنما عملتُ لله، وأَجْرِي على الله»:
قال ابن رسلان -رحمه الله-:
«فقلتُ: إنما عملتُ» فيها «لله» تعالى، «وأجري» فيها «على الله» تفضلًا منه وإكرامًا إذا شاء. شرح سنن أبي داود (8/ 17).
وقال ابن رسلان -رحمه الله- أيضًا:
«فقلتُ: إنما عملتُ» عملي هذا «لله» تعالى. شرح سنن أبي داود (12/ 555).

قوله: «فقال: خذ ما أُعطيتَ؛ فإني عملتُ على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فعَمَّلَني، فقلتُ مثل قولك»:
قال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله-:
«قال» أي: عمر: «خذ ما أُعْطِيتَ» على بناء المفعول، والأمر للاستحباب عند الجمهور، «فعمَّلني» بتشديد الميم أي: أعطاني أجرة عملي، والمعنى: أراد إعطاءها أو أمر لي بالعطاء، «فقلتُ مثل قولك» فيه مَنقبة لعمر وبيان فضله وزهده وإيثاره، وكذا لابن السعدي فقد وافق فعلُه فعل عمر سواء. مرعاة المفاتيح (6/ 277).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«قال: خذ ما أُعطيتَ» من غير مسألة، فيه أن الأخذ من غير مسألة ولا استشراف نفس لا ينافي العمل الخالص لله ولا يفسده، فإنه عمل لله وأخذ لله، فإنه في الحقيقة هو المعطي؛ «فإني قد عملتُ على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فعَمَّلني» بتشديد الميم أي: أعطاني أجرة عملي، وقد يقال: عمَّلته بمعنى: ولَّيتُه وجعلتُه عاملًا على الصدقة ونحوها. شرح سنن أبي داود (12/ 555).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«قال: خذ ما أُعطيت؛ فإني قد عملتُ» أي: على الصدقة «على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فعمَّلني» بتشديد الميم، أي: أعطاني أجرة العمل، والمعنى: أراد إعطاءها، أو أمر لي بالعطاء «فقلتُ مثل قولك». مرقاة المفاتيح (4/ 1316- 1317).
وقال السندي -رحمه الله-:
قوله: «فعمَّلني» من التعميل وهو تولية العمل، يقال: عمَّلتُ فلانًا على البصرة، والمراد ها هنا أعطى العمالة؛ لأنه مسبب عن التعميل. فتح الودود في شرح سنن أبي داود (2/ 245).
وقال محمود السبكي -رحمه الله-:
قوله: «فقلتُ مثل قولك» هو كما في رواية للبخاري والنسائي من طريق عبد الله بن السعدي أنه قدِم على عمر في خلافته فقال له عمر: ألم أحدَّث أنك تلي من أعمال الناس أعمالًا فإذا أُعطيتَ العمالة كرهتَها؟ فقلتُ: بلى، فقال عمر ما تريد إلى ذلك؟ فقلتُ: إن لي أفراسًا وأعبُدًا وأنا بخير وأريد أن تكون عمالتي صدقة على المسلمين، قال عمر: لا تفعل؛ فإني كنتُ أردتُ الذي أردتَ وكان رسول الله -صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم- يعطيني العطاء فأقول: أَعْطِهِ أفقر إليه مني، حتى أعطاني مرة مالًا فقلتُ: أَعْطِهِ أفقر إليه مني، فقال النبي -صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم-: «خذه فتموَّله وتصدق به، فما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه، وما لا فلا تتبعه نفسك». المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود (9/ 286).

قوله: «فقال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إذا أُعْطِيتَ شيئًا من غير أن تسأل، فكُلْ وتصدق»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«فقال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إذا أُعطيتَ شيئًا من غير أن تسأله فكُلْ» أي: حال كونك فقيرًا، «وتصدَّق» أي: حال كونك غنيًّا. مرقاة المفاتيح (4/ 1317).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
قوله: «فكُلْ وتصدَّق» يحصل منه: أنه حلال طيب، يصلح للأكل والتصدق وغيرهما، فأما ما لا يكون كذلك فلا يصلح لشيء من ذلك. المفهم (3/ 91).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
قوله: «فقال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إذا أُعطيتَ شيئًا من غير أن تسأل فكُلْ» أي: منه «وتصدق» يعني: منه.
قال في المطلب: وطريق الجواب -يعني عن هذا الحديث-: أنه محمول على أن العطاء الذي أُعطي لم يكن من الصدقات، بل من بيت المال، وللإمام أن يُعطي من بيت المال لا على العمل، فلعل إعطاء النبي -صلى الله عليه وسلم- وإعطاء عمر كان عند ذكر العمل لله من تلك الجهة لا على جهة العمل، ولو توفَّر نصيب العامل عليها بجملته كما في هذِه الصورة كان نصيبه عائدًا على بقية الأصناف.
قال سليم (الرازي) في المجرد وغيره: وأُجرة الْمِثل تختلف باختلاف قُرب المسافة، وكثرة الصدقات وقلَّتها، وبحسب حال الرَّجل في ظهور أمانته وكبر منزلته وغير ذلك. انتهى.
وظاهر هذا الحديث يقتضي أن مَن علّم الأطفال أو غيرهم كتاب الله تعالى أو العلم الشريف ونوى بتعليمهم الأجر من الله تعالى وثوابه، ثم أُعطي شيئًا أنه يجوز له أجره سواء قصد الدافع به أجرة أو هدية، ونحو ذلك. شرح سنن أبي داود (8/ 18- 19).
وقال النووي -رحمه الله-:
واختلف العلماء فيمن جاءه مال هل يجب قبوله أم يندب؟ على ثلاثة مذاهب، حكاها أبو جعفر محمد بن جرير الطبري وآخرون، والصحيح المشهور الذي عليه الجمهور أنه يُستحب في غير عطية السلطان، وأما عطية السلطان فحرَّمها قوم، وأباحها قوم، وكرهها قوم، والصحيح: أنه إن غَلب الحرام فيما في يد السلطان حَرُمت، وكذا إن أعطى من لا يستحق، وإن لم يغلب الحرام فمباح إن لم يكن في القابض مانع يمنعه من استحقاق الأخذ، وقالت طائفة: الأخذ واجب من السلطان وغيره، وقال آخرون: هو مندوب في عطية السلطان دون غيره، والله أعلم. شرح مسلم (7/ 134-135).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
فقال: «خذه» فيه: جواز إعطاء الإمام من غيره أفقر منه لوجه يراه من المصلحة.
وفيه: أخذ المال من أئمة العدل، وأنَّ أخذ ما جاء من غير مسألة ولا منَّة خير مِن تركه إذا كان حلالًا. إكمال المعلم (3/ 581).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
فيه: أنه يجب على الإمام بعث السُّعاة لأخذ الصدقات ممن يرغب في دفعها، وإن كان يجوز له تفريقها بنفسه، وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يبعث السُّعاة، وكذلك الخلفاء من بعده.
وكان عمر -رضي الله عنه- ممن بعثه النبي -صلى الله عليه وسلم- ساعيًا كما دل عليه الحديث، وفيه دليل على أن عمل الساعي سبب لاستحقاقه، كما أن وصف الفقر والمسكنة هو سبب ذلك، وإذا كان العمل هو السبب اقتضى قياس قواعد الشرع أن المأخوذ في مقابلته أجرة، فلذلك لاحظ الأصحاب تبعًا لإمامهم (الشافعي) فيه أجرة المثل، وقالوا: الإمام عند بَعْثِ العامل إن شاء استأجره بقدرٍ معلوم على عمل معلوم بأجرة المثل، وجعل محلها سهم العاملين أو بيت المال، وإن شاء لم يعقد الإجارة، وجعل ذلك جعالة، فإذا عمل استحق المسمَّى من الجهة التي عُيِّنت له، فإن كان قد سمى له أكثر من أُجرة المثل فتفسد التّسمية من أصلها، أو يكون قدْر أجرة المثل من الزكاة، وما زاد مِن خالص مال الإمام، فيه وجهان.
قال الماوردي وغيره: ولو أرسل الساعي من غير إجارة ولا جعالة واستعمله فله أجرة المثل ولم يخرج ذلك الخلاف في الغَسَّال ونحوه؛ لأجل جَعْلِ الله -سبحانه- للعاملين نصيبًا من ذلك آكد مِن جَعْلِ المخلوقين له ذلك.
نعم، ولو عمل على أنه لا يأخذ شيئًا فقاعدتنا تقتضي أنه لا يستحق شيئًا؛ لتبرعه بعمله. شرح سنن أبي داود (8/ 17- 18).
وقال العيني -رحمه الله-:
وفيه: جواز أخذ العوض على أعمال المسلمين سواء كانت لدِين أو لدنيا كالقضاء والحِسبة وغيرها. شرح سنن أبي داود (6/ 400).
وقال ابن هبيرة -رحمه الله-:
وفي هذا الحديث من الفقه أيضًا: أن ابن السعدي لما استعمله عمر وأعطاه العُمالة، فرد ذلك فأخبره عمر أنه ردَّ كما ردَّ، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما قال له؛ أن ذلك في العُمالة على الصدقة؛ فيه زيادة توكيد لتبعد عنه التهمة؛ وليكون مستعينًا به على نفسه؛ كي لا يضجر في وقت ما إذا استمر لها العمل بغير أجرة؛ لأنه قد لا يستمر الصفاء للإنسان في الأحوال كلها، فالحازم يتخذ في أوقات الصفاء عُدَّة لمدافعة الكدر، ثم قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «فكُلْ وتصدق» دليل على إباحة أن يأكل العامل من أجرة ما يعمل عليه في الصدقات، وأن يتصدق بعد ذلك إنْ فضل عنده؛ لأنه قدَّم الأكل على الصدقة، فيكون إذا أكل أكل طيبًا، وإذا تصدق تصدق طيبًا من العفو أي: الفضل. الإفصاح (1/ 104- 105).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
وفيه: بيان جواز أخذ العامل الأجرة بقدر مثل عمله فيما يتولاه من الأمر، وقد سمى الله تعالى للعاملين سهمًا في الصدقة فقال: {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} التوبة: 60، فرأى العلماء أن يُعطَوا على قدر غنائهم وسعيهم. معالم السنن (3/ 7).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
فيه جواز الأجرة على أعمال المسلمين وولاياتهم الدينية والدنيوية من الإمارة والصدقات والقضاء والحسبة، وغيرها. إكمال المعلم (3/ 581).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
وهذا الحديث أصل في أنَّ كل مَن عَمِلَ للمسلمين عملًا من أعمالهم العامة: كالولاية، والقضاء، والحسبة، والإمامة، فأرزاقهم في بيت مال المسلمين، وأنهم يعطون ذلك بحسب عملهم. المفهم (3/ 91).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
وفيه: جواز أخذ العوض من بيت المال العام، وإن كان فرضًا كالقضاء والحسبة والتدريس، بل يجب على الإمام كفاية هؤلاء، ومَن في معناهم في مال بيت المال، وظاهر هذا الحديث وغيره مما سبق وجوب قبول ما أُعطيه الإنسان من غير سؤال ولا إشراف نفس، وبه قال أحمد وغيره، وحمل الجمهور الأمر على الاستحباب، أو الإباحة، والله أعلم. مرقاة المفاتيح (4/ 1317).
وقال محمود السبكي -رحمه الله-:
دل الحديث: على بيان فضل ابن السعدي وعمر -رضي الله تعالى عنهما- وزهدهما وإخلاصهما في العمل ابتغاء وجه الله -عز وجل-.
وعلى جواز أخذ الأجرة في نظير القيام بعمل من أعمال المسلمين دينيًّا أو دنيويًّا، ولو كان العامل غنيًّا أو العمل فرضًا كالقضاء والتدريس، بل يجب على الإمام كفاية هؤلاء ومَن في معناهم من بيت المال. المنهل العذب المورود (9/ 286).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
فيه أيضًا: وجوب قبول ما أُعطيه الإنسان من غير سؤال كما هنا، ولا إشراف نفس، كما عُلم من الأحاديث السابقة؛ لأن الأمر للوجوب حقيقة، وبه قال أحمد وغيره، لكن الصحيح الذي عليه الجمهور أنه مستحب لا غير، بشرط حِلّ المال المعطى، وقد يجاب عن الحديث بأن الأمر فيه للإباحة، كما في قوله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} المائدة: 2، بجامع أنه في كلٍّ وارد بعد الحظر؛ إذ مال الغير ممنوع عليك أخذه، وبالإذن فيه إنما يفيد الإباحة لا غير، وأما الاستحباب فأُخذ من دليل آخر. فتح الإله في شرح المشكاة (6/314).
وقال الأردبيلي -رحمه الله-:
فيه: جواز إعطاء العُمالة، وأخذها، بل بيان استحبابها. الأزهار شرح مصابيح السنة مخطوط لوح (346).

وللاستفادة من الروايات الأخرى ينظر (هنا) و (هنا)


ابلاغ عن خطا