«رِضَا الرَّبِّ في رِضَا الوالدِ، وسَخِطُ الرَّبِّ في سَخَطِ الوالدِ».
رواه الترمذي برقم: (1899)، والحاكم برقم: (7249)، والبخاري في الأدب المفرد برقم: (2)، والطبراني في الكبير برقم: (14368) بلفظ: «الوالدين»، من حديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما-.
صحيح الجامع برقم: (3506)، سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: ( 516).
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«سَخَط»:
السخط: خلاف الرضا، وتسخَّط الرجل تسخُّطًا إذا تغضَّب وتكرَّه الشيء، والشيء مسخوط، أي: مكروه. جمهرة اللغة، لابن دريد (1/ 597).
شرح الحديث
قوله: «رضا الرّب في رضا الوالدِ»:
قال المظهري -رحمه الله-:
قوله: «رضا الرب في رضا الوالد» يعني: إذا رضي الوالد رضي الرب عنه، وكذلك السخط، وذَكَرَ الوالد والمراد منه الوالدة أيضًا، بل حق الوالدة آكد، وكذلك جميع الآباء والأمهات وإن عَلَوا داخلون في هذا الحديث، إلا أنَّ مَن هو أقرب حقه آكد. المفاتيح (5/ 209).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«رضا الرّب في رضا الوالد» وكذا حكم الوالدة، بل هي أولى. مرقاة المفاتيح (7/ 3089).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
قوله: «رضا الرّب في رضا الوالد» وكذلك الوالدة بطريق الأَوْلى لزيادة حقها، وقيل: الوالد هنا صيغة النسبة، فيشمل الأم، وتخصيص ذكر اسم الرب بالذِّكْر من أسمائه تعالى أنسب هنا؛ لوجود معنى التربية في الوالد. لمعات التنقيح (8/ 219).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«رضا الرب» على الولد «في رضا الوالد» عليه، فإذا رضي الوالد على ولده، فالله راضٍ عنه. التنوير (6/ 257).
وقال محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
معنى رضا الرب سبحانه عن عبده: قبول عمله منه، وإثابته عليه. تفسير حدائق الروح والريحان (8/ 171).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
الرضا معروف أنْ يكون الإنسان مطمئنًا بالشيء، منشرحًا به صدره، وغير ذلك، فإذا أطَعْتَ والدك أو والدتك تطمئن به نفسه، ويشرح له صدره، فهذا هو سبب الرضا، والمراد بالوالدين الأم والأب، وهما أحق الناس بالبِرِّ. فتح ذي الجلال والإكرام (6/ 284).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
الإنسان يحرص على إرضاء الوالدين؛ لأن الوالدين حقهما كبير، وقد أوصى الله تعالى بحقهما، وبالإحسان إليهما، وقَرَن ذلك بالأمر بعبادته، فقال: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} الإسراء:23، وقال -عز وجل-: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} النساء:36، فحق الوالدين عظيم، فعلى الإنسان أنْ يحرص على رضاهما، وعلى الإحسان إليهما، والعطف عليهما، وعلى تطييب خاطرهما؛ لأن الوالد هو الذي جعله الله سببًا في وجود الولد، وهو الذي رباه، وهو الذي نشأه، وهو الذي أحسن إليه، حتى بلغ مبلغ الرجال، فمن حقه عليه أنْ يكافئ الجميل بالجميل، والإحسان بالإحسان، ولا يقابل الحسنة بالسيئة، وإنَّما يأتي بالحسنى، والله تعالى يقول: {هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ} الرحمن:60، فمن أحسن يحسن إليه، ومَن جازى بالمعروف كُوفِئَ بالمعروف. شرح سنن أبي داود (235/ 3).
وقال الشيخ عبد الكريم الخضير -حفظه الله-:
فكل ما يكون سببًا في رضا الوالدين فهو مَرْضٍ لله -جل وعلا-. شرح جوامع الأخبار (10/ 12).
وقال الغزالي -رحمه الله-:
وكذلك مَن يخدم أبويه لا ينبغي أنْ يخدمهما لطلب المنزلة عندهما، إلا مِن حيث إنَّ رضا الله عنه في رضا الوالدين، ولا يجوز له أنْ يُرائي بطاعته؛ لينال بها منزلة عند الوالدين، فإنَّ ذلك معصية في الحال، وسيكشف الله عن ريائه، وتسقط منزلته من قلوب الوالدين أيضًا. إحياء علوم الدين (3/ 334).
وقال المناوي -رحمه الله-:
فإن قيل: ما وجه تعلق رضا الله عنه برضا الوالد؟
قلنا: الجزاء من جنس العمل، فلما أرضى مَن أَمَرَ الله بإرضائه رضي الله عنه، فهو من قبيل لا يَشكر الله مَن لا يشكر الناس. فيض القدير (4/ 33).
وقال الأردبيلي -رحمه الله-:
المراد برضا الوالد والوالدة وسخطهما: الرضا والسخط بالحق، دون الباطل؛ لقوله: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق». الأزهار مخطوط لوح (420).
قوله: «وسَخَطُ الرّبِّ في سَخَطِ الوالدِ»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«وسخط الرب» أقام الْمُظْهَر مقام الْمُضْمَر لمزيد التهويل، «في سخط الوالد»؛ لأنه تعالى أمر أنْ يُطاع الأب ويُكرم، فمن أطاعه فقد أطاع الله، ومَن أغضبه فقد أغضب الله، وهذا وعيد شديد يفيد أنَّ العقوق كبيرة، وعُلِمَ منه بالأَولى أنَّ الأم كذلك. التيسير (2/ 34).
وقال المغربي -رحمه الله-:
يجب على الولد الوقوف على الحال الذي يرضاه الوالدان، ولا يسخطهما؛ ففي ذلك سخط الله -سبحانه وتعالى-، فيقدِّم رضاهما على فعل ما يجب عليه إذا كان من فروض الكفاية. البدر التمام (10/ 210).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«وسخط الرب في سخط الوالد»؛ وذلك أنه تعالى أمر بإكرام الأب وطاعته، فمَن امتثل أمره تعالى رضي عنه، ومن خالف أمره غضب عليه. التنوير (6/ 257).
وقال الشيخ عبد الكريم الخضير -حفظه الله-:
كل ما يكون مُسْخِطًا للوالدين فهو مسخط لله -جل وعلا-، شريطة أنْ يكون الوالدان أهل خير وفضل واستقامة، أما إذا كانوا أهل فساد، يأمرون الولد ويرضيهم بما يسخط الله -جل وعلا-، فلا رضا ألبتة، لا رضا لهما، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، لكن المسألة في والدين مسلِمَين محبَّين للخير، يبغضان الشر وأهله، لا يأمران بمعصية، فمثل هؤلاء رضا الله في رضاهم، فلا بد من إرضائهم، ولا يجوز إسخاطهما ألبتة، لكن إذا أمرا بمعصية فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. شرح جوامع الأخبار (10/ 12).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
ولا خلاف في وجوب بر الوالدين، وأنَّ عقوقهما من الكبائر. إكمال المعلم (8/ 7).
وقال الرازي -رحمه الله-:
اتفق أكثر العلماء على أنَّه يجب تعظيم الوالدين، وإنْ كانا كافرين. مفاتيح الغيب (3/ 586).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
وبر الوالدين واجب على الجملة بالكتاب والسُّنة، وإجماع الأمة. المفهم (6/ 511).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله- أيضًا:
ولا خلاف في أن عقوق الوالدين محرَّم، وكبيرة من الكبائر، وقد دل على ذلك الكتاب في غير موضع، وصحيح السُّنة. المفهم (6/ 519).
وقال النووي -رحمه الله-:
وأجمع العلماء على الأمر ببر الوالدين، وأنَّ عقوقهما حرام من الكبائر. المنهاج (16/ 104).
وقال ابن العطار -رحمه الله-:
لا شك أنَّ حق الوالدين عظيم، فعقوقهما عظيم، ورُتَبُه مختلفة، لكنَّ ضَبْطَ المحرم والواجب من الطاعة لهما فيه عسر، ولا يجب على الولد طاعتهما في كل ما يأمران به، ولا في كل ما ينهيان عنه، باتفاق العلماء، بل طاعتهما تبع لطاعة الشرع؛ ولهذا قال -صلى الله عليه وسلم-: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق»، وقال -صلى الله عليه وسلم-: «إنَّما الطاعة في المعروف». العدة (3/ 1575).
وقال المظهري -رحمه الله-:
يجب على الولد خدمة الوالدين بقدر ما يطيق، ويجب عليه نفقتهما وكسوتهما إن كانا فقيرين، إنْ كان يقدر على نفقتهما وكسوتهما. المفاتيح (1/ 137).
وقال ابن تيمية -رحمه الله-:
وعقوق الوالدين من الكبائر الموجبة للنار. مجموع الفتاوى (35/ 90).
وقال الفاكهاني -رحمه الله-:
طاعة الوالدين لا تراعى في ركوب كبيرة، ولا في ترك فريضة على الأعيان، وتلزم طاعتهما في المباحات، وتُستحسن في ترك الطاعات البدنية. رياض الأفهام (2/ 580).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
وتعظيم الوالدين مُستلزم لتعظيم الله؛ ولذلك قرن الله -سبحانه وتعالى- الإحسان إليهما وبرهما بتوحيده وعبادته، في قوله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} الإسراء: 23. الكاشف عن حقائق السنن (3/ 1044).
وقال الطيبي -رحمه الله- أيضًا:
طاعة الوالدين لم تكن طاعة مستقلة، بل هي طاعة الله التي بلغت توصيتها من الله تعالى، فحسب طاعتهما كطاعته، وكذلك العصيان والأذى، وهو من باب قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} الأحزاب: 57. الكاشف عن حقائق السنن (10/ 3172، 3173).
وقال المناوي -رحمه الله-:
وقد ثبت في الشريعة في حُرمة الوالدين، ووجوب برهما، والقيام بحقهما، ولزوم مرضاتهما ما صيَّره في حيز التواتر. فيض القدير (3/ 199).
وقال المناوي -رحمه الله- أيضًا:
عقوق الوالدين عظيمًا؛ لِمَا يجب من شكر أنعمهما. فيض القدير (6/ 370).
وقال الترمذي -رحمه الله- بعد أنْ ذَكَرَ هذا الحديث:
حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا محمد بن جعفر، عن شعبة، عن يعلى بن عطاء، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو، نحوه، ولم يرفعه، وهذا أصح. سنن الترمذي (4/ 311).
وقال الأردبيلي -رحمه الله- مُتعقِّبًا:
تنبيهٌ: قول أبي عيسى: وهذا أصح، ترجيحٌ للمرجوح عند الأكثرين، إذ رَفَعَ الحديث ووَقَفَ، وله مثل هذا كثير. الأزهار مخطوط لوح (420).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
الحديث دليل على وجوب إرضاء الولد لوالديه، وتحريم إسخاطهما؛ فإنَّ الأول فيه مرضاة الله، والثاني فيه سخطه، فيقدِّم رضاهما على فعل ما يجب عليه من فروض الكفاية. سبل السلام (2/ 632).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
الحديث دليل أنَّ العقوق كبيرة. التنوير (6/ 257).