السبت 20 شوّال 1446 هـ | 19-04-2025 م

A a

«هذه عُمْرَةٌ اسْتَمْتَعْنَا بها، فمَنْ لم يكنْ عندهُ الهديُ فلْيَحِلَّ الحِلَّ كلَّهُ؛ فإنَّ العُمرةَ قد دخلتْ في الحجِّ إلى يوم القيامة».


رواه مسلم برقم: (1241)، من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-.


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«عُمْرَةٌ»:
العُمْرة لغةً: الزيارة، وقيل: القصد، وفي الشرع: إحرامٌ وسعيٌ وطوافٌ وحَلْقٌ أو تقصيرٌ، سُمِّيت بذلك؛ لأنه يُزار بها البيت ويُقصَد. سبل السلام، للصنعاني (1/ 599).
وقال القرافي -رحمه الله-:
العمرة في اللغة: الزيارة، يُقال: اعتمر فلانٌ فلانًا، إذا زاره، وفي الشرع: زيارة مخصوصة للبيت. الذخيرة (3/ 373).
وقيل: سُمِّيت عُمْرة؛ لأنها تُفعَل في العُمُر كله، وقيل: لأنَّها تُفعل في الموضع العامر. حاشية الشلبي على شرح الزيلعي لكنز الدقائق (2/ 82).

«اسْتَمْتَعْنَا بها»:
الاستمتاع هنا: تقديمُ العمرةِ، والفراغُ منها، واستباحة محظوراتِ الإحرامِ بعد الفراغِ من العمرةِ حتى يُحْرِمَ بعد ذلك بالحج. المفاتيح، للمظهري (3/ 287).

«الهَدْيُ»:
بفتح، فسكون، وهو ما يُهدَى إلى الحَرَم من النَّعَم شاة كان، أو بقرة، أو بعيرًا، والواحدة هَدْيَة. مرقاة المفاتيح، للقاري (5/ 1819).
وقال الكرماني -رحمه الله-:
والهَدْي: بفتح الهاء، وسكون الدال، وخِفة الياء، وبكسر الدال، وتشديد الياء، هو: ما يُهدَى إلى الحَرَم من النَّعَم تقرُّبًا إلى الله تعالى. الكواكب الدراري (6/ 162-163).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
ويُطلَق أيضًا على دم الجُبْران. إرشاد الساري (3/ 216).


شرح الحديث


قوله: «هذه عُمْرَةٌ اسْتَمْتَعْنَا بها»:
قال الأردبيلي -رحمه الله-:
قوله: «هذه» إشارةُ تعظيم. الأزهار مخطوط لوح (250).
وقال السهارنفوي -رحمه الله-:
«هذه عمرةٌ استمتعنا بها» أي: تمتَّعنا، وترفَّهنا بها في الحج. بذل المجهود (7/ 126).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«هذه عمرةٌ استمتعنا بها» الاستمتاع هنا: تقديم العمرة، والفراغ منها. مرقاة المفاتيح (5/ 1780).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«هذه عمرة استمتعنا بها» أي: بأدائها، والفراغ من أعمالها. البحر المحيط الثجاج (23/ 332).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: «استمتعنا بها» هذا ظاهر في أنَّ المراد بالاستمتاع هو الترفُّه باتحاد الميقات والإحرام. الكاشف عن حقائق السنن (6/ 1973).
وقال المظهري -رحمه الله-:
قوله: «استمتعنا» ومعناه على قوله: «استمتع مَن أَمَرتُه بتقديمِ العمرةِ على الحجِّ من أصحابي»، فأضاف فعلهم إلى نفسه؛ لأنَّ فِعْلَ مَن فعلَ شيئًا بأمره كفعلِه، كما رُوي أنَّه -عليه السلام- رَجَمَ ماعزًا، وقد أمرَ برجْمه، لا رَجَمه هو بنفسه. المفاتيح (3/ 288).
وقال صفي الرحمن المباركفوري -رحمه الله-:
قوله: «هذه عمرةٌ استمتعنا بها»؛ لأنَّ الله أَذِنَ لنا بها، وشَرَعَها لنا في أيام الحج، وفي سفر الحج، دون أنْ نتكلَّف لها سفرًا آخر في أيام أُخر، كما كان يفعل في زمن الجاهلية. منة المنعم (2/ 278).
وقال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
قوله: «هذه عمرةٌ استمتعنا بها» أي: استمتعتم بها (يعني: الخِطَاب لأصحابه)؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يكن متمتعًا، ويمكن حمْل استمتاعه -صلى الله عليه وسلم- على القِران، كما سبق. فتح المنعم (5/ 232).
وقال محمد الأُبي -رحمه الله-:
لا يُقال فيه: إنَّه أحرم متمتعًا؛ لأنَّ الإشارة بـ«هذه» إلى عمرة الفَسْخَ، ومعنى: «استمتعنا» استمتعتم، أو يكون أدخل نفسه معهم فيها ولكن قام المانع وهو كون الهدي معه...، وهو قوي في تأييد جواز الفسخ. إكمال إكمال المعلم (3/372).
وقال البيهقي -رحمه الله-:
وكأنَّه أراد -والله أعلم- أصحابه الذين حلُّوا واستمتعوا، وثابت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنَّه تلهَّف حيث ساق الهدي، فلم يحِل، ولو كان متمتعًا بالعمرة إلى الحج لم يتلهَّف عليها، والله أعلم. السنن الكبرى (5/ 26).
وقال السهارنفوي -رحمه الله- مُتعقِّبًا:
وأما التوجيه الذي أشار إليه البيهقي بقوله: «وكأنَّه أراد أصحابه الذين حلُّوا استمتعوا...» إلى آخره؛ لا حاجة إليه، فإنَّه ليس المراد بالاستمتاع الاستمتاع بالحل، ولكن المراد الاستمتاع بالعمرة، كما في قوله: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} البقرة: 196، كذلك في هذا القول، أي: استمتعنا بها، أي: بالعمرة، وهذا القول يشمل كلا الفريقين الذين حلُّوا بعد العمرة، والذين لم يحِلُّوا منها؛ لأنهم كلهم تمتعوا بالعمرة في أشهر الحج. بذل المجهود (7/ 127-128).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
قوله: «هذه عمرة استمتعنا بها» يحتج به من يذهب إلى أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- كان متمتعًا، وتأوَّل من ذهب إلى خلافه على أنه أراد به مَن تمتع من أصحابه، وقد كان فيهم المتمتع والقارن والْمُفرد، وهذا كما يقول الرجل الرئيس في قومه: فعلنا كذا، وصنعنا كذا، وهو لم يباشر بنفسه فعل شيء من ذلك، وإنما هو حكاية عن فعل أصحابه، يضيفها إلى نفسه على معنى أنَّ أفعالهم صادرة عن رأيه، ومُنصرفة إلى إذنه. معالم السنن (2/ 165).
وقال ابن رسلان -رحمه الله- مُعلِّقًا:
وقد يُؤخَذ من هذا (كلام الخطابي السابق) أنَّ مَن حلف أنْ لا يفعل شيئًا فوكل غيره، ففعله أنَّه يحنث. شرح سنن أبي داود (8/ 343).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
قوله: «هذه عمرةٌ استمتعنا بها» استَدَلَّ به مَن قال: إنه -عليه الصَّلاة والسلام- كان متمتعًا، فمعناه: أنَّه استمتع بأن قدَّم العمرةَ على الحج، واستباح محظورات الإحرام بعد الفراغ من العمرة، حتَّى يحرم بعد ذلك بالحج.
ومن قال: إنه كان قارنًا، أوَّلَ قولَه: «استمتعنا» بأنَّ: استَمْتَعَ مَن أمرتُه من أصحابي بتقديم العمرة على الحج، فأضاف فعلهم إلى نفسه؛ لأنَّه هو الآمر. شرح المصابيح (3/ 271).
وقال الملا على القاري -رحمه الله- مُتعقِّبًا:
قال ابن الملك: استدل به من قال: إنَّه -صلى الله عليه وسلم- كان متمتعًا، فمعناه: أنه استمتع بأن قدَّم العمرة على الحج، واستباح محظورات الإحرام بعد الفراغ من العمرة حتى يحرم بعد ذلك بالحج.
أقولُ: هذا خطأ، لا دلالة للحديث عليه، وهو مخالف للإجماع على أنه -عليه الصلاة والسلام- ما استباح المحظورات بعد فراغه من العمرة.
ثم قال: ومن قال: إنه كان قارنًا أوَّل قوله: «استمتعنا» بأنَّ: استمتع مَن أَمَرْتُه من أصحابي بتقديم العمرة على الحج، فأضاف فعلهم إلى نفسه؛ لأنه هو الآمر. اهـ.
وهو تكلُّفٌ مستغنىً عنه؛ لأنَّ الاستمتاع لغوي، كما تقدَّم بمعنى: الانتفاع. مرقاة المفاتيح (5/ 1780).
وقال المظهري -رحمه الله-:
قد قلنا فيما تقدَّم: إنَّه اختلفت الرواياتُ في أنَّ رسولَ الله -عليه السلام- كان متمتِّعًا أو قارنًا أو مُفْرِدًا، فمن قال: كان متمتِّعًا هذا الحديث ظاهرٌ على قوله؛ لأنه يكون معناه: استمتعتُ بأن قدمتُ العمرةَ على الحج، ومن قال: كان قارنًا يحتاجُ (هذا الحديث) إلى تأويل. المفاتيح (3/ 287).

قوله: «فمَنْ لم يكنْ عندَهُ الهديُ فَلْيَحِلَّ الحِلَّ كلَّهُ»:
قال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: «الحِلَّ» نُصِبَ على المصدر، و«كلَّه» تأكيد له، أي: الحِلّ التام. الكاشف عن حقائق السنن (6/ 1973).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«فمن لم يكن معه» وفي رواية: «عنده» «هديٌ فلْيَحِلَّ الحِلَّ كلَّه» أي: الحِل الذي يجوز له فيه كل محظورات الإحرام حتى الوطء. شرح سنن أبي داود (8/ 343)
وقال الأردبيلي -رحمه الله-:
قوله: «فلْيَحِلَّ» أي: فليتَحَلَّل كل الحِلِّ، مقلوب، يريد إتمام عمل العمرة كله؛ ليصير مهتمًا بالإحرام بعده للحج، وإلا فيصير قارنًا بالإحرام. الأزهار مخطوط لوح (250).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
قوله: «فمن لم يكن عنده الهدي، فليَحِلَّ» بفتح أوله، من الحِلِّ ثلاثيًا، أو بضمِّه من الإحلال رباعيًا...، والمعنى: أنَّه يفعل جميع ما كان حرامًا عليه بسبب الإحرام بالعمرة. البحر المحيط الثجاج (23/ 332).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«فمن لم يكن عنده الهدي فليَحِلَّ الحلَّ كلَّه» تأكيد له؛ أي: فليَجْعَل حلالًا على نفسه جميعَ ما حلَّ له قبل الإحرام بالعمرة بعد الفراغ من أفعالها. شرح المصابيح (3/ 271).
وقال الملا على القاري -رحمه الله- مُتعقِّبًا:
قال ابن الملك: أي: فليجعل حلالًا على نفسه جميع ما حل له قبل الإحرام بالعمرة بعد الفراغ من أفعالها. اهـ كلامه.
وهو ناظر إلى قوله: «فليُحل» بضم الياء، وهو كذا في نسخة. مرقاة المفاتيح (5/ 1780).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«فمن لم يكن عنده الهدي فليَحِلَّ» من إحرامه «الحِلَّ كله» أي: الحِلَّ الذي يحِلُّ فيه كل ما يحرم على المحْرِم، حتى غشيان النساء؛ لأن العمرة ليس لها إلا تحلُّل واحد. الكوكب الوهاج (14/ 150).
وقال السهارنفوري -رحمه الله-:
وأما من كان عنده هدي فلا يحل، ولكن هو أيضًا داخل في معنى قوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} الآية البقرة: 196. بذل المجهود (7/ 126).
وقال الطحاوي -رحمه الله-:
هكذا كان الكوفيون مِن أبي حنيفة وأصحابه ومِن الثوري يقولون في المتمتع بالعمرة إلى الحج: إنَّه لا يحِلُّ بينهما إذا ساق الهدي، حتى يحل منهما معًا.
فأما الحجازيون فيخالفونهم في ذلك، ولا يجعلون لسياقه الهدي في هذا معنى، ويقولون: إنَّ المتمتع بعد فراغه من عُمرته يحِلُّ منها كان ساق لها هديًا، أو لم يكن ساقه لها، وليس لأحد أنْ يَخرج عما كان من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من قولٍ ومن فعلٍ، بغير خصوصية في ذلك لأحد دون أحد، وبالله التوفيق. شرح مشكل الآثار (11/ 94).

قوله: «فإنَّ العمرةَ قدْ دَخَلَتْ في الحجِّ إلى يومِ القيامةِ»:
قال المظهري -رحمه الله-:
قوله: «فإن العمرةَ قد دخلتْ في الحجِّ إلى يومِ القيامة» يعني: تقديم العمرة على الحجِّ ليس مختصًّا بهذه السَّنة، بل يجوزُ في جميع السِّنين. المفاتيح (3/ 288).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
قوله: «دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة» مختلف في تأويله، يتنازعه الفريقان موجبوها، ونافُوها فرضًا، فممَّن قال: إنها واجبة كوجوب الحج: عمر وابن عمر وابن عباس -رضي الله عنهم-، وبه قال عطاء وطاوس ومجاهد والحسن وابن سيرين والشعبي وسعيد بن جبير، وإلى إيجابها ذهب الشافعي وأحمد وإسحاق وأبو عبيد.
وقال الثوري في العمرة: سمعنا أنها واجبة، وقال أصحاب الرأي: ليست العمرة واجبة.
قلتُ: فوجه الاستدلال من قوله: «دخلت العمرة في الحج» لمن لا يراها واجبة: أنَّ فرضها ساقط بالحج، وهو معنى دخولها فيه، ومَن أوجبها يتأوَّل (هذا الحديث) على وجهين:
أحدهما: أنَّ عَمَلَ العمرة قد دخل في عمل الحج، فلا يرى على القارن أكثر من طواف واحد، وسعي واحد، كما لا يرى عليه أكثر من إحرام واحد.
والوجه الآخر: أنَّها قد دخلت في وقت الحج وشُهوره، وكان أهل الجاهلية لا يعتمرون في أشهر الحج، فأبطل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذلك بهذا القول. معالم السنن (2/ 165-166).
وقال النووي -رحمه الله-:
وأما قوله -صلى الله عليه وسلم-: «دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة» فقد ذكر أصحابنا وغيرهم فيه تفسيرين:
أحدهما: معناه: دخلت أفعال العمرة في أفعال الحج إذا جَمَعَ بينهما بالقِرَان.
والثاني: معناه: لا بأس بالعمرة في أشهر الحج، وهذا هو الأصح، وهو تفسير الشافعي وأكثر العلماء، ونقله الترمذي عن الشافعي وأحمد وإسحاق، قال الترمذي وغيره: وسببه أنَّ الجاهلية كانوا لا يرون العمرة في أشهر الحج، ويعتقدون أنَّ ذلك من أعظم الفجور، فأَذِنَ الشرع في ذلك، وبيَّن جوازه، وقطَع الجاهلية عما كانوا عليه؛ ولهذا اعتمر النبي -صلى الله عليه وسلم- عُمَرَه الأربع في أشهر الحج، ثلاثًا منها في ذي القعدة، والرابعة مع حجَّته حجة الوداع في ذي الحجة، ويؤيد هذا ما ثبت عن ابن عباس قال: «والله ما أَعْمَرَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عائشة في ذي الحجة إلا ليقطع أمر أهل الشرك؛ فإن هذا الحي من قريش، ومَن دان دينهم كانوا يقولون: إذا عفا الوَبَرَ (أي: كَثُر الشَّعْر على ظهر البعير، وروي: عفا الأثر، أي: انمحى واندرس أثر السير)، وبرأ الدَّبَر (يريدون دُبَر ظهر الإبل عند انصرافها من الحج)، ودخَلَ صَفَرُ، فقد حلَّت العمرة لمن اعتمر، فكانوا يُحرمون العمرة حتى ينسلخ ذو الحجة والمحرم». المجموع شرح المهذب (7/ 8-9).
وقال الأردبيلي -رحمه الله-:
قوله: «فإنَّ العمرة قد دخلت في الحج» أي: في أشهر الحج، إشارة إلى صحَّتها في أشهر الحج، وإيماءً إلى استقلالها، وحصولها بدون الحج، وباقترانها به. الأزهار مخطوط لوح (250).
وقال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
قوله: «فإن العمرة قد دخلت في الحج إلى يوم القيامة» أي: اندرجت أفعالها في أفعال الحج للقارِن، أو دخل زمنها في زمن الحج، فليست في هذه الأشهر من أفجر الفجور. فتح المنعم (5/ 232).
وقال النووي -رحمه الله-:
قوله: «فإنَّ العمرة قد دخلت في الحج إلى يوم القيامة» اختلف العلماء في معناه على أقوال:
أصحها وبه قال جمهورهم: معناه: أنَّ العمرة يجوز فعلها في أشهر الحج إلى يوم القيامة، والمقصود به بيان إبطال ما كانت الجاهلية تزعمه من امتناع العمرة في أشهر الحج.
والثاني: معناه: جواز القِران، وتقدير الكلام: دخلت أفعال العمرة في أفعال الحج إلى يوم القيامة.
والثالث: تأويل بعض القائلين بأن العمرة ليست واجبة، قالوا: معناه: سقوطُ العمرة، قالوا: ودخولها في الحج معناه: سقوط وجوبها، وهذا ضعيف أو باطل، وسياق الحديث يقتضي بطلانه.
والرابع: تأويل بعض أهل الظاهر: أنَّ معناه: جواز فسخ الحج إلى العمرة وهذا أيضًا ضعيف. شرح مسلم (8/ 166).
وقال ابن الجوزي -رحمه الله-:
قوله: «فإن العمرة قد دخلت في الحج إلى يوم القيامة» في تفسير هذا أربعة أقوال:
أحدها: أنَّه فسخُ الحج إلى العمرة، وألفاظ الحديث تشهد لهذا المعنى (ثم ذكر بقية الأقوال التي ذكرها النووي في النقل السابق). كشف المشكل (2/ 341).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
قوله: «فإن العمرة...» إلخ، تعليل للأمر بالحِلِّ؛ أي: لأن العمرة «قد دخلت في الحج إلى يوم القيامة» يعني: أنَّ نية العمرة دخلت في نية الحج، بحيث إنَّ من نوى الحج شرَعَ له الفراغ منه بعمل العمرة، وهذا هو الصواب في معنى الحديث، فهو دليل على مشروعية فسخ الحج إلى العمرة...، ومن لا يرى الفسخ يقول: معناه: حلَّت العمرة في أشهر الحج، وصحت بمعنى: دخلت في وقت الحج، وشهوره، وبطَلَ ما كان عليه أهل الجاهلية من عدم حِل العمرة في أشهر الحج، وهذا المعنى بعيد عن مقصود الحديث؛ لأن جواز العمرة بيَّنه النبي -صلى الله عليه وسلم- قولًا وفعلًا، وأبطل ما تعتقده الجاهلية قبل هذا حيث اعتمر عُمَرَهُ الثلاث في أشهر الحج...، فكيف يقال: إنَّ الصحابة لم يعلموا جواز العمرة في أشهر الحج حتى أمرهم بالفسخ، وقد شاهدوا هذه العمر كلها؟!
ثم إنه قال لهم عند الميقات: «مَن شاء أنْ يهلَّ بعمرة وحجَّة فليفعل» فجوَّز لهم الاعتمار في أشهر الحج عند الميقات، فأي معنى لكون الفسخ حتى يعلموا جواز العمرة في أشهر الحج؟ إنَّ هذا لشيء بعيد.
وأيضًا لا معنى لسؤال سراقة -رضي الله عنه- بقوله: «عمرتُنا هذه أَلِعَامِنَا هذا أو للأبد؟» مشيرًا إلى العمرة التي فسخوا بها الحج، ثم يجيبه -صلى الله عليه وسلم- بقوله: «لا، بل للأبد» والله تعالى أعلم.
وتأوَّله بعضهم: على أنَّ أفعال العمرة دخلت في أفعال الحج، فلا يجب على القارن إلا إحرام واحد، وطواف واحد، وهكذا، وهذا أيضًا بعيد، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قاله مجيبًا لسؤالهم: أَلِعَامِنَا هذا أم للأبد؟ فلا تقارُب بينه وبين هذا التأويل، وتأوَّله القائلون بعدم وجوب العمرة بأن المراد أنه سقط افتراضها بالحج، فكأنها دخلت فيه، وهذا أبعد من الذي قبله، بل هو باطل، والله تعالى أعلم بالصواب. البحر المحيط الثجاج (23/ 332-333).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «إلى يوم القيامة» مثل هذا القيد إعلام بأنَّه قد أعلم -صلى الله عليه وسلم- أنَّه لا نَسْخَ، ولا تبديل لهذا الحُكْم، وهو من كلام جبريل (كما في رواية لهذا الحديث) فهو إعلام له -صلى الله عليه وسلم- منه بذلك. التنوير (1/ 285).
وقال السيوطي -رحمه الله-:
هذا (أي: الحديث) أصلٌ في التاريخ. الجامع الصغير (ص: 110).
وقال الصنعاني -رحمه الله- مُعلِّقًا:
أي: دليل على شرعية تقييد الحوادث والكائنات بزمان صدورها، قلتُ: ولا يخفى أنَّ في التاريخ بذلك إيماء إلى أنَّ المراد بدخول العمرة في الحج دخول فعلها في وقته وزمانه. التنوير (1/ 285).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
وقد تعلَّق علماؤنا بالحديث الصحيح الذي ذكره أبو عيسى أيضًا: «دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة» فلما حكم النبي -صلى الله عليه وسلم- بدخولها فيه سقط وجوبها.
قلنا: لو كان المراد هذا لسقط فعلها رأسًا، وإنما المعنى فيه: أنَّ العمرة دخلت في زمن الحج إلى يوم القيامة؛ ردًّا على العرب الذين كانوا يرون العمرة في الحج من أفجر الفجور، فحكم الله بدخولها معه في زمانه، كما تدخل معه في مكانه، كما تدخل معه في قِرانه، وهذا بديعٌ. عارضة الأحوذي (4/130-131).
وقال ابن هبيرة -رحمه الله-:
هذا الحديث يدل على فسخ الحج إلى العمرة...، وقال بعض العلماء: الإشارة بذلك إلى تداخل النُّسُكين، فيجزئ عنها طواف واحد، وسعي واحد. الإفصاح (3/ 26).
وقال ابن القيم -رحمه الله-:
قوله: «دَخَلَت العمرة في الحج إلى يوم القيامة» لا ريب في أنه من كلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولم يقل أحد: إنه من قول ابن عباس، وكذلك قوله: «هذه عمرة تمتَّعْنا بها»، وهذا لا يَشُك فيه من له أدنى خبرة بالحديث، والله أعلم. حاشيته على سنن أبي داود (5/ 149-150).
وقال البغوي -رحمه الله-:
فيه: دليل على أنَّه كان متمتعًا، ومَن ذهب إلى خلافه تأوَّله على أنَّه أراد به مَن تمتع من أصحابه. شرح السنة (7/ 80)
وقال الترمذي -رحمه الله-:
ومعنى هذا الحديث: أنْ لا بأس بالعمرة في أشهر الحج، وهكذا قال الشافعي وأحمد وإسحاق، ومعنى هذا الحديث: أنَّ أهل الجاهلية كانوا لا يعتمرون في أشهر الحج، فلما جاء الإسلام رخَّص النبي -صلى الله عليه وسلم- في ذلك، فقال: «دَخَلَت العمرة في الحج إلى يوم القيامة» يعني: لا بأس بالعمرة في أشهُر الحج، وأشهر الحج: شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة، لا ينبغي للرَّجُل أن يهل بالحج إلا في أشهر الحج، وأشهر الحرم: رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم، هكذا قال غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وغيرهم. سنن الترمذي (3/ 262).


ابلاغ عن خطا