السبت 20 شوّال 1446 هـ | 19-04-2025 م

A a

قلتُ: يا رسولَ اللهِ، أَوْصنِي، قال: «إذا عَمِلْتَ سيئةً فأَتْبِعْهَا حسنةً تَمْحُهَا»، قال: قلتُ: يا رسولَ اللهِ، أَمِنَ الحسناتِ لا إلهَ إلَّا اللهُ؟ قال: «هي أفضلُ الحسناتِ».


رواه أحمد برقم: (21487) واللفظ له، والترمذي برقم: (1987)، من حديث أبي ذر -رضي الله عنه-.
سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (1373)، صحيح الترغيب والترهيب برقم: (3162).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«أَوْصِنِي»:
أي: دُلَّنِي على ما ينفعني دِينًا ودُنيا، ويُقرِّبُنِي إلى الله زُلفى. المبين المعين لفهم الأربعين، للقاري (ص: 383).
«فأَتْبِعْهَا»:
بفتح الهمزة، وكسر الموحدة، أي: أَعْقِبْ وأَلْحِقْ. شرح الشفا، للقاري (1/ 199).
«تَمْحُهَا»:
أي: تُذْهِبها. فيض القدير، للمناوي (1/ 406).


شرح الحديث


 قوله: «يا رسول الله، أوصني»:
قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
حرص الصحابة -رضي الله عنهم- على ما ينفع؛ لقوله: «أَوصني»، والصحابة -رضي الله عنهم- إذا علموا الحق لا يقتصرون على مجرّد العلم، بل يعملون، وكثير من الناس اليوم يسألون عن الحكم فيعلمونه، ولكن لا يعملون به، أما الصحابة -رضي الله عنهم- فإنهم إذا سألوا عن الدواء استعملوا الدواء فعملوا. شرح الأربعين النووية (ص:182).

قوله: «إذا عَمِلْتَ سيئةً فأَتْبِعْهَا حسنةً تَمْحُهَا»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«‌إذا ‌عملتَ ‌سيئةً» أي: عملًا مِن حقِّه أن يسوءك؛ لكونه محرمًا. التيسير (1/ 116).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«إذا عَمِلْتَ» يا أبا ذر القائل: يا رسول الله أوصني، «سيئة فأَتْبِعْهَا» بقطع الهمزة «حسنةً تمحُها» أي: فإنها تذهبها. فيض القدير (1/ 406).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
اعلموا -وفقكم الله- أنَّ الحسنة تمحو السيئة كانت قبلها أو بعدها، وكونها بعدها أَولى بذلك منها وفيها؛ لأن الأفعال تصدر عن القلوب، وتتأثر بها، فإذا أتى سيئة فقد تمكَّن في القلب اختيارها، فإنْ أَتْبَعَهَا بالحسنة نشأت عن اختيار في القلب محا ذلك، حتى لا يعود إليه، وإن ثبت لئلا يأتي بعدها بإرادة حسنة، ولا فعلها، تداعى ذلك إلى أمثالها، والخير عادة، والشر لَجَاجَة. عارضة الأحوذي (8/119).
وقال ابن رجب -رحمه الله-:
قد يراد بالحسنة التوبة من تلك السيئة. جامع العلوم والحكم (1/ 416).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«وأَتْبِع» بفتح الهمزة، وكسر الموحدة، أي: أَعْقِبْ وأَلْحِقْ «السّيّئة» أي: الصادرة منك «الحسنة» أي: من صلاة أو صدقة ونحوهما، ورُوي «بحسنة»، «تَمْحُهَا» بفتح أوله، وضم الحاء مجزومًا بجواب الأمر، وهو مقتبس من قوله تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} هود: 114.
وقيل: المعنى: بالحسنة بالحديث: التوبة، ثم المراد بمحوها: إزالتها حقيقة بعد كتابتها، أو محوها كناية عن عدم المؤاخذة بها.
والظاهر: أنَّ جنس الحسنة يمحو جنس السيئة، فلا ينافي ما ورد من أن الحسنة تمحو عشر سيئات، وخُص من عمومها السيئة المتعلقة بالعبد كالغِيبة، فلا يمحوها إلا الاستحلال، ولو بعد التوبة، نعم قبل وصولها إليه تُرفع بالحسنة؛ لحديث: «إذا اغتاب أحدكم مَن خلفه فليستغفر له؛ فإنَّ ذلك كفارة له»، وقيل: تمحها بحسنة يُضَادُّ أثرُها أثرَ السيئة التي ارتكبها، فسماع الملاهي يكفَّر بسماع القرآن، ومجالس الذكر وشرب الخمر يكفَّر بتصدق شراب حلال، ونحو ذلك، فإن المعالجة بالأضداد. شرح الشفا (1/ 199).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«تمحُها» أي: فإنَّ الحسنة تُذْهِبها {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} هود: 114، والأولى أنْ يُتبعها حسنةً من جنسها؛ لكي تضادها. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 117).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«تمحها» تمح إثمها، وتُذهب أَثَرَه. التنوير (1/ 314).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«تَمْحُهَا» أي: تدفع الحسنة السيئة، وترفعها، والإسناد مجازي، والمراد يمحو الله بها آثارها من القلب، أو من ديوان الحَفَظَة، هذا إذا كانت بينه وبين الله تعالى، فإن تعلَّقت بالعبد فتُدفع الحسنة إلى خصمه؛ عِوضًا عن المظلمة، أو يرضيه الله من فضله. مرقاة المفاتيح (8/ 3178).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله- أيضًا:
«‌‌تَمْحُها» وهو يحتمل معنيين:
أحدهما: أنه إذا فعَل معصية يُحْدِث لها توبة أو طاعة، وإذا أساء إلى شخص أحسن إليه، ومنه قوله تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} فصلت: 34، الآية. مرقاة المفاتيح (6/ 2416).
وقال المظهري -رحمه الله-:
فإن قيل: كيف تزيل الحسنة السيئة؟
قلنا: لا تخلو السيئة: إما أن تكون بين العبد وبين الله تعالى، أو بين العبد وبين إنسان كالْمَظْلَمَةِ.
فإن كانت بين الرجل وبين الله تعالى فإن الرجل إذا عمل سيئة يَغضب الرب عليه، وإذا عمل حسنة يرضى عنه الرب -جل جلاله-، والرضا والغضب لا يجتمعان في قضية واحدة، بل إذا رضي الله تعالى عن العبد يترك غضبه ويعفو عن سيئاته؛ لأن رحمته تعالى سبقت غضبه.
وإن كانت السيئة بين العبد وبين الإنسان فإنه إذا عمل حسنة تُدفع تلك الحسنة إلى خصمه؛ عوضًا من مظلمة يوم القيامة، وتسقط المظلمة عن رقبته، فإذا كان كذلك فقد أزالت الحسنة مظلمة خصمه عنه. المفاتيح (1/ 124، 125).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
قيل: يُعلم منه أن العبد لا يستغني في حال من الأحوال عن محو آثار السيئات عن قلبه، بمباشرة حسناتٍ تُضاد آثار تلك السيئات، فسماع الملاهي يكفَّر بسماع القرآن، وبمجالس الذكر، وشرب الخمر يكفر بالتصدق بكل شراب حلال، وعلى هذا قفس؛ لأن المرض يُعالَج بضده، والمتضادات هي المتناسبات، فلذلك ينبغي أن يمحو كل سيئة بحسنة من جنسها؛ لكي تضادها، فالبياض يزال بالسواد لا بغيره، وحبُّ الدنيا أثر السرور بها في القلب، فلا جرم كفارته كل أذى يصيب المسلم من الهم والغم. الكاشف عن حقائق السنن (10/ 3235، 3236).
وقال ابن رجب -رحمه الله-:
لما كان العبد مأمورًا بالتقوى في السر والعلانية، مع أنه لا بد أن يقع منه أحيانًا تفريط في التقوى، إما بترك بعض المأمورات، أو بارتكاب بعض المحظورات، فأَمَرَه بأن يفعل ما يمحو به هذه السيئة، وهو أن يُتْبِعَها بالحسنة. جامع العلوم والحكم (1/ 411، 412).
وقال الغزالي -رحمه الله-:
فإذن لا يستغني العبد في حال من أحواله عن محو آثار السيئات عن قلبه، بمباشرة حسنات تضاد آثارُها آثارَ تلك السيئات. إحياء علوم الدين (4/ 10).
وقال ابن تيمية -رحمه الله-:
فالكيِّس هو الذي لا يزال يأتي من الحسنات بما يمحو السيئات. مجموع الفتاوى (10/ 655).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
فإن عجزتَ عن إِتْبَاع الحسنة السيئة فأنت مخذول، والسيئة الصغيرة مقابلة بالحسنة الصغيرة، والذِّكْر اليسير، والكبائر بالتوبة والإنابة. المعين (ص:242).

قوله: «أَمِنَ الحسنات لا إله إلا الله؟ قال: هي أفضل الحسنات»:
قال المظهري -رحمه الله-:
لأن في هذه الكلمة إثبات الألوهية لله، ونفيها عن غيره، وليس هذا المعنى في ذكرٍ سوى «لا إله إلا الله». المفاتيح (3/ 164).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
قال بعض المحققين: إنما جعل التهليل أفضل الذكر؛ لأن لها تأثيرًا في تطهير الباطن عن الأوصاف الذميمة، التي هي معبودات في باطن الذاكر. الكاشف عن حقائق السنن (6/ 1825).
وقال المناوي -رحمه الله-:
لأنها كلمة التوحيد، والتوحيد لا يماثله شيء، وهي الفارقة بين الكفر والإيمان؛ ولأنها أجمع للقلب مع الله، وأنقى للغير، وأشد تزكية للنفس، وتصفية للباطن، وتنقية للخاطر. التيسير (1/ 182).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
واعلم أن تفضيل شيء على شيء يراد به أنه أحب إلى الله، وأكثر إثابة، وأعظم أجرًا، ولا يصح الحكم لعمل من الأعمال، ولا قول من الأقوال، ولا شخص من الأشخاص بالفضل إلا بتوقيف من الشارع، ولا يجري فيه الاجتهاد ولا القياس؛ لأن مقادير الأجور لا تُعرف إلا بتعريف الله ورسوله، كقول الله: {أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا} الحديد: 10، ونحوها من الآيات والأحاديث. التحبير (1/ 125)


ابلاغ عن خطا