الأحد 23 رمضان 1446 هـ | 23-03-2025 م

A a

«مَنْ عَالَ ابنتينِ أو ثلاثَ بناتٍ، أو أختينِ أَو ثلاثَ أخواتٍ، حتى يَبِنَّ أو يموتَ عنهنَّ، كنتُ أنا وهو كهاتينِ، وأشارَ بِأُصْبُعَيْهِ السَّبابةِ والوسطى».


رواه أحمد برقم: (12498)، وابن حبان برقم: (447)، من حديث أنس -رضي الله عنه-.
سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (296)، التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان برقم: (448).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«عَالَ»:
أي: مَانَهُمَا وقام بنفقتهما، وأصله من العَوْلِ وهو القُوْتُ، ومنه: «وابْدَأْ بمن تَعُوْلُ» أي: بمن تَقُوْتُ. مطالع الأنوار على صحاح الآثار، لابن قرقول (5/56).

«يَبِنَّ»:
بفتح الياء، أي: يتزوجن. النهاية، لابن الأثير (1/175).

«السَّبَابَة»:
قيل للأصبع التي تلي الإبهام: سَبَّابَة؛ لأنه يُشَار بها عند السَّبِّ. المصباح المنير، للفيومي (1/ 262).

«الوُسْطَى»:
الوسطى من الأصابع: الإصبع التي تتوسط بين البُنْصُر والسَّبابة. معجم لغة الفقهاء (502).


شرح الحديث


قوله: «مَن عَالَ ابنتين أو ثلاث بنات، أو أُختين أَو ثلاث أخوات»:
قال ابن الملك -رحمه الله-:
«مَنْ عَالَ» يعني: مَن ربَّى. شرح مصابيح السنة (5/ 290).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قام بكفايتهما وتربيتهما ومَصَالحهما. التنوير شرح الجامع الصغير (10/307).
وقال النووي -رحمه الله-:
ومعنى عَالَهُمَا: قام عليهما بالمؤونة والتربية ونحوهما، مأخوذ من العول، وهو القُرب، ومنه «ابْدَأْ بمن تَعُوْلُ». شرح مسلم (16/ 180).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
والعَوْلُ في الغالب يكون بالقيام بمؤونة البدن من الكسوة والطعام والشراب والسكن والفراش ونحو ذلك، وكذلك يكون في غذاء الروح بالتعليم والتهذيب والتوجيه والأمر بالخير والنهي عن الشر وما إلى ذلك. شرح رياض الصالحين (3/106).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«ثلاث بنات أو ثلاث أخوات» يحتمل أنها للشك، والأقرب أنها للتنوُّع. التنوير شرح الجامع الصغير (9/ 235).
وقال ابن هبيرة -رحمه الله-:
كأنه إذا كان للرجل البنت الواحدة، وكانت مع ذَكَرٍ لم يكن تَبَرُّمه بها كما إذا كانتا اثنتين، فالاثنتان على الرَّجُل أشد من الواحدة، وهذا إنما ذَكَرَهُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأنه جمع أنثى إلى أنثى، فهو ضم شيء إلى شيء. الإفصاح عن معاني الصحاح (5/337).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
في الحديث: تأكيد حق البنات؛ لما فيهن من الضعف غالبًا عن القيام بمصالح أنفسهن، بخلاف الذكور؛ لما فيهم من قوة البدن، وجزالة الرأي، وإمكان التصرف في الأمور المحتاج إليها في أكثر الأحوال. فتح الباري (10/ 429).

قوله: «حتى يَبِنَّ أو يموت عنهنَّ»:
قال ابن الأثير -رحمه الله-:
«حتى يَبِنَّ» «يَبِنَّ» بفتح الياء، أي: يتزَوَّجْنَ، يقال: أَبَانَ فلان بِنْتَهُ وبيَّنَهَا إذا زوَّجها، وبَانَتْ هي إذا تزوَّجَت، وكأنه من البَيْن: البُعْد، أي: بعُدت عن بيت أبيها، ومنه الحديث الآخر: «حتى بَانُوا أو ماتوا». النهاية (1/175).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
قال علماؤنا: لا تسقط النفقة عن والد الصَّبِيَّة بنفس بلوغها، بل بدخول الزوج بها. المفهم (6/636-637).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
والظاهر: أنَّ الثواب المذكور إنما يحصل لفاعله إذا استمر إلى أنْ يحصل استغناؤهن عنه بزوج أو غيره، كما أُشِيْرَ إليه في بعض ألفاظ الحديث، والإحسان إلى كل أحد بحسب حاله، وقد جاء أنَّ الثواب المذكور يحصل لمن أحسن لواحدة فقط. فتح الباري (10/ 428).
وقال العظيم أبادي -رحمه الله-:
أي: إلى أن كَبِرُوا وحصلت لهم الإبانة، أو وصلوا إلى مرتبة كمالهم؛ فإن البَيْنَ من الأضداد بمعنى الفَصْلِ والوَصْلِ. عون المعبود شرح سنن أبي داود (14/ 41).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
قال شارحٌ: أي: حتى فَضَلُوا وزادوا قوة وعقلًا، واستقلوا بأمرهم من البَوْنِ وهو الفضل والمزية. مرقاة المفاتيح (8/3119).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله- أيضًا:
«أو ماتوا» أي: أو ماتت فـ«أو» للتنويع. مرقاة المفاتيح (8/3119).

قوله: «كنتُ أنا وهو كهاتين، وأشار بأصبعيه السبابة والوسطى»:
قال ابن علان -رحمه الله-:
«أنا وهو» أي: مقرونان، فالخبر محذوف وجوبًا؛ لدلالة (واو) المعيَّة عليه، وقيامها مقامه. دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (3/87).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
«كهاتين» يريد: رِفَاقَتَهُ معه في الجنة، أو دخوله معه إياها في أول من يدخل، وكفى بهذا فضلًا. إكمال المعلم (8/111).
وقال ابن حبان -رحمه الله-:
أراد به في الدخول والسَّبْقِ، لا أنَّ مرتبة مَن عَالَ ابنتين أو أختين في الجنة كمرتبة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- سواء. صحيح ابن حبان (2/ 192).
وقال المناوي -رحمه الله-:
قوله: «كهاتين» أي: متقارِنَيْن في الجنة، اقترانًا مثل اقتران هاتين الأصبعين، ويجوز أن يكون «كهاتين» حالًا من الضمير المستتر في الجنة. فيض القدير (6/20).
وقال المناوي -رحمه الله- أيضًا:
«كهاتين» مشيرًا إلى قُرْبِ فاعل ذلك منه، أي: دخل مصاحبًا لي قريبًا مني، يعني: أن ذلك الفعل مما يُقَرِّبُ فاعله إلى درجة من درجات المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، قال ابن عباس: هذا مِن كَرَائم الحديث وغُرَرِهِ. فيض القدير (6/ 177).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
والمعنى: أنه يكون رفيقًا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الجنة إذا عَالَ الجارتين، يعني الأُنْثَيَيْنِ من بنات أو أخوات أو غيرهما، أي: أنه يكون مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في الجنة. شرح رياض الصالحين (3/106).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
قد جعل -عليه السلام- في هذه الأحاديث من الفضل لمن قام على البنات ما جعلن له أو لغيره. إكمال المعلم (8/111).
وقال ابن هبيرة -رحمه الله-:
في هذا الحديث: ما يدل على شَرَفِ الإنفاق على العيال ولا سيما البنات، فإنهن لا يتعلق طَمَعُ الأب منهن من الاعتداد بهن، والصَّوْل على الأعداء بقُوَّتِهنَّ، وإحياء اسمه، واتصال نَسَبِهِ وغير ذلك كما يتعلق بالذَّكَر، فلما زاد الإناث على الذكور في درجة إخلاص المنفق عليهن لله، فإنه يَسْتُر منهن عورات في البيوت، ويرزق منهن حرمًا لا يطقن الكسب على أنفسهن.
فإذا بلغْنَ فصَلحْنَ للرجال كانت أنساب أولادهن لعصبات أزواجهن، فكان العَوْل للجاريتين منهن يبلغ بحسن النية من العبد المؤمن إلى أن يكون فاعل ذلك مُنْضَمًّا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- انضمام الأصبع إلى الأصبع ليس بينهما حائل؛ ولأن العرب كان من شأنهم الأَنَفَة من البنات، حتى كان منهم الوَأْدُ الذي أخبر الله -عزَّ وجلَّ- به عنهم مِنْ قَتْلِهِم البنات، فإذا كان المؤمن على خلاف ما كانوا عليه، وصَبَر على أن يَعُوْلَ بناته كان متمسِّكًا بشرع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، راغبًا عمَّا كانت الجاهلية عليه، فلما انْضَمَّ إلى شرعه انْضَمَّ في القيامة إليه. الإفصاح عن معاني الصحاح (5/337).
وقال فيصل ابن المبارك -رحمه الله-:
في هذا الحديث: الثواب العظيم لمن قام على البنات بالمؤونة والتربية حتى يتزوجن، وكذلك الأخوات. تطريز رياض الصالحين (198)
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
أما هذا الحديث ففيه: فضل عَوْلِ الإنسان للبنات؛ وذلك أن البنت قاصرة ضعيفة مهينة، والغالب أن أهلها لا يَأْبَهُون بها، ولا يهتمون بها، فلذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «مَن عَالَ جاريتين حتى تَبْلُغَا جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين». شرح رياض الصالحين (3/105).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
ولا بد من تقييده بالصبر والاحتساب كما في غيره، فلا يتضجَّر من تربيتهما، فيُحْرَم من كفالتهما، كما يقع كثيرًا للأنام. التنوير شرح الجامع الصغير (10/ 307).


ابلاغ عن خطا