السبت 20 شوّال 1446 هـ | 19-04-2025 م

A a

«الذي تَفُوْتُه صلاةُ العصرِ كأنَّما وُتِرَ أهلَهُ ومالَهُ».


رواه البخاري برقم: (552)، ومسلم برقم: (626)، من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-.


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«تفوته»:
فاته الأمر فَوتًا وفواتًا: ذَهَبَ عَنْهُ.تاج العروس، للزبيدي(5/٣٣)
وقال الفيومي -رحمه الله-:
ومنه فاتت الصلاة إذا خرج وقتها، ولم تُفعل فيه. المصباح المنير، للفيومي(2/ 482).
«وُتِرَ»:
على بناء المفعول، أي: سُلِبَ وأُخِذَ. مرقاة المفاتيح، للقاري (2/ 529).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
وُتِرَ، يعني نقص، ومنه قوله تعالى: {وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} محمد: 35 أي: لم ينقصكم، وقيل: معناه: سُلِب أهله وماله، فبقي وترًا ليس له أهل ولا مال. أعلام الحديث(1/ 429).


شرح الحديث


قوله: «الذي تفوته صلاة العصر»:
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
المراد بالفوات: تأخيرها عن وقت الجواز بغير عذر؛ لأن الإثم إنما يترتب على ذلك. فتح الباري (2/ 30).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
«الذي تفوته صلاة العصر» بأن أخرجها متعمدًا عن وقتها بغروب الشمس، أو عن وقتها المختار باصفرار الشمس، كما ورد مفسَّرًا من رواية الأوزاعي في هذا الحديث قال فيه: وفواتها أن تدخل الشمس صفرة. إرشاد الساري (1/ 494).
وقال الأردبيلي -رحمه الله-:
قال أبو موسى الحافظ: قيل: المراد بالفوات: فواتها في الجماعة؛ لما ورد عن ابن عمر أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «مَن فاتته صلاة العصر في جماعة، فكأنما وُتِرَ أهله وماله»، وقيل: المراد من فواتها: فوات وقت الاختيار؛ لما ورد عن ابن عمر أيضًا أنَّ رسول الله قال: «مَن فاتته صلاة العصر حتى دخل الشمس صفرة، فكأنما وُتِرَ أهله وماله». الأزهار مخطوط لوح (121).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله- أيضًا:
«من فاتته صلاة العصر...» هذا يدلك على أنَّ قوله في حديث نوفل الديلي: «من فاتته الصلاة» أراد صلاة العصر، فيكون معناه ومعنى حديث ابن عمر سواء، وتكون صلاة العصر مخصوصة بالذِّكر في ذلك وغيرها بالمعنى، وقد ذهب قوم من أهل العلم إلى أنَّ حديث نوفل بن معاوية أعم وأولى بصحيح المعنى من حديث ابن عمر، وقالوا فيه: قوله: «من فاتته الصلاة» وقد فاتته صلاة يريد كل صلاة؛ لأن حرمة الصلوات كلها سواء، قال: وتخصيص ابن عمر لصلاة العصر هو كلام خرج على جواب السائل، كأنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد أجاب مَن سأله عن صلاة العصر بأن قال له: «الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وُتِرَ أهله وماله»، ولو سُئل عن الصبح وغيرها كان كذلك جوابه أيضًا، والله أعلم. التمهيد (14/ 120).
وقال النووي -رحمه الله- متعقبًا:
وفيما قاله (يعني: ابن عبد البر) نظر؛ لأن الشرع ورد في العصر ولم تتحقق العلة في هذا الحكم، فلا يُلحق بها غيرها بالشك والتوهُّم، وإنما يُلحق غير المنصوص بالمنصوص إذا عرفنا العلة واشتركا فيها، والله أعلم. المنهاج (5/ 126).
وقال البجمعوي -رحمه الله- مُتعقِّبًا النووي:
قلتُ: العلة هي الفرضية؛ بكونها إحدى الخمس عدًّا، والخمسين ثوابًا، فوجب الإلحاق، فمَنْعُه تعسُّف بلا دليل. وشي الديباج (ص: 100).
وقال ابن حجر -رحمه الله- متعقبًا النووي:
وهذا (يعني: تعقب النووي) لا يدفع الاحتمال، وقد احتج ابن عبد البر بما رواه ابن أبي شيبة وغيره من طريق أبي قلابة عن أبي الدرداء مرفوعًا: «من ترك صلاة مكتوبة حتى تفوته» الحديث.
قلتُ: وفي إسناده انقطاع؛ لأن أبا قلابة لم يسمع من أبي الدرداء، وقد رواه أحمد من حديث أبي الدرداء بلفظ: «من ترك العصر»، فرجع حديث أبي الدرداء إلى تعيين العصر، وروى ابن حبان وغيره من حديث نوفل بن معاوية مرفوعًا: «من فاتته الصلاة فكأنما وُتِرَ أهله وماله»، وهذا ظاهره العموم في الصلوات المكتوبات. فتح الباري (2/ 30).
وقال ابن رجب -رحمه الله-:
وقد زعم بعض العلماء: أن هذا لا يختص بفوات العصر، وأن سائر الصلوات فواتها كفوات العصر في ذلك، وأن تخصيص العصر بالذِّكر إنما كان بسؤال سائل سأل عنه فأُجيب، ورجَّحه ابن عبد البر، وفيه نظر، وقد يستدل له بما خرجه الإمام أحمد وغيره من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من ترك الصلاة سُكْرًا مرة واحدة فكأنما كانت له الدنيا وما عليها فسُلِبَها». فتح الباري (4/ 301).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله- متعقبًا ابن رجب:
فيه نظر؛ لأن كلامه في التمهيد ليس فيه ترجيح لهذا القول، بل هو مجرد ذكر، فليتأمل. البحر المحيط الثجاج (13/ 552).
وقال ابن رجب -رحمه الله-:
واستدل مَن قال: إن جميع الصلوات كصلاة العصر في ذلك بما روى ابن أبي ذئب عن ابن شهاب، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، عن نوفل بن معاوية الديلي، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من فاتته الصلاة فكأنما وُتِرَ أهله وماله»، قال: وهذا يعم جميع الصلوات؛ فإن الاسم المُعَرَّف بالألف واللام، كما في قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} البقرة: 43، وهذا ليس بمتعين؛ لجواز أن يكون الألف واللام هنا للعهد، كما في قوله تعالى: {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ} المائدة:106 على تأويل مَن فسرها بصلاة العصر. فتح الباري (4/ 301-302).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله- معلقًا:
هو بحث نفيس، والله تعالى أعلم بالصواب. البحر المحيط الثجاج (13/ 552).
وقال ابن الجوزي -رحمه الله-:
أمَّا تخصيص العصر فلفضلها؛ لأنها الصلاة الوسطى، وبها تُختم صلوات النهار. كشف المشكل (2/ 540).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
قال أبو عبد الله بن أبي صفرة: إنما وجب التعظيم لصلاة العصر وقصدها بالخطاب دون غيرها، وإن كانت داخلة في قوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ} البقرة: 238؛ لاجتماع المتعاقِبِين من الملائكة فيها، وإنما أراد -عليه السلام- فواتها في الجماعة، لا فواتها باصفرار الشمس، أو مغيبها؛ لما يفوته من صلاتها في الجماعة من حضور الملائكة فيها، فصار ما يفوته من هذا المشهد العظيم الذي يجتمع فيه ملائكة الليل وملائكة النهار أعظم من ذهاب أهله وماله، فكأنه قال: الذي يفوته هذا المشهد الذي أوجب البركة للعصر كأنما وُتِرَ أهله وماله، ولو كان فوات وقتها كله باصفرار أو غيبوبة لبطل الاختصاص؛ لأن ذهاب الوقت كله موجود في كل صلاة بهذا المعنى. شرح صحيح البخاري (2/ 175).
وقال العراقي -رحمه الله- بعد نقله للقائلين لمعنى الفوات متعقبًا:
كيفما كان، فليس هذا الكلام مرفوعًا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلا حُجَّة فيه. طرح التثريب (2/ 180).
وقال الدماميني -رحمه الله- ناقلًا تعقب ابن المنير لابن أبي صفرة:
واعترضه (يعني: ابن أبي صفرة) ابنُ المنير: بأن صلاة الفجر أيضًا يجتمع فيها المتعاقبون، فالسؤال عن وجه الاختصاص باقٍ، قال: والحق: أن الله يخص ما شاء من الصلوات بما شاء من الفضيلة والتأكيد؛ ولعل التهديد غُلِّظَ في العصر؛ لأنه لا عذر لِمُفَوِّتها إما عن وقتها، أو عن الجماعة؛ لأنه وقت يقظة بخلاف الفجر، فربما قام النوم عندها عذرًا. مصابيح الجامع (2/ 228-229).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
وأجيب: باحتمال أن التهديد إنما غُلِّظَ في العصر دون الفجر؛ لأنه لا عذر في تفويتها؛ لأنه وقت يقظة بخلاف الفجر، فربما كان النوم عندها عذرًا. إرشاد الساري (1/ 494).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
وبوَّب الترمذي على حديث الباب ما جاء في السهو عن وقت العصر فحمله على الساهي، وعلى هذا فالمراد بالحديث أنه يلحقه من الأسف عند معاينة الثواب لمن صلى ما يلحق مَن ذهب منه أهلُه ومالُه. فتح الباري (2/ 31).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
قال محمد بن أبي صفرة: ذكره لصلاة العصر بما تقدم في الحديث يتناول مَن فاتته صلاة الفجر؛ لكونها مشهودتين، ولحضِّ النبي -عليه السلام- عليهما خصوصًا. إكمال المعلم (2/ 591)
وقال ابن رجب -رحمه الله-:
وظاهر تبويب البخاري يدل على أن الحديث محمول على مَن فوَّت العصر عمدًا؛ لتبويبه عليه: (باب إثم مَن فاتته العصر)، فأما من نام عنها أو نسيها فإن كفارته أن يصليها إذا ذكرها، وإذا كان ذلك كفارة له فكأنه قد أدرك بذلك فضلها في وقتها.
وفي هذا نظر، ولا يلزم من الإتيان بالكفارة إدراك فضل ما فاته من العمل، وفي الحديث: «من ترك الجمعة فليتصدَّق بدينار، أو بنصف دينار» ولا يلزم من ذلك أن يلحق فضل من شهد الجمعة.
ولهذا المعنى يقول مالك والأوزاعي وغيرهما فيمن صلى في الوقت صلاة فيها بعض نقص: إنها تُعاد في الوقت، ولا تُعاد بعده؛ لأن نقص فوات الوقت أشد من ذلك النقص المستدرك بالإعادة بعده، فلا يقوم الإتيان به خارج الوقت مقام الإتيان به في الوقت، بل الإتيان في الوقت بالصلاة على وجه فيه نقص أكمل من الإتيان بالصلاة كاملة في غير الوقت.
ويدل على ما قاله البخاري: ما خرجه الإمام أحمد من رواية حجاج بن أرطاة، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «الذي تفوته صلاة العصر متعمدًا حتى تغرب الشمس فكأنما وُتِرَ أهله وماله»، ويدل عليه أيضًا حديث أبي هريرة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «مَن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فلم تفته». فتح الباري (4/ 298-299).
وقال النووي -رحمه الله-:
واختلفوا في المراد بفوات العصر في هذا الحديث، فقال ابن وهب وغيره: هو فيمن لم يصلها في وقتها المختار، وقال سحنون والأصيلي: هو أن تفوته بغروب الشمس، وقيل: هو تفويتها إلى أن تصفرَّ الشمس، وقد ورد مفسَّرًا من رواية الأوزاعي في هذا الحديث، قال فيه: «وفواتها أن يدخل الشمسَ صُفرةٌ»، وروي عن سالم أنه قال: هذا فيمن فاتته ناسيًا، وعلى قول الداودي هو في العامد، وهذا هو الأظهر، ويؤيده حديث البخاري في صحيحه: «من ترك صلاة العصر حبط عمله» وهذا إنما يكون في العامد. شرح صحيح مسلم (5/ 126).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
وهذا عندنا (يعني: المالكية) على أن تفوته صلاة العصر بغير عذر حتى تغيب الشمس، ولا يُدرك منها ركعة قبل الغروب، ومن قال: إن ذلك أنْ يؤخِّرها حتى تصفرَّ الشمس، فليس بشيء، والدليل على ذلك: أنَّ مالكًا قال في الموطأ في رواية ابن القاسم في هذا الموضع: ووقت صلاة الظهر والعصر إلى غروب الشمس. الاستذكار (1/ 65-66).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
فوات الصلاة لا يخلو أن يكون عن عذر، أو جهل، أو تعمُّد، فأما العذر بالمرض وغيره من الأعذار فإنه لا يُسقط الصلاة، بل يصلي على حسب حاله وطاقته.
وأما الجهل بوجوبها: ولا يسمح منه إلا أن يكون مستجدَّ الإسلام، أو مسلمًا نشأ في بلاد الكفر البعيدة عن دار الإسلام، فيُقبل منه، ويُعرف وجوبها.
وأما التعمد: فإن لم يعتقد وجوبها كفَر؛ لتكذيبه الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وإن اعتقد بوجوبها وتعمد تركها كفَر عند الشافعي، على معنى أنه يستحق عقوبة الكافر في الدنيا وهو القتل، وبه قال مالك، ثم يقال له: إما أن تتوب وتصلي وإلا قتلناك...، وقال أحمد بن حنبل: يكفُر بتركها وإن اعتقد وجوبها، وقال أبو حنيفة: لا يكفُر ولا يُقتل، ويُحبس حتى يصلي. الشافي في شرح مسند الشافعي (2/ 373-374).
وقال محمد المختار الشنقيطي -رحمه الله-:
كلٌّ من اللفظين (يعني: تفوته، وفاتته) يقتضي العموم، فلا يتجه حمله على الساهي إلا إذا حُمل السهو على التهاون المفضي بصاحبه إلى الترك، ونحوه. شروق أنوار المنن الكبرى الإلهية (4/ 1071).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
فلم يقع التمثيل والتشبيه ها هنا إلا لمن فاته وقت الصلاة كله، بدليل قوله: «مَن أدرك ركعة من العصر»، وبدليل قوله حين صلى في طرفي الوقت: «ما بين هذين وقت»، وحديث يحيى بن سعيد يدل أن من فاته بعض وقت الصلاة في حكم من فاته الوقت كله في ذهاب أهله وماله. الاستذكار (1/ 65-66).
وقال ابن رجب -رحمه الله-:
وقد حَمَلَ بعض السلف هذا الحديث على من فاتته العصر بكل حال، وإن كان ناسيًا، فروى زهير بن معاوية... عن عبد الله بن عمر، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وُتِرَ أهله وماله»، قال: فقلتُ: وإن نسي؟ قال: وإن نسي، فصلاة ينساها أشد عليه من ذهاب أهله وماله. فتح الباري (4/ 299).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله «الذي تفوته» قال ابن بزيزة: فيه رد على مَن كَرِهَ أن يقول: فاتتنا الصلاة. فتح الباري (2/ 30).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله- متعقبًا:
وفيه نظر؛ لأن الكلام سيق مساق الذم، فكيف يُستفاد منه هذا؟! البحر المحيط الثجاج (13/ 545).

قوله: «كأنما وُتِرَ أهله وماله»:
قال البرماوي -رحمه الله-:
«كأنما» في بعضها: «فكأنما»؛ لتضمن الموصول الذي هو مبتدأ معنى الشرط، فلذلك يجوز الفاء وتركها. اللامع الصبيح (3/ 360).
وقال زكريا الأنصاري -رحمه الله-:
«وُتِرَ» بالبناء للمفعول، وهو ضمير يعود إلى الذي فاتته العصر. منحة الباري (2/ 267).
وقال العيني -رحمه الله-:
فإن قلتَ: الفعل الذي يقتضي المفعولين يكون من أفعال القلوب، و«وُتِرَ» ليس منها.
قلتُ: إذا كان أحد المفعولين غير صريح يأتي أيضًا من غير أفعال القلوب، وها هنا كذلك، و«وُتِرَ» ها هنا متعدٍّ إلى مفعولين بهذا الوجه؛ وذلك كما في قوله تعالى: {وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} محمد: 35، أي: لن يُنقصكم أعمالكم، فعلى هذا المعنى في: «وُتِرَ» نقص. عمدة القاري (5/ 38).
وقال ابن الجوزي -رحمه الله-:
وفي إعراب الأهل والمال قولان:
أحدهما: أنهما منصوبان، وهو الذي سمعناه وضبطناه عن أشياخنا في كتاب أبي عبيد وغيره، ويكون المعنى: فكأنما وُتِرَ في أهله وماله، فلما حذف الخافض انتصب.
والثاني: أنهما مرفوعان على ما لم يُسم فاعله، والمعنى: نَقَصَا. كشف المشكل (2/ 540).
وقال النووي -رحمه الله-:
«وُتِرَ أهله وماله» روي بنصب اللامين ورفعهما، والنصب هو الصحيح المشهور الذي عليه الجمهور. شرح صحيح مسلم (5/ 125-126).
وقال العيني -رحمه الله- متعقبًا النووي:
وقال النووي: رُوي برفع اللامين، قلتُ: هي رواية المستملي، وجهها: أنه لا يُضمر شيء في: «وُتِرَ»، بل يقوم: الأهل مقام ما لم يسم فاعله، و«ماله» عطف عليه. عمدة القاري (5/ 38).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
قوله: «وُتِرَ» أي: سُلب ذلك. شرح صحيح البخاري (2/ 176).
وقال ابن الجوزي -رحمه الله-:
في معنى «وُتِرَ» قولان:
أحدهما: أنه بمعنى النقص، ومنه قوله تعالى: {وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} محمد: 35، أي: لن يُنقصكم، وتقول: وَتَرْتُهُ حقَّه أي: نَقَصْتُه، فيكون المعنى: وكأنما نَقَصَ أو سُلب، فبقي فردًا وترًا.
والثاني: ذهاب الكل، فيكون من الوِتر الذي هو الجناية التي يذهب فيها مال الإنسان من الفجائع، ذكره ابن الأنباري وغيره. كشف المشكل (2/ 540).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
قلتُ: معنى «وُتِرَ»: أي: نَقَصَ أو سُلب، فبقي وترًا فردًا بلا أهل ولا مال، يريد فليكن حَذَرُه مِن فوتها كحذره من ذهاب أهله وماله. معالم السنن (1/ 131).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
ومعناه عند أهل اللغة: الذي يصاب بأهله وماله إصابة يطلب فيها ثأرًا، فيجتمع عليه غمَّان، غمُّ ذهاب أهله وماله، وغمٌّ بما يقاسي مِن طلب الثأر، يقول: فالذي تفوته صلاة العصر لو وُفِّق لرُشده، وعرف قدر ما فاته من الخير والفضل، كان كالذي أصيب بأهله وماله على ما ذكرنا. الاستذكار (1/ 65).
وقال الباجي -رحمه الله-:
وقوله: «وُتِرَ أهله وماله» يحتمل أن يريد به أن وتر أهله وماله فوات ثواب يدخر له، فيكون ما فاته من ثواب صلاة العصر في وقتها مثل ما فات الموتور من الثواب الجزيل الذي وعده الله على وتر أهله وماله في سبيل الله.
ويحتمل: أن يريد بذلك أن من فاتته الصلاة يلحقه من الأسف على ذلك عند معاينة الثواب مثل ما يلحق مَن وتر أهله وماله.
وقال الداودي: معناه: أنه يجب عليه من الاسترجاع ما يجب على من وُتِرَ أهله وماله؛ لأن مَن فرَّط في صلاته، فقد أتى كبيرة يجب عليه الأسف والندم عليها، والتوبة منها.
وهذا الذي ذكره الداودي إنما يتوجه على مَن ترك الصلاة عامدًا، وأما مَن تركها ساهيًا أو ناسيًا، فلا يجب عليه شيء من ذلك، ولا يمتنع أن يكون قد فاته من الثواب مثل ما فات مَن وُتِرَ أهله وماله دون ثواب، أو يلحقه من الأسف عند معاينة ما فاته من الثواب ما يلحق مَن وُتِرَ أهله وماله، وعلى أن ما قاله مِن أن مَن وُتِرَ أهله وماله يجب عليه الاسترجاع ليس بصحيح، بل لا يجب عليه شيء من ذلك، وإنما يجب عليه الصبر والتسليم، وإن استرجع مع ذلك فحسن؛ لقوله تعالى: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} البقرة: 156. المنتقى شرح الموطأ (1/ 22).
وقال السندي -رحمه الله- متعقبًا الداودي:
قلتُ: ولا يجب عليه شيء من الأسف أصلًا، فليتأمل، والوجه: أن المراد أنه حصَل له من النقصان في الآجر في الآخرة ما لو وُزن بنقص الدنيا لَمَا وازنه إلا نقصان من نقص أهله وماله، والله تعالى أعلم. حاشية السندي على سنن النسائي (1/ 238).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
وغرض الرسول -صلى الله عليه وسلم- من ذلك: التحذير مِن تركها وإهمالها، وترك المحافظة عليها؛ لخصِّيصة فيها عَرَفَها، وأنه ينبغي أن يحذر المصلي من فواتها حَذَرَه من ذهاب أهله. الشافي في شرح مسند الشافعي (2/ 372).
وقال الخطابي -رحمه الله-:
يقول: فليحذر أن تفوته هذه الصلاة، وليَكْرَه ذلك كراهته لأنْ يُسلب أهله وماله. أعلام الحديث (1/ 429).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
وإنما أوعده بهذا؛ لأنه وقت اشتغال الناس بتجاراتهم ومعايشهم لأهليهم ونفوسهم؛ وذلك مظنَّة الفوت أو التفويت مع ما فيها من الفضيلة. شرح المصابيح (1/ 374).
وقال ابن هبيرة -رحمه الله-:
هذا فيمن فاتته، ونطق «فاتته» يدل على أنه قد كان حريصًا عليها ففاتته، وليس ذلك تركًا، فإذا كان هذا فيمن فاتته مع الحرص عليها فكيف بالتارك؟! الإفصاح (4/ 130-131).
وقال العراقي -رحمه الله-:
إنما خَصَّ الأهل والمال بالذكر لأن الاشتغال في وقت العصر إنما هو بالسعي على الأهل، والشغل بالمال، فذكر -عليه الصلاة والسلام- أنَّ تفويت هذه الصلاة نازلٌ منزلة فَقْدِ الأهل والمال، فلا معنى لتفويتها بالاشتغال بهما، مع كون تفويتها كفواتهما أصلًا ورأسًا، والله أعلم. طرح التثريب (2/ 179).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله- معلقًا:
وهو تحقيق نفيس، والله تعالى أعلم بالصواب. البحر المحيط الثجاج (13/ 550).
وقال الكشميري -رحمه الله-:
وأما وجه التخصيص بالذِّكر فمذكور في مسلم: «أنها عُرضَت على الأمم السابقة فضيعوها، ولو أقمتموها فلكم الأجران»، ولذا اهتم القرآن بشأن صلاة الوسطى. العرف الشذي شرح سنن الترمذي (1/ 190).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
وظاهر الحديث التغليظ على من تفوته العصر، وأن ذلك مختص بها. فتح الباري (2/ 30).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
وهذا الحديث: يتضمن الوعيد لمن فاتته صلاة العصر لمعنى لا شك فيها يخصها، وإلا فغيرها من الصلوات الباقية لا فرق بين وجوبها وافتراضها وبين هذه، وجميع أحكامها مطردة. الشافي في شرح مسند الشافعي (2/ 373).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
وفيه: تحقير للدنيا، وإنَّ قليل عمل البِر خير من كثير من الدنيا، فالعاقل العالم بمقدار هذا الخطاب يحزن على فوات صلاة العصر إن لم يدرك منها ركعة قبل غروب الشمس أو قبل اصفرارها فوق حزنه على ذهاب أهله وماله. التمهيد (14/ 121).
وقال ابن رجب -رحمه الله-:
وفي هذا الحديث: أن ذهاب بعض الوقت كذهاب الوقت كله، وهذا لا يقوله أحد من العلماء، لا مَن فَضَّل أول الوقت على آخره، ولا مَن سوَّى بينهما؛ لأن فوت بعض الوقت مباح، وفوت الوقت كله لا يجوز، وفاعله عاصٍ لله إذا تعمَّد ذلك، وليس كذلك من صلى في وسط الوقت وآخره، وإن كان مَن صلى في أول وقته أفضل منه. فتح الباري (4/ 297).
وقال المظهري -رحمه الله-:
وهذا الحديث يدل على فضيلة العصر، وعلى أن فوت الثواب والخصال الدينية أخسر من فوت المال والأهل. المفاتيح (2/ 24).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
ليس في الإسلام حديث يقوم مقام هذا الحديث؛ لأن الله تعالى قال: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ} البقرة: 238، ولا يوجد حديث فيه تكييف المحافظة غيره. شرح صحيح البخاري (2/ 175).
وقال ابن رجب -رحمه الله-:
وفي الحديث: دليل على تعظيم قدر صلاة العصر عند الله -عزَّ وجلَّ- وموقعها من الدِّين، وأن الذي تفوته قد فُجِعَ بدِينه وبما ذهب منه، كما يُفْجَع مَن ذهب أهله وماله.
وهذا مما يستدل به على أن صلاة العصر هي الصلاة الوسطى المأمور بالمحافظة عليها خصوصًا بعد الأمر بالمحافظة على الصلوات عمومًا. فتح الباري (4/ 301).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
في فوائده: منها: بيان التشديد في تفويت صلاة العصر...
ومنها: بيان تعظيم فعل الصلاة في وقتها، وهي خير أعمالنا، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: «واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة» أخرجه أحمد وابن ماجه بإسناد صحيح، وقد سُئل النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أي الأعمال أحب إلى الله؟ فقال: الصلاة على وقتها» متفق عليه، وروي: «في أول وقتها»...
ومنها: أنه قد احتج بهذا الحديث مَن ذهب إلى أن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر، وهو القول الراجح...، فقال: خصَّها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالذِّكر من أجل أن الله خصها بقوله: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} البقرة: 238، فجمعها في قوله: {الصَّلَوَاتِ} ثم خصها بالذِّكر تعظيمًا لها، كما قال -عزَّ وجلَّ-: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ} الأحزاب: 7، فعمَّ النبيين، ثم قال: {وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} الأحزاب: 7، فخص هؤلاء تعظيمًا لهم، وهم أولو العزم من الرسل. البحر المحيط الثجاج (13/ 551-)


ابلاغ عن خطا