السبت 20 شوّال 1446 هـ | 19-04-2025 م

A a

«‌مَن ‌كان ‌له ‌وجهانِ في الدُّنيا، كان له يومَ القيامَةِ لسانانِ من نارٍ».


رواه أبو داود برقم: (4873) واللفظ له، والدارمي برقم: (2806)، وابن حبان برقم: (5756)، والبيهقي في الكبرى برقم: (21157)، وابن أبي شيبة برقم: (431)، من حديث عمار بن ياسر -رضي الله عنه-.
ورواه الطبراني في الأوسط برقم: (6685)، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (6496)، سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (892).


شرح مختصر الحديث


.


شرح الحديث


قوله: «‌من ‌كان ‌له ‌وجهانِ في الدُّنيا»:
قال السندي -رحمه الله-:
وجه: بمعنى القصد والصفة، أي: أنْ يكون مع كل قوم على قصد وصفة تخالف القصد الذي عليه مع آخرين. فتح الودود (4/ 563).
وقال الأردبيلي -رحمه الله-:
المراد بذي الوجهين: النَّمام والمنافق والمفسد بين الناس، والموقع بينهم العداوة والبغضاء. الأزهار، مخطوط، لوح (416).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«من كان له وجهان في الدنيا»، وهو أنْ يأتي هؤلاء بوجه، وهؤلاء بوجه، من كل متعادين، ويذم هذا عند ذا، وهذا عند ذا، يتحبب إليهما نفاقًا وزورًا، جُعِلَ تلونه في الأحوال، كتلون ذاته. التنوير (10/ 373).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«مَن كان له وجهان في الدنيا» أي: يأتي هؤلاء بوجه، وهؤلاء بوجه، على وجه الفساد. شرح سنن أبي داود (18/ 596).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
المقصود بالوجه: هو اللسان؛ لأنه كان يتحدث مع هؤلاء ويتحدث مع هؤلاء، وليس المقصود: الوجه الذي هو حقيقة الوجه، وإنما يأتي هؤلاء بطريقة معينة فيتكلم معهم بكلام يناسبهم، ثم يأتي إلى جماعة أخرى ويتكلم بكلام يناسبهم حتى يَحْظَى عند هؤلاء وعند هؤلاء؛ ولذلك فإنه يكون له لسانان من نار يوم القيامة، ولم يقل: وجهان من نار؛ لأن المقصود هو اللسان. شرح سنن أبي داود (554/ 20).
وقال المظهري -رحمه الله-:
يعني: من كان مع كل واحد من العدوين كأنه صديقه، ويذم عند هذا ذلك، وعند ذلك يذم هذا؛ لتزداد بينهما العداوة، وليحسن إليه كل واحد منهما بأن يظنه ناصرًا له. المفاتيح (5/ 184).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«من كان ذا وجهين في الدنيا» قيل: المراد به: من يُري نفسه عند شخص أنه من جملة مُحِبِّيه وناصحيه، وهو يحدث في غيبته بمساوئه.
وقيل: المعنى مع كل واحد من عدوين كأنه صديقه، ويظن أنه ناصر له، ويذم هذا عند ذلك، وذلك عند هذا. مرقاة المفاتيح (9/ 81).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«من كان له وجهان في الدنيا» يعني: من كان مع كل واحد من عدوين كأنه صديقه، ويعده أنه ناصر له، ويذم ذا عند ذا، أو ذا عند ذا، يأتي قومًا بوجه، وقومًا بوجه على وجه الإفساد. فيض القدير (6/ 209).
وقال النووي -رحمه الله-:
المراد: من يأتي كل طائفة ويظهر أنه منهم ومخالف للآخرين مبغض، فإن أتى كل طائفة بالإصلاح ونحوه فمحمود. المنهاج (16/ 156).
وقال الغزالي -رحمه الله-:
واتفقوا على أنَّ ملاقاة الاثنين بوجهين نفاق، وللنفاق علامات كثيرة، وهذه من جملتها. إحياء علوم الدين (3/ 158).
وقال المناوي -رحمه الله- مُتعقِّبًا:
نعم إنْ جامل كل واحد منهما، وكان صادقًا، لم يكن ذا لسانين، فإن نقل كلام كل منهما للآخر فهو نمام دون لسان؛ وذلك شر من النميمة، وقيل لابن عمر: «إنا ندخل على أمرائنا فنقول القول، فإذا خرجنا قلنا غيره، قال: كنا نعده نفاقًا على عهد المصطفى -صلى الله عليه وسلم-» فهذا نفاق إذا كان غنيًّا عن الدخول على الأمير، والثناء عليه، فلو استغنى عن الدخول فدخل فخاف إن لم يُثْنِ عليه فهو نفاق؛ لأنه المحوج نفسه إليه، فإن استغنى عن الدخول لو قنع بقليل، وترك المال والجاه، فدخل لضرورتهما، فهو منافق، وهذا معنى خبر: «حب المال والجاه ينبت النفاق في القلب»؛ لأنه يحوج إلى رعايتهم ومداهنتهم، أما إن ابتلي به لضرورة، وخاف إن لم يُثْنِ فهو معذور، فإنَّ اتقاء الشر جائز. فيض القدير (6/ 209).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
وقال غيره (يعني: غير النووي): الفرق بينهما (يعني: بين من يريد الإصلاح والفساد): أن المذموم من يُزَيِّنُ لكل طائفة عملها ويقبحه عند الأخرى، ويذم كل طائفة عند الأخرى.
والمحمود: أن يأتي لكل طائفة بكلام فيه صلاح الأخرى، ويعتذر لكل واحدة عن الأخرى، وينقل إليه ما أمكنه من الجميل، ويستر القبيح، ويؤيد هذه التفرقة رواية الإسماعيلي من طريق ابن نمير عن الأعمش: «الذي يأتي هؤلاء بحديث هؤلاء، وهؤلاء بحديث هؤلاء». فتح الباري (10/ 475).
وقال النووي -رحمه الله-:
هو الذي يأتي كل طائفة بما يرضيها، ويظهر لها أنه منها في خير أو شر، وهي مداهنة محرمة. المنهاج (16/ 79).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
وإنما سمي ذو الوجهين مداهنًا؛ لأنه يظهر لأهل المنكر أنه عنهم راضٍ فيلقاهم بوجهٍ سمح بالترحيب والبشر، وكذلك يظهر لأهل الحق أنه عنهم راضٍ وفي باطنه أن هذا دَأْبُه في أن يرضي كل فريق منهم، ويريهم أنه منهم، وإن كان في مصاحبته لأهل الحق مؤيدًا لفعلهم، وفي صحبته لأهل الباطل منكرًا لفعلهم، فبخلطته لكلا الفريقين وإظهار الرضا بفعلهم استحق اسم المداهنة؛ للأسباب الظاهرة عليه المشبهة بالدهان الذي يظهر على ظواهر الأشياء ويستر بواطنها.شرح صحيح البخاري (9/ 251).

قوله: «كان لهُ يومَ القيامَةِ لسانانِ من نارٍ»:
قال ابن رسلان -رحمه الله-:
«كان له يوم القيام لسانان من نار» ...، ولفظ الطبراني: «ذو الوجهين في الدنيا يأتي يوم القيامة وله وجهان من نار»، ولفظ ابن أبي الدنيا: «من كان ذا لسانين جعل اللَّه له يوم القيامة لسانين من نار». شرح سنن أبي داود (18/ 596-597).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«كان له يوم القيامة لسانان من نار» كما كان في الدنيا له لسان عند كل طائفة. فيض القدير (6/ 209).
وقال الأردبيلي -رحمه الله-:
قوله: «لسانان من نار» حقيقة، ويحتمل: اللهب، ويحتمل: تضعيف العذاب. الأزهار، مخطوط، لوح (416).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«كان له يوم القيامة لسانان من نار» يعذب بذلك جزاءً وفاقًا؛ لأنه كان يلوي لسانه عند كُلٍّ بالباطل؛ فهذا محرم، إنما لو جامل كلًّا منهما ولم يتكلم بباطل فهذا لا إثم فيه. التنوير (10/ 373).
وقال العلقمي -رحمه الله-:
معناه: أنَّه لما كان يأتي هؤلاء بوجه، وهؤلاء بوجه، على وجه الإفساد، جُعِلَ له لسانان من نار، كما كان في الدنيا له لسانان عند كل طائفة. الكوكب المنير، مخطوط، لوح (575).
وقال الشيخ عبد المحسن العباد -حفظه الله-:
«لسانان» لأنه يلقى هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه، والمقصود بذلك: الكلام الذي يتحدث به بلسانه، فهو يتكلم مع هؤلاء بلسانه بشيء يناسبهم، ويتكلم مع هؤلاء بشيء يناسبهم من أجل أن يحظى عند هؤلاء وهؤلاء، فمن أجل ذلك كانت العقوبة أنه يكون له لسانان من نار يوم القيامة؛ لأنه كان يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه. شرح سنن أبي داود (554/ 20).
وقال المناوي -رحمه الله-:
قال بعضهم: حقيقة اختلاف السر والعلن كاختلاف القول والعمل، وقال بعضهم: العادات قاهرات فمن اعتاد شيئًا في السر فضحه في العلانية. التيسير (2/ 439).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
الكبيرة الثالثة والخمسون بعد المائتين كلام ذي اللسانين، وهو ذو الوجهين الذي لا يكون عند الله وجيهًا. الزواجر عن اقتراف الكبائر (2/ 40).
وقال الغزالي -رحمه الله-:
كلام ذي اللسانين الذي يتردد بين المتعاديين ويكلم كل واحد منهما بكلام يوافقه، وقلمَّا يخلو عنه من يشاهد متعاديين، وذلك عين النفاق. إحياء علوم الدين (3/ 158).
وقال عبد الملك القاسم -حفظه الله-:
فإن قلتَ: بماذا يصير الرجل ذا لسانين، وما حد ذلك؟
فأقول: إذا دخل على متعاديين وجامل كل واحد منهما، وكان صادقًا فيه لم يكن منافقًا ولا ذا لسانين، فإن الواحد قد يصادق متعاديين؛ ولكن صداقة ضعيفة لا تنتهي إلى حد الأخوة، إذ لو تحققت الصداقة لاقتضت معاداة الأعداء، نعم لو نقل كلام كل واحد منهما إلى الآخر فهو ذو لسانين، وهو شَرُّ من النميمة.
ومن ذي الوجهين: من يمدح الإنسان في وجهه ويبالغ في ذلك لقصد دنيوي، ثم في غيبته يذمه عند الناس ويعيبه، وهكذا يفعل مع أغلب من لا يناسبه. أحصاه الله ونسوه (ص: 78).

وللاستفادة من الرواية الأخرى ينظر (هنا


ابلاغ عن خطا