السبت 20 شوّال 1446 هـ | 19-04-2025 م

A a

«أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سُئلَ عن ليلةِ القدرِ، فقال: «هي في العشرِ الأواخرِ، أو في الخامسةِ، أو في الثالثةِ».


رواه أحمد برقم: (22043)، والطبراني في الكبير برقم (177)، وفي مسند الشاميين برقم: (1160) وزاد: «في ‌العشر ‌الأواخر ‌في ‌السابعة...»، من حديث معاذ بن جبل -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (5471)، سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (1471).
وقال البوصيري في إتحاف الخيرة (3/ 134) عن زيادة الطبراني: "بسندٍ رجاله ثقات". 


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«ليلة القَدْرِ»:
هي الليلة التي تُقَدَّر فيها الأرزاقُ وتُقْضَى. النهاية، لابن الأثير (4/ 22).
وقال محمد اليفرني -رحمه الله-:
ليلة القَدْر قيل: سُمِّيت بذلك لعظم شأنها وفضلها، أي: ذات القَدْر العظيم...، كقولهم: لفلان قَدْر في الناس، أي: مزية وشرف، وقيل: القَدْر: الزيادة في المقدار...، وقيل: ليلة القَدْر: ليلة الحُكْم والتقدير، سُمِّيت بذلك؛ لأن الله تعالى يُقدِّر فيها، ويُفصِّل كل ما يكون من السَّنة إلى السَّنة القابلة. الاقتضاب (1/ 349-350).


شرح الحديث


قوله: «أنَّ رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- سُئلَ عن ليلةِ القدرِ»:
قال محمد صديق خان -رحمه الله-:
حرص الصحابةُ -رضي الله عنهم- على ذلك (ليلة القدر) غاية الحرص، وكرروا السؤال عنها، وتَلاحَوا في شأنها. نزل الأبرار (ص: 40).
وقال الشيخ عبد الله البسام -رحمه الله-:
كان الصحابة -رضي الله عنهم- من حرصهم على الخير، ورغبتهم فيما عند الله يتحرُّون ليلة القدر، ويلحُّون بالسؤال عنها؛ لِما في هذه اللَّيلة من المزايا العظيمة، وما يتنزَّل فيها من الخيرات والبركات، وما يحلُّ فيها من الرحمة والنعمة والأمن والأمان والسلام. توضيح الأحكام (3/ 588-589).
وقال ابن قدامة -رحمه الله-:
«ليلة القدر» وهي ليلة شريفة مباركة، مُعظَّمة مفضَّلة، قال الله تعالى: {لَيْلَةُ القَدْرِ خَيْرٌ مِن أَلْفِ شَهْرٍ} القدر: 3، قيل: معناه: العمل فيها خير من العمل في ألف شهر، ليس فيها ليلة القدر...، وهي من غروب الشمس إلى طلوعها. المغني (3/ 117).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «ليلةُ القَدْرِ» الوارد في القرآن ذِكْرها، وفي السُّنة عظيم أجرها. التنوير (9/ 300).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
اختُلف في المراد بالقَدْر الذي أُضيفت إليه الليلة:
فقيل: المراد به التعظيم، كقوله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} الأنعام: 91، والمعنى: أنها ذات قَدْرٍ؛ لنزول القرآن فيها، أو لما يقع فيها من تنزُّل الملائكة، أو لما ينزل فيها من البركة والرحمة والمغفرة، أو أنَّ الذي يحييها يصير ذا قدْرٍ.
وقيل: القَدْر هنا التضييق، كقوله تعالى: {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} الطلاق: 7، ومعنى التضييق فيها: إخفاؤها عن العلم بتعيينها، أو لأن الأرض تضيق فيها عن الملائكة.
وقيل: القَدْر هنا بمعنى: القَدَر بفتح الدال، الذي هو مؤاخي القضاء، والمعنى: أنَّه يُقدَّر فيها أحكام تلك السَّنة؛ لقوله تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} الدخان: 4. فتح الباري (4/ 255).
وقال التوربشتي -رحمه الله-:
وإنَّما جاء (فيها) القَدْر بتسكين الدال، وإنْ كان الشائع فيها (القَدَر) الذي هو قرينة القضاء بفتح الدال؛ ليعلم أنَّه لم يرد به ذلك، فإنَّ القضاء سبق الزمان، وإنَّما أُريد به تفصيل ما قد جرى به القضاء، وتبيينه وتحديده في المدة التي بعدها إلى مثلها من القَابِل؛ ليحصل ما يُلقى إليهم مُقدَّرًا بمقدار يحصره علمهم، فسكَّن منه الدال للامتياز بين الأمرين. الميسر (2/ 481).
وقال المناوي -رحمه الله-:
لم يُعبِّر بمفتوح الدال (ليلة القَدَر)؛ لأن المراد تفصيل ما جرى به القضاء مجردًا من تلك. فيض القدير (3/ 438).
وقال النووي -رحمه الله-:
قال العلماء: وسُمِّيت ليلة القدر لما يُكتب فيها للملائكة من الأقدار والأرزاق والآجال التي تكون في تلك السَّنة، كقوله تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} الدخان: 4، وقوله تعالى: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ} القدر: 4، ومعناه: يظهر للملائكة ما سيكون فيها، ويأمرهم بفعل ما هو من وظيفتهم، وكل ذلك مما سَبَقَ عِلْمُ الله تعالى به، وتقديره له، وقيل: سُمِّيت ليلة القدر: لعظم قدرها وشرفها. شرح مسلم (8/ 57).
وقال التوربشتي -رحمه الله-:
ويُحتمل: أنها سُمِّيت ليلة القَدْر لتقدير الله ما كان ينزل فيها من القرآن أيام حياة النبي -عليه السلام- إلى مثلها من العام المقبِل. الميسر (2/ 480-481).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
وقيل: لعِظَم قَدْرِها وشرفها، أو لأن مَن أتى بقيامها صار ذا قَدْر. شرح سنن أبي داود (6/ 614).
وقال النووي -رحمه الله-:
سُمِّيت ليلة القدر، أي: ليلة الحُكْم والفَصْل، هذا هو الصحيح المشهور، قال الماوردي وابن الصباغ وآخرون: وقيل: لِعِظَمِ قَدْرها. المجموع (6/ 447).
وقال الفاكهاني -رحمه الله-:
اختلف العلماء لم سُمِّيت ليلةَ القَدْر؟
فقيل: المعنى: أنها ليلةُ الشَّرَف والمنزلة والفضيلة، فسمَّاها بهذا لنزول القرآن جملةً إلى سماء الدنيا، وثباتِ خيرها ودوامِه، وهو معنى البركة في قوله تعالى: {فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} الدخان: 3، في الآية الأخرى.
وقيل: لأنها ليلةُ تقديرِ الأمور وقضائِها؛ من قوله تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} الدخان: 4، وقيل: المراد بهذه الآية: ليلةُ النصف من شعبان.
ومعنى ذلك -واللَّه أعلم-: إظهارُ ما قَدَّره اللَّه تعالى في أَزَلهِ من ذلك لحَمَلةِ وحيه، وملائكةِ سمواته، ونفوذُ أمره بذلك لهم ووحيه، أو إظهارُ ما شاء من أفعاله الدالة على ذلك عندهم، وإلا فقَدَرُ اللَّه وسابقُ علمِه بالآجال والأرزاق، وقضاؤه بما كان ويكونُ لا أولَ له.
وقيل: سمَّاها ليلة القَدْر لأنها يتنزَّل فيها من فضل اللَّه، وخزائن مِنَنِهِ ما لا يُقدَرُ قَدْرُه، قلتُ: وفي هذا التعليل الأخير عندي نظر.
ثم اختلفوا في سرِّ كونها خيرًا من ألف شهر، وتخصيصها بهذه المدة، فقيل: إنَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ذَكَرَ رجلًا من بني إسرائيل حملَ السلاحَ في سبيل اللَّه ألفَ شهر، فعَجِبَ المؤمنون من ذلك، وتقاصَرَتْ إليهم أعمالُهم، فأُعْطُوا ليلةً هي خيرٌ من مدة ذلك الغازي.
وقيل: إنَّ الرَّجُل كان فيما مضى ما كان يقال له: عابدٌ حتى يعبد اللَّه ألفَ شهر، فأُعطوا ليلةً إنْ أَحْيَوها، كانوا أحقَّ بأنْ يُسمَّوا عابدين من أولئك العُبَّاد.
وروى مالك في مُوطَّئه أنَّ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أُري أعمالَ الناس قبله، أو ما شاء اللَّه من ذلك، فكأنَّه تقاصرَ أعمارَ أُمَّته أن لا يبلغوا من العمل مثلَ الذي بلغَ غيرُهم في طول العمر، فأعطاه اللَّه ليلةَ القدر خير من ألف شهر.
قلتُ: هذا أحدُ الأحاديث الأربعة الواقعة في الموطأ المطعونِ فيها، على ما نقله ابن بزيزة في شرح الأحكام لعبد الحق -رحمهما اللَّه-، وغيرُه. رياض الأفهام (3/ 492-494).
وقال النووي -رحمه الله-:
وليلة القدر مختصة بهذه الأمَّة، زادها الله شرفًا، فلم تكن لمن قبلها. المجموع (6/ 447).
وقال ابن حجر -رحمه الله- مُتعقِّبًا:
جَزَمَ به (أي: القول بكونها خاصة بهذه الأمَّة) ابن حبيب وغيره من المالكية، ونقله عن الجمهور، وحكاه صاحب العدة من الشافعية (الطبري) ورجَّحه، وهو معترَضٌ بحديث أبي ذر عند النسائي، حيث قال فيه: «قلتُ: يا رسول الله، أتكون مع الأنبياء، فإذا ماتوا رُفعت؟ قال: لا، بل هي باقية»، وعمدتهم قول مالك في الموطأ: بلغني أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تقاصر أعمار أمَّته عن أعمار الأمم الماضية، فأعطاه الله ليلة القدر، وهذا يحتمل التأويل، فلا يَدْفَع التصريح في حديث أبي ذر. فتح الباري (4/ 263).
وقال النووي -رحمه الله-:
وأجمع مَن يُعتدُّ به على وجودها، ودوامها إلى آخر الدهر؛ للأحاديث الصحيحة المشهورة. شرح مسلم (8/ 57).
وقال النووي -رحمه الله- أيضًا:
اعلم أنَّ ليلة القدر يراها من شاء الله تعالى من بني آدم كل سَنة في رمضان، كما تظاهرت عليه الأحاديث، وأخبار الصالحين بها، ورؤيتهم لها أكثر من أن تُحصر، وأما قول القاضي عياض عن المهلب بن أبي صفرة الفقيه المالكي: لا تمكن رؤيتها حقيقة فغلط فاحش، نبهتُ عليه لئلا يُغتر به. المجموع (6/ 461).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
وشذَّ قومٌ فقالوا: إنها كانت خاصَّة للنبي -عليه السلام- ثم رُفِعَت، واحتجوا بالحديث الذي جاء فيه أنه أُعلمها -عليه السلام- حتى تَلاحَى (تخاصم) رجلان فرُفِعَت، ومعنى هذا عندنا: أنَّه رُفِعَ عنه عِلْمُ عينِها، كما قال في الحديث: «فأُنْسِيتُهَا». إكمال المعلم (4/ 146).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
واخْتَلَفَ الناس اختلافًا كثيرًا في ليلة القدر هل كانت مخصوصة بزمن النبي -صلى الله عليه وسلم- أو لا؟
فالجمهور: على أنها ليست مخصوصة، ثم اختلفوا: هل هي متنقِّلة في الأعوام أو ليست متنقلة؟ ثم الذين قالوا: إنها ليست متنقلة اختلفوا في تعيينها، فمن مُعيِّن ليلة النصف من شعبان، ومن قائل: هي ليلة النصف من رمضان، ومن قائل: هي ليلة سبع عشرة، ومن قائل: هي ليلة تسع عشرة، ثم ما من ليلةٍ من ليالي العشر إلا وقد قال قائل بأنها ليلة القَدْر، وقيل: هي آخر ليلة منه، وقيل: هي مُعيَّنة عند الله تعالى، غير مُعيَّنة عندنا، وهذه الأقوال كلها للسَّلف والعلماء، وسبب اختلافهم اختلاف الأحاديث كما ترى.
قلتُ: والحاصل من مجموع الأحاديث، ومما استقر عليه أمرُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في طلبها: أنها في العشر الأواخر من رمضان، وأنها متنقِّلة فيه، وبهذا يجتمع شتات الأحاديث المختلفة الواردة في تعيينها، وهو قول مالك والشافعي والثوري وأحمد وإسحاق وأبي ثور، وغيرهم على ما حكاه أبو الفضل عياض، فاعتَمِد عليه، وتَمَسَّك به. المفهم (3/ 251).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
وقد اختلف العلماءُ في ليلة القَدْر اختلافًا كثيرًا، وتحصَّل لنا من مذاهبهم في ذلك أكثر من أربعين قولًا، كما وقع لنا نظير ذلك في ساعة الجمعة، وقد اشتركَتَا في إخفاء كل منهما؛ ليقع الجد في طلبهما (ثم سرد الأقوال). فتح الباري (4/262- 263).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
ولا حاجة إلى سردها (هذه الأقوال)؛ لأن منها ما ليس في تعيينها، كالقول بأنها رُفعت، والقول بإنكارها من أصلها، فإنَّ هذه عدَّها المصنف (ابن حجر) من الأربعين، وفيها أقوال أُخر لا دليل عليها، وأظهر الأقوال: أنها في السبع الأواخر. سبل السلام (1/ 596).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
قد ثبت عن أربعة من الصحابة -رضي الله عنهم- أنها في كل رمضان، ولا أعلم لهم مخالفًا، وذكر الجوزجاني عن أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد أنهم قالوا: ليلة القدر في السَّنة كلها، كأنهم ذهبوا إلى قول ابن مسعود: «مَن يَقُم الحولَ يُصِبْهَا»، وقال مالك والشافعي وأبو ثور وأحمد: هي في العشر الأواخر من رمضان إن شاء الله، وروى سفيان وشعبة عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عمر أنه سُئل عن ليلة القدر فقال: «هي في كل رمضان». التمهيد (2/ 208).

قوله: «فقال: «هي في العشرِ الأواخرِ»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «في العشر الأواخر» أي: من رمضان. التنوير (9/ 300).
وقال المناوي -رحمه الله-:
قوله: «في العشر الأواخر» أي: التي تلي آخر الشهر. التيسير (2/ 333).
وقال العراقي -رحمه الله-:
ويدل له قوله -عليه الصلاة والسلام-: «التمسوها في العشر الأواخر»، وقوله -عليه الصلاة والسلام-: «إني اعْتَكَفْتُ العشر الأُول ألتمس هذه الليلة، ثم إني اعْتَكَفْتُ العشر الأوسط، ثم أُتيتُ، فقيل لي: إنها في العشر الأواخر» وكلاهما في الصحيح، وبهذا قال جمهور العلماء. طرح التثريب (4/ 153).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
روي عن معمر عن قتادة وعاصم أنهما سمعا عكرمة يقول: قال ابن عباس: دعا عمر أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فسألهم عن ليلة القدر، فاجمعوا على أنها في العشر الأواخر. فتح الباري (4/ 262).
وقال الماوردي -رحمه الله-:
لا اختلاف بين العلماء أنَّ ليلة القدر في العشر الأواخر من شهر رمضان؛ لما روي عن أبي ذر الغفاري أنه قال: «قلتُ: يا رسول الله، رُفعت ليلة القدر مع الأنبياء أم هي باقية إلى يوم القيامة؟ قال: هي باقية، قلتُ: هي في رمضان أو في غيره؟ قال: في رمضان، قال: قلتُ: هي في العشر الأول أو الأوسط أو الأخير؟ قال: هي في الأواخر». الحاوي الكبير (3/ 483).
وقال النووي -رحمه الله- مُتعقِّبًا:
أما قول صاحب الحاوي (الماوردي): لا خلاف بين العلماء أنَّ ليلة القدر في العشر الأواخر من شهر رمضان فلا يُقْبل؛ فإنَّ الخلاف في غيره مشهور، ومذهب أبي حنيفة وغيره كما سبق (أي: أنَّها في السَّنة كلها). المجموع (6/ 460-461).
وقال المغربي -رحمه الله-:
أخرج البخاري في باب التعبير بلفظ: «أنَّ ناسًا أُروا ليلة القدر في التسع الأواخر، وأنَّ ناسًا أُروا أنها في العشر الأواخر»، وفي رواية أحمد بلفظ: رأى رجلٌ أنَّ ليلة القدر ليلة سبع وعشرين، أو كذا وكذا، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «التمسوها في العشر البواقي، في الوتر منها»، ورواه أحمد من حديث علي مرفوعًا: «إنْ غُلبْتُم فلا تُغْلبُوا في السبع البواقي».
ويُجمع بين الروايات: بأنَّ العشر للاحتياط فيها، والتسع كذلك، والسبع لأن ذلك من المظنة، وهو أقصى ما يظن فيه الإدراك. البدر التمام شرح بلوغ المرام (5/ 151).
وقال ابن أبي زيد القيرواني المالكي -رحمه الله-:
قال ابن حبيبٍ: وأحوطُ ذلك أنْ يتحرَّى في العشر الأواخر كلها، وقد جاء أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يُوقظُ أهله فيهن. النوادر والزيادات على ما في المدونة (2/ 104).
وقال منصور البهوتي الحنبلي -رحمه الله-:
ومَن نذر قيام ليلة القدر قام العشر الأخير كله. كشاف القناع (2/ 346).

قوله في زيادة الطبراني: «في السابعة»:
قال ابن الملقن -رحمه الله-:
قوله: «السَّابعةِ» أي: ليلة ثلاث وعشرين، وهو قول مالك، وقيل: السابعة: ليلة سبع وعشرين. التوضيح (28/ 372).
وقال ابن أبي زيد القيرواني المالكي -رحمه الله-:
ورُوي أنَّه -عليه السلام-: «التمسوها في تاسعةٍ أو سابعةٍ أو خامسةٍ أو ثالثةٍ، أو آخرِ ليلةٍ» فالتاسعةٍ: ليلة أحدٍ وعشرين، والسابعة: ليلةُ ثلاثٍ وعشرين، والخامسة والثالثة على هذا يُؤخذُ العدد من أول العشر الأواخر على تمام الشهر ونقصانه، وكذلك قال مالك.
ومن غير كتاب ابنِ حبيبٍ: أنْ بعضَ العلماء ذكر أنَّ ليلة القدر قد يختلف كونُهَا في ليالي العشر الأواخر، إلا أنها تكون في وترٍ منها، إلا أنَّ العدد مبدوءٌ من أول العشرة. النوادر والزيادات على ما في المدونة (2/ 104-105).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
أما قوله: «التمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة...» فقد اختلف العلماء في ذلك، فقال قوم: هي تاسعة تبقى، يَعْنُونَ ليلة إحدى وعشرين، وسابعة تبقى ليلة ثلاث وعشرين، وخامسة تبقى ليلة خمس وعشرين، وممن قال ذلك مالك -رحمه الله-، وروى سعيد بن داود بن أبي زنبر عن مالك: أنه سُئل ما وجه تفسير قول النبي -عليه السلام-: «التمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة»؟ فقال: أرى -والله أعلم- أنه أراد بالتاسعة ليلة إحدى وعشرين، والسابعة ليلة ثلاث وعشرين، وبالخامسة ليلة خمس وعشرين، وقال ابن القاسم: رجع مالك عن ذلك وقال: هو حديث مشرقي لا أعلمه، وما حكاه ابن القاسم فليس بشيء، وقد قال مالك وغيره من العلماء ما وصفتُ لك، واستدلوا على ذلك بأنه قد روي منصوصًا مثل قولهم هذا، وبتقديم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- التاسعة على السابعة والسابعة على الخامسة.
وأما الحديث في ذلك: فحدثناه عبد الله بن محمد...، عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «التمسوها في العشر الأواخر من رمضان، في تاسعة تبقى، وفي سابعة تبقى، وفي خامسة تبقى»، وإلى هذا ذهب أيوب -رحمه الله- ذكر ذلك عنه مَعمر، وروى أبو نضرة عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «التمسوها في العشر الأواخر من رمضان، والتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة»، قال: قلتُ: يا أبا سعيد، إنكم أعلم بالعدد مِنّا، قال: أجل، قلتُ: ما التاسعة والسابعة والخامسة؟ قال: إذا مضت إحدى وعشرون، فالتي تليها التاسعة، وإذا مضت ثلاث وعشرون فالتي تليها السابعة، وإذا مضت خمسٌ وعشرون فالتي تليها الخامسة، ذكره أبو داود عن ابن المثنى عن عبد الأعلى عن سعيد عن أبي نضرة هكذا جاء في هذا الباب مراعاة التي تليها؛ وذلك الأُولى من التسع البواقي، والأُولى من السبع البواقي، والأُولى من الخمس البواقي، وهذا يدل على اعتباره كمال العدد ثلاثين يومًا، وهو الأصل والأغلب، وما خالفه فإنما يعرف بنزوله لا بأصله، وروى معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، إني رأيتُ في النوم ليلة القدر، كأنها ليلة سابعة، فقال النبي: «أرى رؤياكم قد تَوَاطَأَتْ أنها في ليلة سابعة، فمن كان متحريها منكم فليتحرَّها في ليلة سابعة»...
وقال آخرون: إنَّما أراد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقوله هذا: التاسعة من العشر الأواخر، والسابعة منه، والخامسة منه، يعنون ليلة تسع وعشرين، وليلة سبع وعشرين، وليلة خمس وعشرين، واحتجوا بقوله -صلى الله عليه وسلم- في حديث عبد الله بن دينار عن ابن عمر: «التمسوها في السبع الأواخر»، قالوا: فيدخل في ذلك ليلة تسع وعشرين، فغير نكير أنْ تكون تلك التاسعة المذكورة في الحديث، وكذلك تكون السابعة ليلة سبع وعشرين، والخامسة ليلة خمس وعشرين، قالوا: وليس في تقديمه لها في لفظه وعطفه ببعضها على بعض بالواو ما يدل على تقديم ولا تأخير.
(و) كل ما قالوه من ذلك يحتمل، إلا أنَّ قوله -صلى الله عليه وسلم-: «تاسعة تبقى، وسابعة تبقى، وخامسة تبقى» يقضي للقول الأول. التمهيد (2/ 202-204).

قوله: «أو في الخامسةِ، أو في الثالثةِ»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «في الخامسة» وعشرين «أو الثالثة» أي: وعشرين، فيتحرَّى الليلتين؛ ليصيب ذلك. التنوير (9/ 300-301).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
القول الرابع والأربعون (من الأقوال في ليلة القدر): أنَّها ليلة الثالثة من العشر الأخير، أو الخامسة منه، رواه أحمد من حديث معاذ بن جبل، والفرق بينه وبين ما تقدم: أنَّ الثالثة تحتمل ليلة ثلاث وعشرين، وتحتمل ليلة سبع وعشرين، فتنحلُّ إلى أنها ليلة ثلاث وعشرين، أو خمس وعشرين، أو سبع وعشرين، وبهذا يتغاير هذا القول مما مضى. فتح الباري (4/ 266).
وقال عليش المالكي -رحمه الله-:
أي: العدد الذي (بقي) من العشر الأخير لا ما مضى منه، بدليل الحديث الآخر الذي فيه: «لتاسعة تبقى، ولسابعة تبقى، ولخامسة تبقى»، فحَمَل الإمام مالك -رضي الله تعالى عنه- الحديث الذي أَطْلَقَ فيه التاسعة والسابعة والخامسة، على الحديث الآخر الذي قيَّدها فيه بالتي تبقى، وخير ما فسرته بالوارد. منح الجليل شرح مختصر خليل (2/ 182).

وللاستفادة من الروايات الأخرى ينظر (هنا) و (هنا)


ابلاغ عن خطا