الأحد 21 شوّال 1446 هـ | 20-04-2025 م

A a

«إذا قال المؤذِّنُ: اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، فقال أحدُكُم: اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، ثم قال: أشهدُ أنْ لا إله إلَّا الله، قال: أشهد أنْ لا إله إلَّا اللهُ، ثم قال: أشهدُ أنَّ محمدًا رسولُ الله، قال: أشهدُ أنَّ محمدًا رسولُ الله، ثم قال: حيَّ على الصلاةِ، قال: لا حول ولا قوة إلَّا بالله، ثم قال: حيَّ على الفلاحِ، قال: لا حول ولا قوة إلَّا بالله، ثم قال: الله أكبر الله أكبرُ، قال: الله أكبرُ الله أكبرُ، ثم قال: لا إله إلَّا الله، قال: لا إله إلَّا الله مِن قلبِهِ دخل الجنةَ».


رواه مسلم برقم: (385)، من حديث عمر -رضي الله عنه-.


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«المؤذِّن»:
كل من تكلَّم بشيءٍ ندَاءً فهو مُؤذِّن. الكليات (ص: 803).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
الأذان وهو الإعلام بالشيء، يقال: آذَنَ يُؤْذِنُ إيذانًا، وأذَّنَ يُؤذِّنُ تأذينًا، والمشدَّد مخصوص في الاستعمال بإعلام وقت الصلاة. النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 34).

«الله أكبر»:
معناه: الله كبير. الزاهر في معاني كلمات الناس، للأنباري (1/ 29).
وقال الراغب -رحمه الله-:
التكبير يقال لتعظيم الله تعالى بقولهم: الله أكبر، ولعبادته واستشعار تعظيمه. المفردات، للراغب (ص: 698).

«أشهد»:
قوله: «أشهد أن لا إله إلا الله» معناه: ‌أعلم ‌أنه ‌لا ‌إله ‌إلا ‌الله، وأُبَيِّن أنه لا إله إلا الله، والدليل عليه قوله: {‌شَاهِدِينَ ‌عَلَى ‌أَنْفُسِهِمْ ‌بِالْكُفْرِ} التوبة: 17، أي: مبيِّنين لنا ذلك ومعلِّمين لنا به. تفسير غريب ما في الصحيحين، للحميدي (ص: 464).

«حيَّ»:
أي: هلموا إليهما وأَقْبِلُوا ‌وتعالَوا ‌مسرعين. النهاية، لابن الأثير (1/ 472).

«لا حولَ»:
أي: لا قُدْرة لي أنْ أُجيب ما دُعيتُ إليه إلا بالله. كشف المشكل (4/ 97).
وقال الراغب -رحمه الله-:
الحالُ: لما ‌يختصّ ‌به ‌الإنسان وغيره من أموره المتغيّرة في نفسه وجسمه وقُنْيَتِهِ (كَسْبه)، والحول: ما له من القوّة في أحد هذه الأصول الثّلاثة، ومنه قيل: «لا حول ولا قوّة إلّا بالله»، وحَوْلُ الشيء: جانبه الذي يمكنه أن يُحَوّل إليه. المفردات، للراغب (ص: 267).

«الفلاح»:
البقاء في الجنة والخلود؛ ولذلك قيل للفائزين: المفلحون. غريب الحديث، لابن قتيبة (1/ 172).
وقال نشوان الحميري -رحمه الله-:
‌‌
الفلاح: البقاء في الخير، ومنه قولهم في الأذان: «حيَّ على الفلاح» أي: هلم إلى البقاء في الخير الدائم. شمس العلوم(8/ 5248).


شرح الحديث


قوله: «إذا قال المؤذن: الله أكبر، الله أكبر»:
قال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: «إذا قال المؤذن» «إذا» شرطية، وقوله: «فقال» عطف على الشرط، وجزاء الشرط قوله: «دخل الجنة»، والمعطوفات بـ«ثم» مقدَّرات بحرف الشرط والفاء، ويجوز أن يكون «فقال» جوابًا للشرط، وكذا «قال» في المعطوفات، وإنما وضع الماضي موضع المستقبل لتحقيق الموعود. الكاشف عن حقائق السنن(3/ 912).
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
«إذا قال المؤذن: الله أكبر الله أكبر» فيه تثنية التكبير، فلعله محمول على الرواية المتقدمة بالتربيع. شرح سنن أبي داود (3/ 485).
وقال العيني -رحمه الله-:
قوله: «إذا قال المؤذن: الله أكبر الله كبر ‌فقال ‌أحدكم: ‌الله ‌أكبر ‌الله ‌أكبر» إلى آخره؛ كل نوع من هذا مثنى -كما هو المشروع-، فاختصر -صلى الله عليه وسلم- من كل نوع شطره؛ تنبيهًا على باقيه. شرح سنن أبي داود (2/ 489).
وقال خليل السهارنفوري -رحمه الله-:
«قال: إذا قال المؤذن: الله أكبر الله أكبر» اكتفى على ذكر التكبير مرتين إشارة إلى أنهما في حكم كلمة واحدة، ولم يذكر الأربع اكتفاءً بذكر اثنين، ومن ثم ذكر واحدًا من الاثنين في سائر كلمة الأذان. بذل المجهود في حل سنن أبي داود (3/ 336).
وقال محمود خطاب السُّبْكي -رحمه الله-:
قوله: «الله أكبر الله أكبر» يحتمل أن يكون وَصَلَ جملة «الله أكبر» الأولى بالثانية وحرّك الراء من «أكبر» الأولى، أو يكون وقف عليها بسكتة لطيفة من غير تنفس وهو الأقرب، ويؤيده حديث «إذا أذَّنت فترسَّل» أي: تمهَّل، وافصل جُمَلَه بعضها عن بعض؛ فإنه ظاهر في أنه يقف على آخر كلّ جملة لا فرق بين جُمل التكبير وغيرها، ويؤيده أيضًا كون الأصل في الجُمل الوقف. المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود (4/ 201).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله في حديث عمر: «إذا قال المؤذن: الله أكبر» إلى آخره، أقول: هو تفصيل لما أُجمل في غيره، وبيان لكيفية الإجابة. التحبير لإيضاح معاني التيسير (5/ 165).

قوله: «ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، قال: أشهد أن لا إله إلا الله»:
قال ابن الجوزي -رحمه الله-:
ومعنى «أشهد أن لا إله إلا الله»: أَعْلَمُ وأُبَيِّن. كشف المشكل (1/ 155).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
ثم صرح بإثبات الوحدانية والإلهية، ونفى ضدها من الشِّرْكة المستحيلة في حقه، وهذه عمدة الإيمان والتوحيد المقدمة على سائر وظائفه. إكمال المعلم (2/ 253 - 254).

قوله: «ثم قال: أشهد أن محمدًا رسول الله، قال: أشهد أن محمدًا رسول الله»:
قال القاضي عياض -رحمه الله-:
ثم ابتدأ بإثبات النبوة لنبينا -صلى الله عليه وسلم- ورسالته لهداية الخلق ودعائهم إلى الله؛ إذ هي تالية الشهادتين، وموضعها من الترتيب بعد ما تقدم؛ لأنها من باب الأفعال الجائزة الوقوع، وتلك المقدمات من باب الواجبات، وهنا كمل تراجم العقائد -العقليات- فيما يجب ويستحيل ويجوز في حقه تعالى. إكمال المعلم (2/ 254).

قوله: «ثم قال: حي على الصلاة، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله»:
قال النووي -رحمه الله-:
قوله: «حي على الصلاة» معناه: تعالوا إلى الصلاة، ‌وأَقْبِلُوا ‌إليها، قالوا: وفُتحت الياء لسكونها وسكون الياء السابقة المدغمة. شرح النووي على مسلم (4/ 81).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
ثم دعا إلى ما دعاهم إليه من العبادات، فصرَّح بالصلاة، ثم رتَّبها بعد إثبات النبوة؛ إذ معرفة وجوبها من جهته -صلى الله عليه وسلم- لا من جهة العقل. إكمال المعلم (2/ 254).
وقال ابن الجوزي -رحمه الله-:
فأما معنى «حي على الصلاة» فقال الفراء: هلمُّوا إلى الصلاة وأَقْبِلوا عليها، وفُتحت الياء من «حيَّ» لسكونها وسكون الياء التي قبلها، كَلَيْتَ ولعل. كشف المشكل (1/ 155).
وقال العيني -رحمه الله-:
قوله: «لا حول ولا قوة إلا بالله» يجوز فيه خمسة أوجه:
الأول: فتحهما بلا تنوين.
والثاني: فتح الأول ونصب الثاني منوَّنًا.
الثالث: رفعهما منوَّنين.
والرابع: فتح الأول ورفع الثاني منوَّنًا.
والخامس: عكسه.
والحول: الحركة، أي: لا حركة ولا استطاعة إلا بمشيئة الله تعالى، قاله ثعلب وغيره، وقال بعضهم: لا حول في دفع شر، ولا قوة في تحصيل خير، إلا بالله، وقيل: لا حول عن معصية الله إلا بعصمته، ولا قوة على طاعته إلا بمعونته. عمدة القاري (5/ 121).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
ووجه مناسبة إجابة المؤذن «حي على الصلاة، حي على الفلاح» بالحوقلة: أنهما دعاء للسامع إلى الصلاة والفلاح، فلا يناسب أن يدعو السامع إلى ذلك حتى يقول كما قال المؤذن، بل المناسب أن يستعين على الإتيان بما دعي إليه بإرجاع الحول والقوة وقصرهما على الله، وأنه الذي يعين على إجابة الداعي والإتيان بما دعي إليه. التحبير لإيضاح معاني التيسير (5/ 166).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
وتفويض الأمور إليه بقوله عند الحيعلتين: «لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم» إذ هي دعاء وترغيب لمن سمعها، فإجابتها لا تكون بلفظها بل بما يطابقها من التسليم والانقياد، بخلاف إجابة غيرها من الثناء والشهادتين فبحكايتهما. إكمال المعلم (2/ 253).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
واعلم أن هذا الحديث مقيِّد لإطلاق حديث أبي سعيد الذي فيه «فقولوا مثل ما يقول» أي: فيما عدا الحيعلة، وقيل: يجمع السامع بين الحيعلة والحوقلة؛ عملًا بالحديثين، والأول أَوْلى؛ لأنه تخصيص للحديث العام، أو تقييد لمطلقه؛ ولأن المعنى مناسب لإجابة الحيعلة من السامع بالحوقلة فإنه لما دعي إلى ما فيه الفوز والفلاح والنجاة وإصابة الخير ناسب أن يقول: هذا أمر عظيم لا أستطيع مع ضعفي القيام به، إلا إذا وفقني الله بحوله وقوَّته؛ ولأن ألفاظ الأذان ذكر الله فناسب أن يجيب بها؛ إذ هو ذكر له تعالى، وأما الحيعلة فإنما هي دعاء إلى الصلاة، والذي يدعو إليها هو المؤذن، وأما السامع فإنما عليه الامتثال والإقبال على ما دعي إليه، وإجابته في ذكر الله لا فيما عداه.
والعمل بالحديثين كما ذكرنا هو الطريقة المعروفة في حمل المطلق على المقيد، أو تقديم الخاص على العام، فهي أولى بالاتباع. سبل السلام (1/ 189 - 190).
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
وقد اختار بعض العلماء الجمع عند الحيعلتين بين المتابعة للمؤذن والحوقلة، وهو جمع حسن، وإن لم يكن متعينًا. الدراري المضية (1/ 76).

قوله: «ثم قال: حي على الفلاح، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله»:
قال الفيومي -رحمه الله-:
معنى: «حي على الفلاح» أي: هلموا إلى الفلاح وهو الفوز والنجاة والبقاء الدائم، وقال بعض العلماء: الفلاح الظَّفَر بالمطلوب والنجاة من المرهوب... وقال بعض العلماء: ليس في كلام العرب كلمة أجمع للخير من لفظة الفلاح، أي: أَقْبِلُوا على سبب الفوز في الآخرة من النجاة من النار والبقاء في الجنة. فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب (2/ 610 - 611).
وقال ابن الجوزي -رحمه الله-:
والفلاح: الفوز، وإنما يقال عند هذا: «لا حول ولا قوة إلا بالله» ولا يقال كما قال المؤذنون؛ لأن مضمون هذا الكلام دعاء المصلي، فلا يجيب بمثله.
ومعنى «لا حول» لا حيلة، يقال: ما للرجل حول ولا حيلة ولا احتيال. كشف المشكل (1/ 155).
وقال ابن الرفعة -رحمه الله-:
ولأن الحيعلة دعاء، فلو قالها السامع لكان الناس كلهم دعاة، فمن يبقى المجيب؟ فحَسُن أن يقول السامع: «لا حول ولا قوة إلا بالله»، ومعناه: لا حول لي عن المعصية، ولا قوة لي على ما دُعيت إليه إلا بك. كفاية النبيه في شرح التنبيه (2/ 433).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
إن الرجل إذا دعي بالحيعلتين كأنه قيل له: أَقْبِل بوجهك وسريرتك على الهدى عاجلاً، وعلى الفلاح آجلاً، أجاب بأن هذا أمر عظيم، وخطب جسيم، وهي الأمانة التي عُرضت على السماوات والأرض فأبين أن يحملنها وأشفقن منها، فكيف أَحْمِلُها مع ضعفي وتشتت أحوالي؟ ولكن إذا وفقني الله بحوله وقوَّته لعلي أقوم بها. الكاشف عن حقائق السنن (3/ 912).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
ثم الحث والدعاء إلى الفلاح، وهو البقاء في النعيم، وفيه الإشعار بأمور الآخرة من البعث والجزاء، وهي آخر تراجم العقائد الإسلامية. إكمال المعلم (2/ 254).
وقال ابن هبيرة -رحمه الله-:
فإذا قال من يسمع المؤذن مثل ما يقول فقد شاركه في الثواب بحسب قصده، فإذا قال: «حي على الصلاة، حي على الفلاح» لم يحسن من غير المؤذن أن يرفع صوته كما يعمل المؤذن؛ لأنه هو المدعو، فإذا قال مثل قوله فمن يدعو؟ لأن المراد أن يجيب الداعي فيقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، أي: إني مجيب لهذا الدعاء الكريم والنداء الشريف إلى عبادة ربي، ولا حول لي في ذلك ولا قوة إلا بتوفيق ربي -سبحانه وتعالى-؛ احترازًا من نوابض العجب وخطرات الجهل. الإفصاح عن معاني الصحاح (1/ 222).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
ثم ضمن ذلك بالفلاح وهو البقاء الدائم، فأَشْعَرَ بأن ثَمَّ جزاء، ثم أعاد ما أعاد توكيدًا. المفهم (2/ 14).
وقال القرافي -رحمه الله-:
فائدة: الحول معناه: المحاولة والتحيُّل، والقوة معناها: القُدْرَة، ومعنى الكلام لا حيلة لنا ولا قُدرة على شيء إلا بقدرة الله تعالى ومشيئته. الذخيرة (2/ 55).
وقال المظهري -رحمه الله-:
قوله: «لا حول» أي: لا حول ولا حيلة ولا خلاص عن المكروه، ولا قوة على الطاعة إلا بتوفيق الله. المفاتيح في شرح المصابيح (2/ 48).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
قوله: «قال: لا حول ولا قوة إلا باللَّه» يدل على تعيين «لا حول ولا قوة إلا باللَّه» عند الحيعلتين، وما اشتهر عند بعض الناس من قولهم: ما شاء اللَّه كان وما لم يشأ لم يكن في الفلاح فلم نجد له أصلًا. لمعات التنقيح (2/ 419- 420).

قوله: «ثم قال: لا إله إلا الله، قال: لا إله إلا الله من قلبه دخل الجنة»:
قال العيني -رحمه الله-:
قوله: «من قلبه» متعلق بقوله: «فقال أحدكم» أي: قال ذلك خالصًا مخلصًا من قلبه؛ لأن الأصل في القول والفعل: الإخلاص؛ قال تعالى: {‌وَمَا ‌أُمِرُوا ‌إِلَّا ‌لِيَعْبُدُوا ‌اللَّهَ ‌مُخْلِصِينَ ‌لَهُ ‌الدِّينَ} البينة: 5، قوله: «دخل الجنة» جواب قوله: «فقال أحدكم» في المعنى، وجزاء ذلك القائل. شرح سنن أبي داود (2/ 490).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
«فإذا قال: لا إله إلا الله من قلبه دخل الجنة» لأن في حكايته لما قال المؤذن من التوحيد والإعظام، والثناء على الله، والاستسلام لطاعته، وتفويض الأمور إليه...وإذا حصل هذا للعبد فقد حاز حقيقة الإيمان وجماع الإسلام واستوجب الجنة. إكمال المعلم (2/ 253).
وقال ابن هبيرة -رحمه الله-:
وأن يكون في ذلك كله يَفهم قلبُه ما ينطق به لسانه فيدخل الجنة كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ويكفي منها ألا يكون قلبه مخالفًا للسانه أو غافلًا عما ينطق به، فلله الحمد على ما أنعم به على عباده المسلمين. الإفصاح عن معاني الصحاح(1/ 222).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
ويمكن أن يكون المراد: أنه يدخلها إن لم يكن له مانع من دخولها، أو معناه: استحق دخول الجنة أو دخل موجِب دخولها، وسبب وصولها وحصولها، أو دخل الجنة المعنوية في الدنيا وهي الشهادة المقرونة بالمشاهدة العظمى؛ ولذا قال بعض العارفين في قوله تعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} الرحمن: 46: جنة في الدنيا وجنة في العقبى، ويمكن أن تكون اللام في الجنة للعهد أي: دخل الجنة الموعودة لمجيب الأذان. مرقاة المفاتيح (2/ 560).
وقال الفيومي -رحمه الله-:
قوله -صلى الله عليه وسلم-: «ثم قال: لا إله إلا الله من قلبه دخل الجنة» إشارة إلى قصد الإخلاص، فلا يدخل المرائي وكذا العاصي ونحوه.
وقوله -صلى الله عليه وسلم-: «دخل الجنة» محمول على من لم يتعلق بمظالم العباد والكبائر إلا أن يتوب، أو يكون جاء بعد المقاصة أو بعفو الله أو برضا غرمائه كما في نظير هذا الحديث. فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب (2/ 613).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
قوله: «مِنْ قَلْبهِ» قيل: الظاهر أنه متعلق بقوله: «لا إله إلَّا الله» فقط لا بالمجموع؛ لكن روى النسائي وابن حبان من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقام بلال ينادي فلما سكت قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من قال مثل ما قال هذا يقينًا دخل الجنة» رواه الحاكم وقال: صحيح الإسناد ذكره ميرك.
قوله: «دَخَلَ الجنّةَ» أي: مع الناجين، وإلا فكل مؤمن لا بد له من دخولها وإن سبقه عذاب بحسب جُرمه إذا لم يعف عنه؛ لأنه قال ذلك بلسانه مع اعتقاده بقلبه ما دلّ عليه وإخلاصه فيه. الفتوحات الربانية (2/ 126- 127).
وقال محمود خطاب السُّبْكي -رحمه الله-:
«قوله: دخل الجنة» أي: يدخل، ووَضَع الماضي موضع المستقبل لتحقق حصول الموعود به. المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود (4/ 202).
وقال زكريا الأنصاري -رحمه الله-:
قالوا: ولأن إجابته تدل على رضاه به وموافقته في ذلك، وشمل كلامه الجُنب والحائض والمحدِث. الغرر البهية في شرح البهجة الوردية (1/ 273).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
وقوله: «من قلبه» قَيدٌ في جميع ما مرّ. لمعات التنقيح (2/ 420).
وقال ابن الهمام -رحمه الله-:
وفي حديث عمر وأبي أمامة -رضي الله عنهما- التنصيص على ألا يسبق المؤذِّن، بل يعقب كل جملة منه بجملة منه، وليتم هذا بالدعاء عقيب الإجابة. فتح القدير (1/ 250).
وقال محمود خطاب السُّبْكي -رحمه الله-:
فقه الحديث: دلّ الحديث على أنه يُطلب من السامع أن يجيب المؤذن في الأذان، وعلى أنه يقول كل كلمة عقب فراغ المؤذن منها، وعلى أن السامع يبدِّل الحيعلتين بالحوقلتين، وعلى أن حكاية الأذان فيها فضل عظيم؛ حيث رتب عليها دخول الجنة، وعلى أن الأعمال لا بدّ فيها من الإخلاص. المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود (4/ 202).
وقال النووي -رحمه الله-:
واعلم أنه يستحب إجابة المؤذن بالقول مثل قوله لكل من سمعه من متطهِّر ومُحْدِث وجُنب وحائض وغيرهم ممن لا مانع له من الإجابة، فمن أسباب ‌المنع: ‌أن ‌يكون ‌في ‌الخلاء أو جماع أهله أو نحوهما، ومنها أن يكون في صلاة، فمن كان في صلاة فريضة أو نافلة فسمع المؤذن لم يوافقه وهو في الصلاة، فإذا سلم أتى بمثله، فلو فعله في الصلاة فهل يكره؟
فيه قولان للشافعي -رضي الله عنه- أظهرهما أنه يُكره؛ لأنه إعراض عن الصلاة لكن لا تبطل صلاته إن قال ما ذكرناه؛ لأنها أذكار، فلو قال: حي على الصلاة، أو الصلاة خير من النوم بطلت صلاته إن كان عالمًا بتحريمه؛ لأنه كلام آدمي، ولو سمع الأذان وهو في قراءة أو تسبيح أو نحوهما قطع ما هو فيه وأتى بمتابعة المؤذن. شرح صحيح مسلم (4/ 88).
قال الشيرازي -رحمه الله-:
فإن سمع ذلك وهو في الصلاة لم يأت به في الصلاة، فإذا فرغ أتى به، وإن كان في قراءة أتى به ثم رجع إلى القراءة؛ لأنه يفوت، والقراءة لا تفوت. المهذب في فقه الإمام الشافعي (1/ 114).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
وأعلم أن الأذان كلمات جامعة لعقيدة الإيمان، ومشتملة على نوعيه من العقليات والسمعيات، فابتدأ بإثبات الذات بقوله: «الله» وما تستحقه من الكمال والتنزيه عن أضدادها المضمنة تحت قولك: «الله أكبر»؛ فإن هذه اللفظة على قِلِّة كَلِمِها واختصار صيغتها مُشعرة بما قلناه لمتأمله. إكمال المعلم (2/ 253).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
تنبيه: واعلم أن الأذان على قِلَّة ألفاظه مشتمل على مسائل العقيدة؛ وذلك أنه -عليه الصلاة والسلام- بدأ بالأكبرية وهي تتضمن وجود الله تعالى ووجوبه وكماله. المفهم (2/ 14).
وقال ابن هبيرة -رحمه الله-:
في هذا الحديث من الفقه: الحض على تكرار لفظ الشهادة والتهليل؛ فإن المؤذن إذا قال معلنًا به فإن من مقاصده فيه إعلام الناس بدخول وقت الصلاة وليتأهبوا لها.
وفيه أيضًا: تذكيرهم بما عساهم أن يكونوا غَفلوا عنه من الشهادتين.
وفيه أيضًا: الإشعار بأن أمر الله تعالى قد أمكن إعلامه وإظهاره من غير خوف ولا مبالاة بأحد بحمد الله ومنِّه. الإفصاح عن معاني الصحاح (1/ 221 - 222).  

وللاستفادة من الرواية الأخرى ينظر (هنا


أحاديث ذات صلة

ابلاغ عن خطا