«إذا سمعتُمُ المؤذِّنَ، فقولوا مِثْلَ ما يقولُ، ثم صلُّوا عليَّ؛ فإنَّه مَن صلَّى عليَّ صلاةً صلَّى اللهُ عليه بها عشْرًا، ثم سلُوا الله لي الوسيلةَ، فإنَّها منزِلَةٌ في الجنة، لا تنبغي إلَّا لعبدٍ مِن عبادِ اللهِ، وأرجو أنْ أكونَ أنا هو، فمَنْ سألَ لي الوسيلةَ حَلَّتْ له الشَّفَاعةُ».
رواه مسلم برقم: (384)، من حديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما-.
ورواه البخاري برقم: (611) مختصرًا من حديث أبي سعيد -رضي الله عنه-.
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«الوسيلة»:
الوسيلة: القُربة والمنزلة عند الله -عز وجل-، ويقال: هي للنبي -صلى الله عليه وسلم- الشفاعة التي خُصَّ بها والمقام المحمود الذي وعده، وأصل الوسيلة التوسل بالدعاء إلى الله -عزّ وجلّ- والتّقرب إليه بالرغبة إليه تعالى. تفسير غريب ما في الصحيحين، للحميدي (ص: 433).
وقال ابن منظور -رحمه الله-:
وتوسل إليه بوَسِيلة: إذا تقرَّب إليه بعمل، وتوسل إليه بكذا تقرّب إليه بِحُرْمة آصِرَةٍ تُعْطِفه عليه، والوسيلة: الوُصْلةُ والقُرْبَى، وجمعها الوسائل، قال اللَّه تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} الإسراء: 57.
شرح الحديث
قوله: «إذا سمعتم المؤذن، فقولوا: مثل ما يقول»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«إذا سمعتم المؤذن» أي: أذانه، «فقولوا» ندبًا «مثل ما يقول» أي: شِبهه في مجرد القول لا صفته. التيسير بشرح الجامع الصغير(1/ 109).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«إذا سمعتم المؤذن» أي: صوته أو أذانه «فقولوا مثل ما يقول» أي: إلا في الحيعلتين، وإلا في قوله: الصلاة خير من النوم، فإنه يقول: صدقت وبَررْتَ وبالحق نطقت، وبَرِرْتَ بكسر الراء الأولى، وقيل: بفتحها، أي: صرتَ ذا بِرٍّ، أي: خير كثير. مرقاة المفاتيح (2/ 558).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«إذا سمعتم المؤذن» أي: أذانه؛ بأن فسرتم اللفظ، فلو رآه على المنارة في الوقت، أو سمع صوتًا وعَلِمَ أنه يؤذن لكن لم يسمع ألفاظه لنحو بعدٍ أو صممٍ لم تُشرع الإجابة، «فقولوا» ندبًا «مثل ما يقول» أي: شِبْهَه في مجرد القول لا الصفة. فيض القدير (1/ 384).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
قوله: «إذا سمعتم المؤذن» ظاهره أن يقول ذلك حال سماع المؤذن، ولا يتقيد بفراغه، وكذا الحال في الذكر المذكور، لكنه يحتمل أن يراد من الأذان إتمامه؛ لأن المطلق يحمل على الكامل، فالمراد الوقت الموسَّع، أو المراد تأخير هذا الذكر عنه بدلالة «ثم». لمعات التنقيح (2/ 417).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله- أيضًا:
وقوله: «فقولوا مثل ما يقول» ظاهر في أنه يقول عند الحيعلتين إياهما دون الحولقة، فبهذا الطريق أيضًا يحصل الإجابة، إلا أن يقيد بقرينة الأحاديث الأُخر. لمعات التنقيح (2/ 417).
وقال أبو العباس القرطبي –رحمه الله-:
قوله: «إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول» حكى الطحاوي: أنه اختُلف في حكمه فقيل: واجب، وقيل: مندوب إليه، والصحيح أنه مندوب، وهو الذي عليه الجمهور، ثم هل يقوله عند سماع كل مؤذن أم لأوَّل مؤذن فقط؟ واختُلف في الحد الذي يحاكى فيه المؤذن؛ هل إلى التشهدين الأخيرين أم لآخر الأذان؟ فنُقل القولان عن مالك، ولكنه في القول الآخر إذا حيعل المؤذن فيقول السامع: لا حول ولا قوة إلا بالله. المفهم (2/ 11 - 12).
وقال ابن الهمام -رحمه الله-:
وأما الحوقلة عند الحيعلة فهو وإن خالف ظاهر قوله -صلى الله عليه وسلم-: «فقولوا مثل ما يقول» لكنه ورد فيه حديث مفسر كذلك عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «إذا قال المؤذن: الله أكبر الله أكبر، فقال أحدكم: الله أكبر الله أكبر... ثم قال: حي على الصلاة، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: حي على الفلاح قال: لا حول ولا قوة إلا بالله...» رواه مسلم، فحملوا ذلك العام على ما سوى هاتين الكلمتين، وهو غير جار على قاعدة؛ لأن عندنا المخصص الأول ما لم يكن متصلًا لا يخصص، بل يعارض، فيجري فيه حكم المعارضة أو يقدم العام، والحق الأول...وقد رأينا من مشايخ السلوك من كان يجمع بينهما فيدعو نفسه ثم يتبرأ من الحول والقوة؛ ليعمل بالحديثين. فتح القدير (1/ 249 - 250).
وقال ابن دقيق العيد -رحمه الله-:
حديث «إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول» الكلام عليه من وجوه:
أحدها: إجابة المؤذن مطلوبة بالاتفاق، وهذا الحديث دليل على ذلك. ثم اختلف العلماء في كيفية الإجابة، وظاهر هذا الحديث: أن الإجابة تكون بحكاية لفظ المؤذن في جميع ألفاظ الأذان، وذهب الشافعي إلى أن سامع المؤذن يبدِّل الحيعلة بالحولقة -ويقال الحوقلة- لحديث ورد فيها، وقدَّمه على الأول لخصوصه وعموم هذا، وذكر فيه من المعنى: أن الأذكار الخارجة عن الحيعلة يحصل ثوابها بذكرها، فيشترك السامع والمؤذن في ثوابها إذا حكاها السامع، وأما الحيعلة: فمقصودها الدعاء؛ وذلك يحصل من المؤذن وحده، ولا يحصل مقصوده من السامع، فعوّض عن الثواب الذي يفوته بالحيعلة الثواب الذي يحصل له بالحوقلة.
ومن العلماء من قال: يحكيه إلى آخر التشهدين فقط.
الثاني: المختار: أن يكون حكاية قول المؤذن في كل لفظة من ألفاظ الأذان عقيب قوله، وعلى هذا فقوله: «إذا سمعتم المؤذن» محمول على سماع كل كلمة منه، والفاء تقتضي التعقيب، فإذا حمل على ما ذكرناه: اقتضى تعقيب قول المؤذن بقول الحاكي، وفي اللفظ احتمال لغير ذلك.
الثالث: اختلفوا في أنه إذا سمعه في حال الصلاة: هل يجيبه أم لا؟ على ثلاثة أقوال للعلماء:
أحدها: أنه يجيب؛ لعموم هذا الحديث.
والثاني: لا يجيب؛ لأن في الصلاة شغلًا، كما ورد حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- متفق عليه.
والثالث: الفرق بين الفريضة والنافلة دون الفريضة؛ لأن أمر النافلة أخف، وذكر بعض مصنفي أصحاب الشافعي: أنه هل يُكره إجابته في الأذكار التي في الأذان إذا كان في الصلاة؟ وجهان، مع الجزم بأنها لا تبطل، وهذا ينبغي أن يُخص بما إذا كان في غير قراءة الفاتحة، أما الحيعلة: فإما أن يجيب بلفظها أو لا، فإن أجاب بالحوقلة لم تبطل؛ لأنه ذكر، كما في غيرها من الذكر الذي في الأذان، وإن أجاب بلفظها بطلت، إلا أن يكون ناسيًا، أو جاهلًا بأنه يبطل الصلاة.
وذكر أصحاب مالك في هذه الصورة قولين -أعني إذا قال: «حي على الصلاة» في الصلاة- هل تبطل؟ والذين قالوا: بالبطلان عللوه بأنه مخاطبة للآدميين، فأبطل بخلاف بقية ألفاظ الأذان التي هي ذكر، والصلاة محل الذكر.
ووجه من قال: بعدم البطلان: ظاهر هذا الحديث وعمومه، ومن جهة المعنى: أنه لا يقصد بقوله: «حي على الصلاة» دعاء الناس إلى الصلاة، بل حكاية ألفاظ الأذان.
الرابع: في الحديث دليل أن لفظة «المثل» لا تقتضي المساواة من كل وجه، فإنه قال: «فقولوا مثل ما يقول المؤذن» ولا يراد بذلك المماثلة في كل الأوصاف، حتى رفع الصوت. إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام (1/ 208 - 210).
وقال الشيرازي -رحمه الله-:
والمستحب لمن سمع المؤذن أن يقول مثل ما يقول إلا في الحيلعة؛ فإنه يقول: «لا حول ولا قوة إلا بالله»....فإن سمع ذلك وهو في الصلاة لم يأت به في الصلاة؛ فإذا فرغ أتى به، وإن كان في قراءة أتى به ثم رجع إلى القراءة؛ لأنه يَفُوت والقراءة لا تفوت. المهذب في فقه الإمام الشافعي (1/ 113 - 114).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
واعلم أن هذا الحديث مقيِّد لإطلاق حديث أبي سعيد الذي فيه «فقولوا مثل ما يقول» أي: فيما عدا الحيعلة، وقيل: يجمع السامع بين الحيعلة والحوقلة؛ عملًا بالحديثين، والأول أَوْلى. سبل السلام (1/ 189).
وقال ابن حزم -رحمه الله-:
ومن سمع المؤذن فليقل كما يقول المؤذن سواء سواء، مِن أول الأذان إلى آخره، وسواء كان في غير صلاة أو في صلاة فرض أو نافلة، حاشا قول المؤذن: «حي على الصلاة، حي على الفلاح» فإنه لا يقولهما في الصلاة، ويقولهما في غير صلاة، فإذا أتم الصلاة فليقل ذلك...، عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول»...
فلم يخص -عليه السلام- كونه في صلاة من غير كونه فيها، وإنما قلنا: لا يقول في الصلاة: «حي على الصلاة، حي على الفلاح» لأنه تكليم للناس يُدْعَون به إلى الصلاة، وسائر الأذان ذكر لله تعالى، والصلاة موضع ذكر الله تعالى...، فعن معاوية بن الحكم قال: بينا أنا أصلي مع رسول الله فذكر الحديث: وفي آخره: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن»... فإن قال سامع الأذان: «لا حول ولا قوة إلا بالله» مكان «حي على الصلاة حي على الفلاح» فحسن. المحلى بالآثار (2/ 184 - 185).
وقال أبو جعفر الطحاوي -رحمه الله-:
قال قوم ينبغي لمن سمع الأذان أن يقول كما يقول المؤذن، حتى يفرغ من أذانه، وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا: ليس لقوله: "حي على الصلاة، حي على الفلاح" معنى؛ لأن ذلك إنما يقول المؤذن ليدعو به الناس إلى الصلاة وإلى الفلاح، والسامع لا يقول ما يقول من ذلك على جهة دعاء الناس إلى ذلك، إنما يقوله على جهة الذِّكْر، وليس هذا من الذكر، فينبغي له أن يجعل مكان ذلك ما قد روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الآثار الأُخَر، وهو لا حول ولا قوة إلا بالله، فكان من الحُجة لهم في ذلك أنه قد يجوز أن يكون قوله: «فقولوا مثل ما يقول» حتى يسكت، أي: فقولوا مثل ما ابتدأ به الأذان من التكبير والشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله حتى يسكت، فيكون التكبير والشهادة هما المقصود إليهما بقوله: «مثل ما يقول». شرح معاني الآثار (1/ 144).
وقال البغوي -رحمه الله-:
ويجيب المؤذن وإن كان محدِثًا أو جُنُبًا، وإن كان في قراءة، أو ذكر قطعه وأجاب، ثم عاد إليه؛ لأن ما فيه لا يفوت.
وإن كان في الصلاة يستحب ألا يجيب حتى يفرغ، فلو أجاب في خلال الصَّلاة، لم تبطل صلاته، وهل يكره؟ فيه قولان:
أحدهما: يُكره؛ لأنه اشتغال بغير الصلاة.
والثاني: لا يُكره؛ لأن الصلاة محل الذِّكر، وإن أجاب في خلال الفاتحة يستأنف الفاتحة.
ولو قال: حيَّ على الصلاة حيَّ على الفلاح، الصلاة خير من النوم، أو قال: قد قامت الصَّلاة عملاً، بطلت صلاته؛ لأنه كلام.
وإن قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، وأقامها الله وأدامها لم تبطل صلاته؛ لأنه ذكرٌ ودعاءٌ؛ كما لو سلَّم عليه رجل في الصلاة، فأجاب وقال: وعليك السلام، أو قال للعاطس: يرحمك الله عملاً- بطلت صلاته؛ لأنه خاطبه، وإن قال: وعليه السَّلام، ويرحمه الله، أو اللهم سلم عليه وارحمه لم تبطل صلاته؛ لأنه دعاءٌ؛ والصلاة محل الدعاء للمؤمنين. التهذيب في فقه الإمام الشافعي (2/ 50).
وقال ابن قدامة -رحمه الله-:
فإن سمع الأذان وهو يقرأ قطع القراءة ليقول مثله؛ لأنه يفوت والقراءة لا تفوت، فإن سمعه وهو يصلي لم يقل كقوله؛ لئلا يشتغل عن الصلاة بما ليس منها، وإن قالها ما عدا الحيعلة لم تبطل الصلاة؛ لأنه ذكر، وإن قال الدعاء (أي: الحعلتين) فيها بطلت؛ لأنه خطاب لآدمي. الشرح الكبير على متن المقنع(1/ 418).
قوله: «ثم صلوا علي»:
قال المظهري -رحمه الله-:
قوله: «ثم صلوا علي» يعني: إذا فرغ المؤذن من الأذان فقولوا: اللهم صل على محمد، ولو قال: وعلى آل محمد؛ لكان أكمل. المفاتيح في شرح المصابيح (2/ 48).
وقال الفيومي -رحمه الله-:
«ثم صلوا علي» أي: قولوا: اللهم صل على محمد، أي: عظِّمه في الدنيا بإظهار دعوته وإبقاء شريعته، وفي الآخرة بتشفيعه في أُمَّته وتضعيف أجره. فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب (2/ 606).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«ثم» بعد فراغ الإجابة «صلوا» ندبًا «علي» أي: وسلموا. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 109).
وقال الطحاوي -رحمه الله- أيضًا:
وقد قال قوم: قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول» على الوجوب. وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا: ذلك على الاستحباب لا على الوجوب، فكان من الحُجة لهم في ذلك ما حدثنا ابن أبي داود... عن عبد الله قال: كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في بعض أسفاره، فسمع مناديًا وهو يقول: الله أكبر الله أكبر، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «على الفطرة» فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «خرج من النار» قال: فابتدرناه فإذا هو صاحب ماشية أدركته الصلاة، فنادى بها، فهذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد سمع المنادي ينادي فقال غير ما قال، فدل ذلك على أن قوله: «إذا سمعتم المنادي فقولوا مثل الذي يقول» أن ذلك ليس على الإيجاب، وأنه على الاستحباب والندبة إلى الخير وإصابة الفضل، كما علم الناس من الدعاء الذي أمرهم أن يقولوه في دبر الصلاة وما أشبه ذلك. شرح معاني الآثار (1/ 146).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«صلوا علي» ندبًا، وصَرَفه عن الوجوب الإجماع على عدمه خارج الصلاة، والعطف على ما ليس بواجب ليس بواجب على الصحيح، ودلالة الاقتراب على مقابله. فيض القدير (1/ 384).
قوله: «فإنه من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشرًا»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«فإنه» أي: الشأن «من صلى علي صلاة» أي: واحدة «صلى الله عليه» أي: أعطاه «بها عشرًا» أي: من الرحمة، وفي رواية: «صلى الله وملائكته عليه بها عشرًا» بل أكثر كما جاء في روايات كثيرة، فما يفعله المؤذِّنون الآن عقب الأذان من الإعلان بالصلاة والسلام مرارًا أصله سُنة، والكيفية بدعة؛ لأن رفع الصوت في المسجد ولو بالذكر فيه كراهة، سيما في المسجد الحرام؛ لتشويشه على الطائفين والمصلين والمعتكفين. مرقاة المفاتيح (2/ 558).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«فإنه» أي: الشأن «من» أي: إنسان «صلى علي صلاة» أي مرة واحدة بقرينة المقام مع ما ورد مصرحًا به «صلى الله عليه بها» أي: بالصلاة «عشرًا» رتَّبها على المرة؛ لأنها من أعظم الحسنات، ومن جاء بالحسنة فله عشر أمثالها. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 109).
وقال المظهري -رحمه الله-:
«صلى الله عليه بها عشرًا»: أي: أعطاه الله عشرًا؛ أي: عشر رحمات. المفاتيح في شرح المصابيح (2/ 48).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
وقوله: «فإنه من صلى علي صلاةً صلَّى اللَّه عليه بها عشرًا» هذا جزاء الصلاة على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ثابت دائمًا، غير مختص بوقت استماع الأذان، ولا يخلو لفظ الحديث عن إشعار به، كأنه قال: هذا جزاء الصلاة علي دائمًا، فصلّوا علي في هذا الوقت؛ فإنه وقت شريف مبارك يُستجاب فيه الدعاء.
فإن قلتَ: كيف جاز أن تكون الصلاة على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- واحدة وعلى المصلي عشرًا؟
قلتُ: الوحدة قيد فعل المصلي، وهو التصلية لا الصلاة نفسها؛ فإنه لم يقل: اللهم صل عليه صلاة واحدة، بل دعا اللَّه وسأل منه أن يصلي عليه، ولعله سبحانه يصلي على حبيبه أكثر، وأكثر مما يشاء المصلي، ويجد جزاءه عشرًا بحُكم: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} الأنعام: 160، فافهم، أو تكون الصلاة الواحدة النازلة من جناب القدس على الحبيب المصطفى أفضل وأكمل وأتم من العشر الصلوات التي تصل إلى المصلي بمراتب لا تعدّ ولا تحصى. لمعات التنقيح (2/ 417- 418).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
وفي كشف الأسرار لابن العماد: إنما تكون الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- طاعة إذا قصد بها التحية والقُربة. أما إذا اتخذها عادة، كالبائع الذي يقولها على معاشه، فإنه لا يُثاب عليها؛ لأنه يقولها للتّعجب من حُسن بضاعته، ترويجًا لها.الفتوحات الربانية(6/٣١٨).
قوله: «ثم سلوا الله لي الوسيلة»:
قال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «الوسيلة» هي ما يتقرب به إلى الكبير، يقال: توسلتُ، أي: تقربتُ، وتطلق على المنزلة العلية، ووقع ذلك في حديث عبد الله بن عمرو عند مسلم بلفظ: «فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله» الحديث، ونحوه للبزار عن أبي هريرة، ويمكن ردها إلى الأول، بأن الواصل إلى تلك المنزلة قريب من الله، فتكون كالقربة التي يتوسل بها. فتح الباري (2/ 95).
قال المظهري -رحمه الله-:
«سلوا الله» أي: اطلبوا من الله «لي الوسيلة»، وكيف يسأل أحدكم الوسيلة؟ يسأل كما قال -عليه السلام- في قوله: «اللهم رب هذه الدعوة». المفاتيح في شرح المصابيح (2/ 48).
قال النووي -رحمه الله-:
ثم يسأل الله تعالى الوسيلة فيقول: «اللهم ربَّ هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت سيدنا محمدًا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته». المجموع (3/ 116).
وقال البرماوي -رحمه الله-:
«الوسيلة» أصلها ما يُتوسَّل به ويُتقرب، والمراد هنا ما فسرها به النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله كما في مسلم: «ثم سلوا الله لي الوسيلة؛ فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو». اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح (3/ 453).
وقال البيضاوي -رحمه الله-:
وإنما سميت وسيلة لأنها منزلة يكون الواصل إليها قريبًا من الله تعالى فائزًا بلقائه، فيكون كالوصلة التي يتوسل بالوصول إليه والحصول فيها إلى الزلفى من الله -عز وجل-، والانخراط في عُمَّار الملأ الأعلى، أو: لأنها منزلة سَنِيَّة، ومرتبة علية يتوسل الناس بمن اختص بها ونزل فيها إلى الله تعالى وشفيعًا مشفعًا يخلِّصهم من أليم عقابه. تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة (1/ 249- 250).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«ثم سلوا الله لي الوسيلة» في الإتيان بـ«ثم» رمز إلى استحباب تصدير الدعاء بالثناء على الله تعالى والصلاة والسلام على رسول الله، وإن كان الدعاء لرسول الله. دليل الفالحين (6/ 526).
وقال العيني -رحمه الله-:
«ثم سلوا الله لي الوسيلة» ففي هذا: إن ذلك إنما يقال عند فراغ الأذان. عمدة القاري (5/ 122).
وقال التوربشتي -رحمه الله-:
الوسيلة: ما يُتقرب به إلى الغير؛ يقال: وَسَّلَ فلان إلى ربه وسيلة، وتوصَّل إليه بوسيلة: إذا تقرب إليه بعمل، والمراد بها في الحديث: منزلة في الجنة مفسَّرة بقوله -صلى الله عليه وسلم-: «ثم سلوا الله لي الوسيلة؛ فإنها منزلة في الجنة».
وإنما سميت وسيلة؛ لأن خصيصي( ) القُربة أفضت به إلى تلك المنزلة؛ ولما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- في مقام القُربة وحال التوسل إلى الله؛ بحيث لا يناهضه أحد خُص في الجنة بمنزلة لا يناصبه فيها أحد. الميسر في شرح مصابيح السنة (1/ 195).
وقال ابن تيمية -رحمه الله-:
فقد أخبر أن الوَسِيلَة التي لا تصلح الا لعبد واحد من عباد الله وَرَجا أن يكون هو ذلك العبد هي درجة في الجنة، فهل بقي بعد الوسيلة شيء أعلى منها يكون خارجًا عن الجنة يصلح للمخلوقين؟ الاستقامة(2/ 112).
قوله: «فإنها منزلة في الجنة»:
قال النعماني -رحمه الله-:
«فإنها منزلة في الجنة» فالمنزل والمنزلة واحد وهي المنهل والدار. مزيد فتح الباري بشرح البخاري (ص: 146).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«فإنها» أي: الوسيلة «منزلة في الجنة» أي: من منازلها، وهي أعلاها وأغلاها على الإطلاق كما في حديث آخر. مرقاة المفاتيح (2/ 559).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
والمراد بـ«المنزلة في الجنة» المنزلة عند اللَّه تعالى، وإنما قال: «في الجنة» لأن أثرها يظهر في مراتب الجنة ودرجاتها، فافهم. لمعات التنقيح (2/ 419).
قوله: «لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله»:
قال المظهري -رحمه الله-:
قوله: «لا تنبغي» أي: لا تُسْتَحَق. المفاتيح في شرح المصابيح (2/ 48).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«لا تنبغي» أي: لا تتيسر ولا تحصل ولا تليق «إلا لعبد» أي: واحد، وفي رواية: «إلا لعبد مؤمن»، «من عباد الله» أي: جميعهم. مرقاة المفاتيح (2/ 559).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي» أي: لا يليق إعطاؤها «إلا لعبد» أي: عظيم كما يفيده التنكير «من عباد الله» الذين هم أصفياؤه وخُلاصة خواص خَلْقه. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 109).
قوله: «وأرجو أن أكون أنا هو»:
قال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
وقوله: «وأرجو» تواضع وتأدب منه -صلى اللَّه عليه وسلم- للحضرة الإلهية، كقول الخليل -عليه الصلاة والسلام-: {أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي} الشعراء: 82، بل يحتمل أن يكون ذلك تيقنًا بالوقوع؛ لأن رجاء الحبيب لا يخيب.
وقوله: «أكون أنا هو» من إقامة الضمير المرفوع مقام المنصوب، والضمائر يُستعار بعضها لبعض كقولهم: ما أنا كأنت، ويحتمل أن يكون الجملة خبرًا لـ«أكون». لمعات التنقيح (2/ 419).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«أن أكون أنا هو» أي: أنا ذلك العبد، وذكره على طريق الترجي تأدبًا وتشريعًا؛ لأنه إذا كان أفضل الأنام فلمن يكون ذلك المقام؟ فيض القدير (1/ 384).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«وأرجو» قاله تواضعًا؛ لأنه إذا كان أفضل الأنام، فلمن يكون ذلك المقام غير ذلك الهمام -عليه السلام-. مرقاة المفاتيح (2/ 559).
وقال الفيومي -رحمه الله-:
ويحتمل أن يكون إذ ذاك لم يقطع بذلك لنفسه. فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب(2/ 607).
قوله: «فمن سأل لي الوسيلة»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«فمن سأل لي» أي: لأجلي. مرقاة المفاتيح (2/ 559).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«فمن سأل» الله «لي» من أُمَّتي «الوسيلة» أي: طلبها لي منه. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 108).
قوله: «حَلَّتْ له الشفاعة»:
قال النووي -حمه الله-:
وقوله -صلى الله عليه وسلم-: «حَلَّتْ له الشفاعة» أي: وجَبَتْ، وقيل: نالَتْهُ. شرح صحيح مسلم(4/ 86 - 87).
وقال المظهري -رحمه الله-:
«حَلَّتْ عليه الشفاعة» أي: نزلت عليه شفاعتي؛ أي: استحق أن أَشْفَعَ له جزاء دعائه. المفاتيح في شرح المصابيح (2/ 48).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
«حَلَّتْ عليه شفاعتي» يعني: غفران الذنوب، وتحل عليه الشفاعة بالإيمان بها والتصديق بمقتضاها وتأكيد السؤال بها، ومع هذا بخلوص التوحيد يدخل الجنة. المسالك في شرح موطأ مالك (2/ 326).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«حلت عليه الشفاعة» أي: وجبت وجوبًا واقعًا عليه، أو نالته ونزلت به سواء كان صالحًا أو طالحًا، فالشفاعة تكون لزيادة الثواب وإسقاط العقاب، ففيه حجة على المعتزلة حيث خصوها بالصالح؛ لزيادة الثواب. فيض القدير(1/ 384).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«حلت عليه الشفاعة» أي: صارت حلالًا له غير حرام. مرقاة المفاتيح (2/ 559).
وقال الفيومي -رحمه الله-:
وقوله -صلى الله عليه وسلم-: «حَلَّتْ» من حَلَّ يحِل بالكسر أي: وَجَبَ، حَلَّ يحُل بالضم أي: نزل، وكأنها لزمته ولم تنفصل عنه، ويؤيده التعدية بـ(على)، وسبب ذلك الإيمان بها والتصديق بمقتضاها وتأكيده بالسؤال لها والله أعلم. فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب (2/ 608).
وقال ابن تيمية -رحمه الله-:
«فمن سأل الله لي الوسيلة حلت عليه شفاعتي يوم القيامة» مع أن طلبه من أمته الدعاء ليس هو طلب حاجة من المخلوق بل هو تعليم لأُمَّته ما ينتفعون به في دينهم، وبسبب ذلك التعليم والعمل بما علمهم يعظِّم الله أجره: فإنا إذا صلينا عليه مرة صلى الله علينا عشرًا، وإذا سألنا الله له الوسيلة حَلَّتْ علينا شفاعته يوم القيامة، وكل ثواب يحصل لنا على أعمالنا فله مثل أجرنا من غير أن ينقص من أجرنا شيء. مجموع الفتاوى (1/ 327).
وقال ابن تيمية -رحمه الله- أيضًا:
وقد يقال في هذا: هو طلب من الأُمَّة الدعاء له؛ لأنهم إذا دعوا له حصل لهم من الأجر أكثر مما لو كان الدعاء لأنفسهم كما قال للذي قال: أجعل صلاتي كلها عليك؟ فقال: «إذًا يكفيك الله ما أهمك من أمر دنياك وآخرتك»، فطلبه منهم الدعاء له لمصلحتهم كسائر أمره إياهم بما أمر به؛ وذلك لما في ذلك من المصلحة لهم فإنه قد صح عنه أنه قال: «ما من رجل يدعو لأخيه بظهر الغيب بدعوة: إلا وكل الله به ملكًا كلما دعا دعوة قال الملك الموكل به: آمين ولك مثله». مجموع الفتاوى (1/ 79).
وقال ابن تيمية -رحمه الله- أيضًا:
وسؤال الأمة له الوسيلة هو دعاء له وهو معنى الشفاعة؛ ولهذا كان الجزاء من جنس العمل، فمن صلى عليه صلى عليه الله، ومن سأل الله له الوسيلة المتضمنة لشفاعته شفع له -صلى الله عليه وسلم-. مجموع الفتاوى (1/ 276).
وقال الفيومي -رحمه الله-:
في هذا الحديث: إثبات الشفاعة للأُمَّة صالحًا وطالحًا لزيادة الثواب أو إسقاط العذاب. فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب (2/ 608).
وقال ابن تيمية -رحمه الله-:
يشرع للمسلم أن يطلب الدعاء ممن هو فوقه وممن هو دونه، فقد روي طلب الدعاء من الأعلى والأدنى؛ فإن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- ودَّعَ عمر إلى العمرة وقال: «لا تَنْسَنَا من دعائك يا أخي»، لكن -صلى الله عليه وآله وسلم- لما أمرنا بالصلاة عليه وطلب الوسيلة له ذكر أن من صلى عليه مرة صلى الله بها عليه عشرًا، وأن من سأل له الوسيلة حلَّت له شفاعته يوم القيامة؛ فكان طلبه منا لمنفعتنا في ذلك، وفَرْقٌ بين من طلب من غيره شيئًا لمنفعة المطلوب منه ومن يسأل غيره لحاجته إليه فقط. مجموع الفتاوى (27/ 69).
وقال ابن تيمية -رحمه الله- أيضًا:
وهذا الذكر (إجابة المؤذن) مستحبٌّ استحبابًا مؤكَّدًا؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمرَ به، وأقلُّ أحوال الأمر الاستحبابُ، حتى إنه إذا سمعه لم يشتغل عنه بصلاة نافلة، من تحية مسجد ولا سنَّة راتبة ولا غيرها، بل إذا دخل المسجد وسمع المؤذِّن بدأ بإجابته قبل التحية. شرح عمدة الفقه (2/ 121).
وللاستفادة من الروايات الأخرى ينظر (هنا) و (هنا) و (هنا)