الأحد 21 شوّال 1446 هـ | 20-04-2025 م

A a

«إنَّ اللهَ -عز ‌وجل- ‌يُبَاهِي ‌ملائكتَهُ ‌عَشِيَّةَ عَرَفَةَ بأهلِ عرفةَ، فيقولُ: انظرُوا إلى عبادِي أتَوْنِي شُعْثًا غُبْرًا».


رواه أحمد برقم: (7089)، والطبراني في الأوسط برقم: (8218)، والصغير برقم: (575)، من حديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما-.
صحيح الجامع برقم: (1868)، صحيح الترغيب والترهيب برقم: (1153).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«يُبَاهِي»:
أي: يُفاخِر. فتح الباري، لابن حجر (1/ 90).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
المُباهاة: المُفاخرة، وقد باهى به يباهي مباهاة.النهاية(1/١٦٩).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
«ثم يباهي بهم الملائكة» أي: يُثني عليهم عندهم، ويُعظِّمهم بحضرتهم. المفهم (3/ 461).

«شُعْثًا»:
بضم فسكون جمع أَشْعَث. حاشية السندي على مسند أحمد (2/321).
وقال ابن منظور -رحمه الله-:
الشَّعِثُ: الْمُغْبَرُّ الرأس، الْمُنْتَتِف الشَّعر، الجافُّ الذي لم يدهن. لسان العرب (2/ 160).
وقال المنذري -رحمه الله-:
الشَّعِث: بكسر العين: هو البعيد العهد بتسريح شَعره وغسله. الترغيب والترهيب (2/ 118).

«غُبْرًا»:
بضم فسكون، جمْع أَغْبَر. حاشية السندي على مسند أحمد(2/321).
وقال المظهري -رحمه الله-:
الأغبر: هو الذي التصق الغبار بأعضائه. المفاتيح (3/ 303).


شرح الحديث


قوله: «إنَّ الله -عز ‌وجل- ‌يُبَاهِي ‌ملائكتهُ ‌عَشِيَّةَ عرفة بأهلِ عرفةَ»:
قال العزيزي -رحمه الله-:
«إن الله تعالى ‌يباهى ‌ملائكته ‌عشية عرفة بأهل عرفة» أي: الواقفين بها، أي: يُظهر لهم فضلهم. السراج المنير (1/ 396).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«فيُباهي بهم» أي: بالواقفين بعرفة «الملائكة» أي: ملائكة سماء الدنيا، أو الملائكة المقربين، أو جميع الملائكة. مرقاة المفاتيح (5/ 1804).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«إنَّ الله ‌يباهي ‌ملائكته ‌عشية عرفة» من بعد الزوال إلى فجر النحر، وهو تاسع ذي الحجة، وإنما قلنا: إلى فجر النحر؛ لقوله: «بأهل عرفة». التنوير (3/ 366).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
قوله: «يباهي» أي: يُثني عليهم عندهم ويعظِّمهم بحضرتهم...، وكأنَّ هذا -والله أعلم- تذكير للملائكة بقول: {أَتَجْعَلُ ‌فِيهَا ‌مَنْ ‌يُفْسِدُ ‌فِيهَا} البقرة: 30، وإظهار لتحقيق قوله تعالى: {إِنِّي أَعْلَمُ} البقرة: 30. المفهم (3/ 461).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«يباهي» الله -سبحانه وتعالى- أي: يُفاخِر «بهم» أي: بأهل الموقف «الملائكة» الكرام مباهاة تليق به، نُثبتها ونعتقدها، لا نكيِّفها ولا نُمثِّلها، ولا نُؤَوِّلها...، وهذا هو مذهب السلف الأسلم الأعلم الذي نلقى عليه الرب -جل جلاله-. الكوكب الوهاج (15/ 45- 46).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
هذا يدل على أنهم مغفور لهم؛ لأنه لا يباهي بأهل الخطايا والذنوب إلا مِن بعد التوبة والغفران، والله أعلم. التمهيد (1/ 293).
وقال الشيخ ابن باز -رحمه الله-:
فهو يوم عظيم، يباهي الله فيه ملائكته بالحجيج، ويدنو منهم كما يشاء -سبحانه وتعالى- دنوًا يليق بجلاله، لا يَعلم كيفيته إلا هو -سبحانه وتعالى-، ويَعتق العتقاء الكثير من النار في هذا اليوم العظيم، فينبغي لك يا عبد الله أن تجتهد في الضراعة إلى الله، واستغفاره، وسؤاله القبول، وسؤاله العتق من النار في هذا اليوم العظيم. فتاوى نور على الدرب (17/ 334).
وقال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
يوم عرفة يوم يجتمع فيه الحُجَّاج ‌شُعثًا ‌غُبرًا، يرجون رحمة الله، ويخافون عذابه، تركوا أموالهم وأولادهم، وما خوَّلهم الله وراء ظهورهم، ورفعوا أكفهم ضارعة إلى ربهم، يُباهي بهم ملائكته، يقول: ما يريد هؤلاء بوقوفهم هنا هكذا؟ يقولون: يطيعونك ويعبدونك ويرجونك، فيقول: هل رأوني؟ فيقولون: لا، فيقول: يعبدونني هكذا ولم يروني، فكيف إذا رأوني؟ أشهدكم يا ملائكتي أني غفرتُ لهم. فتح المنعم (5/ 408).
وقال ابن تيمية -رحمه الله-:
فإنه من المعلوم أنَّ الحجيج عشية عرفة ينزل على قلوبهم من الإيمان والرحمة والنور والبركة ما لا يمكن التعبير عنه. مجموع الفتاوى (5/ 374).

قوله: «فيقولُ: انظرُوا إلى عبادِي أتَوْنِي شُعْثًا غُبْرًا»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«فيقول: انظروا» أي: نَظَرَ اعتبار وإنصاف، «إلى عبادي» الإضافة للتشريف، «أتوني» أي: جاؤوا مكان أمري «شُعْثًا» جمع أَشْعَث: وهو المتفرِّق من الشَّعر «غُبرًا» جمع أَغْبَر، وهو الذي التصق الغبار بأعضائه، وهما حالان. مرقاة المفاتيح (5/ 1804).
وقال النسفي -رحمه الله-:
«شعثًا غبرًا» جمع أشعث أغبر، والأشعث: متغيِّر شعر الرأس، والأغبر: مغبرُّ الوجه وغيره. طلبة الطلبة (ص: 31).
وقال المظهري -رحمه الله-:
الشُّعْثُ: جمع أشعث، وهو متفرِّق شعر الرأس من عدم غسل الرأس، كما هو عادة الْمُحْرِمِين.
الغُبْرُ: جمع أَغْبَر، وهو الذي التصق الغبار بأعضائه، كما هو عادة المسافرين. المفاتيح (3/ 303).
وقال المناوي -رحمه الله-:
ثم بيَّن تلك المباهات بقوله: «يقول: انظروا إلى عبادي» أي: تأملوا حالهم وهيأتهم «أتوني» أي: جاؤوا إلى بيتي؛ إعظامًا لي، وتقرُّبًا لما يُقرِّبهم مني، «شُعثًا» أي: مُتغَيِّرين الأبدان والشعور والملابس؛ لقلة تعهدهم بالأدِّهان والإصلاح، والشَّعَثُ: الوَسَخ في بَدَن أو شَعْرٍ، «غُبرًا» أي: من غير استحداد ولا تنظُّف قد رَكِبَهم غبار الطريق.
قال في المطامح: وذا يقتضي الغفران، وعموم التكفير؛ لأنه لا يباهي بالحاج إلا وقد تطهر من كل ذنب؛ إذ لا تباهي الملائكة وهم مطهَّرون إلا بمطهر، فينتج أنَّ الحج يُكفِّر حق الحق، وحق الخَلْق حتى الكبائر والتَّبعات، ولا حَجْر على الله في فضله، ولا حق بالحقيقة لغيره. فيض القدير (2/ 279).
وقال العزيزي -رحمه الله-:
«يقول: انظروا إلى عبادي» أي: تأمَّلوا هيئاتهم «أتوني» أي: حلُّوا بيتي؛ اعظامًا لي، وتقرُّبًا لما يقربهم مني، «شُعثًا» أي: متغيري الأبدان والشعور والملابس، «غُبرًا» أي: غير مُتَنَظِّفين قد علاهم غبار الأرض. السراج المنير (1/ 396).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«يقول: انظروا عبادي أتوني شعثًا غبرًا» فإنه وقت وقوف وإتيان إلى عرفة على هذه الصفة. التنوير (3/ 366).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
وإنما كان الشعث محبوبًا إلى الله في هذا الموطن؛ لأنه ناشئ عن طاعة الله باجتناب محظورات الإحرام، وترك التَّرَفُّه. مجالس رمضان (ص: 9).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- أيضًا:
أشعث أغبر كأنه غير مَعْنِي بنفسه، كأن أهم شيء عنده أن يلتجئ إلى الله ويدعوه على أي حال كان هو، سواء كان أشعث أغبر أم مُترفًا، والشَّعَث والغَبَر له أثر في الإجابة، كما في الحديث الذي روي عن النبي -صلى اللَّهُ عليه وسلم- أنَّ الله تعالى ينزل إلى السماء الدنيا عشية عرفة يباهي الملائكة بالواقفين فيها يقول: «أتوني ‌شعثًا ‌غبرًا ضاحين من كل فج عميق». مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (1/ 95).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- أيضًا:
هل يُشترط أن يكون الإنسان فيه (أي: الحج) أشعث أغبر؟
لا يشترط، ولكن هل يشترط ألا يزيل الإنسان عنه الشعث والغبر؛ لأن بين هذين فرقًا؟ ليس بشرط؛ ولهذا ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- «أنه كان يغتسل وهو محْرِم»، ومعلوم أنه لم يغتسل من جنابة، وهذا يدل على أنه ليس من شرط المبرور أن يكون الإنسان أشعث أغبر، وأن الإنسان لو تنظف فلا حرج عليه.. فتح ذي الجلال والإكرام (3/ 323).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
قال المهلب: أجمع المسلمون أنَّ المحْرِم لا يلبس إلا الأُزُر والأَرْدِية، وما ليس بمخيط؛ لأن لبس المخيط من التَّرفُّه، فأراد الله -عز وجل- أن يأتوه ‌شعثًا ‌غبرًا آثار الذلة والخشوع، فلذلك نهى -عليه السلام- المحْرِم أن يلبس ثوبًا مصبوغًا بِوَرْسٍ أو زعفران؛ لأن ذلك طِيب، ولا خلاف بين العلماء أن لبس المحرم ذلك لا يجوز. شرح صحيح البخاري (4/ 216).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
«أتوني ‌شعثًا ‌غبرًا» فهذا باعتبار الحال، لكن هل يشرع للحاج أن يتقصد ذلك؟
لا يشرع، وإلا لقلنا: امش في الغبار أو الأشياء التي يكون فيها الإنسان أشد شعثًا وغبرةً، وهذه المسألة ينبغي لطالب العلم أن يتفطَّن لها، فمثلًا قول النبي -عليه الصلاة والسلام- في الرباط: «إنه إسباغ الوضوء على المكاره» هل نقول: يُسن للإنسان أن يتوضأ بالماء البارد وعنده ماءٌ ساخن؟ لا، لكن إذا لم يكن عنده إلا الماء البارد، وأسبغ الوضوء في هذه الحال دخل في الرباط، كذلك مسألة الحاج، فالحاج مشغول بنُسُكِه، فإذا كان أشعث أغبر من أجل السفر وسير الإبل والغبار، وما أشبه ذلك، فإنه لا يقال: إنه لا ينبغي إزالة ذلك، وهو يشبه أيضًا كراهة بعض العلماء التسوك للصائم آخر النهار؛ لئلا يزيل الرائحة، فمثل هذه المسائل ينبغي أن يقال: إن جاءت بلا قصد فلا بأس بها، وأما أن يتقصدها الإنسان فلا، ومثل ذلك أيضًا إذا كان للإنسان بيتان أحدهما قريب من المسجد والآخر بعيد، لا نقول: اذهب إلى البعيد؛ من أجل أن تأتي إلى المسجد بخطوات أكثر، أو إذا كان هناك طريقان أحدهما بعيد، والثاني قريب، نقول: الأفضل أن تقصد البعيد، أو يقال أيضًا: الأفضل أن تُقارب الخطى، كل هذه من الأمور التي فيها نظر. التعليقات على الكافي (3/ 422).
وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-:
حجة مَن منع الادَّهان بغير الطيب؛ لأنه يزيل الشَّعَث: الحديث الذي فيه «انظروا إلى عبادي جاؤوا ‌شعثًا ‌غبرًا» وهو مشهور، وفيه دليل على أنه لا ينبغي إزالة الشعث ولا التنظيف، واللَّه أعلم. أضواء البيان (5/ 473).
وقال المناوي -رحمه الله-:
فيه: أفضلية عرفة حتى على النحر، وهو ما عليه الأكثر، فلو قال: أنتِ طالق في أفضل الأيام لم تطلق إلا يومه. فيض القدير (2/ 279).

وللاستفادة من الرواية الأخرى ينظر (هنا)


ابلاغ عن خطا