الأربعاء 26 رمضان 1446 هـ | 26-03-2025 م

A a

«ألا أُخبرُكَ بأحبِّ الكَلامِ إلى اللهِ؟» قلتُ: يا رسولَ اللهِ، أخبرني بأحبِّ الكلامِ إلى اللهِ، فقال: «إنَّ أحبَّ الكلامِ إلى اللهِ: سبحانَ اللهِ وبحمدِهِ».


رواه مسلم برقم: (2731)، من حديث أبي ذر -رضي الله عنه-.


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«سبحان الله»:
التَّسْبِيحِ: ‌التَّنْزِيهُ ‌عمَّا لا يَلِيقُ به سبحانه وتعالى من الشريك والوَلد والصّاحبة والنّقائص مطلقًا.شرح صحيح مسلم، للنووي(17/١٨).
وقال أبو بكر الأنباري -رحمه الله-:
معنى سبحانك: تنزيهًا لك يا ربنا ‌من ‌الأولاد ‌والصاحبة والشركاء، أي: نزَّهْنَاك. الزاهر في معاني كلمات الناس (1/ 49).

«وبِحَمْدِهِ»:
أي: أُسَبِّحُهُ حامدًا له. التيسير بشرح الجامع الصغير (1/ 202).
وقال ابن الجوزي -رحمه الله-:
أي: وبِحَمْدِهِ نبتدئ ونفتتح، فحُذِفَ الفعل لدلالة المعنى عليه، كما قال -عز وجل-: {‌فَأَجمِعُواْ ‌أَمرَكُم ‌وَشُرَكَاءَكُم} يونس: 71، معناه: وادْعُوا شركاءكم. كشف المشكل، لابن الجوزي (1/ 370).


شرح الحديث


قوله: «ألا أُخبرُكَ بأحبِّ الكَلامِ إلى اللهِ؟ قلتُ: يا رسولَ اللهِ، أخبرني بأحبِّ الكلامِ إلى اللهِ»:
قال محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أَلَا أُخْبِرُك بأحب الكلام؟» وأكثره أجرًا «إلى الله» أي: عند الله تعالى، و«أَلَا» هنا للعَرض لدخولها على الجملة الفعلية. الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم (25/ 149).

قوله: «أَحَبُّ الكلام إلى الله؟»
قال ابن هبيرة -رحمه الله-:
وإنما التسبيح أحبُّ الكلام ‌إلى ‌الله -عز وجل-؛ لأن معنى التسبيح: التنزيهُ له عن كل ما لا يجوز عليه من الْمِثْلِ والشَّبَه والنَّقْص، وكل ما أَلْحَدَ فيه الملحدون من أسمائه. الإفصاح عن معاني الصحاح (2/ 194).
وقال النووي -رحمه الله-:‌
وفي ‌رواية: «‌أَفْضَلُ...» ‌هذا ‌محمول ‌على ‌كلام ‌الآدمي، ‌وإلا ‌فالقرآن ‌أفضل، ‌وكذا ‌قراءة ‌القرآن ‌أفضل ‌من ‌التسبيح ‌والتهليل ‌المطلق، ‌فأما ‌المأثور ‌في ‌وقتٍ ‌أو ‌حالٍ ‌ونحو ‌ذلك ‌فالاشتغال ‌به ‌أفضل، ‌والله ‌أعلم. شرح النووي على مسلم (17/ 49).
وقال الفيومي-رحمه الله-:
الظاهر أن المراد ‌بأحبِّ ‌الكلام من كلام البشر؛ وإنما كان أحبَّ لما فيه من تنزيهٍ للّه تعالى عما يُوجِبُ نقصًا، والثناء عليه. فتح القريب المجيب (7/ 341).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
«أحبُّ الْكَلَام إِلَى الله: سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ» أي: بعد لا إله إلا الله، كما قالوه. الفتاوى الحديثية (ص80).
وقال الشيخ عبد العزيز الراجحي -حفظه الله-:
المراد: أَحَبّ كلام الناس ‌إلى ‌الله، وأما على الإطلاق فكلام الله -عز وجل- أَحَبُّ الكلام ‌إلى ‌الله، فقراءة القرآن أفضل من التسبيح والتحميد، إلا الذِّكْر المقيد كأذكار الصباح والمساء، فيُؤتَى بها في وقتها؛ لأنها تَفُوتُ بِفَوات وقتها.
والقاعدة: أن الذِّكر إذا كان مُقَيَّدًا بوقتٍ أو بحالٍ فإنه مقدَّم على قراءة القرآن؛ لأن الذِّكْر المؤقَّت يفوت بفوات وقته. توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (7/ 563).

قوله: «سبحان الله»:
قال القاضي عياض -رحمه الله-:
ويقال: إن التسبيح مأخوذ من قولهم: سبَح الرَّجُل في الأرض إذا ذهب فيها، ومنه قيل للفَرَس الجَوَاد: سابِحٌ، قال الله: {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُون} يس:40 فكان التسبيح على هذا المعنى بمعنى التَّعَجُّب، من المبالغة في الجلال والعظمة والبُعد عن النقائص، قال الأعشى:
سبحان مِنْ علقمة الفاخِرِ
أي: تَعَجُّبًا مِن فَخْرِهِ، وقد يكون على هذا جَمْع سِباحٍ، كحِسَابٍ وحُسْبَان، يقال: سَبَح يسْبَح سَبْحًا وسِباحًا، أو جَمْع سَبِيح؛ للمبالغة من التسبيح، مثل خبير وعليم، ويُجْمَع سُبْحَان، كقضيب وقُضْبَان. إكمال المعلم (2/ 398).
وقال السندي -رحمه الله-:
حقيقة التسبيح هو: التنزيه عما لا يليق بجلاله وكبريائه من الشريك والولد وغيرهما كُلِّيَّة، فصار التسبيح مُؤَدِّيًا للتوحيد بأتم وجهٍ وآكده. حاشية السندي على صحيح البخاري (4/ 149).

قوله: «وبِحَمْدِهِ»:
قال ابن هبيرة -رحمه الله-:
وقول القائل: «بِحَمْدِهِ» اعتراف بأن ذلك التسبيح إنما كان بِحَمْدِهِ سبحانه، فله المنَّة فيه، ويجوز أن المعنى: وبحمده سبَّحْنَاهُ. الإفصاح عن معاني الصحاح (2/ 194).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
هذا الحديث يعارضه قوله في حديث أبي هريرة المتقدِّم في فضل التهليل: «ولم يأتِ أحدٌ بأفضل مما جاء به، إلا أحدٌ عَمِلَ أكثر من ذلك»، وقوله: «أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله»، وقد تقدَّم في حديث سمرة بن جندب -رضي الله عنه- قوله -صلى الله عليه وسلم-: «أَحَبُّ الكلام إلى الله أربع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، لا يضرك بأيّهن بَدَأْتَ»، فقد مضى هذا الحديث بأن الأربعة متساوية في الأفضلية والأَحَبِّيَّة من غير مراعاة تقديم بعضها على بعض، ولا تأخيره، وأن التسبيح وحده لا ينفرد بالأفضلية، ولا التهليل وحده أيضًا ينفرد بها، وإذا ثبت ذلك فحيث أُطْلِقَ أن أحد هذه الأذكار الأربعة أفضلُ الكلام أو أَحَبُّه؛ إنما يراد إذا انْضَمَّت إلى أخواتها الثلاث المذكورة في هذا الحديث، إما مجموعة في اللفظ، أو في القلب بالذِّكْر؛ لأنَّ اللفظ إذا دل على واحد منها بالمطابقة دل على سائرها باللزوم، وبيان ذلك: أن معنى: (سبحان الله): البراءة له من كل النقائص، والتنزيه عما لا يليق بجلاله، ومِن جملتها: تنزيهه عن الشركاء والأنداد، وهذا معنى (لا إله إلا الله)، هذا مدلول اللفظ من جهة مطابقته، ولَمَّا وَجَبَ تنزيهُهُ عن صفات النقص لَزِمَ اتصافه بصفات الكمال؛ إذ لا واسطة بينهما، وهي المعبَّر عنها بـ(الحمد لله)، ثم لما تنَزَّهَ عن صفات النقص واتصف بصفات الكمال؛ وجبت له العظمة والجلال. المفهم (7/ 59).
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
والأحاديث في فضل هذه الكلمة على انفرادها، وفضلِها وعظيمِ أجرهِا مع غيرها من التوحيد والتكبيرِ والتحميدِ متواترةٌ معروفةٌ. الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (12/ 5903).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «وبِحَمْدِهِ» قيل: الواو للحال، والتقدير: أُسبِّح الله مُتَلبِّسًا بحَمْدِي له؛ من أجل توفيقه، وقيل: عاطِفة، والتقدير: أُسبِّح الله وأَتَلَبَّسُ بحمده، ويحتمل أن يكون الحمد مضافًا للفاعل، والمراد من الحمد لَازِمُه، أو ما يوجب الحمد من التوفيق ونحوه، ويحتمل أن تكون الباء متعلقة بمحذوف متقدِّم، والتقدير: وأُثْنِي عليه بحمده، فيكون «سبحان الله» جملة مستقلة، «وبحمده» جملة أخرى. فتح الباري (13/ 541).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
وقدَّم التسبيح؛ لأنه من باب التَّخْلِيَةِ بالمعجمة، والحَمْدَ من باب التَّحْلِيَةِ بالمهملة. دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (7/ 205).
وقال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
الباء في قوله: «بحمده» للمُلابَسَة، والحمد مضاف للمفعول، أي: مُتَلبِّسًا بحَمْدِي له، كما تقرر، وقيل: للاستعانة، والحمد مضاف للفاعل، أي: أُسَبِّحُه بحمده؛ إذ ليس كل تنزيهٍ محمودًا، ألا ترى أن تسبيح المعتزلة اقتضى تعطيل كثير من الصفات؟ وقيل: للسببية، أي: أُسبِّح الله، وأثني عليه بحمده. المنهل الحديث في شرح الحديث (4/ 274).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
الباء فيه للمقارنة، والواو زائدة؛ أي: أسبِّحه تسبيحًا مقترنًا بحمده، أو معناه: أَبْتَدِئُ بحمده. شرح المصابيح (3/ 117).
وقال الشيخ عبد القادر شيبة الحمد -رحمه الله-:
ما يفيده الحديث:
1. أن هذه الصيغة من صيغ ذِكْرِ اللَّه هي أحب صيغ الذكر عند اللَّه -عزَّ وجلَّ-.
2. أن بعض صيغ الذِّكْرِ أحب إلى اللَّه من بعض الصيغ الأخرى. فقه الإسلام شرح بلوغ المرام (10/ 331).

وللاستفادة من الرواية الأخرى ينظر (هنا


ابلاغ عن خطا