«والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن. قيل: ومَن يا رسول الله؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه».
رواه البخاري برقم: (6016)، واللفظ له، من حديث أبي شريح -رضي الله عنه-.
وزاد أحمد برقم: (27162) قيل: وما بوائقه؟ قال: «شَرّهُ».
ورواه مسلم برقم: (46)، بلفظ: «لا يدخل الجنة من لا يَأْمَنُ جاره بَوَائِقَهُ»، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«لا يؤمن»:
أي: لا يتم إيمانه ولا يكمل، وقد تكون هذه الأحاديث إنْ حُملت على ظاهرها خصوصًا فيمن جاور المسلمين من المنافقين. إكمال المعلم (1/ 283).
«لا يأمن»:
هو من الأمان، والأمن ضد الخوف. النهاية، لابن الأثير (1/ 69).
«جاره»:
المجاور والذي أجَرْتَهُ من أن يُظْلَمَ...، والشَّريكُ في التِّجارَةِ، وزَوجُ المرأةِ، وهي جارَتُهُ...، وما قرُب من المنازل. القاموس المحيط، للفيروز آبادي (ص:368).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
الجارُ هنا: يصلُحُ للمجاوِرِ لك في مسكنك، ويصلُحُ للداخل في جوارك وحُرمتك؛ إذ كلُّ واحد منهما يجبُ الوفاءُ بحقه، وتحرمُ أَذِيَّتُهُ تحريمًا أشدَّ من تحريم أذى المسلمين مطلقًا. المفهم (1/ 228).
«بوائقه»:
أي: غوائله وشروره، واحدها بائقة، وهي الداهية. النهاية في غريب الحديث، لابن الأثير(1/ 162).
وقال النووي -رحمه الله-:
البوائق جمع بائقة، وهي الغائلة، والداهية، والفَتك. شرح مسلم (2/ 17).
شرح الحديث
قوله: «والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«والله» قسم، خبره «لا يؤمن» أي: إيمانًا كاملًا أو إيمانًا مطابقًا لمبناه ومعناه: «والله لا يؤمن، والله لا يؤمن» كرره ثلاثًا للتأكيد، وهو بلا عاطفة للتأكيد. مرقاة المفاتيح (7/ 3109).
وقال العيني -رحمه الله-:
والمراد به كمال الإيمان، ولا شك أنه معصية، والعاصي لا يكون كامل الإيمان. عمدة القاري (22/ 109).
وقال النووي -رحمه الله-:
وفي معنى «لا يدخل الجنة» جوابان يجريان في كل ما أشبه هذا: أحدهما: أنه محمول على مَنْ يستحل الإيذاء مع عِلمه بتحريمه، فهذا كافر لا يدخلها أصلًا، والثاني: معناه: جزاؤه أن لا يدخلها وقت دخول الفائزين إذا فتحت أبوابها لهم بل يؤخر، ثم قد يجازى، وقد يعفى عنه فيدخلها أولًا، وإنما تأولنا هذين التأويلين؛ لأنا قدّمنا أن مذهب أهل الحق أن من مات على التوحيد مصرًّا على الكبائر فهو إلى الله تعالى إن شاء عفا عنه فأدخله الجنة أولًا، وإن شاء عاقبه ثم أدخله الجنة، والله أعلم. شرح صحيح مسلم(2/ 17).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
بالتكرار ثلاثًا أي: إيمانًا كاملًا، أو هو في حق المستحل، أو أنه لا يجازى مجازاة المؤمن فيدخل الجنة من أول وهلة مثلًا، أو أنه خرج مخرج الزجر والتغليظ...وفي تكرير القَسَمِ ثلاثًا تأكيد حق الجار. إرشاد الساري (9/ 24- 25).
قوله: «قيل: ومن يا رسول الله؟»:
قال العيني -رحمه الله-:
أي: ومَنْ الذي لا يؤمن؟ والواو فيه عطف على مقدر، أي: سمعنا قولك وما عرفنا من هو، وقيل: يجوز أن تكون زائدة أو استئنافية. عمدة القاري (22/ 109).
قوله: «قال: الذي لا يأمن جاره»:
قال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
فمن كان مع هذا التأكيد الشديد مضرًّا لجاره، كاشفًا لعوراته، حريصًا على إنزال البوائق به؛ كان ذلك منه دليلًا؛ إما على فساد اعتقاد ونفاق، فيكون كافرًا، ولا شك في أنه لا يدخل الجنة.
وإما على استهانة بما عظم الله تعالى من حرمة الجار، ومن تأكيد عهد الجوار، فيكون فاسقًا فسقًا عظيمًا، ومرتكب كبيرة، يخاف عليه من الإصرار عليها أن يختم عليه بالكفر؛ فإن المعاصي بريد الكفر، فيكون من الصنف الأول، وإن سلم من ذلك، ومات غير تائب، فأمره إلى الله تعالى، فإن عاقبه بدخول النار، لم يدخل الجنة حين يدخلها من لم يكن كذلك، أو لا يدخل الجنة المعدة لمن قام بحقوق جاره، وعلى هذا القانون ينبغي أن يحمل ما في هذا الباب مما قال فيه النبي -صلى الله عليه وسلم-: إن فاعله لا يدخل الجنة، مما ليس بشرك؛ للأدلة المتقدمة، ولما يأتي في أحاديث الشفاعة. المفهم (1/ 228).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
الجار: هو الملاصق لك في بيتك والقريب من ذلك، وقد وردت بعض الآثار بما يدل على أن الجار أربعون دارًا كُل جانب، ولا شك أن الملاصق للبيت جار، وأما ما وراء ذلك فإن صحت الأخبار بذلك عن النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فالحق ما جاءت به، وإلا فإنه يرجع في ذلك إلى العرف، فما عده الناس جوارًا فهو جوار...قال أهل العلم: والجيران ثلاثة:
1 ـ جار قريب مسلم؛ فله حق الجوار، والقرابة، والإسلام.
2 ـ وجار مسلم غير قريب؛ فله حق الجوار، والإسلام.
3 ـ وجار كافر؛ فله حق الجوار، وإن كان قريبًا فله حق القرابة أيضًا.
فهؤلاء الجيران لهم حقوق: حقوق واجبة، وحقوق يجب تركها ...وأما أحاديث أبي هريرة ففيها أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أقسم ثلاث مرات فقال: «والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن» قالوا: من يا رسول الله؟ قال: «من لا يأمن جاره بوائقه» يعني: غدره وخيانته وظلمه وعدوانه، فالذي لا يأمن جاره من ذلك ليس بمؤمن، وإذا كان يفعل ذلك ويوقعه فعلًا فهو أشد.
وفي هذا دليل على تحريم العدوان على الجار؛ سواء كان ذلك بالقول أو بالفعل، أما بالقول فأن يسمع منه ما يزعجه ويقلقه، كالذين يفتحون الراديو أو التلفزيون أو غيرهما مما يسمع فيزعج الجيران، فإن هذا لا يحل له، حتى لو فتحه على كتاب الله، وهو مما يزعج الجيران بصوته فإنه معتدٍ عليهم، ولا يحل له لك أن يفعل ذلك.
وأما بالفعل فيكون بإلقاء الكنَّاسة حول بابه، والتضييق عليه عند مداخل بابه، أو بالدَّق، أو ما أشبه ذلك مما يضره، ومن هذا أيضًا إذا كان له نخلة أو شجرة حول جدار جاره، فكان يسقيها حتى يؤذي جاره بهذا السقي، فإن ذلك من بوائق الجار لا يحل له. إذًا يحرم على الجار أن يؤذي جاره بأي شيء، فإن فعل فإنه ليس بمؤمن، والمعنى: أنه ليس متصفًا بصفات المؤمنين في هذه المسألة التي خالف بها الحق. شرح رياض الصالحين (3/ 176- 178).
وقال ابن رجب -رحمه الله-:
فأمّا أذى الجار فمحرم، فإن الأذى بغير حقٍّ محرم لكل أَحدٍّ، ولكن في حقِّ الجار هو أَشد تحريمًا.جامع العلوم والحكم(1/ 343).
وقال ابن حجر الهيتمي-رحمه الله-:
(الكبيرة العاشرة بعد المائتين إيذاء الجار ولو ذميًا)
إيذاء الجار ولو ذميًا كأن يُشرف على حرمِه أو يَبني ما يؤذيه مما لا يسوغ له شرعًا...
تنبيه: عَدُّ هذا كبيرة هو صريح ما في الأحاديث الكثيرة الصحيحة وبه صرح بعضهم، فإن قلت: إيذاء المسلم كبيرة مطلقًا فما وجه تخصيص الجار؟
قلت: كأن وجه التخصيص أنَّ إيذاء غير الجار لا بد فيه أنْ يكون له وقع بحيث لا يحتمل عادة بخلاف إيذاء الجار فإنه لا يشترط في كونه كبيرة أنْ يصدق عليه عرفًا أنه إيذاء.
ووجه الفرق بينهما ظاهر لما عُلم من هذه الأحاديث الصحيحة مِن تأكد حُرمة الجار والمبالغة في رعاية حقوقه.الزواجر عن اقتراف الكبائر(1/422 ـ ٤٢٧).
قوله: «بوائقه»:
قال ابن عبد البر -رحمه الله-:
(وفي رواية) قالوا: وما بوائقه؟ قال: «شَرُّه». التمهيد(13/ 172).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
بفتح التحتية من «يَأمن»، وفيه مع قوله: «لا يؤمن» بالضم جناس التحريف، والأول من الإيمان، والثاني من الأمان. إرشاد الساري (9/ 25).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
وذلك لأن كمال الإيمان هو العمل بالقرآن، ومن جملته قوله تعالى: {وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ} النساء: 36. مرقاة المفاتيح (7/ 3109).
وقال المناوي -رحمه الله-:
وذلك لأنه إذا كان مضرًّا لجاره كان كاشفًا لعورته، حريصًا على إنزال البوائق به، دل حاله على فساد عقيدته ونفاق طويته، أو على امتهانه ما عظم الله حرمته وأكد وصلته، فإصراره على هذه الكبيرة مظنة حلول الكفر به، فإن المعاصي بريده، ومَنْ خُتِمَ له بالكفر لا يدخلها، أو هو في المستحل، أو المراد الجنة المعدة لمن قام بحق جاره.
تتمة: قال ابن أبي جمرة: حفظ الجار من كمال الإيمان، وكان أهل الجاهلية يحافظون عليه، ويحصل امتثال الوصية به بإيصال ضروب الإحسان بقدر الطاقة كهدية وسلام وطلاقة وجه، وتفقد حال ومعاونة وغير ذلك، وكف أسباب الأذى الحسية والمعنوية عنه، وتتفاوت مراتب ذلك بالنسبة للجار الصالح وغيره. فيض القدير (6/ 448).
وقال الشيخ عبد الله البسام -رحمه الله-:
مذهب أهل السنة والجماعة، أن المسلم لا يخرج من دائرة الإسلام بمجرد فعل المعاصي وإن كبرت، كقتل النفس بغير حق.
ويوجد كثير من النصوص الصحيحة تفيد بظاهرها خروج المسلم من الإسلام لفعله بعض الكبائر... كحديث: «والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، من لا يأمن جاره بوائقه»... وغير هذا كثير.
وقد اختلف العلماء في المراد منها.
فمنهم من رأى السكوت عنها، وأن تمر كما جاءت؛ وذلك أنه يراد بها الزجر والتخويف، فتبقى على تهويلها وتخويفها، ومنهم من أوَّلَهَا.
وأحسن تأويلاتهم ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- من أن الإيمان نوعان:
أ- نوع يمنع من دخول النار.
ب- ونوع لا يمنع من الدخول، ولكن يمنع من الخلود فيها.
فمن كمل إيمانه وسار على طريق النبي -صلى الله عليه وسلم- وهديه الكامل، فهو الذي يمنعه إيمانه من دخول النار.
وقال -رحمه الله-: إنّ الأشياء لها شروط وموانع، فلا يتم الشيء إلا باجتماع شروطه وانتفاء موانعه.
مثال ذلك: إذا رُتِّبَ العذاب على عمل، كان ذلك العمل موجبًا لحصول العذاب ما لم يوجد مانع يمنع من حصوله، وأكبر الموانع وجود الإيمان، الذي يمنع من الخلود في النار. تيسير العلام شرح عمدة الأحكام (ص: 289- 290).
وقال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
إن الأمن على النفس والمال والعرض من نِعم الله الكبرى، وأقرب الناس تهديدًا لهذا الأمن هو الجار؛ لأن الحذر منه أصعب من الحذر من غيره، والضرر منه أشد خطرًا من الضرر من غيره، إنه يعرف كثيرًا من الخفايا، ويكشف كثيرًا من الأستار، ويطلع على كثير من العيوب، إنه أعلم بمواطن الضعف، وأقدر على توصيل الأذى.
والإسلام يحرص على استتباب الأمن، ونشر الطمأنينة والاستقرار بين أبناء المجتمع الواحد؛ لهذا جعل مسالمة الجار من الإيمان، وجعل حبس النفس عن أذى الجار من الإيمان، بل جعل خوف الجار من الجار دليلًا على ضعف إيمان الجار الذي بعث الخوف، وإن لم يصل ضرره لجاره بالفعل ... نعم هذا التشريع الحكيم لو أَمِنَ كل جار جاره، وكفَّ كل جار عن ضرر جاره، وحمى كل جار محارم جاره، لكانت المدينة الفاضلة، ولكان المجتمع الموادع الأمين، ولعاش الناس سعداء آمنين....
وهناك أمثلة من الأذى قد يستهين بها الجار، ويظنها حقًّا له، فلا يعبأ بجاره، ولا يراعي شعوره، فيتحقق بذلك أذاه، منها:
وضع الجذع على جداره، وصب الماء أمام داره، وطرح التراب والحَصى في فنائه، وتضييق طريقه، والنظر إلى حرماته، وكشف عوراته.
وقد جاء في الحديث الشريف قالوا: يا رسول الله، ما حق الجار على الجار؟ قال: «إن استقرضك أقرضته، وإن استعانك أعنته، وإن مرض عدته، وإن احتاج أعطيته، وإن افتقر عدت عليه، وإن أصابه خير هنأته، وإن أصابه مصيبة عزيته، وإذا مات اتبعت جنازته، ولا تستطل عليه بالبناء فتحجب عنه الريح إلا بإذنه، ولا تؤذه بريح قدرك إلا أن تغرف له منها، وإن اشتريت فاكهة فاهد له منها، فإن لم تفعل فأدخلها سرًّا، ولا تخرج بها ولدك ليغيظ بها ولده».
وقد جاء في رواية البخاري: «والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن». قيل: ومن يا رسول الله؟ قال: «الذي لا يأمن جاره بوائقه»، فنفي الإيمان عمن يؤذي جاره نفي كمال كما سبق. فتح المنعم شرح صحيح مسلم (1/ 170-171).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
وقد نفى -صلى الله عليه وسلم- الإيمان عمّن لم يأمن جاره بوائقه...، وهي مبالغة تنبئ عن تعظيم حق الجار وأن إضراره من الكبائر....
ويفترق الحال في ذلك بالنسبة للجار الصالح وغير الصالح، والذي يشمل الجميع إرادة الخير له، وموعظته بالحسنى، والدعاء له بالهداية، وترك الإضرار له إلا في الموضع الذي يجب فيه الإضرار له بالقول والفعل، والذي يخص الصالح هو جميع ما تقدم، وغير الصالح كفه عن الذي يرتكبه بالحسنى على حسب مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويعظ الكافر بعرض الإسلام عليه، ويبين محاسنه، والترغيب فيه برفق، ويعظ الفاسق بما يناسبه بالرفق أيضًا، ويستر عليه لله عن غيره، وينهاه برفق، فإن أفاد فبه وإلا فيهجره قاصدًا تأديبه على ذلك مع إعلامه بالسبب ليكف. فتح الباري (10/ 442).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
وقال بن أبي جمرة: إذا أكد حق الجار مع الحائل بين الشخص وبينه، وأمر بحفظه، وإيصال الخير إليه، وكف أسباب الضرر عنه فينبغي له أن يراعي حق الحافظين اللذين ليس بينه وبينهما جدار ولا حائل، فلا يؤذيهما بإيقاع المخالفات في مرور الساعات، فقد جاء أنهما يسران بوقوع الحسنات، ويحزنان بوقوع السيئات، فينبغي مراعاة جانبهما، وحفظ خواطرهما بالتكثير من عمل الطاعات، والمواظبة على اجتناب المعصية، فهما أولى برعاية الحق من كثير من الجيران. اهـ ملخصًا. فتح الباري (10/ 444).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
وهذا الحديث شديد في الحض على ترك أذى الجار، ألا ترى أنه -عليه السلام- أكد ذلك بقَسَمِه ثلاث مرات أنه لا يُؤمن مَنْ لا يَأمن جاره بوائقه، ومعناه: أنه لا يؤمن الإيمان الكامل، ولا يبلغ أعلى درجاته من كان بهذه الصفة، فينبغي لكل مؤمن أن يحذر أذى جاره، ويرغب أن يكون في أعلى درجات الإيمان، وينتهي عما نهاه الله ورسوله عنه، ويرغب فيما رضياه وحضَّا العباد عليه، وقال أبو حازم المزني: كان أهل الجاهلية أبر بالجار منكم؛ هذا قائلهم يقول:
ناري ونار الجار واحدة *** وإليه قبلي تنزل القدرُ
ما ضرّ جارًا لي أجاوره*** ألّا يكون لبابه سترُ
أعمى إذا ما جارتي برزت *** حتى يواري جارتي الخدرُ. شرح صحيح البخاري (9/ 222).
وقال ابن هبيرة -رحمه الله-:
في هذا الحديث: تشديد الحفظ للجار، والمصافي، وأصل وضع اسم الجار في لغة العرب هو الملتجئ والمستجير، وقد يكون المصافي والقريب المنزل، فإذا كان المستجير إنما قصد ولجأ إلى مسلم؛ ليكون دافعًا عنه البوائق عن غيره، فأي شيء أقبح من أن تأتيه البوائق من الشخص الذي استجار به لدفع البوائق؟ فلهذا كرر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- النهي ثلاثًا إنه: لا يؤمن. الإفصاح عن معاني الصحاح (7/ 278).
وقال الشيخ موسى شاهين-رحمه الله-:
في الحديث مبالغة تنبئ عن تعظيم حق الجار، وأن إضراره من الكبائر.
ومنع أذى الجار أعمّ من أن يكون مسلمًا أو غير مسلم، ففي الحديث: «الجيران ثلاثة: جار له حق واحد، وجار له حقان، وجار له ثلاثة حقوق، فالجار الذي له ثلاثة حقوق الجار المسلم ذو الرَّحم، فله حق الجوار، وحق الإسلام، وحق الرَّحم، وأما الذي له حقان فالجار المسلم، له حق الجوار وحق الإسلام، وأما الذي له حق واحد فالجار المشرك له حق الجوار».
وفي تغليظ حُرمة الجار وحرمة إيذائه. قيل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن فلانة تصوم النهار وتقوم الليل، وتؤذي جيرانها، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «هي في النار» رواه أحمد والحاكم، وقال: صحيح الإسناد. فتح المنعم شرح صحيح مسلم (1/ 170- 172).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
في فوائده (أي: هذا الحديث):
1-منها: بيان تحريم إيذاء الجار.
2-ومنها: بيان كون إيذاء الجار من الكبائر.
3-ومنها: نفي الإيمان عمن لا يأمن جاره بوائقه..
4-ومنها: أن من يؤذي جاره يُحرمُ من دخول الجنة إما تحريمًا أوليًّا، أو تحريمًا مؤبدًا على التوجيه الذي أسلفناه.
5-ومنها: مَنْ يكرم جاره، ويقوم بمصالحه، مع مراعاة سائر الحقوق يكون مؤمنًا كامل الإيمان. البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج(2/ 157- 159).
وقال الشيخ عبد العزيز الراجحي -حفظه الله-:
وفي هذا الحديث: الوعيد الشديد على إيذاء الجار، وأنه من كبائر الذنوب، ومن المتوعد عليه بعدم دخول الجنة.
وإذا كان الجار لا يأمنه جاره، دلَّ على فسقه.. توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (1/ 120).