الأحد 21 شوّال 1446 هـ | 20-04-2025 م

A a

«إنَّ في الجنةِ بابًا يُقالُ له: الرَّيَّانُ، يدخُلُ منه الصائمون يوم القيامةِ، لا يدخُلُ معهم أحدٌ غيرهم، يُقالُ: أين الصائمونَ؟ فيدخلون منه، فإذا دخلَ آخِرُهُمْ، أُغْلِقَ فلم يدخُلْ منه أَحَدٌ».


رواه البخاري برقم: (1896)، ومسلم برقم: (1152) واللفظ له، من حديث سهل بن سعد -رضي الله عنه-.
وعنه عند الترمذي برقم: (765)، والنسائي برقم: (2557)، وابن ماجه برقم: (1640) «...ومَنْ دخلهُ لم يَظْمَأْ أبدًا».
صحيح الجامع برقم: (4241)، صحيح الترغيب والترهيب برقم: (979). 


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«الرَّيَّانُ»:
بفتح الراء، وتشديد التحتانية، وزْنُ فَعْلَان، من الرَّيْ، اسم علم على باب من أبواب الجنة، يختص بدخول الصائمين منه، وهو مما وقعت المناسبة فيه بين لفظه ومعناه؛ لأنه مُشتقٌ من الرَّيْ، وهو مناسب لحال الصائمين. فتح الباري، لابن حجر (4/ 111).


شرح الحديث


قوله: «إنَّ في الجنة بابًا يُقال له: الرَّيَّانُ»:
قال السيوطي -رحمه الله-:
قوله: «إنَّ في الجنة بابًا» (في) بمعنى اللام، كما عبَّر بها في رواية أخرى. التوشيح (4/ 1415).
وقال الحفني -رحمه الله-:
لم يقُل: إنَّ للجنة بابًا، إشارة إلى أنَّه بمجرد عبوره فيه، يجد النعيم العظيم، فكأنَّه في وسط الجنة. حاشيته على الجامع الصغير (1/510).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «إنَّ في الجنة بابًا» قال الزين ابن المنير: إنَّما قال: «في الجنة» ولم يقل: للجنة؛ ليُشعر بأنَّ في الباب المذكور من النعيم والراحة في الجنة، فيكون أبلغ في التشوُّق إليه.
قلتُ: وقد جاء الحديث من وجه آخر بلفظ: «إنَّ للجنة ثمانية أبواب، منها باب يُسمَّى الريان، لا يدخله إلا الصائمون» أخرجه هكذا الجوزقي من طريق أبي غسان، عن أبي حازم، وهو للبخاري من هذا الوجه في بدء الخلق، لكن قال: «في الجنة ثمانية أبواب». فتح الباري (4/ 111-112).
وقال العيني -رحمه الله- مُتعقِّبًا:
قيل: إنَّما قال: «في الجنَّة» ولم يقل: للجنة؛ ليُشعر بأنَّ في الباب المذكور من النَّعيم والراحة ما في الجنَّة، فيكون أبلغ فِي التشويق إليه.
قلتُ: وإِنَّمَا لم يقل للجنة؛ ليشعر أنَّ باب الريان غير الأبواب الثَّمانية التي للجنة، وفي الجنَّة أيضًا أبواب أُخر غير الثَّمانية، منها: باب الصَّلاة، وباب الجهاد، وباب الصَّدقة... (وذكر عن بعض العلماء مجموعة من الأبواب منها باب محمد، وذكر خصائص هذا الباب).
فإن قلتَ: روى الجوزقي في هذا الحديث من طريق أبي غَسَّان عن أبي حَازِم بلفظ: «إنَّ للجنة ثَمَانِيَة أبواب منها بَاب يُسمى الريان لَا يدْخلهُ إلاَّ الصائمون».
قلتُ: روى البخاريّ هذا من هذا الوجه في بدء الخلق، لكن قال: «في الجنَّة ثمانية أبواب» وهذا أصح وأصوب. عمدة القاري (10/ 262).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
قوله: «يقال له: الرَّيَّان» وزن الرَّيَّان: فَعْلَان، وهو الكثير الرِّي، الذي هو نقيض العطش، وسُمِّي هذا الباب بهذا الاسم؛ لأنَّه جزاء الصائمين على عطشهم وجوعهم، واكتُفي بذكر الرِّي عن الشبع؛ لأنه يدل عليه من حيث إنه يستلزمه. المفهم (3/ 216).
وقال ابن حجر -رحمه الله- مُتعقِّبًا:
قلتُ: أو لكونه أشقّ على الصائم من الجوع. فتح الباري (4/ 111).
وقال الكوراني -رحمه الله-:
قوله: «يقال له: الرّيان» وصْفُ الباب بالريِّ وصفٌ له بوصف داخله، ووجه المناسبة ظاهرة؛ لأنَّ أهم الأمور عند الصائم الماء، وقد أخذ نصيبه من الكوثر، واختصاص الصَّائمين بذلك الباب يَدلُّ على شرف الصَّوم. الكوثر الجاري (4/ 253).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«يقال له: الريان» وفي هذه التسمية مناسبة للجزاء على الصوم؛ لأن الصائم يصيبه الظمأ، فيُجازى بضده. التنوير (4/ 17).
وقال الصنعاني -رحمه الله- أيضًا:
قوله: «الريان» مبالغة من الري، وهو خلاف العطش، سمي الباب به بشرى لداخِلِيْهِ أنَّهم لا يظمؤون. التحبير (6/ 184).
وقال زكريا الأنصاري -رحمه الله-:
«الريان» هو نقيض العطشان، وهو مناسب لحال الصائمين؛ لأنهم بتعطيشهم أنفسهم في الدنيا يدخلون من بابه؛ ليأمنوا من العطش، وليس ذلك قاصرًا على صائم رمضان، بل يأتي في الصائم مطلقًا. منحة الباري (4/ 341).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«الريان» فَعْلَان من الريِّ، وهو باب يُسقى منه الصائم شرابًا طهورًا قبل وصوله إلى وسط الجنة؛ ليذهب عطشه، وفيه مزيد مناسبة وكمال علاقة بالصوم. فيض القدير (2/ 464).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
يُسمَّى الريان: إما لأنه بنفسه رَيَّان؛ لكثرة الأنهار الجارية إليه، والأزهار والأثمار الطرية لديه، أو لأن مَن وصل إليه يزول عنه عطش يوم القيامة، ويدوم له الطراوة والنظافة في دار المقامة. مرقاة المفاتيح (4/ 1361).
وقال العجلوني -رحمه الله-:
ثم جُعل (أي: باب الريان) عَلَمًا على باب من أبواب الجنة (أي: أنَّ قوله: «يقال له: الريان» دلالة على عَلَميَّته وشيوع اسمه، وكأنَّ جميع من في الجنة يعرفونه بهذا الاسم؛ لتميزه وتخصيصه للصائمين). الفيض الجاري (11/94).

قوله: «يدخُلُ منه الصائمونَ يوم القيامةِ»:
قال المناوي -رحمه الله-:
قوله: «يدخل منه» إلى الجنة «الصائمون» يعني: الذين يكثرون الصوم في الدنيا. التيسير (1/ 324).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «يدخل منه الصائمون» مطلق في صائم الفرض والنفل، والأصل الفرض عند الإطلاق؛ لأنَّه الفرد الكامل.
إنْ قلت: يلزم أنْ يدخل منه كل المؤمنين.
قلتُ: ذلك ملتزم، ولا ضير فيه، أو يُراد به الكاملون في أداء هذا الفرض على أكمل وجوهه، فكأنه أحد أبوابها الثمانية، ويحتمل أنه غيره، وأن لها أبوابًا أُخر كباب التوبة وغيره. التنوير (4/ 17-18).
وقال الصنعاني -رحمه الله- أيضًا:
«الصائمون» المراد: الصائمون من كل ملِّة، من أتباع الأنبياء -عليهم السلام-، والمراد: صوم الفرض.
زاد الترمذي في رواية: «ومَن دخله لا يظمأ أبدًا» إنْ قلتَ: أهل الجنة لا يظمؤون أبدًا.
قلتُ: يمكن أنهم يحتاجون إلى شرب الماء، ما عدا الصُّوام فإنهم لا يشربونه إلا تلذذًا، لا لحاجة. التحبير (6/ 184).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
قوله: «يدخل منه الصائمون» هذه الجملة صفة بعد صفة لاسم (إنَّ)، وهم الذين يكثرون الصوم بملازمة نوافله، غير مقتصرين على فرضه؛ لتنكسر أنفسهم، وتقوى على التقوى، وهم لَمَّا تحمَّلوا تعب العطش في صيامهم، خُصُّوا بباب فيه الريُّ والأمان من العطش، قبل تمكنهم من الجنة. مبارق الأزهار (1/311).
وقال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
كرَّم اللهُ الصائمين بتخصيص باب من أبواب الجنة لهم، لا يزاحمهم فيه غيرهم، باب يسمى باب الريان، ومَن دخله لا يظمأ أبدًا جزاء ظَمَئِهِ بالصيام، لا يدخل من هذا الباب إلا الصائمون. فتح المنعم (5/ 17).
وقال الشيخ محمد المختار الشنقيطي -حفظه الله-:
وهذا الباب يشربون منه، وإذا شربوا منه لم يظمؤوا أبدًا، وهذا يدل على أنَّ هذا الشرب فيه خاصية. شرح كتاب الصوم من صحيح البخاري (ص: 32).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
قوله: «يوم القيامة» لبيان الواقع؛ إذ دخولها إنَّما يكون يومئذٍ.
ويحتمل أنْ يكون احترازًا عن دخول أرواح الشهداء والمؤمنين لها مدة هذا العالم، فلا يتقيد بالصائمين. دليل الفالحين (7/ 29).

قوله: «لا يدخُلُ معهم أحدٌ غيرهم»:
قال المناوي -رحمه الله-:
قوله: «لا يدخل منه أحد غيرهم» كرَّر نفي دخول غيرهم تأكيدًا. التيسير (1/ 324).
وقال السندي -رحمه الله-:
قوله: «لا يدخل فيه أحد غيرهم» لا ينافيه ما جاء في بعض الأعمال أنَّ صاحبه يُفتح له تمام أبواب الجنة؛ إذ يجوز أنْ لا يدخل من هذا الباب إن لم يكن من الصائمين، ويجوز أن لا يفعل أحد ذلك العمل إلا وفقه الله لإكثار الصوم، بحيث يصير من الصائمين. حاشيته على سنن النسائي (4/ 168).

قوله: «يُقالُ: أين الصَّائمونَ؟ فيدخلون منه»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«يُقال» أي: تقول الملائكة بأمر الله تعالى في الموقف: «أين الصائمون؟» المكثرون للصيام. التيسير (1/ 324).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«يقال: أين الصائمون؟»؛ تكرمةً لهم. الكوكب الوهاج (13/ 121).
وقال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
يُشرَّفُون بالنداء على رؤوس الخلائق، يناديهم الملائكة: أين الصائمون؟ هلمُّوا إلى مكانتكم وشرفكم وعزكم وجنتكم، فيدخلون، حتى إذا انتهى آخرهم أُغلق الباب بعدهم. فتح المنعم (5/ 17).
وقال الشيخ محمد المختار الشنقيطي -حفظه الله-:
«أين الصائمون؟» نداء تشريف وتكريم؛ لأنهم حينما يُدعون إلى دخولها من بين الناس هذه مزية تشريف وتفضيل. شرح كتاب الصوم من صحيح البخاري (ص: 32).
وقال السندي -رحمه الله-:
«الصَّائمونَ» أي: المكثرون الصيام، كالعادل والظالم، يقال لمن يعتاد ذلك، لا لمن يفعل ذلك مرة.
والظاهر: أنَّ الإكثار لا يحصل بصوم رمضان وحده، بل بأنْ يزيد عليه ما جاء فيه أنه صيام الدهر، والله تعالى أعلم بحقيقة الأمر. كفاية الحاجة (1/ 502).
وقال الكوراني -رحمه الله-:
فإنْ قلتَ: ما المراد بالصائمين؟
قلتُ: الذين يقومون بما فرض الله، ولفظ الصائم يدل عليه؛ فإنه يصدق على من صدر عنه الفعل في الجملة، ويمكن أن يكون محمولًا على من كان غالب حاله في العبادات زيادةَ الصوم؛ وإلا فالمؤمنون كلهم مشتركون في القيام بالفرض؛ لأن القيام بالفرض من كل مؤمن ليس بمعلوم، والوجه هو الأول في الصوم، وفي غيره هو الثاني؛ لأنّ أدنى جهاد لا يصير الإنسان به من أهل الصدقة وأهل الجهاد؛ بل لا بد وأن يكون له في ذلك تقدم واشتهار. الكوثر الجاري (4/ 253-254).
وقال الكشميري -رحمه الله-:
اعلم أنَّ في الجنَّة أبوابًا باعتبار الأعمال، فمن يَعْمَلْ في الدنيا عملًا يَدْخُل الجنةَ من باب ذلك العمل. فيض الباري (3/ 325-326).
وقال العيني -رحمه الله-:
قال شيخنا زين الدين -رحمه الله تعالى- (العراقي الأب): وقد استَشكل بعضهم الجمع بين حديث باب الريان، وبين الحديث الصحيح الذي أخرجه مسلم من حديث عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «ما منكم من أحد يتوضأ فيُبْلِغُ أو يُسْبِغُ الوضوء، ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله، إلا فُتحت له أبواب الجنة الثمانية، يدخل من أيها شاء»، قالوا: فقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه يدخل من أيها شاء، وقد لا يكون فاعل هذا الفعل من أهل الصيام، بأن لا يبلغ وقت الصيام الواجب أو لا يتطوع بالصيام.
والجواب عنه من وجهين:
أحدهما: أنه يُصْرَف عن أنْ يشاء باب الصيام، فلا يشاء الدخول منه، ويدخل من أي باب شاء غير الصيام، فيكون قد دخل من الباب الذي شاءه.
والثاني: أنَّ حديث عمر -رضي الله تعالى عنه- قد اختلفت ألفاظه، فعند الترمذي: «فُتحت له ثمانية أبواب من الجنة يدخل من أيها شاء»، فهذه الرواية تدل على أنَّ أبواب الجنة أكثر من ثمانية منها، وقد لا يكون باب الصيام من هذه الثمانية، ولا تعارض حينئذٍ. عمدة القاري (10/ 263).

قوله: «فإذا دخل آخِرُهُمْ أُغْلق فلم يدخُلْ منه أَحَدٌ»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«فإذا دخلوا» منه، أي: دخل آخرهم «أُغلق» بالبناء المفعول. التيسير (1/ 324).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
وجاء في رواية عبد الغافر الفارسي: «إذا دخل أَوَّلهم أُغلق» وهو وَهْمٌ. إكمال المعلم (4/ 114).
وقال النووي -رحمه الله-:
قوله: «فإذا دخلَ آخِرُهُمْ أُغْلِقَ فلم يدخُلْ منه أَحَدٌ» هكذا وقع في بعض الأصول «فإذا دخل آخرهم»، وفي بعضها: «فإذا دخل أوَّلهم» قال القاضي وغيره: وهو وهمٌ، والصواب: آخرهم. شرح صحيح مسلم (8/ 32).
وقال المناوي -رحمه الله-:
قوله: «فلم يدخل منه» بعد ذلك «أحد» أي: لم يدخل منه غير من دخل.
ولا يناقضه أنَّ المتشَهِّد عَقِب الوضوء تُفتح له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء؛ لجواز أنْ يَصرف الله مشيئة ذلك المتشَهِّد عن دخول باب الريان إن لم يكن من مُكثري الصوم ذكره البعض.
وذكر أنَّ المراد بالصائمين: أمَّة محمد -صلى الله عليه وسلم-، سُموا به لصيامهم رمضان، فمعناه: لا يدخل من الريان إلا هذه الأمَّة، (وهو) بعيدٌ متكلَّفٌ. فيض القدير (2/ 464).
وقال الكرماني -رحمه الله-:
فإنْ قلتَ: القياس: فلا يدخل؛ لأن «لم يدخل» للماضي، والحال أن الدخول قد حصل للصائمين.
قلتُ: هو عطف على الجزاء، فهو في حكم المستقبل. الكواكب الدراري (9/ 82).
وقال العيني -رحمه الله- مُتعقِّبًا:
عطف على قوله: «لا يدخل» فيكون في حُكم المستقبل. عمدة القاري (10/ 263).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «فلم يدخل» فهو معطوف على «أُغلق» أي: لم يدخل منه غير من دخل. فتح الباري (4/ 112).
وقال العيني -رحمه الله- مُتعقَّبًا ابن حجر والكرماني:
قال بعضهم (أي: ابن حجر): «فلم يدخل» فهو معطوف على «أُغْلِقَ» أي: لم يدخل منه غير من دخل. انتهى.
قلتُ: هذا أخذه من الكرماني؛ لأنه قال: هو عطف على الجزاء، فهو في حُكم المستقبَل، ثم تفسيره بقوله: أي لم يدخل منه غير من دخل، غير صحيح؛ لأنَّ غير مَن دَخَلَ أعم من أنْ يكون من الصائمين وغيرهم، وليس المراد: أنْ لا يدخل منه إلا الصائمون...
وقول الكرماني أيضًا: عطف على الجزاء، فيه نظر لا يخفى (وقد بيَّن علامَ عُطِف في النقل السابق). عمدة القاري (10/ 263).

قوله: «لم يَظْمَأْ أبدًا».
قال السندي -رحمه الله-:
ظاهرهُ أنَّ هذا الوصفَ مخصوصٌ بمن يدخل الجنةَ من ذلك الباب. وقوله تعالى: {لَا تَظْمَأُ فِيهَا} طه: 119 يدلُّ على أنَّه لا ظمأَ في الجنةِ أصلًا، إلَّا أن يُقال: ليس المرادُ هناك أنَّه لا ظمأَ أصلًا، بل المرادُ بيانُ دوامِ المَشاربِ على الفورِ هناك، بحيثُ لا يبقى الإنسانُ فيها ظمآن، لا أنَّه لو لم يستعملها لم يظمأ أصلًا. والداخلُ من هذا الباب يرتفعُ عنه الظمأُ من أَصله، أو يُقال: معنى الحديث: أنَّ من دخل لا يظمأُ من أوَّل ما دخله، والداخلون من سائر الأبواب يرتفعُ عنهم الظمأُ من حيثُ استقرارُهم فيها، ووصولُهم إلى منازلِهم المُعدَّة لهم.كفاية الحاجة، شرح سنن ابن ماجة(1/٥٠٢).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
فيه: أنَّ أبواب الجنة حقٌّ غير مجاز، ويؤكده قوله: «فإذا دخل آخرهم أُغْلِقَ فلم يدخل منه أحد» نوعٌ من الكرامة لهم، والاختصاص كما اختصوا به حتى لا يزاحَموا فيه، وإنْ كانت لا مزاحمة في الحقيقة في أبواب الجنة لسِعَتِهَا، وأنَّه ليس بموضع ضرر، ولا عنَت ولا نصب. إكمال المعلم (4/ 114).
وقال النووي -رحمه الله-:
وفي هذا الحديث: فضيلة الصيام، وكرامة الصائمين. شرح صحيح مسلم (8/ 32).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «فإذا دخلوا أُغلق، فلم يدخل منه أحد» وهذا تشريفٌ لهم، وإعلاء لمقامهم، وتمييزهم على غيرهم. التنوير (4/ 18).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
في فوائده (أي: هذا الحديث):
1. منها: بيان عظمة فضل الصيام.
2. ومنها: بيان كرامة الصائمين؛ حيث خصهم الله تعالى على سائر الناس بدخولهم من باب الريان.
3. ومنها: إثبات أبواب للجنة، ومن تلك الأبواب باب الريان مخصوص بالصائمين، فإذا دخلوا منه أُغلق، فلم يدخل منه أحد غيرهم.
4. ومنها: فضل باب الريان على غيره من الأبواب؛ حيث إنَّ من دخله شرب عند الدخول، ثم لم يظمأ بعده أبدًا، والله تعالى أعلم بالصواب. البحر المحيط الثجاج(21/ 379).


ابلاغ عن خطا