«ما مِنْ يومٍ أكثرَ مِنْ أنْ يُعْتِقَ اللهُ فيه عبدًا مِن النَّارِ مِنْ يومِ عَرَفَةَ، وإنَّه لَيَدْنُو، ثم يُبَاهِي بِهم الملائكةَ، فيقولُ: ما أرادَ هؤلاءِ؟».
رواه مسلم برقم: (1348)، من حديث عائشة -رضي الله عنها-.
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«ليَدْنُو»:
قال الليث: الدُّنو غير مهموزٍ، مصدر" دنا يدنو فهو دان"، وسُمِّيت الدُّنيا لِدنوها، ولأنها دَنت...، وكذلك السماء الدُّنيا هي القُربى إلينا.لسان العرب(14/٢٧٢)
«يُبَاهِي»:
أي: يُفَاخِرُ. فتح الباري، لابن حجر (1/ 90).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
المُباهاة: المُفاخرة، وقد باهى به يباهي مباهاة.النهاية(1/١٦٩)
شرح الحديث
قوله: «ما مِن يومٍ أكثر من أنْ يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة»:
قال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
روينا «أكثر» رفعًا ونصبًا، فرفعه على التميمية (على إبطال عمل ما على لغة تميم)، ونصبه على الحجازية (خبر ما العاملة على لغة أهل الحجاز)، وهو في الحالين خبر، لا وصف، والمجروران بعده مبنيان، فـ«مِن يوم عرفة» يبين الأكثرية مما هي، و«مِن أنْ يُعْتِقَ» يبيِّن المميز، وتقدير الكلام: ما يوم أكثر من يوم عرفة عتيقًا من النار. المفهم (3/ 460).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: «ما من يوم أكثر» «ما» بمعنى: ليس، واسمه «يوم»، و«مِن» زائدة، و«أكثر» خبره، و«مِن» الثانية أيضًا زائدة، و«من يوم عرفة» متعلق بـ«أكثر» أي: ليس يوم أكثر إعتاقًا فيه من يوم عرفة. الكاشف عن حقائق السنن (6/ 1987).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«ما من يوم أكثر» بالنصب، وقيل: بالرفع «من أن يعتق الله» أي: يخلِّص ويُنجي. مرقاة المفاتيح (5/ 1800).
وقال أبو البقاء العكبري -رحمه الله-:
«أكثر» مرفوع وصفًا لـ«يوم» على الموضع؛ لأن تقديره: ما يوم و«من» زائدة، و«عبدًا» ينتصب بـ«يعتق»، والتقدير: ما يوم أكثر عتقًا من هذا اليوم، ويكون «عبدًا» على هذا جنسًا في موضع الجمع، أي: من أن يعتق عبيدًا.
ويجوز أن يكون التقدير: أكثر عبدًا يعتقه الله، فـ«عبدًا» منصوب على التمييز بـ«أكثر»، و«مِن» تكون زائدة، وموضعه نعت لـ«عبد». إعراب الحديث النبوي (ص: 506- 507).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
فتقديره: ما من يوم أكثر إعتاقًا فيه الله عبدًا من النار من يوم عرفة. مرقاة المفاتيح (5/ 1800).
وقال محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«مِن أنْ يُعْتِقَ اللهُ» بضمِّ أوَّله، من الإعتاق رباعيًّا، «فيه عبدًا» زاد في رواية النسائيّ «أو أَمَةً» «مِن النارِ» متعلّق بـ«يُعتق» «مِنْ يومِ عرفةَ» متعلّق بـ«أكثر». البحر المحيط الثجاج (24/ 377).
وقال ابن رجب -رحمه الله-:
ويوم عرفة هو يوم العتق من النار، فيُعتق الله من النار مَن وقف بعرفة، ومن لم يقف بها من أهل الأمصار من المسلمين، فلذلك صار اليوم الذي يليه عيدًا لجميع المسلمين، في جميع أمصارهم، مَن شهد الموسم منهم، ومن لم يشهده؛ لاشتراكهم في العتق والمغفرة يوم عرفة، وإنما لم يشترك المسلمون كلهم في الحج كُل عام رحمةً من الله، وتخفيفًا على عباده، فإنه جعل الحجَّ فريضة العمر، لا فريضة كل عام، وإنما هو في كل عام فرض كفاية، بخلاف الصيام؛ فإنه فريضة كل عام، على كل مسلم، فإذا كمل يوم عرفة، وأعتق الله عباده المؤمنين من النار، اشترك المسلمون كلهم في العيد عقب ذلك، وشرع للجميع التقرب إليه بالنسك، وهو إراقة دماء القَرَابين. لطائف المعارف (ص:276).
وقال الشيخ عبد الكريم الخضير -حفظه الله-:
«يوم» نكرة في سياق النفي، فتشمل جميع الأيام عامة، وعلى هذا يكون يوم عرفة أفضل الأيام على الإطلاق؛ لما فيه من هذا الثواب العظيم، وهو العتق من النار، فهو أفضل الأيام على الإطلاق، قال بهذا جمع غفير من أهل العلم، ورجَّح بعضهم يوم الجمعة عليه؛ لحديث: «ما طلعت الشمس على أفضل من يوم الجمعة»، وحمل هذا الحديث عند أكثر العلماء على أنه أفضل يوم في الأسبوع، وأما يوم عرفة فهو أفضل يوم في العام. شرح كتاب الحج من صحيح مسلم (25/ 11).
وقال العراقي -رحمه الله-:
وصرح أصحابنا الشافعية بأنه (الجمعة) أفضل أيام الأسبوع، وأن يوم عرفة أفضل أيام السَّنة، واختلفوا في أفضل الأيام مطلقًا على وجهين: أصحهما أنه يوم عرفة. طرح التثريب (3/ 217).
وقال المناوي -رحمه الله-:
والجمهور على أن يوم عرفة أفضل، ثم النحر. فيض القدير (2/ 3).
وقال ابن تيمية -رحمه الله-:
أفضل أيام الأسبوع يوم الجمعة؛ فيه خُلق آدم، وفيه أُدخل الجنة، وفيه أُخرج منها، وأفضل أيام العام يوم النحر؛ كما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أفضل الأيام عند الله يوم النحر، ثم يوم القَرِّ (بفتح القاف وتشديد الراء؛ لأنهم يُقِرُّون فيه بمنى وهو ثاني يوم النحر)». مجموع الفتاوى (25/ 289).
قوله: «وإنه لَيَدْنُو»:
قال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
قوله: «وإنَّه لَيَدْنُو» من الدنوِّ، وهو القُرْب. البحر المحيط الثجاج (24/ 377).
وقال المظهري -رحمه الله-:
قوله: «وإنه ليدنو» الضمير في «إنه» يعود إلى الله، «لَيَدْنُو» أي: لَيَقْرُبُ، فبعض أهل السُّنة لا يقول في معنى هذا وأشباهه، وبعضهم يقول: معناه: دنو رحمته، أو نزول خطابه مع الملائكة. المفاتيح (3/ 298 ، 299).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
هذا الذي ذكروه من تأويل هذا الحديث غير صحيح، والصواب إثبات صفة الدنو لله -سبحانه وتعالى- حقيقة، على ما يليق بجلاله، وإنَّما أدَّاهم إلى هذا التأويل السخيف قياسهم الغائب بالشاهد، فظنوا أنهم لو أثبتوا ذلك له لزم تشبيهه بخلقه، وهذا زعم باطل، فالله -سبحانه وتعالى- له الصفات العلى، لا تشبه الصفات، كما أنَّ له ذاتًا لا تُشبه الذوات، فالمخلوق له ذاته، وصفاته الخاصة به، والخالق له ذاته، وصفاته اللائقة بجلاله، ولا يلزم من هذا الإثبات تشبيه أصلًا، وقد ذكرنا غير مرة أن مذهب السلف قاطبة في مثل هذا الحديث أن يؤمنوا به كما جاء، ويُفَوِّضُون الكيفية إلى الله تعالى، فيؤمنون بأن لله تعالى دنوًّا حقيقيًّا، على ما يليق بجلاله، وكذلك له نزول كل ليلة إلى السماء الدنيا، وأنَّ له استواء على العرش كما يليق به، وغير ذلك مما أثبته -سبحانه وتعالى- لنفسه من الصفات، أو أثبته له رسوله -صلى الله عليه وسلم- فيما صح عنه من الروايات، وأنَّ الدنو والنزول والاستواء معانٍ معلومة لكل من يعرف كلام العرب، فهي ثابتة له تعالى، وإنَّما المجهول كيفيتها.
فالحق أنَّ الله -سبحانه وتعالى- له الدنو، والنزول، والاستواء، وغيرها من الصفات الثابتة له حقيقة لا مجازًا، على كيفية يعلمها هو، لا نعلمها، فتبصَّر بالإنصاف، ولا تكن أسير التقليد، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل. البحر المحيط الثجاج (24/ 378).
وقال ابن تيمية -رحمه الله-:
إنَّ قرْبه سبحانه ودنوَّه من بعض مخلوقاته لا يستلزم أنْ تخلو ذاته من فوق العرش؛ بل هو فوق العرش، ويقرب من خلقه كيف شاء؛ كما قال ذلك من قاله من السلف. مجموع الفتاوى (5/ 460).
وقال ابن القيم -رحمه الله-:
يدنو الرب -تبارك وتعالى- عشية يوم عرفة من أهل الموقف، ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: «ما أراد هؤلاء، أشهدكم أني قد غفرت لهم» وتحصل مع دنوِّه منهم -تبارك وتعالى- ساعة الإجابة التي لا يَرد فيها سائلًا يسأل خيرًا، فيقربون منه بدعائه، والتضرع إليه في تلك الساعة، ويقرب منهم تعالى نوعين من القُرْب:
أحدهما: قُرْب الإجابة المحققة في تلك الساعة.
والثاني: قربُه الخاص من أهل عرفة، ومباهاته بهم ملائكته، فتستشعر قلوب أهل الإيمان هذه الأمور فتزداد قوة إلى قوَّتها، وفرحًا وسرورًا وابتهاجًا، ورجاء لفضل ربها وكرمه. زاد المعاد (1/ 64).
وقال الشيخ الألباني -رحمه الله-:
(في) الأصل والمخطوطة (أي: للترغيب والترهيب) «لَيَدْنُو يتجلَّى»، والصواب ما أثبتناه، وزيادة «يتجلَّى» زيادة منكرة لا أصل لها في شيء من روايات الحديث كما حقَّقته في الصحيحة (2551) ومن الظاهر: أنَّ مقصود من أدرجها في الحديث تفسيره بها، وهذا خلاف ما عليه السلف أنَّ الدنو صفة حقيقية لله تعالى كالنزول، فهو ينزل كما يشاء، ويدنو من خلقه كما يشاء، لا يُشبه نزوله ودنوُّه نزول المخلوقات ودنوهم، كما حققه شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه (شرح حديث النزول) وغيره.
وخفي هذا التصويب والذي قبله على المحققين الثلاثة للكتاب -زعموا- فطبعوا الحديث بالزيادتين المنكرتين، فهذا مثال من عشرات بل مئات الأمثلة من تحقيقهم. صحيح الترغيب والترهيب(2/ 34).
وقال ابن تيمية -رحمه الله-:
وأما دنوه نفسه، وتقرُّبه من بعض عباده؛ فهذا يثبته من يثبت قيام الأفعال الاختيارية بنفسه، ومجيئه يوم القيامة، ونزوله، واستواءه على العرش، وهذا مذهب أئمة السلف، وأئمة الإسلام المشهورين، وأهل الحديث، والنقل عنهم بذلك متواتر. شرح حديث النزول (ص: 105).
وقال ابن تيمية -رحمه الله- أيضًا:
ولا يلزم من جواز القُرْب عليه أنْ يكون كل موضع ذُكِرَ فيه قُرْبه يراد به قُرْبُه بنفسه، بل يبقى هذا من الأمور الجائزة، ويُنظر في النص الوارد، فإن دل على هذا حُمل عليه، وإن دل على هذا حُمل عليه، وهذا كما تقدم في لفظ الإتيان والمجيء. مجموع الفتاوى (6/ 14).
وقال ابن تيمية -رحمه الله- أيضًا:
هذا القُرْب عند المتفلسفة والجهمية هو مجرد ظهوره وتجلِّيه لقلب العبد، فهو قرب المثال، ثم المتفلسفة لا تثبت حركة الروح، والجهمية تسلِّم جواز حركة الروح إلى مكان عالٍ، وأما أهل السُّنة فعندهم مع التجلي والظهور تقرُّب ذات العبد إلى ذات ربه، وفي جواز دنو ذات الله القولان. مجموع الفتاوى (6/ 8).
وقال البيضاوي -رحمه الله-:
لما كان الحج عرفة، والحج يهدم ما قبله، كان ما في يوم عرفة من الخلاص عن العذاب والعتق من النار أكثر ما يكون في سائر الأيام؛ ولما كان الناس يتقربون إلى الله تعالى في ذلك اليوم بأعظم القربات، والله سبحانه أبر بهم، وألطف فيه من سائر الأيام، عبَّر عن هذا المعنى بالدنو منهم في الموقف. تحفة الأبرار (2/ 149، 150).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«وإنه» -سبحانه وتعالى- «ليدنو» -عز وجل-، ويقرُب من أهل الموقف في ذلك اليوم دنوًّا وقربًا يليق به، نثبته ونعتقده، لا نكيِّفه، ولا نمثِّله. مرشد ذوي الحجا والحاجة (17/ 396).
قوله: «ثم يباهي بهم الملائكة»:
قال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«ثم يُباهي» الله -سبحانه وتعالى- أي: يُفاخِر «بهم» أي: بأهل الموقف «الملائكة» الكرام، مباهاة تليق به، نُثبتها ونعتقدها، لا نكيِّفها، ولا نمثِّلها، ولا نُؤَوِّلها. الكوكب الوهاج (15/ 45).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله- أيضًا:
المراد بمباهاته بالحجَّاج: رضاؤه عنهم، وثناؤه عليهم. الكوكب الوهاج (15/ 46).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
هذا يدل على أنهم مغفور لهم؛ لأنه لا يباهي بأهل الخطايا والذنوب إلا من بعد التوبة والغفران، والله أعلم. التمهيد (1/ 293).
وقال القاضي عياض -رحمه الله-:
«يباهى بهم الملائكة» معناه: يُظهر فضلهم لهم، ويريهم حُسن عملهم، ويثني عليهم عندهم، وأصل البهاء: الحسن والجمال. إكمال المعلم (8/ 196).
وقال التوربشتي -رحمه الله-:
فيه «يباهي بهم الملائكة» المباهاة هي الفاخرة، وموضعه للمخلوقين فيما يترفعون به على أكفائهم، وتعالى الله الملك الحق عن التعزز بما اخترعه، ثم تعبَّده، وإنما هو من باب المجاز، أي: يحلُّهم من قربه وكرامته بين أولئك الملأ محلَّ الشيء المباهي فيه، ويحتمل أن يكون ذلك في الحقيقة راجعًا إلى أهل عرفة، أي: يُنزلهم من الكرامة منزلة تقتضي المباهاة بينهم وبين الملائكة، وإنما أضاف الفعل إلى نفسه؛ تحقيقًا لكون ذلك من موهبته، والله أعلم. الميسر (2/ 607).
وقال عبيد الله المباركفوري -رحمه الله- مُتعقِّبًا التوربشتي في ادعاء المجاز:
قلتُ: الحديث محمول على ظاهره من غير تأويل وتكييف، كما هو مذهب السلف الصالح في النزول والعلو، وغيرهما من الصفات من إمرارها على ظاهرها، وتفويض الكيفية إلى علمه -سبحانه وتعالى-، فالدنو والمباهاة معناهما معلوم، والكيفية مجهولة، فنقول: إنَّه تعالى يدنو من عباده عشيَّة عرفة بعرفات، ويباهي بهم الملائكة كيف يشاء. مرعاة المفاتيح (9/ 136).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله- مُتعقِّبًا أيضًا:
دعواه المجاز في المباهاة هو نظير ما سبق في تأويلهم الدنوِّ، فالحقُّ: أنَّ المباهاة على ظاهرها، وقد أجاد صاحب المرعاة -رحمه الله- حيث عقَّب على كلام التوربشتي هذا...، وهو تعقُّب حسنٌ جدًّا، فتمسَّك به، ولا تَمِل إلى مذهب هؤلاء الْمُؤَوِّلين، فإنه خطأ مبين، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل. البحر المحيط الثجاج (24/ 379).
وقال ابن تيمية -رحمه الله-:
فلا صفة أبلغ مما وصف به نفسه، وكل هذا النزول، والضحك، وهذه المباهاة، وهذا الاطلاع؛ كما يشاء أن ينزل، وكما يشاء أن يباهي، وكما يشاء أن يضحك، وكما يشاء أن يطَّلع، فليس لنا أن نتوهم كيف وكيف؟ مجموع الفتاوى (5/ 62).
قوله: «فيقول: ما أراد هؤلاء؟»:
قال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«فيقولُ» سبحانه وتعالى «ما أرادَ هؤلاءِ؟» (ما) استفهامية، والاستفهام هنا للتعجُّب، كما في قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ} الآية الفرقان: 45. البحر المحيط الثجاج (24/ 379).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
قوله: «ما أراد هؤلاء؟» أي: إنما حملهم على ذلك حتى خرجوا من أوطانهم، وفارقوا أهليهم ولذاتهم: ابتغاء مرضاتي، وامتثال أمري، والله أعلم. المفهم (3/ 461).
وقال محمد الأُبيّ -رحمه الله- مُتعقِّبًا:
لما كان الاستفهام على الله تعالى محالًا تأوَّله بذلك، ويحتمل أنَّه استنطاق. إكمال إكمال المعلم (3/442).
وقال المظهري -رحمه الله-:
فيقول: «ما أراد هؤلاء؟» أي: فيقول الله: أيّ شيء يريد هؤلاء الحجاج؟ فإن أرادوا رحمتي ومغفرتي، فقد غفرتُ لهم، ورحمتهم. المفاتيح (3/ 299).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«فيقول: ما أراد هؤلاء؟» أي: أيُّ شيء أراد هؤلاء؟ حيث تركوا أهلهم وأوطانهم، وصرفوا أموالهم، وأتعبوا أبدانهم، أي: ما أرادوا إلا المغفرة والرضا والقُرْب واللقاء، ومن جاء هذا الباب لا يخشى الرد، أو التقدير: ما أراد هؤلاء؟ فهو حاصل لهم، ودرجاتهم على قدر مراداتهم ونياتهم، أو أيُّ شيء أراد هؤلاء؟ أي: شيئًا سهلًا يسيرًا عندنا؛ إذا مغفرةُ كفٍّ من التراب لا يتعاظم عند رب الأرباب. مرقاة المفاتيح (5/ 1800).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
قوله: «ما أراد هؤلاء؟» بلفظ الاستفهام للتعجُّب، وحمل الملائكة على الاعتراف بفضل بني آدم، والإشارة إلى أن مبتغاهم المغفرة، وقد غفرتُ لهم عاجلًا، ولهم من الدرجات العلى في الآخرة آجلًا، فماذا يريدون بعد ذلك؟! لمعات التنقيح (5/ 356).
وقال الشيخ موسى شاهين -رحمه الله-:
«ما أراد هؤلاء؟» الوقوف عند السؤال في هذه الرواية اختصار من الرواة، فقد بيَّن مرادهم في رواية عبد الرزاق: «هؤلاء عبادي جاءوني شعثًا غبرًا، يرجون رحمتي، ويخافون عذابي، ولم يروني». فتح المنعم (5/ 408).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«فيقول» الله -سبحانه وتعالى- للملائكة: «ما أراد هؤلاء؟» أي: أيُّ شيء أراد هؤلاء الواقفون بعرفة، وهذا هو مذهب السلف الأسلم الأعلم الذي نلقى عليه الرب -جل جلاله-. الكوكب الوهاج (15/ 45).
وقال النووي -رحمه الله-:
هذا الحديث ظاهر الدلالة في فضل يوم عرفة، وهو كذلك، ولو قال رجل: امرأتي طالق في أفضل الأيام، فلأصحابنا وجهان: أحدهما: تطلق يوم الجمعة؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة» كما سبق في صحيح مسلم، وأصحهما: يوم عرفة؛ للحديث المذكور في هذا الباب، ويُتأول حديث يوم الجمعة على أنَّه أفضل أيام الأسبوع. شرح صحيح مسلم (9/ 117).
وقال الشيخ فيصل ابن المبارك -رحمه الله-:
فيه: فضل يوم عرفة، وأنه يُرْجَى فيه استجابة الدعاء، وغفران الذنوب. تطريز رياض الصالحين (ص:710).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
في فوائده (أي: هذا الحديث):
1. منها: بيان فضل يوم عرفة...
2. ومنها: عظيم مَنِّ الله -سبحانه وتعالى- على المؤمنين، وإكرامه لهم؛ حيث يباهي بهم الملائكة؛ لوقوفهم بعرفة.
3. ومنها: إثبات صفة الدنوّ لله -سبحانه وتعالى- على ما يليق بجلاله.
4. ومنها: إثبات صفة القول له تعالى أيضًا كذلك، والله تعالى أعلم بالصواب. البحر المحيط الثجاج (24/ 380-381).
وللاستفادة من الرواية الأخرى ينظر (هنا)