الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

«حجَّ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- على ‌رَحْلٍ ‌رَثٍّ، وقَطِيفَةٍ تُساوي أربعةَ دراهِمَ، أو لا تُساوي، ثم قال: «اللَّهمَّ حَجَّةٌ لا رياءَ فيها، ولا سُمْعةَ».


رواه ابن ماجه برقم: (2890)، والبزار برقم: (7343)، وابن أبي شيبة برقم: (15805)، من حديث أنس -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (1302)، صحيح الترغيب والترهيب برقم: (1122).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«رَحْل»:
بفتح الراء، وسكون المهملة، وهو للبعير كالسَّرْج للفرس. فتح الباري، لابن حجر (3/ 380).

«رَثّ»:
الراء والثاء: أصل واحد يدل على إخلاق وسقوط. فالرث: الخَلِق البالي. يقال: حبل ‌رثٌّ، وثوب ‌رثٌّ، ورجل ‌رثُّ الهيئة. مقاييس اللغة، لابن فارس (2/ 384).
وقال العيني رحمه الله-:
الرَّثّ: بفتحِ اِلراء، وتشديد الثاء المثلثة: الشيء البالي، وفلان رَثُّ الهيئة، وفي هيئَته رثاثة، أي: بذاءة، وأرث الثوب، أي: أخْلقَ. شرح أبي داود (5/ 386).

«قَطِيفَةٍ»:
دثارٌ مُخْمَلٌ، والجمع: قَطائفُ وقُطُف أيضًا، مثل صحيفة وصحف، كأنهما جمع قطيف وصحيف. الصحاح، للجوهري (4/ 1417).

«سُمْعةَ»:
أنْ يُسمِّع النَّاس بعمله على سبيل الرِّيَاء. الفائق، للزمخشري (2/ 196).


شرح الحديث


قوله: «حجَّ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- على ‌رَحْلٍ رثٍّ»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«حجَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على رَحْل» أي: راكبًا على قَتب جمل، «رثّ» بفتح راء، وتشديد مثلثة، أي: خَلِق بالٍ. جمع الوسائل (2/ 134).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -حمه الله-:
«الرَّحْل» ما يرُكَّب على البعير، وهو أصغر من القَتَبِ؛ كالبرذعة والإكاف مما لا مستند للظهر له. مرشد ذوي الحجا والحاجة (17/ 40).
وقال السندي -رحمه الله-:
قوله: «على رَحْلٍ رثٍّ» أي: عتيق. حاشيته على سنن ابن ماجه (2/ 210).
وقال المناوي -رحمه الله-:
وذلك لشدة تواضعه (صلى الله عليه وسلم). فيض القدير (2/ 145).

قوله: «وقطِيفَةٍ تُسَاوِي أربعةَ دراهم، أَوْ لا تُسَاوِي»:
قال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
«قطيفة» هي كساء له خَملٌ، وهي الخيوط بطرفه المرسلة من ‌السَّدَى من غير لُحمة عليها. أشرف الوسائل(ص: 479).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«وعليه» أي: والحال أنَّ على الرَحْل لا على الرسول -صلى الله عليه وسلم- كما توهمه الحنفي وجوزهما، وقدم الثاني؛ كما اقتصر بعض الشرَّاح على الأخير، «قطيفة» أي: كساء له خمل، وهو هدب القطيفة، أي: الخيوط بطرفه المرسلة من السدى عن غير لحمة عليها، «لا تساوي» أي: لا يبلغ مقدار ثمنها، «أربعة دراهم»...، ويُفهم من السياق أنَّ ضمير «عليه» في قوله: «عليه قطيفة» راجع إلى الرحل، لا إلى الرسول، كما توهمه بعض من لا نصيب له في هذا العلم، ويؤيده أيضًا (ما جاء) بلفظ: «حج على رحل رثٍّ وقطيفةٍ» بالجر عطفًا على رحل. جمع الوسائل (2/ 134-135).

قوله: «اللَّهُمَّ حَجَّةٌ لا رِياءَ فيها، ولا سُمْعَةَ»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«اللهم حَجَّة» أي: أسألك حَجَّة مبرورة، وساقه في الإصابة بلفظ: «اللهم اجعلها حجة»، «لا رياء فيها ولا سمعة» بل تكون خالصة لوجهك الكريم، مقاربة إلى حضرة مجدك العظيم. فيض القدير (2/ 144).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«اللهم حَجَّةٌ» بالرفع خبر لمبتدأ محذوف؛ أي: اللهم حجتي هذه حجة «لا رياءً فيها ولا سمعةً»، وبالنصب مفعول لفعل محذوف؛ تقديره: اللهم اجعلها حجة مبرورة لا رياء فيها ولا سمعة.
ولعل هذه الحجة هي حجة الوداع. مرشد ذوي الحجا والحاجة (17/ 40).
وقال السندي -رحمه الله-:
«حَجَّة» أي: اجعله حجة، أو هذه حجة، والمقصود بذلك: التوسل إلى القبول. حاشيته على سنن ابن ماجه (2/ 210).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«حجًّا ‌لا ‌رياء فيه» بالهمزة، وفي نسخة بالياء، وهو مما اشتهر على الألسنة لثقل الهمزتين، فخففت الأولى لكسرة ما قبلها، وبه قرأ أبو جعفر من العشرة، ووقف عليه حمزة من السبعة، وما نقله الحنفي من المغرب: ورياء بالياء خطًّا خطأ... «‌ولا ‌سمعة» بضم سين، فسكون ميم، يقال: فعل ذلك سمعة، أي: ليسمعه الناس، ويمدحوه، وفي الحديث: «مَن سمَّع سمَّع الله به» أي: من فعله سمعة شهره تسميعًا، وفي النهاية: ومنه الحديث: «إنما فعله سمعةً ورياء» أي: ليسمعه الناس...، والتحقيق: أنهما متغايران باعتبار أصل اللغة من حيث الاشتقاق، وإن كان يطلق أحدهما على الآخر تغليبًا، حيث إن المراد بهما: ما لم يكن لوجه الله، وابتغاء مرضاته، وعدم الاكتفاء بعلمه سبحانه. جمع الوسائل (2/ 134).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
«ولا سمعة» هذا من عظيم تواضعه؛ إذ لا يتطرق (الرياء) و السمعة إلا لمن حج على المراكب النفيسة، والملابس الفاخرة، وأَما من تمن تمثيل حاله -صلى الله عليه وسلم- فلا يتطرف إلى حجه شيء من ذلك، والرياء: العمل لغرض مذموم، كأن يعمل ليراه الناس، والسمعة: أنْ يعمل ليسمع الناس عنه بذلك، فيكرموه بإحسان، أو مدح أو تعظيم جاهه في قلوبهم، وكل ذلك موجب للفسق، ومحبط لثواب العمل. أشرف الوسائل (ص: 479).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
وهذا من عظم تواضعه -صلى الله عليه وسلم-؛ إذ لا يتطرق الرياء والسمعة إلا لمن حج على المراكب البهية، والملابس السَّنِيَّة. جمع الوسائل (2/ 134).
وقال ابن الحاج -رحمه الله-:
«‌لا ‌رياء فيه ‌ولا ‌سمعة» وإنما قال -عليه الصلاة والسلام- ذلك للتشريع لأمته، فإنه صاحب العصمة الكبرى، والمنزلة الْمَنِيفة العظمى عند ربه -عز وجل-. المدخل (2/ 106)
وقال المناوي -رحمه الله-:
فيه: إبانة لعظيم فضل الحج، ورفيع شرفه، وذم للرياء، وتقبيح للسمعة، وإنما هي في غاية الشناعة، كيف وهما محبطان للعمل، موقعان في الخطل والزلل؟! فيض القدير (2/ 144).


ابلاغ عن خطا