الأربعاء 26 رمضان 1446 هـ | 26-03-2025 م

A a

«ما مِن قومٍ اجتمعُوا يذكرونَ اللهَ، لا يُريدون بذلك إلَّا وجهَهُ، إلَّا ناداهُمْ مُنادٍ مِن السماءِ: أنْ قُومُوا مغفورًا لكم، قدْ بُدِّلَتْ سيِّئَاتُكُمْ حسناتٍ».


رواه أحمد برقم: (12453)، وأبو يعلى برقم: (4141)، والطبراني في الأوسط برقم: (1556) من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (5609)، سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (2210).


شرح مختصر الحديث


.


شرح الحديث


قوله: «ما مِن قومٍ اجتمعُوا يذكرونَ اللهَ»:
قال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
«قوم» هم الرجال فقط، أو مع النساء على ما مرَّ فيه من الخلاف...، وحكمة التنكير هنا: إفادة حصول الثواب لكل قوم اجتمعوا كذلك من غير اشتراط وصف خاص فيهم؛ كزهد، أو صلاح، أو علم. الفتح المبين (ص: 575).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
وبالجملة: فالمراد هنا (بالقوم): ما يعم الفريقين؛ لاشتراكهما في التكليف، فيحصل لهن الجزاء باجتماعهن لذِكْرٍ مشروع لهنَّ، من قراءة، وتسبيح، ونحوه، لا كَأَذَانٍ، بل يحرم رفع صوتها به بحضرة أجنبي. الفتوحات الربانية (1/ 104).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
قوله: «يذكرون الله» وهو يعُمُّ الدعاء والتلاوة، ومذاكرة العلم، وذكر الصالحين. مرقاة المفاتيح (2/ 769).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «يذكرون الله تعالى» بأي نوعٍ من أنواع الذكر، ويدخل فيه حِلَق العلم النافع: كتابًا وسنةً. التنوير (9/ 381).
وقال المناوي -رحمه الله-:
فالتقييد بالمسجد (أي: في حديث أبي هريرة: «ما اجتمعَ قومٌ في بيتٍ من بيوتِ الله») غالِبِيٌّ، فلا يُعمل بمفهومه. فيض القدير (5/ 408).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
وأُلحِقَ به (أي: المسجد) نحو رباط ومدرسة؛ لإطلاق الاجتماع في حديث آخر، فيتناول سائر المواضع، وحينئذٍ فالتقييد بالمسجد للغالب؛ سيما في ذلك الزمان، فلا يُعمل بمفهومه. الفتح المبين (ص: 575).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
الذِّكْر في المساجد أفضل من الذِّكر في غيرها، وقد ورد في الحديث على ما رواه الطبراني والحاكم عن ابن عمر مرفوعًا: «خير البقاع المساجد». الحرز الثمين (1/188).
وقال الشاطبي -رحمه الله-:
... إنَّ ما ذكره في مجالس الذِّكْر الصحيح إذا كان على حسب ما اجتمع عليه السلف الصالح؛ فإنهم كانوا يجتمعون لتدارس القرآن فيما بينهم، حتى يتعلَّم بعضهم من بعض، ويأخذ بعضهم من بعض، فهو مجلس من مجالس الذِّكْر التي جاء في مثلها من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفَّتْ بهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده»، وهو الذي فَهِمَهُ الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- من الاجتماع على تلاوة كلام الله، وكذلك الاجتماع على الذكر؛ فإنَّه اجتماع على ذكر الله، ففي رواية أخرى أنه قال: «لا يقعد قوم يذكرون الله إلا حفَّتهم الملائكة...» الحديث المذكور، لا الاجتماع للذكر على صوتٍ واحدٍ، وإذا اجتمع القوم على التذكر لنعم الله، أو التذاكر في العلم -إنْ كانوا علماء-، أو كان فيهم عالم، فجلس إليه متعلمون، أو اجتمعوا يُذَكِّرُ بعضهم بعضًا بالعمل بطاعة الله، والبعد عن معصيته، وما أشبه ذلك مما كان يعمل به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أصحابه، وعمل به الصحابة والتابعون؛ فهذه المجالس كلها مجالس ذكر، وهي التي جاء فيها من الأجر ما جاء، كما يُحكى عن أبي ليلى: أنَّه سُئل عن القصص، فقال: «أدركتُ أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- يجلسون ويُحَدِّث هذا بما سمع، وهذا بما سمع، فأما أنْ يجلسوا خطيبًا فلا»، وكالذي نراه معمولًا به في المساجد من اجتماع الطلبة على معلم يقرئهم القرآن، أو علمًا من العلوم الشرعية، أو تجتمع إليه العامة، فيعلمهم أمر دينهم، ويذكرهم بالله، ويُبيِّن لهم سُنة نبيهم؛ ليعملوا بها، ويُبيِّن لهم المحدثات التي هي ضلالة؛ ليحذروا منها، ويتجنبوا مواطنها والعمل بها، فهذه مجالس الذكر على الحقيقة، وهي التي حَرَمَها اللهُ أهلَ البدع من هؤلاء الفقراء الذين زعموا أنَّهم سلكوا طريق التَّصَوُّف. الاعتصام (1/340-342).
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة:
وأمَّا ما ورد من الأحاديث في حلقات الذِّكْر والاجتماع عليه، فالمراد بذلك: مجالس العلم. فتاوى اللجنة الدائمة (2/ 531).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
أمَّا الذِّكْر فإنَّ الاجتماع أيضًا على الذِّكْر لا بأس به، ولكنه ليس الاجتماع الذي يفعله بعض الصوفية، يجتمعون جميعًا، ويذكرون الله تعالى بصوتٍ واحدٍ، أو ما أشبه ذلك، إنَّما لو يجتمعوا على قراءة القرآن، أو ما أشبه هذا، مثل أنْ يقرأ أحدٌ، والآخرون يُنْصِتُوْنَ له، ثم يديرون القراءة بينهم، فهذا ليس فيه بأس، ولا حرج فيه. فتاوى نور على الدرب (149/ 1).
وقال الشيخ ابن باز -رحمه الله-:
الاجتماع على الذِّكْر بصوتٍ جماعي، لا أصل له في الشرع. فتاوى نور على الدرب (ص: 334).
وقال النووي -رحمه الله-:
اعلم أنَّه كما يُستحبُّ الذكر، يُستحبُّ الجلوس في حِلَق أهله، وقد تظاهرت الأدلة على ذلك. الأذكار (ص: 8).
وقال ابن تيمية -رحمه الله-:
الاجتماع على القراءة والذِّكْر والدعاء حسنٌ مستحبٌّ، إذا لم يتخذ ذلك عادة راتبة، كالاجتماعات المشروعة، ولا اقترن به بدعة منكرة. مجموع الفتاوى (22/ 523).

قوله: «لا يُريدونَ بذلكَ إلَّا وجهَهُ»:
قال الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله-:
هذا التعبير («يُريدونَ وجهَهُ») يدل على الإخلاص لله تعالى في العمل، وابتغاء مرضاته به وحده، وعدم الرياء فيه. تفسير المنار (7/ 364).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
هذا دليل على إخلاصهم لله -عز وجل-، وأنَّهم لا يريدون من هذا الاجتماع والدعاء أنْ يُمدَحوا بذلك، أو يقال: ما أعظم عبادتهم، ما أكثرها! ما أصبرهم عليها! لا يريدون هذا كله، يريدون وجه الله -عز وجل-. شرح رياض الصالحين (5/ 530).

قوله: «إلَّا ناداهُمْ مُنادٍ مِن السَّماءِ»:
قال السندي -رحمه الله-:
قوله: «إلا ناداهم منادٍ» تشريفًا لهم، وإنْ لم يعلموا به، أو هم قد علموا بخبر الصادق، فينبغي أنْ يرغبوا كما لو سمعوا -والله تعالى أعلم-. حاشيته على مسند أحمد (2/232).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «إلا ناداهم منادٍ من السماء» الحكمة فيه وإنْ لم يسمعوه: إسماع غيرهم من الخلائق عظمة الذكر، والحكمة في عدم إسماعهم: الصيانة لهم من العجب، وأمَّا إخبارهم بلسان الرسول كهذا الإخبار، فإنَّه من باب التبشير لهم كغيره من أخبار الوعد. التنوير (9/ 381-382).

قوله: «أنْ قُومُوا مغفورًا لكم»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
قوله: «أنْ قوموا مغفورًا لكم» ليس أمرًا لهم بالقيام عن مجلس الذكر، بل إخبارًا لهم بأنهم إنْ فارقوه، فقد غُفِرَ لهم، لكن عبَّر عنه بالأمر إشارة إلى أنَّها قد تحقَّقت المغفرة التي يطلبون، ومن قضى حاجته يُؤمَر بالقيام من مجلس طلبه وسؤاله.
وفيه: الحث على الاجتماع على ذكر الله تعالى؛ لأنه يحصل به التعاضد والنشاط والهمة؛ ولذا قال الكليم في طلبه لأخيه وصحبته: {كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا} طه: 33، 34. التنوير (9/ 382).
وقال المناوي -رحمه الله-:
قوله: «قوموا مغفورًا لكم» أي: إذا انتهى المجلس، وقمتم، قمتم والحال أنكم مغفور لكم، أي: الصغائر، وليس المراد: الأمر بترك الذكر والقيام. التيسير (2/ 347).

قوله: «قدْ بُدِّلَتْ سيِّئَاتُكُمْ حسناتٍ»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
بأنْ يُكتَب بدل كل سيئةٍ حسنة في صحائف الأعمال، فضلًا من الله الملك المتعال. مرقاة المفاتيح (4/ 1445).
وقال المناوي -رحمه الله-:
قوله: «بُدِّلَتْ سيئاتكم حسنات» أي: إذا كان مع ذلك توبة صحيحة. فيض القدير (5/ 439).


ابلاغ عن خطا