«في ليلة القدر: إنها ليلةُ سابعةٍ - أو تاسعةٍ - وعشرين. إنَّ الملائكةَ تلك الليلةَ في الأرض أكثرُ من عددِ الحَصَى».
رواه أحمد برقم: (10734)، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-
صحيح الجامع برقم: (5473)، سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (2205).
شرح مختصر الحديث
.
شرح الحديث
قوله: «في ليلة القدر»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
«ليلة القَدر» الوارد في القرآن ذكرُها، وفي السنَّة عظيمُ أجرِها. التنوير شرح الجامع الصغير (9/ 300).
وقال الصنعاني -رحمه الله- أيضًا:
«ليلة القَدْر» بسكون الدَّال، قيل: إنما سُكِّنت، وإن كان الأكثرُ في "القَدَر" الذي هو قرينُ "القضاء" الفتحَ، إعلامًا بأنه لم يُرد به هنا ذلك، فإن القضاء سبق الزمان، وإنما أُريد به تفصيلُ ما جرى به القضاءُ وتبيينُه. التنوير شرح الجامع الصغير (5/ 13).
وقال محمد اليفرني -رحمه الله-:
سُمِّيت بذلك (ليلة القدر) لِعِظَم شأنها وفضلها، أي: ذات القَدْر العظيم...، كقولهم: لفلان قَدْر في الناس، أي: مَزِيَّة وشرف، وقيل: القَدْر: الزيادة في المقدار...، وقيل: ليلة القَدْر: ليلة الحُكْم والتقدير، سُمِّيت بذلك لأن الله تعالى يُقدِّر فيها ويفصِل كل ما يكون من السَّنة إلى السَّنة القابلة. الاقتضاب في غريب الموطأ(1/ 349-350) .
وقال البيضاوي -رحمه الله-:
سُمِّيت الليلة "ليلة القدر": إما لأنها ليلةُ تقديرِ الأمور، فإنه تعالى يُبيِّن فيها لملائكته ما يحدث إلى مثلها من العام القابل، كما قال تعالى:{فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} الدخان: 4. تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة (1/ 511).
وقال المظهري -رحمه الله-:
سُمِّيت ليلة القدر بهذا الاسم؛ لأن معنى القَدر عظيمُ الشأن والمنزلة، فهذه الليلة عظيمةُ القدرِ والمنزلة. المفاتيح في شرح المصابيح (3/ 52).
وقال التوربشتي -رحمه الله-:
ويُحتمل أنها سُمِّيت ليلة القدر لتقديرِ اللهِ ما كان يُنزَّل فيها من القرآن أيامَ حياةِ النبي - عليه السلام - إلى مثلها من العام المقبل. الميسر في شرح مصابيح السنة (2/ 480-481).
وقال النووي -رحمه الله-:
وأجمع من يُعتدُّ به على وجودِها ودوامِها إلى آخرِ الدَّهر، للأحاديثِ الصحيحةِ المشهورة. شرح صحيح مسلم (8/ 57).
قوله: «إنها ليلة سابعة -أو تاسعة- وعشرين»:
قال الكرماني -رحمه الله-:
أي: ليلة السبع والعشرين من رمضان والتسع والعشرين منه.
فإن قلتَ: من أين أستفيد التقييد بالعشرين وبرمضان؟
قلتُ: من الأحاديث الآخر الدالة عليهما، وهو دليل على أنها في الأفراد من الليالي. الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (1/ 191).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
يُحتمل أَنه ﷺ أُعلم بعينها، ثم أُنسي كما ورد، وبقي في حفظه أنها إحدى الليلتين. ويُحتمل أنها تُنقل. التنوير شرح الجامع الصغير (9/ 301).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
أُمر بالتماسِها فيما بعدَ ذلك العامِ في التاسعةِ، والسابعةِ، والخامسةِ، وذلك كلُّه على التَّحرِّي، لا على اليقين، فدلَّ ذلك على انتقالِها. شرح صحيح البخاري (4/ 158).
وقال المازري -رحمه الله-:
فأما ليلة القدر فمن الناس مَن قال: إنها ليلة في سائر السَّنة، لكنه قال: إنما قلتُ ذلك لئلا يتّكل الناس، وقال غيره: بل هي في رمضان، وجُلّ قول أهل العلم: إنها في العشر الأواخر، وإنها في الأفراد منها، وأحسن ما بُنيت عليه الأحاديث المختلفة في تعيينها أن يقال: إنها تختلف حالها، فتكون سَنة في ليلة، وسَنة في ليلة أخرى، وكأنه أَجْرٌ يكتبه الله للعامل، فيتفضل به في ليلةٍ، وفي غيرها من السنين في ليالٍ أُخر.المعلم بفوائد مسلم(1/ 455)
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن ليلة القدر في كل رمضان ليلة إحدى وعشرين، وذهب آخرون إلى أنها ليلة ثلاث وعشرين في كل رمضان، وذهب آخرون إلى أنها ليلة سبع وعشرين في كل رمضان، وذهب آخرون إلى أنها تنتقل في كل وتر من العشر الأواخر، وهذا عندنا هو الصحيح إن شاء الله. التمهيد (14/ 431) .
وقال ابن رسلان -رحمه الله-:
وقد استنبط طائفة من المتأخرين من القرآن أنها ليلة سبع وعشرين من...أن الله تعالى كرَّر ذكر ليلة القدر في سورة القدر في ثلاثة مواضع منها، وليلة القدر حروفها تسع حروف، والتسع إذا ضُربت في ثلاثة فهي سبع وعشرون. شرح سنن أبي داود (6/ 670) .
قال ابن عطية -رحمه الله- معلقًا على القول بالعدد في سورة القدر:
وهذه من مُلَح التفسير، وليست من متين العِلم. المحرر الوجيز (1/ 61).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
وقد اختلف العلماء في ليلة القدر اختلافًا كثيرًا، وتحصَّل لنا من مذاهبهم في ذلك أكثر من أربعين قولًا، كما وقع لنا نظير ذلك في ساعة الجمعة، وقد اشتركتا في إخفاء كل منهما؛ ليقع الجِدُّ في طلبهما...
وأرجحها كلها: أنَّها في وتر من العشر الأخير، وأنها تنتقل كما يُفهم من أحاديث هذا الباب، وأرجاها: أوتار العَشْر، وأرجى أوتار العشر عند الشافعية: ليلة إحدى وعشرين، أو ثلاث وعشرين، على ما في حديث أبي سعيد وعبد الله بن أنيس، وأرجاها عند الجمهور: ليلة سبع وعشرين. فتح الباري (4/262- 266).
وقال الكشميري -رحمه الله-:
اعلم أن الشارحين عامَّةً ذهبوا إلى أنَّ المأمور به هو التماسُها في ليلةٍ واحدةٍ من تلك الليالي، والمرادُ عندي إحياءُ كلِّها لأجلِ ليلةِ القدر.
وهي وإن كانت في الأوتارِ دون الأشفاعِ، لكنَّ القيامَ مطلوبٌ في الكل، فكأنَّ التماسَها يكونُ بالقيامِ في العشرِ، أو السبعِ، أو الخمسِ، وهو المعهودُ من حاله -صلى الله عليه وسلم- وحالِ الصحابةِ - رضي الله عنهم -.
ثم أقول: إنْ قسمتَ الشهرَ على العشَرات، فليلةُ القدرِ في الأخيرةِ منها، وإنْ قسمتَها على الأسابيعِ، فهي في الأسبوعِ الأخير، وإنْ قسمتَها على الأخماسِ، فهي في الخمسِ الأخير.
وكيفما كان، تكون في وترٍ منها.
هذا، وإنْ لم يقرع سمعَك به من قبلُ، لكنه هو التحقيقُ، إنْ شاء اللهُ تعالى. فيض الباري على صحيح البخاري (1/ 223).
قوله: «إن الملائكة تلك الليلة في الأرض أكثر من عدد الحصى»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«إن الملائكة تلك الليلة» أي: ليلة القدر...، وهي أفضلُ ليالي العامِ مطلقًا، وذهب بعضُهم إلى تفضيلِ ليلةِ الإسراءِ عليها، واعترض آخرون، وتوسط البعضُ فقال: ليلةُ الإسراءِ أفضلُ في حقِّ المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، وليلةُ القدرِ أفضلُ لأمته.
وصوَّب ابنُ تيمية تفضيلَ ليلةِ القدرِ مطلقًا، لأنَّ ليلةَ الإسراءِ، وإن حصل للمصطفى -صلى الله عليه وسلم- فيها ما لم يحصل له في غيرها، لكن لا يلزم إذا أعطى اللهُ نبيه فضيلةً في زمانٍ أو مكانٍ أن يكون أفضلَ من غيره.
هذا إن فُرِض أن إنعامَه عليه ليلةَ الإسراءِ أعظمُ من إنعامِه عليه بإنزالِ القرآنِ ليلةَ القدر، وللتوقفِ فيه مجالٌ. فيض القدير (5/ 395).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
كأنها (أي: الملائكة) تتنزل لما يقدِّره اللهُ من الأمور، أو للعبادة، أو لحضور عبادةِ الصالحين من المسلمين، وشهادتِهم لهم. وقد أخبر اللهُ تعالى أنها تنزلُ الملائكةُ فيها والروح. التنوير شرح الجامع الصغير(9/ 301).
وقال المناوي -رحمه الله-:
يحضرون مجالسَ الذِّكر، ويستغفرون للمؤمنين، ويؤمِّنون على دعائهم، فإذا طلع الفجرُ صعدوا. التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 333).
وينظر تحقيق ليلة القدر بتوسع (هنا) و (هنا) و (هنا)