الأحد 21 شوّال 1446 هـ | 20-04-2025 م

A a

«أهلُ الجنَّةِ جُرْدٌ مُرْدٌ كُحْلٌ، لا يَفنَى شَبَابُهم، ولا تَبْلَى ثِيَابُهم».


رواه الترمذي برقم: (2539)، والدارمي برقم: (2868) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
صحيح الجامع برقم: (2525)، صحيح الترغيب والترهيب برقم: (3699).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«جُرْدٌ»:
بضم جيم، وسكون راء: جمْع أجرد، وهو الذي لا شعر على جسده، وضده: الأشعر. مرقاة المفاتيح، للقاري (9/ 3590).
وقال المديني -رحمه الله-:
الأجْرد من الناس: الذي لا شَعر على جَسده، ومن الخيل والدواب: القصير الشعر. المجموع المغيث (1/ 314).
وقال الزمخشري-رحمه الله-:
يُقال: فرس أجرد، وخيل جردٌ، ومكان أجرد، وأرض جرداء: منجردَة عن النَّبات. أساس البلاغة، للزمخشري (1/ 131).

«مُرْدٌ»:
(بضم فسكون) جمْع أمرد: الذي لا شعر على ذقنه. مجمع بحار الأنوار، للفتني (1/ 343).
قال الأزهري -رحمه الله-:
الأَمْرَدُ: الشابُّ الذِي بلغ خُرُوج لحيته، وطُرَّ شَاربه ولَمَّا تبْدُ لحيتُه. تهذيب اللغة (14/ 84).
وقال الفيومي -رحمه الله-:
مَرِدَ الغُلام مَرَدًا مِنْ بَابِ تعِبَ: إذَا أَبْطَأَ نَبَاتُ وَجهِه، وَقِيلَ: إذا لم تَنبُتْ لحيته فهو أَمْرَدُ، ومَرَدَ يَمْرُدُ، من باب قتل: إذا عَتَا فهو مَارِدٌ. المصباح المنير (2/ 568).

«كُحْلٌ»:
(بضم فسكون) جمع كحِيْل، بمعنى: مكحول، كقتلى وقتيل، وهو الَّذي عينه مكتحلة في أصل الخِلْقَة. شرح المصابيح، لابن الملك (6/ 110).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
الكَحَل بفتحتين: سَوادٌ في أجفَان العَين خِلْقَة، والرجل أكحَلُ وكَحِيلٌ، ومنه حديث الملاعنة: «إنْ جاءت به أدعَجَ أكْحَلَ العَينِ»، وفي حديث أهل الجنَّة: «جُرْد مُرْد كَحْلى»، جمع كحِيل، مثل قَتِيل وقَتْلَى. النهاية(4/ 154).


شرح الحديث


قوله: «أَهْلُ الجنة جُرْدٌ مُرْدٌ كُحْلٌ»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«أهل الجنَّة جُردٌ» بضم جيم، وسكون راء: جمع أجرد، وهو الذي لا شعر على جسده، وضده الأشعر، «مُردٌ» جمع أمرد، وهو غلام لا شعر على ذقنه، وقد يُراد به: الحسنُ بناءً على الغالب. مرقاة المفاتيح (9/ 3590).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«أهل الجنَّة جُرْدٌ» جمع الأجرد، وهو الذي لا شَعْرَ في بدنه، «مُرْدٌ» جمع الأمرد، وهو الذي لا شَعْرَ على ذقنه، «كُحْلٌ» جمع كحِيْل، بمعنى: مكحول، كقتلى وقتيل، وهو الذي عينه مُكتحِلة في أصل الخِلْقَة. شرح المصابيح (6/ 110).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«أهل الجنَّة جُردٌ» جمع أجرد بالجيم فراء مهملة، أي: لا شعر على بدنه...، والمراد: جردٌ عما عدا شعر الحواجب، ونحوها «كُحلٌ» جمع أكحل، وهو الذي على جفُونه سَواد خَلقي. التنوير (4/ 296).
وقال المظهري -رحمه الله-:
قوله: «جُردٌ مردٌ كحلى» الجرد جمع: أجرد، يقال: رجل أجرد بيِّن الجرد: لا شعر عليه، والمرد: جمع أمرد، وهو غلام لا شعر على ذقنه، وقيل: إن حمل «جرد» على ما سوى الذقن، وجاء «مُردٌ» مبيِّنًا الذقن كان تغيير الوضع الجرد، وإنْ حمل على العموم كان «مرد» صفة لـ«جرد»؛ لأن الجرد قد تناوله بعمومه، فلا حاجة إليه.
قيل: فالوجه: أنْ ينوي به التقديم؛ أي: مردٌ جردٌ، فيحمل (المرد) على المعهود، و(الجرد) على سائر الأعضاء سوى الرأس. المفاتيح (6/ 17).
وقال السفاريني -رحمه الله-:
تنبيه: زعم بعضُ الناسِ أنَّه يدخل الجنة سيدنا آدم وموسى وهارون وسيدنا إبراهيم الخليل وسيدنا أبو بكر الصديق، وزاد بعضُهم: نوحًا -عليهم الصلاة والسلام- بلحية، ونظم بعضهم ذلك في أبيات من الشعر، وكل هذا كذب مفترى. البحور الزاخرة في علوم الآخرة (3/ 1063).

قوله: «لا يَفْنَى شَبَابُهُمْ»:
قال المظهري -رحمه الله-:
قوله: «ولا يَفْنَى شبابُهم» أي: لا يزول شبابُهم في الجنَّة، بل يدوم شبابُهم بحيث لا يتطرق عليه الشيبُ أصلًا. المفاتيح (6/ 14).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«ولا يفنى شبابُهم» أي: لا يهرمُون ولا يخرفُون، ولا يُغيِّرهم ‌مُضِيُّ الزمان، فإنهم خُلِقوا لنعيم الأبَد في ذلك المكان. مرقاة المفاتيح (9/ 3587).
وقال محمد المباركفوري -رحمه الله-:
«لا يفنى شبَابُهم» بل كلٌّ منهم في سِنّ ابن ثلاثٍ وثلاثين دائمًا. تحفة الأحوذي (7/ 209).

قوله: «ولا تَبلَى ثيابهم»:
قال المظهري -رحمه الله-:
قوله: «لا تَبْلَى ثيابُهم» بَلِيَ الثوبُ يَبْلَى بلاء: إذا خَلُقَ واندرس؛ يعني: أهل الجنَّة لا تصير ثيابُهم مندرسةً باليةً...، وتبقى ثيابُهم الجُدُدُ التي كانت عليهم بحيث لا تندرس أبدًا، وإنما كان كذلك؛ لأن الآخرةَ دارُ البقاء، فلا انقطاعَ، ولا تغيُّرَ فيهما ألبتَّةَ، بخلاف الدنيا وما فيها؛ فإنها للفناء. المفاتيح (6/ 14).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«ولا تبلى» بفتح أوله، أي: لا تخلَق ولا تتقَطَّع «ثيابهم» وكذا أثاثُهم. مرقاة المفاتيح (9/ 3587).
وقال ابن رجب -رحمه الله-:
«لا تبلى ثيابهم» إشارة إلى بقاء الجنَّة، وبقاء جميع ما فيها من النعيم، وإن صفات أهلها الكاملة من الشباب لا تتغير أبدًا، وملابسهم التي عليهم من الثياب لا تبلى أبدًا، وقد دلَّ القرآن على مثل هذا في مواضع كثيرة...، وفيما ذكره -صلى الله عليه وسلم- في صفة مَن يدخل الجنَّة تعريضٌ بذمّ الدُّنيا الفانية؛ فإنه مَن يدخلها وإن نَعِمَ فيها، فإنه يبأس، ومَن أقام فيها فإنه يموت، ولا يخلد، ويفنى شبابهم، وتبلى ثيابهم، وتبلى أجسامهم. لطائف المعارف (ص:27).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«ولا تبلى ثيابهم» قيل: أراد أنَّ الثِّياب المعيَّنة لا يلحقها البِلى، ويحتمل إرادة الجنس، بل لا تزال عليهم الثياب الجُدد، كما أنها لا تنقطع أكُلُها من حينه، بل كل مأكول يخلفه مأكولٌ آخر، وكل ثمرة قُطعت خلفتها أخرى، وهكذا لا يقال: الأبدان مركَّبة من أجزاء متضادة الكيفية متعرضة للاستحالات المؤدية إلى الانفكاك والانحلال، فكيف يعقل خلودها في الجنان؟ لأنا نقول: إنه تعالى يُعيدُها، بحيث لا يعتريها الاستحالة، بأن يجعل أجزاءها مثلًا متفاوتة في الكيف، متساوية في القوة، لا يقوى شيء منها على إحالة الآخر، متعانقة متلازمة، لا يَنْفَكُّ بعضها عن بعض، على أنَّ قياس ذلك العالم وأحواله على ما نجده ونشاهده نقصُ عقلٍ، وضعفُ بصيرةٍ. فيض القدير (3/ 65).
وقال المناوي -رحمه الله- أيضًا:
«لا تبلى ثيابهم...» إشارة إلى بقاء الجنَّة، وجميع ما فيها، ومن فيها، وأنَّ صفات أهلها من الشَّباب ونحوه لا يتغير، وملابسهم لا تبلى، وقد نطق بذلك التنزيل في عدة آيات: {‌لَهُمْ ‌فِيهَا ‌نَعِيمٌ مُقِيمٌ} التوبة: 21، {‌أُكُلُهَا ‌دَائِمٌ ‌وَظِلُّهَا} الرعد: 35، وفي طَيِّ ذلك تعريضٌ بذمّ الدُّنيا، فإن مَن فيها وإنْ نَعِم يبْأس، ومَن أقام فيها لم يخلد بل يموت، ويفنى شبابه، ويبلى جسده وثيابه. فيض القدير (3/ 363).
وقال محمد المباركفوري -رحمه الله-:
«ولا تبلى ثيابهم» أي: لا يلحقها البِلَى، أو لا يزال عليهم الثِّياب الجُدُدُ. تحفة الأحوذي (7/ 209).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«ولا تبلى ثيابهم...» إعلام بأنَّ الجنَّة وجميع ما فيها لا فناء فيه، ولا تغيير عن صفات أهله، وهو معنى: {‌لَهُمْ ‌فِيهَا ‌نَعِيمٌ مُقِيمٌ} التوبة: 21، {‌أُكُلُهَا ‌دَائِمٌ ‌وَظِلُّهَا} الرعد: 35.
وفيه: تعريض بذم الدنيا، فإنَّ نعيمها زائل، وشبابها مُتَبَدِّد، ونعيمها مقرون به البؤس. التنوير (5/ 305).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«لا تبلى ثيابهم...» فكل ما فيها ومَن فيها باقٍ على حاله لا سبيل للبلاء عليه، وصفات أهلها من نحو الشباب لا يتغير. التيسير (1/ 491).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«ولا تبلى ثيابهم» قيل: أراد الثياب المعينة أنها لا تبلى، وقيل: أراد أنها لا تزال على أبدانهم الثياب الجدد. التنوير (4/ 296).
وقال البيضاوي -رحمه الله-:
معناه: أنَّ الجنة دار الثبات والقرار، وأنَّ التّغير لا يتطرق إليها، فلا يشوب نعيمها بؤس، ولا يعتريه فساد، ولا يتغير، فإنها ليست دار الأضداد، ومحل الركون والفساد. تحفة الأبرار (3/ 422-423).
وقال الأردبيلي -رحمه الله-:
وجه الجمع بين هذا الحديث، ومقتضى قوله -صلى الله عليه وسلم-: «يُحشر الناسُ يوم القيامة حُفاة عُراة غُرلًا (غير مختونين)»: أنَّ اللهَ يبعث الناس كلًّا بكل ما كان جزءًا له في الدنيا؛ إظهارًا لكمال علمه وقدرته، ثم يُزال عن أهل الجنة عند دخولها، ما لا زينة فيه، كاللحية والقلفة وشبههما. الأزهار، مخطوط، لوح (462).
وقال ابن القيم -رحمه الله-:
كان أهل الجنَّة مُرْدًا ليكمل استمتاع نسائهم بهم، كما يكمل استمتاعهم بهنّ، وأيضًا فإنه أكشف لمحاسن الوجوه، فإنَّ الشعر يستر ما تحته من البشرة أنْ يمس بشرة المرأة، والله أعلم بحكمته في خلقه. التبيان في أقسام القرآن (ص:317).

وللاستفادة من الرواية الأخرى ينظر (هنا)


ابلاغ عن خطا