الجمعة 28 رمضان 1446 هـ | 28-03-2025 م

A a

«جاء رجلٌ إلى رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: يا رسول اللهِ، ائْذَنْ لي أنْ أَخْتَصِيَ، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: خِصَاءُ أُمَّتي الصِّيامُ والقيامُ».


رواه أحمد برقم: (6612)، والطبراني في الكبير برقم: (108) من حديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما-.
صحيح الجامع برقم: (3228)، سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (1830).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«خِصَاء»:
شقّ الخصيتين استئصالهما. غريب الحديث، لابن الجوزي (2/ 453).
وقال ابن فارس -رحمه الله-:
فالخاء والصاد والحرف المعتل: كلمة واحدة لا يقاس عليها إلا مجازًا، وهي قولهم: خصيتُ الفحل خصيًا...، ومعنى خصيت: فعل مشتق من الخصي، وهو إيقاع به. مقاييس اللغة(2/ 188).
وقال التوربشتي -رحمه الله-:
يُقال: خصيتَ الفحل خصاءً، أي: سللتَ خصيته، واختصيتَ: إذا فعلتَ ذلك بنفسك. الميسر (1/ 208).


شرح الحديث


قوله: «جاء رجلٌ إلى رسولِ اللهِ -صلَّى الله عليه وسلَّم-، فقال: ائذن لي أن أختصي»:
قال البغوي -رحمه الله-:
الوِجاء: دق الْأُنْثَيَيْنِ، والخِصاء: نزعهما، ومعناه: أنه يقطع النكاح. شرح السنة (9/ 4).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
إنَّما استأذنه في الخصاء لمشقة العزوبة في المغازي، وروي أنه قال: «لا، ولكن عليك بالصيام». الإعلام (8/ 138).
وقال الشاطبي -رحمه الله-:
في الصحيح ردّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- التَّبَتُّل على عثمان بن مظعون، ولو أذن له لاختصينا، وهذا كله واضح في أنَّ جميع هذه الأشياء تحريم لما هو حلال في الشرع، وإهمال لما قصد الشارع إعماله، وإن كان يقصد سلوك طريق الآخرة؛ لأنه نوع من الرهبانية، ولا رهبانية في الإسلام. الاعتصام (2/ 212).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
وكُل مِن هذين (مَن خصى نفسه أو غيره) حرام شديد التحريم، وفي معناه: إطعام دواء (لغيره) وأكله، إنْ كان يقطع الشهوة والنسل دائمًا، وكذا نادرًا إن أطعم غيره بغير إذنه. فتح الإله (3/227).
وقال الأردبيلي -رحمه الله-:
قال العلماء: إخصاء الآدمي حرام مطلقًا، صغيرًا كان أو كبيرًا، حرًّا أو عبدًا، وكذا إخصاء غير المأكول من البهائم، صغيرًا أو كبيرًا، ويجوز إخصاء المأكول في الصغر، ويحرم في الكبر، وقال أبو حنيفة: يكره. الأزهار، مخطوط لوح (133).

قوله: «خِصاء ‌أُمتي ‌الصيام ‌والقيام»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
«خِصاء أُمتي» بضم الخاء والمد وتكسر. التنوير (5/ 482).
وقال السندي -رحمه الله-:
قوله: «خِصَاء أُمتي» أي: أنَّ مَن أراد منهم الخِصاء لحاجة له إليه، فعليه أنْ يُكثر الصيام والقيام، فإنهما يُذْهِبَان غَلَبَةَ الشهوة المؤدِّية إلى الحرام -والله تعالى أعلم-. حاشيته على مسند أحمد (2/241).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«إنَّ ‌خِصاءَ ‌أمتي الصيام» فإنه يكسر الشّهوة، وجعل الصيام خصاءً مجاز؛ لأنه يكاد يلحق الصُّوام بالخصيان في اشتهاء النكاح. شرح المصابيح (1/ 436).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«إنَّ ‌خِصاءَ ‌أمتي الصيام» فإنه يكسر الشهوة وضررها، كما أفاده قوله -عليه السلام-: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء» أي: قاطع للشهوة مع ما فيه من سلامة النفس من التعذيب، وقطع النسل، ومن حصول الثواب بالصيام المقتضي لرياضة النفس، المؤدية إلى طاعتها لأمر مولاها. مرقاة المفاتيح (2/ 607).
وقال المناوي -رحمه الله-:
قاله لعثمان بن مظعون، وقد قال: تحدثني نفسي بأن أختصي، وأن أترهب في رؤوس الجبال، فنهاه عن الرهبانية، وأرشده إلى ما يقوم مقامها في حصول الثواب، بل هو أعظم منها فيه، وأيسر، وهو الصيام والقيام في الصلاة، يعني: التهجد في الليل، فإن الصوم يضعف الشهوة، ويكسرها، والصلاة تذبل النفس، وتكسب النور، وبذلك ينكسر باعث الشهوة، فتذل النفس، وتنقاد إلى ربها. فيض القدير (3/ 440).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
نهاه عن الرهبانية، وأمره بما يقوم مقامها في الإثابة، وهو أيسر منها وأفضل، وهو الصيام والقيام، بأنَّ الصوم يضعف الشهوة؛ ولذا سماه في حديث: «وِجاء»، والقيام يذلل النفس، ويشغل الفكر، فيكسر الشهوة. التنوير (5/ 482).
وقال البغوي -رحمه الله-:
وفي الحديث: دليل على أنَّ مَن لا يجد أُهْبَة النكاح يجوز له المعالجة لقطع الباءة بالأدوية؛ لأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالمعالجة لقطعها بالصوم، فأما من لا تتوق نفسه إلى النكاح، وهو قادر عليه، فالتخلي للعبادة له أفضل من النكاح عند الشافعي، وذهب أصحاب الرأي إلى أن النكاح أفضل. شرح السنة (9/ 6).

وللاستفادة من الرواية الأخرى ينظر (هنا)


ابلاغ عن خطا