الخميس 27 رمضان 1446 هـ | 27-03-2025 م

A a

«السَّحُورُ أَكْلُهُ بركةٌ فلا تَدَعُوهُ، ولو أن يَجْرَعَ أحدُكم جُرْعَةً من ماء؛ فإنَّ الله -عزّ وجلَّ- وملائكتَه يُصَلُّون على المتَسَحِّرِين».


رواه أحمد برقم: (11086)، من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-.
سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (1654)، صحيح الترغيب والترهيب برقم: (1070).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«‌السَّحُور»:
بضم السين: الفعل، والسَّحور بفتح السين: اسم ما يُتسحَّر به. تفسير غريب ما في الصحيحين، للحميدي (ص:420).

«يَجْرَعُ»:
الجُرْعَةُ من الماء بالضم: حُسْوَةٌ (أي: شربة) منه. مختار الصحاح (56).


شرح الحديث


قوله: «السَّحُورُ أكْلُهُ بركةٌ فلا تَدَعُوهُ»:
قال ابن حجر -رحمه الله-:
السحور: يروى بالضم مصدر، وبالفتح اسم لما يُتَسحر به، فإن كان مصدرًا فالمراد بالبركة الأجر والثواب، وإن كان اسمًا لما يُتسحَّر به فالمراد بالبركة هو ما يحصل به من القوة على الصوم والنشاط وتخفيف المشقة.
وقيل: المراد بالبركة ما يتضمن من الاستيقاظ والدعاء في السَّحَر.
والأَولى: أن البركة في السحور تحصل بجهات متعددة، وهي: اتباع السُّنة، ومخالفة أهل الكتاب، والتقوي به على العبادة والزيادة في النشاط، ومدافعة سوء الخلق الذي يثيره الجوع، والتسبب بالصدقة على من يسأل إذ ذاك أو يجتمع معه على الأكل، والتسبُّب للذِّكْر والدعاء وقت مظنَّة الإجابة، وتدارك نية الصوم لمن أغفلها قبل أن ينام. فتح الباري (4/140).
وقال ابن دقيق العيد -رحمه الله-:
وهذه البركة: يجوز أن تعود إلى الأمور الأخروية، فإن إقامة السُّنة توجِب الأجر وزيادته. ويحتمل: أن تعود إلى الأمور الدنيوية؛ لقوة البدن على الصوم، وتيسيره من غير إجحاف به. إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام (2/9).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«السَّحور أَكْلُهُ بركة» بالإضافة، أي: زيادة في القُدرة على الصوم أو على الأجر. التنوير شرح الجامع الصغير (6/ 464).
وقال الساعاتي -رحمه الله-:
وبركته: زيادة الأجر؛ لأنه يقوِّي على الصوم. الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد (10/ 16).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
ولا يبعد أن يكون من جملة بركته ما يكون في ذلك الوقت مِن ذكرِ المتسحرين، وقيام النائمين، وصلاة المتهجدين، فإن الغالب ممن قام يتسحَّر يكون منه ذِكر وصلاة واستغفار، وشبهه مما يثابر عليه في رمضان، وقال عُبادة: كان السحور مستحبًا ولو على ماء، وكان يقال لها: أَكْلَة بركة. التوضيح لشرح الجامع الصحيح (13/ 134).
وقال الساعاتي -رحمه الله-:
قوله: «فلا تَدَعُوه» أي: فلا تتركوه؛ لئلا تُحرموا من ثوابه. الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد (10/ 16).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«فلا تَدَعُوها» أي: لا تتركوها؛ لمزيد فضلها، فالتسحُّر سُنة مؤكَّدة، بل هذا الحديث يدل على كراهة تركه. فيض القدير (2/ 344).

قوله: «ولو أن يَجْرَعَ أحدُكم جُرْعَةً مِن ماء»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«ولو أن يَجْرَعَ أحدكم جُرْعَةً ماء» فلا يتركه بحال. فيض القدير (4/137).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«فلا تَدَعُوه، ولو أن يَجْرَعَ أحدُكم جُرْعَةً ماء» فإنها تُجزئه عن السَّحر بغيره. التنوير شرح الجامع الصغير (6/ 464).
وقال الساعاتي -رحمه الله-:
والمراد: ولو أن يشرب شيئًا قليلًا من الماء بقصد التسَحُّر. الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (10/ 16).

قوله: «فإن اللهَ -عزّ وجلَّ- وملائكتَه يُصَلُّونَ على المتَسَحِّرِين»:
قال الصنعاني -رحمه الله-:
«فإن الله وملائكته يصلُّون على المتسحرين» صلاة الله: رحمته لهم، وصلاة الملائكة: دعاؤهم لهم بالمغفرة.
وهذا ترغيب في السحور، وإعلام بأن فيه فائدتين: من الإعانة على الصوم، ومحبة الله لفاعله ورحمته له، ودعاء الملائكة له بالمغفرة. التنوير شرح الجامع الصغير (6/ 464).
وقال المناوي -رحمه الله-:
وهذا ترغيب عظيم فيه، كيف وهو زيادة في القوة وزيادة في إباحة الأكل، وزيادة في الرُّخص المباحة التي يحب الله أن تؤتى، وزيادة في الحياة، وزيادة في الرفق، وزيادة في اكتساب الطاعة؟! فكأنه جعَل السحور وقتًا لزيادة النعمة، ودفعًا للنقمة، فتدبَّر. فيض القدير (4/137).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«إن الله تعالى وملائكته يصلُّون على المتسحِّرين» أي: الذين يتناولون السحور بقصد التقوي به على الصوم؛ لما فيه مِن كسر شهوة البطن والفرج الموجبة لتصفية القلب، وغلبة الروحانية على الجسمانية الموجبة للقُرب من جانب الرب تعالى، فلذلك كان السحور متأكَّد الندب جدًا. فيض القدير (2/270).
وقال الساعاتي -رحمه الله-:
فمن لم يتسحر يُحرم من رحمة الله -عزَّ وجلَّ- واستغفار الملائكة في هذا الوقت. الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد (10/ 16).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
يحصل السحور بأقل ما يتناوله المرء من مأكول ومشروب. فتح الباري (5/140).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
وينبغي للمتسحر أن ينوي بسحوره امتثال أمر النبي -صلى الله عليه وسلم-، والاقتداء بفعله؛ ليكون سحوره عبادة، وأن ينوي به التقوِّي على الصيام؛ ليكون له به أجر. مجالس شهر رمضان (76).
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
فيه: دليل على مشروعية التسحر، وقد نقل ابن المنذر الإجماع على ندبية السحور.
وليس بواجب؛ لما ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- وعن أصحابه أنهم واصلوا، ومن مقويات مشروعية السحور: ما فيه من المخالفة لأهل الكتاب؛ فإنهم لا يتسحرون، كما صرح بذلك حديث عمرو بن العاص. نيل الأوطار (4/263).

وللاستفادة من الروايات الأخرى ينظر (هنا) و (هنا) و (هنا)


ابلاغ عن خطا