«كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يَبِيتُ اللَّيالي المتتابعةَ طَاوِيًا وأهلُهُ لا يجدُون عَشَاءً، وكان أكثرُ خُبزهِمْ خُبْزَ الشَّعيرِ».
رواه أحمد برقم: (2303)، والترمذي برقم: (2360) واللفظ له، وابن ماجه برقم: (3347)، والبزار برقم: (4805)، والطبراني في الكبير برقم: (11900)، من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-.
صحيح الجامع برقم: (4895)، سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم: (2119).
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«طَاوِيًا»:
أي: خالي البطن جائعًا. التيسير، للمناوي (2/ 269).
قال ابن دريد -رحمه الله-:
يقال: طَوَيْتُ الشيء أَطْوِيْهِ طيًّا، وطَوِيَ بطنُه يطوَى طَوًى شديدًا فهو طَيّانُ الْبطن، إِذا كان خميصًا، وهو طاوٍ إذا كان جائعًا. جمهرة اللغة(2/ 929).
شرح الحديث
قوله: «كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يبيت الليالي المتتابعة طاويًا»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«يبيت الليالي المتتابعة» أي: المتوالية، يعني: كان في بعض تلك الليالي على الاتصال «طاويًا» أي: خالي البطن جائعًا. فيض القدير (5/ 199).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«يبيت الليالي المتتابعة» أي: التابع بعضها بعضًا مع الاتصال. دليل الفالحين (4/ 469).
وقال الفيومي -رحمه الله-:
«طاويًا» المراد بذلك أَنهم لا يجدون شيئًا يأكلونه.فتح القريب المجيب
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
خاوي البطن جائعًا.التنوير(8/٥٢٩)
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
وإنما كان يفعل ذلك -صلى الله عليه وسلم- للإيثار، أو لكراهة الشّبع، وكان يفعل ذلك مع إمكان حصول التوسع له، فقد عرض عليه ربه -عز وجل- أن يجعل له بطحاء مكة ذهبًا، فاختار الجوع يومًا، والشبع يومًا؛ للتضرع والشكر. إرشاد الساري (9/ 264).
وقال المظهري -رحمه الله-:
النبي -صلى الله عليه وسلم- ترك الدنيا ولذتها، وقنع بأدنى قُوت، ولباس مختصر، من غاية التضرع والتنزه عن الدنيا الدنية. المفاتيح (4/ 510).
وقال الشيخ عبد العزيز الراجحي -حفظه الله-:
فمَن أصابته شدة وضيق فليتذكر حالة النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ ففي ذلك تسلية له. توفيق الرب المنعم (8/ 402).
قوله: «وأهله لا يجدون عشاء»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«وأهله» عطف على الضمير المرفوع المؤكد بالمنفصل، أكد ذلك بقوله: «لا يجدون» أي: الرسول وأهله «عَشَاء» بالفتح عند العِشاء بالكسر، بمعنى آخر النهار، يعني لا يجدون ما يتعشَّون به في الليل.
وقد أفاد ذلك ما كان دأبه وديدنه من التقلل من الدنيا، والصبر على الجوع، وتجنب السؤال رأسًا، كيف وهو أشرف الناس نفسًا؟!فيض القدير (5/ 199).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«وأهله لا يجدون عَشَاء» ما يتعشون به في الليل. التنوير (8/ 529، 5307).
وقال العزيزي -رحمه الله-:
قوله: «لا يجدون عَشَاءً» بالفتح ما يؤكَل آخر النهار، مستأنف استئنافًا بيانيًّا، كأنَّه قيل: ما سبب طَيِّهِم؟ فقال: لا يجدون عَشاء. السراج المنير شرح الجامع الصغير (4/ 92).
وقال عبد الرحمن المباركفوري -رحمه الله-:
قوله: «لا يجدون عَشَاءً» بالفتح: الطعامُ الذي يُؤكل عند العِشاء؛ بالكسر، وهو أولُ الظلام، أو من المغرب إلى العَتمة، أو من زوال الشمس إلى طلوع الفجر.تحفة الأحوذي(7/٢١).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
الأنبياء تُزوى عنهم الدنيا حتى يدركهم ألم الجوع ابتلاءً واختبارًا، وقد خُيِّر رسول الله بين أن يكون نبيًّا عبدًا أو نبيًّا مَلِكًا، فاختار أن يكون نبيًّا عبدًا، وعُرضت عليه الدنيا فردَّها، واختار ما عند الله؛ لتتأسى به أُمَّتُه في ذلك، ويمتثلون تزهيده في الدنيا. شرح صحيح البخاري (9/ 464).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
والذي يظهر أن سبب عدم شبعهم غالبًا كان بسبب قلة الشيء عندهم، على أنهم كانوا قد يجدون، ولكن يُؤْثِرُون على أنفسهم. فتح الباري (9/ 519).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
وتجويعهم هذا كان عن اختيار؛ لأنهم تركوا الدنيا ولذتها، وقنعوا بأدنى قُوْتٍ ولباس مختصر، من غاية التنزه عنها، وكانوا يطعمون الطعام على حُبِّه مسكينًا ويتيمًا وأسيرًا. شرح المصابيح (4/ 553، 554).
قوله: «وكان أكثر خبزهم خبز الشعير»:
قال المناوي -رحمه الله-:
«وكان أكثر خبزهم خبز الشعير» أي: كان أكثر خبز النبي -صلى الله عليه وسلم- وأهله خبز الشعير، فكانوا يأكلونه من غير نخل، بل كانوا لا يشبعون من خبز الشعير يومين متتابعين. فيض القدير (5/ 199).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«وكان أكثر خبزهم خبز الشعير»؛ زهدًا في الدنيا، وتقلُّلًا منها، وقد ثبت أيضًا أنها ما كانت لهم مناخل ينخلون بها الشعير، بل ينفخونه نفخًا. التنوير (8/ 529، 530).
وقال ابن علان -رحمه الله-:
«وكان أكثر خبزهم خبز الشعير» أي: وهو أقل في كُلفة التحصيل من البُرِّ وغيره من نفائس الأقوات. دليل الفالحين (4/ 469).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
يتبيَّن أنَّ أحدًا في زماننا من الفقراء ما يعيش عيشه -صلى الله تعالى عليه وسلم-، وهو أفضل الأنبياء، ففي فعله -صلى الله عليه وسلم- تسلية عظيمة للفقراء، كما أنَّ في قوله توصية جسيمة للأغنياء، فهو رحمة للعالمين، وإمام للعالمين العاملين. مرقاة المفاتيح (8/ 3278).
وقال أحمد حطيبة -حفظه الله-:
قوله: «وكان أكثر خبزهم خبز الشعير» يعني: أنَّه قد يُهْدى إليهم ذلك الشعير، وقد يُخبز في بيتهم، وقد لا يجدون شيئًا، فيبيتون طاوين بطونهم، ولعلهم يربطون على بطونهم بالحبال، أو يربطون على بطونهم الحجر؛ حتى يشعروا بأنهم ليسوا جائعين، وكان رسول الله يربط الحجر على بطنه؛ ليتقوى على الجوع. شرح رياض الصالحين (36/ 5).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
وكان الغالب عليهم الشعير والتمر، فغير نكير أن يؤثر قوت أهل بلده، ويكره أن يخص نفسه لما لا سبيل للمسلمين إليه من الغذاء، وهذا هو الأشبه بأخلاقه -عليه السلام-، وما روي عنه أنه خرج من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير، فإن ذلك لم يكن منه في كل أحواله لِعَوَزٍ ولا ضيق، وكيف ذلك وقد كان الله أفاء عليه قبل وفاته بلاد العرب كلها، ونقل إليه الخَرَاج من بعض بلاد العجم، كأَيْلَة والبحرين وهَجَر، ولكن كان بعضه لما وصفت من إيثار نوائب حقوق الله، وبعضه كراهية منه الشبع، وكثرة الأكل، فإنه كان يكرهه، ويؤدب أصحابه به. شرح صحيح البخاري (9/ 482).
قال المناوي -رحمه الله-:
وفيه: فضل الفقر، والتجنب عن السؤال مع الجوع. فيض القدير (5/ 199).
وقال الشيخ فيصل ابن المبارك -رحمه الله-:
فيه: صبره -صلى الله عليه وسلم- على الجوع.
وفيه: فضيلة لأزواجه بصبرهن على ذلك. تطريز رياض الصالحين (ص: 342).