الأربعاء 26 رمضان 1446 هـ | 26-03-2025 م

A a

«مَنْ تَعَارَّ مِن اللَّيلِ فقال: لا إله إلَّا اللَّهُ وحدَهُ لا شريكَ له، له المُلْكُ وله الحمدُ، وهو على كُلِّ شيءٍ قديرٌ، الحمدُ للَّهِ، وسبحانَ اللَّه، ولا إله إلَّا اللَّه، واللَّه أكبرُ، ولا حول ولا قُوَّةَ إلَّا باللَّه، ثم قال: اللَّهمَّ اغْفِرْ لي، أو دعا، اسْتُجِيبَ له، فإنْ توضَّأَ وصلَّى قُبِلَتْ صلاتُهُ».


رواه البخاري برقم: (1154)، من حديث عُبَادة بن الصَّامِت -رضي الله عنه-.


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«‌تَعَارَّ»:
بفتح الفوقانية، وبالمهملة، وتشديد الراء، أي: استيقظ من نوم الليل، قالوا: أصل التَّعَار السهر والتقلُّب على الفراش، ويُقال: إنَّه لا يكون إلا مع كلام وصوت. الكواكب الدراري، للكرماني (6/ 206).
وقال الخليل -رحمه الله-:
والتعارُّ... أُخذ من عِرار الظَّلِيم (النعام) وهو صوته. العين (1/ 85).


شرح الحديث


قوله: «‌مَن ‌تَعَارَّ ‌من ‌الليلِ»:
قال محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«‌مَن ‌تعارّ» بتشديد الراء، أي: مَن استيقظ «مِن» آناء «الليل» ووسطه. مرشد ذوي الحجا والحاجة (23/ 121).
وقال التوربشتي -رحمه الله-:
أرى استعمال هذا اللفظ في هذا الموضع دون الهبوب والانتباه والاستيقاظ وما في معناه لزيادة معنى، وهو أنه أراد أنْ يُخبر بأنَّ مَن هبَّ من نومه ذاكرًا لله تعالى مع الهبوب، فسأل الله خيرًا أعطاه إياه، فأوجز في اللفظ، وأعرض في المعنى، فأتى من جوامع الكلم التي أوتيها بقوله: «تعارَّ» ليدل على المعنيين، وأراه مثل قوله سبحانه: {يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا} الإسراء: 107، فإن معنى خرَّ: سقط، على اجتماع أمرين: السقوط وحصول الصوت منهم بالتسبيح، وكذلك في قوله: «تعار» تنبيهٌ على الجمع بين الانتباه والذكر، وإنما يوجد ذلك عند من تعوَّد الذكْر، فاستأنس به، وغلب عليه، حتى صار حديث نفسه في نومه ويقظته. الميسر (1/ 311).
وقال الملا علي القاري رحمه الله-:
«مَن تَعَارَّ» بتشديد الراء، أي: انتبَه من النوم، وقيل: تقلَّب في فراشه، «من الليل» أي: في الليل. مرقاة المفاتيح (3/ 917).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قال ثعلب: اختُلف في «تعارّ»، فقيل: انتبه، وقيل: تكلَّم، وقيل: عَلِمَ، وقيل: تمطَّى وأَنَّ. انتهى، وقال الأكثر: التعارّ اليقظة مع صوت، وقال ابن التين: ظاهر الحديث أن معنى «تعارّ»: استيقظ؛ لأنه قال: «مَن ‌تعارّ فقال» فعطف القول على التعارّ انتهى، ويحتمل أن تكون الفاء تفسيرية لِمَا صوَّتَ به المستيقظ؛ لأنه قد يُصوِّت بغير ذِكْر، فخَصَّ الفضل المذكور بمن صوَّت بما ذُكِرَ من ذكر الله تعالى، وهذا هو السر في اختيار لفظ: «تعارَّ» دون استيقظ أو انتبه، وإنما يتفق ذلك لمن تعوَّد الذِّكْر، واستأنس به، وغلب عليه حتى صار حديث نفسه في نومه ويقظته، فأَكْرَمَ مَن اتصف بذلك بإجابة دعوته، وقبول صلاته. فتح الباري (3/ 40).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«مَن تَعارَّ من الليل» يُقال: تعارَّ من الليل إذا استيقظ من نومه مع صوت، وهذه اليقظة تكون مع كلام غالبًا، فأحبَّ -عليه الصلاة والسلام- أنْ يكون ذلك الكلام تسبيحًا وتهليلًا، ولا يُوجَد ذلك إلا ممن استأنس بالذكر. شرح المصابيح (2/ 158).
وقال الأردبيلي -رحمه الله-:
هذا الحديث فيمن استيقظ ولم يُرد القيام ولم يقم بعدُ، والثاني -أعني حديث عائشة («كان إذا قام من الليل افتتح صلاته: «اللهم رب جبرائيل...»)- فيما إذا قام ولم يتوضأ، فالأول -أعني حديث ابن عباس («كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا قام من الليل يتهجد قال: «اللهم لك الحمد أنت قيم السماوات والأرض...»)- فيما إذا توضأ، وأراد الدخول في الصلاة. الأزهار شرح مصابيح السنة مخطوط لوح (171).

قوله: «فقال: لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له»:
قال القسطلاني -رحمه الله-:
«فقال» لما كان التعارّ اليقظة مع صوت احتُمل أن تكون الفاء تفسيرية لما يصوِّت به المستيقظ؛ لأنه قد يصوِّت بغير ذكر، فخصه بمن صوَّت بقوله: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له». إرشاد الساري (2/ 329).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
أراد أنه هب من نومه ذاكرًا للَّه سبحانه مع الهبوب، وعلى هذا يكون الفاء في قوله: «فقال» للتفسير لِمَا تكلَّم به المستيقظ، ولو أريد به الاستيقاظ مطلقًا تجريدًا على بعض المعنى كانت للتعقيب. لمعات التنقيح (3/ 326-327).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«فقال: لا إله إلا الله» أي: ليس في الكون غيره ديَّارٌ، «وحده» أي: منفردًا بالذات والصفات والأفعال والآثار، وغيره كالهباء المنثور من أثر غبار الأغيار في أعين أعيان الموحدين الأبرار، «لا شريك له» في الألوهية والربوبية. مرقاة المفاتيح (3/ 917).
وقال السهارنفوري -رحمه الله-:
«لا إله إلا الله وحده» مفعول مطلق لفعل محذوف، أي: يتوحد، أو حال من لفظ الجلالة. بذل المجهود (13/ 451).
وقال الشيخ حمزة محمد قاسم -رحمه الله-:
«فقال: لا إله إلا الله وحده..» أي: فذَكَر الله تعالى بقوله: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك» أي: المنفرد وحده بالألوهيَّة والملك الدائم دون سواه؛ لأن كل مُلْكٍ لغيره إلى زوال. منار القاري (2/ 339).

قوله: «له الملكُ وله الحمدُ، وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ»:
قال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «له الملك، وله الحمد» زاد علي بن المديني عن الوليد «يحيي ويميت» أخرجه أبو نعيم في ترجمة عمير بن هانئ من الحلية من وجهين عنه. فتح الباري (3/ 40).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«له الملك» باطنًا وظاهرًا «وله الحمد» أولًا وآخرًا، «وهو على كل شيء» دخل تحت مشيئته وتعلق بإرادته (ولا شيء خارج عن ذلك) «قدير» تام القدرة، كامل الإرادة. مرقاة المفاتيح (3/ 917).
وقال حمزة محمد قاسم -رحمه الله-:
«وله الحمد» أي: المنفرد بالثناء الكامل، والشكر الحقيقي؛ لتفرده بالكمال المطلق، والإِنعام الحقيقي؛ إذ هو مصدر كل النعم، كما قال -عز وجل-: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} النحل: 53. منار القاري (2/ 339).

قوله: «الحمدُ للهِ»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«والحمد لله» على صِفَتَيْهِ الجمال والجلال. مرقاة المفاتيح (3/ 917).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
«والحمد لله» معنى الحمد أنَّه: وَصْفُ المحمود بالكمال مع المحبة والتعظيم، ولا يشترط التكرار؛ لأنك إن كررت الحمد صار ثناء، وقوله: «الحمد» قال العلماء: إن (أل) في الحمد للاستغراق؛ أي: كل حمد، وأنَّ اللام في قوله: «لله» للاستحقاق والاختصاص، فالذي يستحق الحمد كله هو الله، والحمد كله خاص بالله، لا أحد يُحمد الحمد كله، وإنَّما يُحمد فاعل الإحسان على شيء معين مخصوص وصغير. فتح ذي الجلال والإكرام (6/ 475).

قوله: «وسبحانَ اللهِ»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«وسبحان الله» تنزيه له عن صفات النقص، وزوال الكمال. مرقاة المفاتيح (3/ 917).
وقال الشيخ حمزة محمد قاسم -رحمه الله-:
«وسبحان الله» أي: إن الثناء المطلق، والتنزيه الكامل لله -عز وجل-؛ لأنه الموصوف بكل صفات الجلال والجمال، المنزه عن مشابهة المخلوقات {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} الشورى: 11. منار القاري (2/ 340).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «الحمد لله، وسبحان الله» زاد في رواية كريمة: «ولا إله إلا الله» وكذا عند الإسماعيلي والنسائي والترمذي وابن ماجه وأبي نعيم في الحلية، ولم تختلف الروايات في البخاري على تقديم الحمد على التسبيح، لكن عند الإسماعيلي بالعكس، والظاهر: أنَّه من تصرُّف الرواة؛ لأن الواو لا تستلزم الترتيب. فتح الباري (3/ 40).

قوله: «ولا إلهَ إلا اللهُ»:
قال العيني -رحمه الله-:
«لا إله إلا الله»...، كلمة التوحيد بالإجماع، وهي مشتملة على النفي والإثبات، فقوله: «لا إله» نفي الألوهية عن غير الله، وقوله: «إلا الله» إثبات الألوهية لله تعالى، وبهاتين الصفتين صارت هذه كلمة التوحيد والشهادة. عمدة القاري (6/ 133).
قال الشيخ فيصل ابن المبارك -رحمه الله-:
«ولا إله إلا الله» أي: لا معبود بحق إلا الله. تطريز رياض الصالحين (ص: 772).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«ولا إله إلا الله» الموصوف بصفات الكمال، المنزه عن النقص. مرقاة المفاتيح (3/ 917).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
«لا إله إلا الله» هذه جملة اسمية منفية بـ«لا» التي لنفي الجنس، ونفي الجنس أعم النفي، واسمها «إله»، وخبرها محذوف والتقدير: حقٌّ، وقوله: «إلا» أداة حصر، والاسم الكريم لفظ الجلالة بدل من خبر: «لا» المحذوف وليس خبرها؛ لأن «لا» النافية للجنس لا تعمل إلا في النكرات.
فصارت الجملة فيها شيء محذوف وهو الخبر وتقديره: حقٌّ، أي: لا إله حق إلا الله -عزّ وجل-، وهناك آلهة لكنها آلهة باطلة ليست آلهة حقّة، وليس لها من حق الألوهية شيء، ويدل لذلك قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ} الحج: 62. شرح الأربعين النووية (ص: 21).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- أيضًا:
ولا بد في التوحيد من الجمع بين النفي (لا إله) والإثبات (إلا الله)؛ لأن النفي وحده تعطيل، والإثبات وحده لا يمنع المشاركة، فلا توحيد إلا بنفي وإثبات. تقريب التدمرية (ص: 96).

قوله: «واللهُ أكبرُ»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«والله أكبر» من كل ما يخطر بالبال. مرقاة المفاتيح (3/ 917).
وقال الشيخ عبد القادر شيبة الحمد -رحمه الله-:
«واللَّه أكبر» أي: واللَّه أعظم وأجل. فقه الإسلام شرح بلوغ المرام (10/ 330).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
«أكبر» اسم تفضيل، خلافًا لمن قال: «الله أكبر» بمعنى: كبير، أي: بمعنى اسم الفاعل، فإن هذا غلط؛ لأن اسم الفاعل أقل في الدلالة على الكمال من اسم التفضيل؛ لأن اسم التفضيل يمنع تساوي المفضَّل والمفضَّل عليه في الوصف، واسم الفاعل لا يمنع ذلك، فإذا قلتَ: "زيد عالم" لم يمنع أن يساويه عمرو في العلم إذا كان عالمًا، وإذا قلتَ: "زيد أعلم من عمرو" دلَّ على أنه لا يساويه، وأن زيدًا أعلم.
وبعض العلماء -رحمهم الله- يفسرون «الله أعلم» و«الله أكبر» وما أشبه ذلك باسم الفاعل؛ حذرًا من أن يكون هناك مفاضلة بين الخالق والمخلوق، ولا شك أنَّ هذا خطأ، فالمفاضلة حاصلة، ولا تستلزم تساوي المفضَّل والمفضَّل عليه، بل لا تقتضي ذلك بخلاف اسم الفاعل. كتب ورسائل للعثيمين (168/ 23).

قوله: «ولا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ»:
قال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «ولا حول ولا قوة إلا بالله» زاد النسائي وابن ماجه وابن السني: «العلي العظيم». فتح الباري (3/ 41).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«ولا حول ولا قوة إلا بالله» معناه: لا انصراف عن المعصية، ولا قوة على الطاعة إلا بمعونة الله تعالى. شرح المصابيح (2/ 158).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«ولا حول ولا قوة إلا بالله» في كل الأحوال، ومعناه: لا تَحَوُّل عن المعصية وغيرها، ولا قوة على الطاعة ونحوها إلا بعصمته وإعانته وبمشيئته وإرادته. مرقاة المفاتيح (3/ 917).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
«ولا حول ولا قوة إلا بالله» «لا حول» هذه (لا) تسمى عند النحويين النافية للجنس، ومعنى كونها نافية للجنس: أنها شاملة لجميع أفراد المنفي على التنصيص؛ وذلك لأن العموم قد يكون شاملًا لجميع أفراد العام بحسب الظاهر، لكن «لا حول» تنص على جميع أفراد العام نصًّا قطعيًّا، إذن لا حول إلا بالله، ومعنى (لا حول) الحول قيل معناه: التحول من حال إلى حال؛ يعني: لا تتحول الأحوال من حال إلى حال إلا بالله، ولا يستطيع أحد أن يحوِّل الرخاء إلى شدة، والشدة إلى رخاء إلا الله -عز وجل-، فيكون «حول» بمعنى: تَحَوُّل أو بمعنى تحويل، تحوُّل إذا كان التحول بذات الشيء، تحويل إذا كان بفعل فاعل.
وقوله: «ولا قوة» أي: لا قوة على هذا التحوُّل إلا بالله -عز وجل-، يعني: لا أحد يقوى على تحويل شيء إلى شيء أو التحوُّل من شيء إلى شيء إلا بالله -عز وجل-، وعلى هذا فيكون معنى هذه الجملة العظيمة: التبرؤ من الحول والقوة، وتفويض ذلك إلى الله -عز وجل- وحده؛ ولهذا كانت هذه الكلمة كلمة استعانة، والذين يأتون بها في محل كلمة الاسترجاع إنما يقصدون بذاك الاستعانة على الصبر على هذه المصيبة، أعنى: أن كثيرًا من الناس إذا أصيب بمصيبة قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، إذا قيل له: حصل كذا وكذا من المعاصي وغيرها يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، ولكن المشروع أن يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، هذا هو ذكر المصائب، لكن من قال: لا حول ولا قوة إلا بالله عند المصائب له وجه، وهو أنه قَصَدَ الاستعانة على الصبر الذي هو مأمور به. فتح ذي الجلال والإكرام (6/ 475-476).

قوله: «ثم قالَ: اللهمَّ اغفرْ لي، أو دعا، استُجيبَ له»:
قال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «ثم قال: اللهم اغفر لي، أو دعا» كذا فيه بالشك، ويحتمل أنْ تكون للتنويع، ويؤيد الأول ما عند الإسماعيلي بلفظ: «ثم قال: رب اغفر لي، غُفِرَ له، أو قال: فدعا استجيب له» شك الوليد، وكذا عند أبي داود وابن ماجه، بلفظ: «غُفِرَ له» قال الوليد: «أو قال دعا، استجيب له» وفي رواية علي بن المديني: «ثم قال: رب اغفر لي، أو قال: ثم دعا» واقتصر في رواية النسائي على الشق الأول. فتح الباري (3/ 41).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
«ثم» بعدما فرغ من هذه الأذكار «دعا» ربه بالغفران والرحمة، فقال في دعائه: «ربِّ اغفر لي..، غُفِرَ له» قال الوليد بن مسلم: أو قال الأوزاعي لي: ثم «دعا» الله حوائجه بعد هذه الأذكار «استُجيب له» دعاؤه، بدل قوله: «ثم دعا: رب اغفر لي.. غُفر له». مرشد ذوي الحجا والحاجة (23/ 121).
وقال الأردبيلي -رحمه الله-:
قوله: «قال رب اغفر لي، أو دعا» شكٌّ من الراوي، وهو الوليد بن مسلم الراوي عن الأوزاعي، والوليد هو شيخ شيوخ البخاري وأبي داود والترمذي في هذا الحديث الأزهار شرح مصابيح السنة مخطوط لوح (171).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«ثم قال: ربِّ اغفر لي، أو قال: ثم دعا» شك من الراوي، «استُجيب له» والمراد بها: الاستجابة اليقينية؛ لأن الاحتمالية ثابتة في غير هذا الدعاء. شرح المصابيح (2/ 158).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«ثم قال: رب اغفر لي» وفي نسخة: «اللهم اغفر لي»، «أو قال: ثم دعا» شكَّ الراوي...، «استجيب له» أي: ما دعاه من خصوص المغفرة، أو من عموم المسألة. مرقاة المفاتيح (3/ 917- 918).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«ثم قال: اللهم اغفر لي أو دعا» عام بعد خاص؛ لأن سؤال المغفرة دعاء. التحبير لإيضاح معاني التيسير (6/ 11).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «استجيب» زاد الأصيلي: «له» وكذا في الروايات الأخرى. فتح الباري (3/ 41).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
وقوله: «استُجيب له» قال بعضهم: يقال لهذا الدعاء: درهم الكيس؛ باعتبار أن إجابته مهيأة قريبة. لمعات التنقيح (3/ 327).

قوله: «فإن توضأَ وصلى قُبلتْ صلاتُه»:
قال البيضاوي -رحمه الله-:
والمعنى: أنَّ مَن هبَّ من نومه فذكر الله تعالى بهذا الذِّكر، ثم دعاه استُجيب له، وإن صلى قُبلت صلاته. تحفة الأبرار (1/ 361).
وقال ابن حجر -رحمه الله-:
قوله: «فإنْ توضأ قُبلت» أي: إن صلى، وفي رواية أبي ذر وأبي الوقت: «فإن توضأ وصلى» وكذا عند الإسماعيلي، وزاد في أوله: «فإنْ هو عَزَمَ فقام وتوضأ وصلى» وكذا في رواية علي بن المديني...، قوله: «قُبِلَتْ صلاته» قال ابن المنير في الحاشية: وجه ترجمة البخاري بفضل الصلاة، وليس في الحديث إلا القبول، وهو من لوازم الصحة، سواء كانت فاضلة أم مفضولة؛ لأن القبول في هذا الموطن أرجى منه في غيره، ولولا ذلك لم يكن في الكلام فائدة، فلأجل قرب الرجاء فيه من اليقين تميز على غيره، وثبت له الفضل، انتهى.
والذي يظهر: أنَّ المراد بالقبول هنا قدر زائد على الصِّحة، ومن ثم قال الداودي ما محصله: مَن قَبِلَ الله له حسنة لم يعذبه؛ لأنه يعلم عواقب الأمور، فلا يقبل شيئًا ثم يحبطه، وإذا أَمِنَ الإحباط أَمِنَ التعذيب؛ ولهذا قال الحسن: وددتُ أني أعلم أن الله قَبِلَ لي سجدة واحدة. فتح الباري (3/ 41).
وقال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: «فإن توضأ» يجوز أن يُعطف على قوله: «دعا» أو على قوله: «قال: لا إله إلا الله»، والأول أظهر، والمعنى: مَن استيقظ من النوم فقال كيت وكيت، ثم إن دعا استجيب له، فإن صلى قُبلت صلاته، تَرَكَ ذكر الثواب؛ ليدل على ما لا يدخل تحت الوصف، كما في قوله تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} إلى قوله: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} السجدة: 17. الكاشف عن حقائق السنن (4/ 1197).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله- معلقًا:
وكأنه اختار الأول لقُرْبه اللفظي، مع أنه يلزم منه الشك والترديد، ولم يقل به أحد في هذه الجملة، فالظاهر هو الثاني؛ لأن المدار على المعاني. مرقاة المفاتيح (3/ 918).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«فإن توضأ» عَطف على «دعا»، «ثم صلى، قُبلت صلاته» فريضة كانت أو نافلة، وهذه المقبولية اليقينية مرتَّبة على الصلاة المتعقبة لما قبلها. شرح المصابيح (2/ 158).
وقال الشيخ محمد الأمين الهرري -رحمه الله-:
وقال بعض أهل العلم: استجابة الدعاء في هذا الموطن، وكذا مقبولية الصلاة فيه أرجى منهما في غيره. مرشد ذوي الحجا والحاجة (23/ 122).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
حديث عُبَادة شريف عظيم القدر، وفيه ما وعد الله عباده على التيقُّظ من نومهم لَهِجَة ألسنتهم بشهادة التوحيد له والربوبية، والإذعان له بالملك، والاعتراف له بالحمدِ على جزيل نعمه التي لا تحصى، رَطِبة أفواهم بالإقرار له بالقدرة التي لا تتناهى، مطمئنة قلوبهم بحمده وتسبيحه وتنزيهه عما لا يليق بالإلهية من صفات النقص، والتسليم له بالعجز عن القدرة عن نيل شيء إلا به تعالى، فإنه وَعَد بإجابة دعاء مَن بهذا دعاه، وقبول صلاة مَن بَعْدَ ذلك صلى، وهو تعالى لا يُخلف الميعاد، وهو الكريم الوهاب، فينبغي لكل مؤمن بلغه هذا الحديث أن يغتنم العمل به، ويُخلص نيَّته لربه العظيم أن يرزقه حظًّا من قيام الليل، فلا عون إلا به، ويسأله فكاك رقبته من النار، وأن يوفقه لعمل الأبرار، ويتوفَّاه على الإسلام، قد سأل ذلك الأنبياء الذين هم خيرة الله وصفوته من خلقه، فمَن رزقه الله حظًّا من قيام الليل، فليُكثر شكره على ذلك، ويسأله أن يديم له ما رزقه، وأن يختم له بفوز العاقبة، وجميل الخاتمة. شرح صحيح البخاري (3/ 147-148).
وقال الكوراني -رحمه الله-:
فإن قلتَ: كم مَن يفعل ذلك، ويسأل أشياء لا تحصل له؟
قلتُ: الأمور مرهونة بأوقاتها، وسيأتي أنه يُعطى ما يسأل؛ أو يُدَّخر له عند الله ما هو خير له مما يسأل. الكوثر الجاري (3/ 214).
وقال ابن الملقن -رحمه الله-:
قال أبو عبد الله الفربري الراوي عن البخاري: أجريتُ هذا الذِّكر على لساني عند انتباهي ثم نمتُ، فأتاني آتٍ فقرأ: {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ القَوْلِ} الحج: - 24. الآية. فتح الباري (3/ 41).
وقال الشيخ حمزة محمد قاسم -رحمه الله-:
فقه الحديث: دل الحديث على ما يأتي:
أولًا: فائدة هذا الذكر المبارك له نفعه لمن قاله بيقين وإيمان بعد استيقاظه من نوم الليل ودعا، فإنه يستجاب له.
ثانيًا: أن صلاة الليل بعد هذا الذكر مقبولة. منار القاري (2/ 340).

وللاستفادة من الرواية الأخرى ينظر (هنا


أحاديث ذات صلة

ابلاغ عن خطا