الأربعاء 26 رمضان 1446 هـ | 26-03-2025 م

A a

«الطوافُ حولَ البيتِ مثلُ الصلاةِ، إلا أنَّكم تتكلمون فيه، فمَن تَكَلَّمَ فيه فلا يَتَكَلَّمُ إلا بخيرٍ».


رواه أحمد برقم: (15423)، والترمذي برقم: (960) واللفظ له، والنسائي برقم: (2922).
ولفظ أحمد: «إنما الطوافُ صلاةٌ، فإذا طُفْتُم فأقِلُّوا الكلامَ»، من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-.
صحيح الجامع برقم: (3955)، إرواء الغليل برقم: (1102).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«الطَّوَافُ»:
الطَّواف: مِن طَافَ به، أي: أَلَمَّ، يُقال: طَافَ حول الكعبة يطوفُ طوفًا وطوفانًا، وتطوَّف واسْتَطَاف كله بمعنى. تحرير ألفاظ التنبيه، للنووي (ص: 150).
وقال الأزهري -رحمه الله-:
المطاف، موضعُ الطَّواف حولَ الْكَعْبَة. تهذيب اللغة، الأزهري (14/ 26).


شرح الحديث


قوله: «الطواف حول البيت مثل الصلاة» ولأحمد: «إنَّما الطوافُ صلاةٌ»:
قال المظهري -رحمه الله-:
قوله: «الطواف حول البيت مثل الصلاة» يعني: كما أنَّ الصلاة لا تجوز إلا بالوضوء، وستر العورة، وطهارة البدن عن النجاسة، فكذلك الطواف لا يجوز إلا بهذه الأشياء، فإنْ طاف محدِثًا، أو مكشوف العورة، أو نجسًا، لا يجوز طوافه.
وقال أبو حنيفة: لزم الإعادة؛ فإن لم يعد حتى خرج من مكة؛ لزم دم شاة، وصح طوافه، ويجوز الكلام في الطواف، بخلاف الصلاة. المفاتيح في شرح المصابيح (3/ 293).
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«الطواف حول البيت» احتراز من ‌الطواف بين الصفا والمروة، «‌مثلُ ‌الصلاة» بالرفع على الخبرية، وجوز النصب، أي: نحوها. مرقاة المفاتيح (5/ 1789).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
في رواية الشافعي: «فإنما أنتم في صلاة» مُنَكَّرًا، وفي رواية النسائي: «فإنما أنتم في الصلاة» مُعرَّفًا، والتنكير أولى؛ لأن الطواف على الحقيقة ليس صلاة دائمًا، وإنَّما يُشارك الصلاة في بعض شروطها، فتنكيره يقتضي أنه مشبَّه بالصلاة، وأنه نوع منها، أو شيء يقرب منها، ومما يعضد ذلك: الرواية الثانية التي للنساء، فإنه قال: «الطواف بالبيت صلاة» فجاء بها نكرة مثل رواية الشافعي.
وأما التعريف: فيقتضي أنْ يكون الطواف هو الصلاة؛ لأنه بالألف واللام، ومتى كان الخبر معرفة كالمبتدأ كان هو.
والذي ذهب إليه الشافعي: أنَّ الطواف لا يجوز إلا بما يجوز به الصلاة من طهارة الحدث، وطهارة النجس، وستر العورة، وغير ذلك من شرائط الصلاة إلا الكلام. الشافي في شرح مسند الشافعي(3/ 484-485).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
«الطواف حول البيت ‌مثل ‌الصلاة» أي: في وجوب الطهارة عن الحدث والخبث وستر العورة. شرح المصابيح (3/ 279).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«‌الطواف حول البيت ‌مثل ‌الصلاة» في أجرهِ، وفي اشتراط الطهارة له، وأطلق الصلاة، فيحتمل أنه كركعتين، أو أكثر، ويحتمل الأقل، وهي ركعة فهي أقل الفعل. التنوير شرح الجامع الصغير (7/ 183).
وقال الصنعاني -رحمه الله- أيضًا:
«الطواف بالبيت صلاة» ولذا أغنى عن تحية المسجد للداخل إليه، فإنه يبدأ بالطواف، وقد اختُلف هل المراد بالصلاة المعنى اللغوي هنا، أو الشرعي؟ فمَن حمله على الأول وهو الدعاء قال: لا يعتبر فيه الطهارة ولا غيرها، ومَن حمله على الثاني قال: يُعتبر ذلك فيه، وهو الأصح؛ لقوله: «ولكن الله أحل فيه النطق»؛ فإنه يُشعِر بأنه لم يبح فيه إلا الأمر الذي لا يباح في الصلاة الشرعية. التنوير شرح الجامع الصغير (7/ 183).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
والذي ذهب إليه الشافعي: أنَّ الطواف لا يجوز إلا بما يجوز به الصلاة من طهارة الحدث، وطهارة النجس، وستر العورة، وغير ذلك من شرائط الصلاة إلا الكلام، وبه قال مالك وأحمد في إحدى الروايتين عنه.
وقال أبو حنيفة: ليست شرطًا، واختلف أصحابه هل هي واجبة أم سُنة؟
والكلام في الطواف جائز بالإجماع، إلا أن الأَولى تركه إلا الدعاء والذكر، وقراءة القرآن خلاف.
قال الشافعي: وأستُحب له أن يقرأ في طوافه، وبه قال عطاء بن أبي رباح وابن المبارك ومجاهد والثوري وأصحاب الرأي وأبو ثور، وكره الحسن البصري وعروة ومالك: قراءة القرآن، وروي الأمران عن أحمد.
قال الشافعي: وبلغنا أن مجاهدًا كان يُقرأ عليه القرآن في الطواف.
قال: وبلغنا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تكلَّم في الطواف وكلَّم، فمَن تكلم في الطواف فلا يقطع الكلامُ طوافه، وذكْرُ الله أحب إليَّ فيه من الحديث. الشافي في شرح مسند الشافعي (3/ 484- 485).
وقال العيني -رحمه الله-:
وقد شبَّه النبي -عليه السلام- ‌الطواف بالبيت بالصلاة، حيث قال: «الطواف بالبيت صلاة»، معناه: كالصلاة؛ لأنه ليس بصلاة حقيقة؛ إذ الصلاة عبارة عن الأقوال والأفعال المعهودة، فإن قيل: إذا كان ‌الطواف بالبيت صلاة؛ ينبغي ألا يجوز إلَّا بالطهارة كما ذهب إليه الشافعي.
قلتُ: هذا تشبيه، والتشبيه لا عموم له، فالله تعالى أمر بالطواف مطلقًا عن شرط الطهارة، فلا يجوز تقييده بخبر الواحد، فيُحمل على التشبيه إما في الثواب، أو في أصل الفرضية في طواف الزيارة.
أو نقول: ‌الطواف يُشبه الصلاة، وليس بصلاة حقيقة، فمن حيث إنه ليس بصلاة حقيقة لا يفترض له الطهارة، ومن حيث إنه يشبه الصلاة تجب له الطهارة؛ عملًا بالدليلين بالقدر الممكن. نخب الأفكار (9/ 358).
وقال عبد الحق الدهلوي -رحمه الله-:
قوله: «‌الطواف حول البيت ‌مثل ‌الصلاة» قد يُتمسك بهذا الحديث في اشتراط الطهارة، كما هو مذهب الأئمة، ولكن لا يخفى أن ليس المراد حقيقتها؛ لأن طهارة الثوب واستقبال القبلة، والقراءة، وسائر الأركان ليس بمعتبر، لكن الطهارة أفضل عندنا. لمعات التنقيح (5/ 344).
وقال ابن تيمية -رحمه الله-:
ولهذا يؤمر الطائف أنْ يكون متطهرًا الطهارتين الصغرى والكبرى، ويكون مستور العورة، مجتنب النجاسة التي يجتنبها المصلي، والمطاف طاهر؛ لكن في وجوب الطهارة في الطواف نزاع بين العلماء؛ فإنَّه لم يَنقل أحدٌ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنَّه أمر بالطهارة للطواف، ولا نهى المحدِث أن يطوف، ولكنه طاف طاهرًا، لكنه ثبت عنه أنَّه نهى الحائض عن الطواف، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم»، فالصلاة التي أوجب لها الطهارة ما كان يفتتح بالتكبير، ويختم بالتسليم، كالصلاة التي فيها ركوع وسجود، كصلاة الجنازة، وسجدتي السهو، وأما الطواف وسجود التلاوة فليسا من هذا...، قال أحمد بن حنبل في مناسك الحج لابنه عبد الله: حدثنا سهل بن يوسف أنبأنا شعبة عن حماد ومنصور قال: سألتهما عن الرَّجُل يطوف بالبيت وهو غير متوضئ فلم يريا به بأسًا، قال عبد الله: سألتُ أبي عن ذلك فقال: أحبّ إليَّ أن لا يطوف بالبيت وهو غير متوضئ؛ لأن الطواف بالبيت صلاة، وقد اختلفت الرواية عن أحمد في اشتراط الطهارة فيه ووجوبها كما هو أحد القولين في مذهب أبي حنيفة، لكن لا يختلف مذهب أبي حنيفة أنها ليست بشرط. مجموع الفتاوى (26/ 123-124).

قوله: «إلا أنكم تتكلمون فيه» وفي لفظ: «‌ولكن الله أحل فيه المنطق»:
قال الطيبي -رحمه الله-:
قوله: «إلا أنكم» يجوز أن يكون الاستثناء متصلًا، أي: ‌الطواف كالصلاة في الشرائط من الطهارة، وستر العورة، ونحوهما، إلا في التكلم، ويجوز أن يكون منقطعًا، أي: ‌الطواف ‌مثل ‌الصلاة، لكن رخَّص لكم التكلم فيه؛ لأن عادتكم التكلم. الكاشف عن حقائق السنن(6/ 1981).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«إلا أنكم تتكلمون فيه» أي: يجوز لكم ذلك بخلاف الصلاة. فيض القدير (4/ 292).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«إلا أنكم تتكلمون فيه» أي: يُباح لكم فيه خطاب الغير، وأمّا الكلام من الأذكار فهي مندوبة فيه. التنوير شرح الجامع الصغير(7/ 183).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
قال أبو زرعة: إنه (الطواف) صلاة حقيقية، والأصل في الإطلاق الحقيقة، وهي حقيقة شرعية، ويكون لفظ الصلاة مشتركًا اشتراكًا لفظيًّا بين المعهودة والطواف، ولا يرد إباحة الكلام فيه؛ لأن كل ما يُشترط في الصلاة يشترط فيه إلا ما يُستثنى، والمشي مستثنى؛ إذ لا يصدق الطواف شرعًا إلا به، وبهذا يتم الاستدلال على شرطية الطهارة كما قاله الخطابي، ويندفع قول ابن سيد الناس: إن المشبَّه لا يعطي قوة المشبَّه به، قلتُ: وفي كلام أبي زرعة تأمُّل. التنوير شرح الجامع الصغير(7/ 184).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«إلا أنكم تتكلمون فيه» أي: تعتادون الكلام فيه، إما متصل، أي: مثلها في كل معتبر فيها وجودًا وعدمًا، إلا التكلم، يعني: وما في معناه من المنافيات من الأكل والشرب وسائر الأفعال الكثيرة، وإما منقطع، أي: لكن رخص لكم في الكلام، وفي العدول عن قوله: «إلا الكلام» إلى ما قال نكتة لطيفة لا تخفى، ويُعلم من فعله -عليه الصلاة والسلام- عدم شرطية الاستقبال، وليس لأصل ‌الطواف وقت مشروط، وبقي بقية شروط الصلاة من الطهارة الحُكمية والحقيقية، وستر العورة، فهي معتبرة عند الشافعي كالصلاة، وواجبات عندنا؛ لأنه لا يلزم من مثل الشيء أن يكون مشاركًا له في كل شيء على الحقيقة، مع أنَّ الحديث من الآحاد، وهو ظني، لا تثبت به الفرضية (بل الآحاد إذا ثبت يُعمل به في العقيدة والأحكام)، مع الاتفاق أنَّه يُعفى عن النجاسة التي بالمطاف إذا شق اجتنابها؛ لأن في زمنه -عليه الصلاة والسلام-، وزمن أصحابه الكرام، ومَن بعدهم من الأئمة الأعلام نزل فيه نجاسة ذرق الطيور وغيرها، ولم يمتنع أحد من ‌الطواف به لأجل ذلك، ولا أمر مَن يقتدى به بتطهير ما هنالك. مرقاة المفاتيح (5/ 1789).
وقال الماوردي -رحمه الله-:
فأما الأكل والشرب في الطواف فمكروه، والشرب أخف حالًا، قد روى الشعبي عن ابن عباس قال: «رأيتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يشرب ماء في الطواف».
ويكره أنْ يبصق في الطواف أو يتنخم، أو يغتاب أو يشتم، ولا يفسد طوافه بشيء من ذلك، وإن أَثِم. الحاوي الكبير (4/ 340).
وقال الأردبيلي -رحمه الله- مُتعقِّبًا:
قال الماوردي: ويكره أنْ يبصق في الطواف أو يتنخم فيه، وفيه نظر، وينبغي أنْ يحمل هذا على البصق في ثوب ونحوه، وإلا فعلى المسجد حرام. الأزهار مخطوط، لوح (252).

قوله: «فمَن تكلم فيه فلا يتكلم إلا بخير» ولأحمد: «فإذا طُفْتُم، فأقِلُّوا الكلامَ»:
قال الطيبي -رحمه الله-:
قوله -صلى الله عليه وسلم-: «فلا يتكلمنَّ إلا بخير» أي: إذا كان لا بد من الكلام فلا يتكلمنَّ إلا بخير. الكاشف عن حقائق السنن (6/ 1981).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«فمَن تكلم فيه فلا يتكلمنَّ إلا بخير» أي: مِن ذكر الله، وإفادة علم استفاده على وجه لا يشوش على الطائفين، والحذر الحذر مما يتكلم العوام في طوافهم هذه الأيام من كلام الدنيا، بل من موجبات الآثام، فالنهي المؤكد محمول على كراهة التحريم أو التنزيه، وفي قول: «‌مثل ‌الصلاة» تنبيه على أن الصلاة أفضل من ‌الطواف. مرقاة المفاتيح (5/ 1789).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«فمَن تكلم فيه فلا يتكلم إلا بخير» من مُباح الكلام، أو مندوبه، ويترك اللغو، والبذيء من القول. التنوير شرح الجامع الصغير(7/ 183).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
«وأقِلُّوا» أمرٌ بالتقليل، قلَّ الشيء يقلُّ قِلَّة: إذا صار قليلًا، وأقلَّه غيره يقلُّه أي: جعله قليلًا، وقلَّله كذلك. الشافي في شرح مسند الشافعي (3/ 484).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«فأقلوا فيه الكلام» ندبًا لا وجوبًا؛ لقيام الإجماع على جوازه فيه، لكن الأولى ألا يتكلم إلا بنحو دعاء أو ذِكْرٍ. التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 123).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
«فأقِلُّوا من الكلام» أي: فلا تكثروا فيه الكلام، وإن كان جائزًا؛ لأن مماثلته بالصلاة يقتضي ألا يتكلم فيه أصلًا، كما لا يتكلم فيها، فحيث أباح الله تعالى الكلام فيه رحمة بعباده، فلا أقل من ألا يكثروا فيه ذلك. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (25/ 196).
وقال الترمذي -رحمه الله-:
والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم: يستحبون ألا يتكلم الرجل في ‌الطواف إلا لحاجة، أو بذكر الله تعالى، أو من العلم. سنن الترمذي (3/ 284).
وقال القسطلاني -رحمه الله-:
وقد استحب الشافعية للطائف أنه لا يتكلم إلا بذكر الله تعالى، وأنه يجوز الكلام في ‌الطواف، ولا يبطل، ولا يكره، لكن الأفضل تركه إلا أن يكون كلامًا في خير، كأمر بمعروف، أو نهي عن منكر، أو تعليم جاهل، أو جواب فتوى، وقد روى الشافعي عن إبراهيم بن نافع، قال: كلمتُ طاوسًا في ‌الطواف، فكلمني، وفي الترمذي مرفوعًا: «‌الطواف حول البيت ‌مثل ‌الصلاة إلا أنكم تتكلمون فيه، فمَن تكلم فيه فلا يتكلم إلا بخير»، وفي النسائي عن ابن عباس: «الطواف بالبيت صلاة، فأقلُّوا به الكلام»، فليتأدب الطائف بآداب الصلاة خاضعًا، حاضر القلب، ملازم الأدب في ظاهره وباطنه، مستشعرًا بقلبه عظمة مَن يطوف بيته، وليجتنب الحديث فيما لا فائدة فيه، لا سيما في محرَّم كغيبة أو نميمة. إرشاد الساري (3/ 173- 174).
وقال البغوي -رحمه الله-:
وفي الحديث: دليل على أنَّ طواف المحْدِث لا يجوز، ولا يحصل به التحلُّل، وهو قول عامة أهل العلم، سُئل مالك عمن أصابه أمر يُنقض وضوءه وهو يطوف، فقال: من أصابه ذلك، وقد طاف بعض الطواف، أو كله، ولم يركع ركعتي الطواف فإنَّه يتوضأ، ثم يستأنف الطواف والركعتين.
قال: وأما السعي بين الصفا والمروة فإنَّه لا يقطع ذلك عليه ما أصابه من انتقاض الوضوء.
وقال: وإن كان طوافه تطوعًا، وانتقض وضوؤه، فإذا أراد أن يتم طوافه خرج فتوضأ، ثم استأنف الطواف، وإنْ لم يرد إتمامه ترك ولم يطف، وكذلك الصلاة النافلة.
وقال أبو حنيفة: إذا طاف جُنُبًا أو مُحدِثًا، وفارق مكة لا تلزمه الإعادة، وعليه دم شاة.
وعند الشافعي: لا يجزئ الطواف إلا بما تجزئ به الصلاة من الطهارة عن الحدث والنجاسة، وستر العورة، فإنْ ترك شيئًا منها فعليه الإعادة.
والكلام في الطواف مباح، ويُستحب أنْ لا يتكلم إلا بذكر الله، أو حاجة، أو علم، فقد روي عن ابن عباس «أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- مرَّ وهو يطوف بالكعبة بإنسان يقود إنسانًا بخزامة في أنفه، فقطعهما بيده، ثم قال: قُدْ بيده». شرح السنة (7/ 125-126).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
في فوائده (أي: الحديث):
منها: ما ترجم له المصنف (النسائي) -رحمه الله تعالى-، وهو بيان إباحة الكلام.
ومنها: بيان فضل الطواف، حيث إنه مثل الصلاة.
ومنها: أنه يُستحب فيه ذكر الله تعالى، فإن الصلاة كلها ذكر ودعاء وتضرع، فينبغي أن يكون الطواف في ذلك مثلها.
ومنها: أنه وإن كان الكلام مباحًا في الطواف غير أنه ينبغي تقليله مهما أمكن. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (25/ 199).
وقال الأردبيلي -رحمه الله-:
قال العلماء: هذا الحديث يدل على وجوب الطهارة من الحَدَث والخَبَث في الطواف، وعلى ستر العورة فيه، كما في الصلاة، ولا يصح الطواف بدون ذلك، وقد وقع خلاف أبي حنيفة فيه.
(و) قال العلماء: هذا الحديث يدل على استحباب قراءة القرآن في الطواف، كما في الصلاة، وهي أفضل من دعوات غير مروية عن رسول الله، والمروية أفضل من قراءة القرآن.
(و) فيه أنَّ الكلام مباح، والشعر كلام حسنه حسن، وقبيحه قبيح، فيجوز المباح، ويحرم الحرام بالأولى، ولكن لا يبطل به الطواف.
قال العلماء: وإذا لم يحرم الكلام لم يحرم الأكل والشرب، وتركهما أولى، والشرب أخف من الأكل. الأزهار مخطوط، لوح (252).
قال البغوي -رحمه الله-:
هذا الحديث لا يُعرف مرفوعًا إلا من حديث عطاء بن السائب، ورواه غيره عن طاوس، عن ابن عباس، موقوفًا عليه. شرح السنة (7/ 125).
وقال البغوي -رحمه الله-:
ووقفه الأكثرون على ابن عباس. مصابيح السنة (2/ 247).
وقال الترمذي -رحمه الله-:
وقد روي هذا الحديث، عن ابن طاوس وغيره، عن طاوس، عن ابن عباس موقوفًا، ولا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث عطاء بن السائب. سنن الترمذي (3/ 284).
وقال الأردبيلي -رحمه الله- مُعلِّقًا:
وهو (عطاء بن السائب) ثقةٌ، ساء حفظه آخرًا. الأزهار مخطوط، لوح (252).
وقال النووي -رحمه الله-:
وفي حديث ابن عباس في الترمذي وغيره أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «الطواف بالبيت صلاة إلا أنَّ الله أباح فيه الكلام» ولكن رفعه ضعيف، والصحيح عند الحفاظ أنَّه موقوف على ابن عباس، وتحصل به الدلالة (على الطهارة للطواف) مع أنَّه موقوف؛ لأنه قول لصحابي انتشر، وإذا انتشر قول الصحابي بلا مخالفة كان حجة على الصحيح. شرح صحيح مسلم (8/ 220).


ابلاغ عن خطا