الخميس 27 رمضان 1446 هـ | 27-03-2025 م

A a

رأيتُ رسول اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يطوفُ بين الصفا والمروةِ، والناسُ بينَ يديِهِ، وهو وراءَهُم، وهو يسعى حتى أرى ركبتَيْهِ من شِدةِ السعيِ يدورُ بِهِ إزارُهُ، وهو يقولُ: «اسعوا؛ فإنَّ اللهَ كتبَ عليكم السعيَّ».


رواه أحمد برقم: (27368) واللفظ له، والحاكم برقم: (6943)، وابن خزيمة برقم: (2764)، والطبراني في الكبير برقم: (572)، والدارقطني برقم: (2583)، من حديث حبيبة بنت أبي تِجْرَاة (بضم التاء وكسرها كما في الأزهار للأردبيلي، وضبطه في الفتح بالكسر فقط، وضبطه ابن الملك بفتح وكسر، وقال القاري: إنَّ الضم هو الموافق لما في النسخ المصححة) رضي الله عنها.
صحيح الجامع برقم: (968)، إرواء الغليل برقم: (1072).


شرح مختصر الحديث


.


غريب الحديث


«الصَّفَا»:
بالفتح والقصر، المذكور في القرآن الكريم: مكان مرتفع من جبل أبي قُبَيْس، بينه وبين المسجد الحرام عرض الوادي الذي هو طريق وسوق، وإذا وقف الواقف عليه كان حذاء الحجر الأسود، ومنه يبتدئ السَّعي بينه وبين المروة. مراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع، للقطيعي (2/ 843).

«المَرْوَة»:
واحدة المرْو: جبلٌ بمكة ينتهي إليه السعي من الصفا: أكمة لطيفة في سوق مكة، حولها وعليها دور أهل مكة، عُطفت على الصفا، وهو أول المسعى في قوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} البقرة: 158، فلذلك ثناها قوم في الشعر، فقالوا: المروتين. مراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع، للقطيعي (3/ 1262)
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
«الصفا والمروة» هو اسم جبلي المسعى، والصفا في الأصل جمع صفاة، وهي الصخرة والحجر الأملس. [النهاية (3/ 41)
.
وقال الحموي -رحمه الله-:
«الصفا والمروة» هما جبلان بين بطحاء مكّة والمسجد، أمّا الصفا فمكان مرتفع من جبل أبي قُبَيس بينه وبين المسجد الحرام عرض الوادي الذي هو طريق وسوق، ومن وقف على الصفا كان بحذاء الحجر الأسود والمشعر الحرام. معجم البلدان (3/ 411).

«السعيَّ»:
هو المشي بين الصفا والمروة على صفة الهرولة في بعضه، وإنَّما سُمِّي الجميع سعيًا باسم بعضه. شرح الرسالة، لعبد الوهاب المالكي (2/ 135-136).
وقال السُّغدي -رحمه الله-:
(المشي) بين الصفا والمروة سبع مرات، يبدأ بالصفا، ويختم بالمروة، ويسعى بين العَلَمَيْن. النتف في الفتاوى (1/ 210).
والسعي في الاصطلاح: قطع المسافة الكائنة بين الصفا والمروة سبع مرات، ذهابًا وإيابًا بعد طواف في نسك حج أو عمرة. الموسوعة الفقهية الكويتية (25/ 11).


شرح الحديث


قولها: «رأيتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يطوف بين الصفا والمروة»:
وقال محمد المباركفوري -رحمه الله-:
«الصفا والمروة» هما جبلان بمكة يجب المشي بينهما بعد الطواف في العمرة والحج سبعة أشواط، مع سرعة المشي بين الْمِيْلَين الأخضرين. تحفة الأحوذي (3/ 510).
قولها: «والناس بين يديه، وهو وراءهم، وهو يسعى»:
قال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«يسعى» أي: يسرع. مرقاة المفاتيح (5/ 1792).

قولها: «حتى أرى ركبتيه من شدة السعي يدور به إزاره»:
قال الأردبيلي -رحمه الله-:
قوله: «يدور» يعني: حول رِجْليه، حتى قرب أنْ تنكشف ركبتاه. الأزهار مخطوط لوح (252).
وقال المظهري -رحمه الله-:
قولها: «وإن مئزره ليدور من شدة السعي» يعني: مئزره يدور حول رِجليه، ويلتف برِجليه من شدة عَدْوِهِ. المفاتيح في شرح المصابيح (3/ 296).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
قوله: «لَيَدُور» تريد لينتقل على رِجليه من شدة سعيه، حتى تنكشف ساقاه، وربما رأت ركبتيه. الشافي في شرح مسند الشافعي (3/ 511).
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
قوله: «تدور به إزاره» في لفظ آخر «وإنّ مِئزره ليدُور مِن شِدة السعي» والضمير في قوله: «به» يرجع إلى الركبتين، أي: تدور إزاره بركبتيه. نيل الأوطار (5/ 61).
قال الرافعي -رحمه الله-:
قولها: «حتى أقول: إني لأرى ركبتيه» يمكن أنْ تريد أني أكاد أراهما، ويمكن أن يجعل إخبارًا عن رؤيتهما، ولا بأس بها، فالركبة ليست بعورة؛ والأصح في المذهب أن للمرأة أن تنظر إلى جميع بدن الرَّجُل إلا ما بين السُّرة والركبة. شرح مسند الشافعي (4/ 290).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
«لَيَدُور» أي: حول رِجليه من شدة السعي، يدل على أنَّه كان ماشيًا، وجاء ذلك صريحًا في حديثٍ حسن، ولا ينافيه ما ورد أنَّه -عليه الصلاة والسلام- سعى راكبًا في حَجَّة الوداع؛ لإمكان الجمع: بأنَّ مشيه كان في سعي عُمرة من عمره، أو كان مشيه في سعي الحج بعد مشيه في طواف الإفاضة، وركوبه في سعي عمرته بعد طواف القدوم راكبًا. مرقاة المفاتيح (5/ 1792).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
لا ينبغي لأحد قَوِيَ على السعي والهرولة والاشتداد تركه، ومَن كان شيخًا ضعيفًا أو مريضًا فالله أعذر بالعذر، ويجزئه المشي؛ لأن السعي العمل، وقد عمله بالمشي. التمهيد (2/ 107).
قال عبد الله المباركفوري -رحمه الله-:
والحديث (حديث حبيبة هذا) يدل على أنَّه -صلى الله عليه وسلم- كان ماشيًا في الطواف (أي: السعي) بين الصفا والمروة. مرعاة المفاتيح (9/ 118).
وقال المحب الطبري -رحمه الله-:
ويُحتمل أنْ يكون -صلى الله عليه وسلم- مشى في طوافه على ما دل عليه بعض الأحاديث، ثم خرج إلى السعي ماشيًا، فسعى بعضه ماشيًا، ورأته بنت أبي تِجراة إذ ذاك، ثم لما كثر عليه ركب ناقته، ويؤيد ذلك قول ابن عباس: «وكان -صلى الله عليه وسلم- لا يضرب الناس بين يديه، فلما كثر عليه ركب، والمشي والسعي أفضل»؛ فإنَّ سياقه دال على أنَّ الركوب كان في أثناء السعي، حين كثر الناس عليه فيه.
وذهب ابن حزم في كتابه المشتمل على صفة الحج الكبرى: إلى أنَّه -صلى الله عليه وسلم- كان راكبًا في جميع طوافه بين الصفا والمروة؛ عملًا بحديث جابر هذا («أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- طاف في حجة الوداع على راحلته بالبيت، وبين الصفا والمروة؛ ليراه الناس؛ وليشرف عليهم وليسألوه؛ فإن الناس غشوه» أخرجه مسلم)...
وظاهر حديث ابن عباس يرد هذا التأويل، وحديث بنت أبي تِجراة يصرح بردِّه، والمختار فيه ما تقدَّم ذكره جمعًا بين الأحاديث كلها. القرى لقاصد أم القرى (ص: 371-372).

قولها: «وهو يقول: اسعوا؛ فإنَّ الله كتب عليكم السعي»:
قال ابن عبد البر -رحمه الله-:
«كَتَبَ» بمعنى: أوجب، كقول الله: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} البقرة: 183، وكقول رسول الله في الخمس الصلوات: «كتبهن الله على العباد»، ومثله كثير. التمهيد (2/ 102).
وقال السندي -رحمه الله-:
قوله: «إنَّ الله كتب عليكم السعي» أي: أوجب، وظاهره: أنَّ الجري هو الواجب، وأهل العلم رأوا أنَّ الواجب هو المشي بين الصفا والمروة، والله تعالى أعلم. حاشيته على مسند أحمد (5/634).
وقال الأردبيلي -رحمه الله-:
الأمر في قوله: «اسعوا» للوجوب؛ لقوله: «فإنَّ الله كتب عليكم السعي» وهو ركن من أركان الحج والعمرة، ولا يصح بدونه، ولا يجبر بالدم، وبه قال الشافعي والأكثرون، وقال ابن مسعود وابن عباس وأبي بن كعب: ليس بواجب، وقال أبو حنيفة: واجب يُجْبَر بالدم. الأزهار مخطوط لوح (252).
وقال المظهري -رحمه الله-:
«فإن الله كتب عليكم السعي» أي: فرض عليكم السعي بين الصفا والمروة، ومَن لم يسعَ لم يصح حجه عند الشافعي ومالك وأحمد.
وقال أبو حنيفة -رضي الله عنه-: السعي بين الصفا والمروة تطوُّع، وليس من أركان الحج. المفاتيح في شرح المصابيح (3/ 296).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«إن الله تعالى كتب» أي: فرض «عليكم السعي» بين الصفا والمروة في النُّسك، فمَن لم يسعَ لم يصح حجُّه عند الثلاثة، وقال أبو حنيفة -رضي الله تعالى عنه-: واجب، لا ركن، فيُجير بدم، ويصح حجُّه. فيض القدير (2/ 249).
وقال العزيزي -رحمه الله-:
«إن الله تعالى ‌كتب ‌عليكم ‌السعي، فاسعوا» أي: فرضه عليكم؛ لأنه ركن من أركان الحج. السراج المنير شرح الجامع الصغير (1/ 380).
وقال ابن العربي -رحمه الله-:
لا خلاف بين العلماء أن السعي ركن، والدليل عليه قوله -صلى الله عليه وسلم-: «إن الله ‌كتب ‌عليكم ‌السعي، فاسعوا»، ومعنى «كتب» أوجب وحتَّم وفَرَضَ ووَجَب. المسالك في شرح موطأ مالك (4/ 413).
وقال الشوكاني -رحمه الله-:
قوله: «فإن الله ‌كتب ‌عليكم ‌السعي» استدل به مَن قال بأن السعي فرض وهم الجمهور، وعند الحنفية أنه واجب يُجبر بالدم، وحكاه في البحر عن العِتْرَةِ، وبه قال الثوري في الناسي خلاف العامد، وبه قال عطاء، وعنه أنه سُنة لا يجب بتركه شيء، وبه قال أنس فيما نقله عنه ابن المنذر، واختلف عن أحمد، كهذه الأقوال الثلاثة، وقد أغرب الطحاوي فقال: قد أجمع العلماء على أنه لو حج ولم يطف بالصفا والمروة أن حجه قد تمَّ، وعليه دم، والذي حكاه صاحب الفتح وغيره عن الجمهور أنه ركن لا يُجبر بالدم، ولا يتم الحج بدونه، وأغرب ابن العربي فحكى أن السعي ركن في العمرة بالإجماع، وإنما الخلاف في الحج، وأغرب أيضًا المهدي في البحر فحكى الإجماع على الوجوب. نيل الأوطار (5/ 61).
وقال ابن الأثير -رحمه الله-:
والذي ذهب إليه الشافعي: أن السعي بين الصفا والمروة واجب، وهو ركن من أركان الحج والعمرة لا ينوب عنه الدم، وبه قال مالك.
وقال أبو حنيفة: هو واجب إلا أنه ليس بركن، فينوب عنه الدم، وعن أحمد روايتان: أحدهما: مثل قول الشافعي، والأخرى: أنه مستحب وليس بواجب. الشافي في شرح مسند الشافعي (3/ 511).
وقال النووي -رحمه الله-:
مذهبنا (الشافعية) أنه (السعي) ‌ركن ‌من ‌أركان ‌الحج ‌والعمرة، لا يتم واحد منهما إلا به، ولا يُجبر بدم، ولو بقي منه خطوة لم يتم حجُّه، ولم يتحلل من إحرامه، وبه قالت عائشة ومالك وإسحاق وأبو ثور وداود وأحمد في رواية.
وقال أبو حنيفة: هو واجب ليس بركن، بل ينوب عنه.
وقال أحمد في رواية: ليس هو بركن، ولا دم في تركه، والأصح عنه أنه واجب، ليس بركن، فيُجبر بالدم، وقال ابن مسعود وأبيّ بن كعب وابن عباس وابن الزبير وأنس وابن سيرين: هو تطوُّع، ليس بركن، ولا واجب، ولا دم في تركه.
وحكى ابن المنذر عن الحسن وقتادة والثوري أنه يجب فيه الدم، وعن طاوس أنه قال: مَن ترك من السعي أربعة أشواط لزمه دم، وإن ترك دونها لزمه لكل شوط نصف صاع، وليس هو بركن، وهو مذهب أبو حنيفة.
وعن عطاء رواية أنه تطوُّع لا شيء في تركه، ورواية فيه الدم.
قال ابن المنذر: إن ثبت حديث بنت أبي تجراة الذى قدمناه أنها سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «اسعوا؛ فإن الله كتب عليكم السعي» فهو ركن، قال الشافعي: وإلا فهو تطوع، قال: وحديثها رواه عبد الله بن المؤمل، وقد تكلموا فيه.
واحتج القائلون بأنه تطوع بقوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} البقرة: 158، وفي الشواذ قراءة ابن مسعود: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن لَّا يَطَّوَّفَ بِهِمَا}، ورَفْع الجُناح في الطواف بهما يدل على أنه مباح لا واجب.
واحتج أصحابنا بحديث صفية بنت شيبة من بني عبد الدار: أنهن سمعن من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد استقبل الناس في المسعى، وقال: «يا أيها الناس اسعوا؛ فإن السعي قد كتب عليكم» رواه الدارقطني والبيهقي بإسناد حسن.
والجواب عن الآية: ما أجابت عائشة -رضي الله عنها- لما سألها عروة بن الزبير عن هذا، فقالت: «إنما نزلت الآية هكذا؛ لأن الأنصار كانوا يتحرَّجُون من الطواف بين الصفا والمروة، أي: يخافون الحرج فيه، فسألوا النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك، فأنزل الله تعالى الآية» رواه البخاري ومسلم. المجموع (8/ 77- 78).
وقال أبو العباس القرطبي -رحمه الله-:
وهو (السعي) ركن واجب من أركان الحج والعمرة عند جمهور السلف، وفقهاء الخلف، ولا ينجبر بالدَّم، ومن تركه أو شوطًا منه عاد إليه ما لم يُصِب النساء؛ فإن أصاب أعاد قابلًا حجَّة أو عمرة، واستدل الجمهور: بأنَّ الله تعالى قد جعله من الشعائر، وفعَله النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقال: «خذوا عني مناسككم»، وبحديث أم حبيبة بنت أبي تجراة الشيبية قالت: رأيتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يطوف بين الصفا والمروة، وهو يقول: «اسعوا؛ فإن الله كتب عليكم السعي» غير أنَّ هذا الحديث تفرَّد به عبد الله بن المؤمِّل، وهو يسيء الحفظ، واستيفاء الاستدلال في مسائل الخلاف. المفهم (3/ 385).
وقال الأردبيلي -رحمه الله-:
فيه: أنَّ نظر المرأة إلى الرجل جائز، أي: بلا فتنة، سيما لأخذ أحكام الشرع.
وفيه: استحباب شدة السعي. الأزهار مخطوط لوح (252).   

وللاستفادة من الرواية الأخرى ينظر (هنا


ابلاغ عن خطا