«السِّواكُ مَطْهَرَةٌ للفَمِّ، مَرْضَاةٌ للرَّبِّ».
رواه البخاري معلقًا برقم: (3/31)، وأحمد برقم: (24332)، والنسائي برقم: (5)، وابن حبان برقم: (1067)، وابن خزيمة برقم: (135)، من حديث عائشة -رضي الله عنها-.
صحيح الجامع برقم: (3695)، صحيح الترغيب والترهيب برقم: (209).
شرح مختصر الحديث
.
غريب الحديث
«السِّواكُ»:
بالكسر، والمسواك: ما تُدلك به الأسنان من العيدان. النهاية، لابن الأثير (2/ 425).
«مَطْهَرَةٌ»:
الـمَطهرة والـمِطهرة: الإداوة، والفتح أعلى، والجمع الْمَطَاهِر. الصحاح، للجوهري (2/ 727).
شرح الحديث
قوله: «السواك»:
قال النووي -رحمه الله-:
قال أهل اللغة: «السواك» بكسر السين، وهو يطلق على الفعل، وعلى العُود الذي يُتَسَوَّك به...، وهو في اصطلاح العلماء: استعمال عُود أو نحوه في الأسنان؛ لتذهب الصُّفرة وغيرها عنها، والله أعلم. شرح مسلم (3/ 142).
وقال ابن دقيق العيد -رحمه الله- معلقًا:
تخصيصه في اصطلاح العلماء باستعمال عُود أو نحوه ليس على كل المذاهب. شرح الإلمام بأحاديث الأحكام (3/ 13).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«السِّواك» بكسر أوله لغة: الدَّلْك، وعُرْفًا: يُطلق على العُود الذي يُستاك به، وعلى الفعل، واعترضه ابن هشام كأبي شامة: بأنه لو كان مصدرًا وجب قلب واوه ياء كالقيام، فيقال: سياك، قال: وإنَّما الخبر على حذف مضاف، أي: استعمال السواك. فيض القدير (4/ 147).
وقال السندي -رحمه الله-:
قلتُ: والمناسب بهذا المعنى: أن يُراد بالسواك استعمال العُود لا نفس العُود، أما على ما قيل: إن اسم السواك قد يُستعمل بمعنى استعمال العُود أيضًا، أو على تقدير المضاف، ثم لا يخفى أن المصدر إذا كان بمعنى اسم الفاعل يكون بمعنى اسم الفاعل من ذلك المصدر لا من غيره، فينبغي أن يكون ها هنا «مطهرة» و«مرضاة» بمعنى: طاهر وراضٍ لا بمعنى مُطهِّر ومرضٍ، ولا معنى لذلك فليتأمل، ثم المقصود في الحديث الترغيب في استعمال السواك. حاشية السندي على سنن النسائي (1/ 11).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
«السواك» هو: التسوُّك، وهو دَلْكُ الأسنان واللثة واللسان بعُود الأراك، هذا السواك المعروف هو عُود الأراك، ويحصل الفضل بعُود الأراك أو بغيره من كل عود يشابهه، والصحيح: أنه يحصل أيضًا بالخرقة أو بالإصبع، لكن العُود أفضل. شرح رياض الصالحين (5/ 226).
قوله: «مَطْهَرَةٌ للفم»:
قال الرافعي -رحمه الله-:
قوله: «مطهرة للفم...» أي: مظنة الطهارة والرضا، وهو كقوله: «الولد مَبْخَلَة مَجْبَنَة»، كما يقال: الصوم مَقْطعة للنكاح، والمطهرة في غير هذا: الإناء الذي يتطهَّر منه، ويقال: إن الإناء: المطهِّرة بكسر الميم، والمطهرة: المكان كالمدبغة. شرح مسند الشافعي(1/ 150).
وقال الملا علي القاري -رحمه الله-:
وقيل: هما (المِطهرة والمِرضاة) للكثرة، كالمأسدة مذأبة ذكره الأبهري، أي: مظنة للطهارة والرضا، حاملة عليهما، وباعثة لهما، كما في حديث: «الولد مَبْخَلة مَجْبَنة».
ولعل ورود الاقتصار على الخصلتين مع أنَّ له فوائد أخر؛ لأنهما أفضلها، أو لكونهما شملتا غيرهما، فإنها منحصرة في تحصيل الطهارة الظاهرية والباطنية، والحسية والمعنوية في الدنيا، وفي تكميل رضا الرب الذي هو المقصود الأعلى في العقبى. مرقاة المفاتيح (1/ 398).
وقال الاردبيلي -رحمه الله-:
قال بعض العلماء: الكَثْرة فيه: أنَّ السواك يطهر عند التغيير وغيره، والتغيير أنواع: من الكلام والسكوت والجوع، وأكل المنْتِنِ، والنوم، وهو أكثر الأحوال، وفيه كثرة، وقيل: الكثرة فيه أنَّه يقوم مقام التجديد والوضوء لكل صلاة، كما فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأقرب الرضا يترتب على الطهارة، ففي كثرة الطهارة كثرة الرضا، قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} البقرة: 222. الأزهار مخطوط لوح (97).
وقال النووي -رحمه الله-:
«والْمَطْهَرة» بفتح الميم وكسرها لغتان، ذكرهما ابن السكيت وآخرون، وهي كل إناء يُتطهر به شبه السواك بها؛ لأنه ينظف الفم، والطهارة: النظافة. المجموع شرح المهذب (1/ 268).
وقال السندي -رحمه الله- معلقًا:
قلتُ: لا حاجة إلى اعتبار التشبيه؛ لأن السواك بكسر السين اسم للعُود الذي يُدْلَك به الأسنان، ولا شك في كونه آلة لطهارة الفم بمعنى نظافته. حاشية السندي على سنن النسائي (1/ 10).
وقال ابن دقيق العيد -رحمه الله-:
«مَطْهَرَةٌ» مأخوذٌ من الطهارة بالمعنى اللغوي الذي هو التنزُّه والتنقي من الأدناس... «الفَمُ» مفتوح الفاء، مخفف الميم، هو اللغة الكُثْرَى الفُصحى، وقد حُكي في الفاء الضم والكسر، وحُكي في الميم التشديد. شرح الإلمام بأحاديث الأحكام (3/ 14).
وقال ابن دقيق العيد -رحمه الله- أيضًا:
لما حملنا السواك على الفعل، والطهارة على النظافة، كانت «مَطهرة» مصدرًا؛ أي: السواك الذي هو الفعل طهارة للفم، ويجوز أن يكون محلًّا على بُعدٍ؛ بأن يُجعلَ مجازًا لحصول الطهارة به. شرح الإلمام بأحاديث الأحكام (3/ 22).
وقال المظهري -رحمه الله-:
«المطهرة» بمعنى الطهارة، وهي مفعلة، وهي مصدر ميمي، والمصدر يُستعمل بمعنى الفاعل والمفعول، ويحتمل ها هنا أن يكون بمعنى الفاعل؛ أي: مُطهِّر للفم. المفاتيح في شرح المصابيح (1/ 391).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«مطهرة للفم» أي: آلة تنظفه، والْمَطْهَرة مَفْعَلة من الطهارة، بفتح الميم أفصح من كسرها، والفم مثلث الفاء. التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 72).
وقال الفيومي -رحمه الله-:
ويجوز في «مَطْهَرَة» فتح الميم وكسرها، أي: يُطَهِّر الفم، «ومَطْهَرَة» كقولهم: الولد مَجْبَنَةٌ مَجْهَلَةٌ مَبْخَلَةٌ، «ومَطْهَرَة» مصدر، والهاء للمبالغة، قال أبو أسامة: السواك مَكْنَسَة الفم، ومعناه: أن الإنسان إذا لم يسْتَكْ بخر فوه، فالسواك ينظفه ويطيبه، وهي مفعلة من الطهارة بفتح الميم...، وله معنيان:
أحدهما: أن يكون من باب قولهم: أرض مأسدة ومذأبة إذا كانت مأوى الأسود والذئاب، والمعنى: خليق بالطهارة، جدير بها؛ لكثرة وجودها عنده.
والثاني: من قولهم: المطهرة بكسر الميم وفتحها الإداوة، قال الجوهري: والفتح أعلى، أي: السواك بمنزلة الإداوة في كونها مسببًا للطهارة؛ لأنها مرصدة لذلك، فيكون محصلًا للمعنى المطلوب من طهارته مما يحصل فيه من القَلَح (صفرة في الأسنان ووسخ يركبها لطول العهد بالسواك) وغير ذلك.
قوله: «والفم» يُستعمل بالميم إذا كان مفردًا تقول: هذا فمٌ حسن، فإن كان مضافًا استُعمل بالواو والألف والياء، تقول: هذا فوك، ولا يجوز حينئذٍ بالميم إلا على قلة. فتح القريب المجيب (2/ 454).
وقال ابن حجر الهيتمي -رحمه الله-:
«مَطْهَرَة للفم، مرضاة للرب» أي: مُطهِّر للفم، مُحصِّل لرضا الرب، أو مظنة للطهارة والرضا، فهو حامل عليهما، ويصح الثاني أنْ يكون بمعنى اسم المفعول، أي: مُرْضِي للرب تعالى، وذكره بعد الأول إما من باب الترقي من السبب إلى المسبِّب، أو من وصفٍ كامل إلى وصفٍ أكمل منه، مع قطع النظر عما بينهما من التلازم، وتنوينهما للتعظيم. فنح الإله (2/250).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
«مَطْهَرَةٌ للفم» يعني: يُطَهِّر الفم من الأوساخ والأنتان، وغير ذلك مما يضر، وقوله: «للفم» يشمل كل الفم؛ الأسنان واللثة واللسان، كما في حديث أبي موسى: أنه دخل على النبي -صلى الله عليه وسلم- وطرف السواك على لسانه. شرح رياض الصالحين (5/ 226).
وقال النووي -رحمه الله-:
ذكره البخاري في صحيحه في كتاب الصيام تعليقًا فقال: وقالت عائشة -رضي الله عنها- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «السواك مطهرة للفم...» وهذا التعليق صحيح؛ لأنه بصيغة جزم، وقد ذكرتُ في علوم الحديث: أنَّ تعليقات البخاري إذا كانت بصيغة الجزم فهي صحيحة. المجموع (1/ 267-268).
قوله: «مرضاة للرب»:
قال المظهري -رحمه الله-:
«المرضاة» ها هنا يجوز أن تكون بمعنى الفاعل؛ أي: مُرضٍ، ومحصِّلٌ لرضا الله، ويجوز أن تكون بمعنى المفعول؛ أي: مَرْضِيٌّ للرب. المفاتيح في شرح المصابيح (1/ 391).
وقال ابن الملك -رحمه الله-:
ويجوز أن يكونا باقيين على أصل مصدريتهما؛ أي: سبب للطهارة والرضا. شرح المصابيح (1/ 269).
وقال المناوي -رحمه الله-:
«مرضاة للرب» وفي رواية لأبي نعيم: «مرضاة لله»، والمرضاة مَفْعَلَة من الرضا ضد السخط أي: مظنة لرضا الله، أو سبب لرضاه؛ وذلك لأنه تعالى نظيف يحب النظافة، والسواك ينظف الفم، ويطيب رائحته لمناجاة الله، وهذا كالصريح في ندبه للصائم؛ لأن مرضاة الرب مطلوبة في الصوم أشد من طلبها في الفطر؛ ولأنه طهور للفم، والطهور للصائم فضل، لكن قيده الشافعية بما قبل الزوال. فيض القدير (4/ 147).
وقال البرماوي -رحمه الله-:
«مرضاة» أي: سبب للرضا؛ من حيث إن المندوب مُثاب عليه، أو أنه مقدمة للصلاة، ومنها مناجاة الرب تعالى، فطيب الرائحة يقتضي رضا صاحب المناجاة، أو أن مرضاة بمعنى: مرضية للرب، أو بمعنى: مظنة، كما في: «الولد مَبْخَلَةٌ مَجْبَنَةٌ» أي: السواك مظنة للطهارة والرضا، أي: يحمل الرَّجُل على الطهارة، ورضا الله، ثم يحتمل الترتيب بأن تكون الطهارة به علة للرضا، وأن يكونا مستقلَّتين بالعِلِّيَّة. اللامع الصبيح (6/ 403).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
«مرضاة للرب» أي: أنه من أسباب رضا الله عن العبد أن يتسوَّك. شرح رياض الصالحين (5/ 226).
وقال الفيومي -رحمه الله-:
قوله: «مرضاة للرب» مرضاة مفعلة من الرضا ضد السخط، أي: جدير وخليق برضا الرب تعالى، والمرضاة والرضا بمعنى واحد، وهو مجاز؛ إذ نفس السواك ليس هو نفس الرضا، ولكنه محلّه، وإنما خص السواك بمرضاة الرب -تبارك وتعالى- لأمور:
منها: أنه يطيب النكهة لتلاوة القرآن وللذكر، وقد جاء في الحديث: «طيِّبوا أفواهكم للقرآن»، وأن الملك يضع فاه على فيه إذا قرأ؛ ولأن الدِّين النظافة، والله يحبها، وربما دل ترك السواك على القذارة فيما عداه، فإذا غفل الإنسان عن أشرف ما فيه وهو وجهه لم ينظفه، وهو ظاهر، فما خفي بطريق الأَوْلى، وأيضًا فإنه لعلو مرتبته جُعل بدلًا عن الوضوء، كمحل صلاة، فإنه كان واجبًا في أول الإسلام، ثم نُسخ بالسواك لكل صلاة، ففي مسند البزار: «كان يأمرنا بالوضوء لكل صلاة» فلما شق ذلك عليهم أمرهم بالسواك، يعني لكل صلاة كما هو مذكور في أبي داود، فكأنه أخذ حظًّا من الفرض لما أُقِيْمَ مقامه من كونه يُرْضِي الربِّ -تبارك وتعالى-.
قوله: «للرب» تخصيصه بالذكر للمناسبة؛ لأن الرب المصلح والمربي، فناسب أن يصلح الإنسان من نفسه ما يشينها ويخرجها عن طريقة الإصلاح، ولا يقال: الرب مطلقًا إلا لله تعالى المتكفل بمصلحة الموجودات، بخلاف المضاف. فتح القريب المجيب (2/ 455).
وقال الصنعاني -رحمه الله-:
«مرضاة للرب» أي: يرضاه ويحبه، فإنه يحب النظافة، كما ورد: «إن الله نظيف، يحب النظافة». التحبير لإيضاح معاني التيسير (7/ 211).
وقال الصنعاني -رحمه الله- أيضًا:
«مرضاة للرب» أي: محل رضا له تعالى به، أو سبب لرضاه؛ وذلك لأنه تعالى يحب النظافة.
وفيه حث على السواك. التنوير شرح الجامع الصغير (6/ 480).
وقال ابن بطال -رحمه الله-:
والعلماء كلهم يندبون إليه (أي: السواك) وليس بواجب عندهم، ولو كان واجبًا عليهم لأمرهم به، يشق عليهم أو لم يشق. شرح صحيح البخاري (1/ 364).
وقال النووي -رحمه الله-:
ثم إنَّ السواك سُنة ليس بواجب في حال من الأحوال، لا في الصلاة ولا في غيرها بإجماع مَن يُعتدّ به في الإجماع، وقد حكى الشيخ أبو حامد الإسفراييني إمام أصحابنا العراقيين عن داود الظاهري أنه أوجبه للصلاة، وحكاه الماوردي عن داود، وقال: هو عنده واجب لو تركه لم تبطل صلاته، وحُكي عن إسحاق بن راهويه أنه قال: هو واجب، فإن تركه عمدًا بطلت صلاته، وقد أنكر أصحابنا المتأخرون على الشيخ أبي حامد وغيره نقل الوجوب عن داود، وقالوا: مذهبه أنه سُنة كالجماعة، ولو صح إيجابه عن داود لم تضر مخالفته في انعقاد الإجماع على المختار الذي عليه المحققون والأكثرون، وأما إسحاق فلم يصح هذا المحكي عنه، والله أعلم. شرح صحيح مسلم (3/ 142).
وقال ابن دقيق العيد -رحمه الله- معلقًا على مخالفة داود للإجماع:
قلتُ: إن أراد بذلك أنَّ مخالفةَ الواحد لا تقدحُ في الإجماع، فليس هذا هو المختار في الأصول؛ لا نقلًا ولا دليلًا، وإن أراد -وهو الأقرب- أن يكون مراده: أن داود لا يُعتبر خلافه، فهذا قول قاله بعض الأكابر في الظاهرية، وأنهم لا يُعتبرون في الإجماع.
والذي أراه أنَّ تلك الشناعات والقبائح غيرُ معتدٍّ بها، وليس يلزم من عدم الاعتداد بالقول المخصوص عدمُ الاعتداد بالقائل مطلقًا، وليس يخلو مذهب من المذاهب عن بعض ما يشنع به مخالفوه على أهله. شرح الإلمام بأحاديث الأحكام (3/ 37).
وقال العراقي -رحمه الله-:
في فوائد السواك مطلقًا: روى البيهقي في شُعب الإيمان من حديث ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «عليك بالسواك؛ فإنه مَطْهَرة للفم، مرضاة للرب، مفرحة للملائكة، يزيد في الحسنات، وهو من السُّنة، يجلو البصر، ويُذهب الخضرة، ويشد اللثة، ويذهب البلغم، ويطيب الفم» وزاد البيهقي في رواية أخرى: «ويصح المعدة»، وفي بعض طرقه عند غير البيهقي: «ويزيد في الفصاحة» قال البيهقي: تفرد به الخليل بن مُرّة، وليس بالقوي. انتهى. طرح التثريب (2/ 67).
وقال الفيومي -رحمه الله-:
وقال الشيخ ولي الدين الملوي -رحمه الله-: وفي هذا الحديث أمران:
أحدهما: أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- مبيِّنٌ لمهمات الشريعة، وما يخفى عن المكلَّف كون السواك يُنقي الفم من رائحة كريهة وغيرها لا عقلًا ولا حسًّا.
والثاني: أنَّ مرضاة الرب -تبارك وتعالى- أفضل ما يتفضل به على العبد، قال الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} إلى قوله: {وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَر} التوبة: 72، وفي الجنة يقول الله تعالى لأهلها: «ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟» ثم يقول الله تعالى: «أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدًا»، فانظر يا أخي كيف يترتب هذا الخير العظيم على أخف ما يكون على العبد وهو السواك. فتح القريب المجيب (2/ 456- 457).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:
(التسوك في) كُلِّ وقْتٍ، أي: بالليل والنَّهار، والدَّليل قول النبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- في حديث عائشة: «السِّواك مطهرة للفم؛ مرضاة للرَّبِّ» فأطلق النبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- ولم يقيِّد في وقت دون آخر، وفي هذا (الحديث) فائدتان عظيمتان:
1. دُنيويَّة، كونُه مطهرةً للفم.
2. أُخرويَّة، كونُه مرضاةً للرَّبِّ.
وكلُّ هذا يحصُل بفعل يسير، فيحصُل على أجر عظيم، وكثير من النَّاس يمرُّ عليه الشَّهران والثَّلاثة ولم يتسوَّك؛ إما جهلًا أو تهاونًا. الشرح الممتع (147/ 1).
وقال ابن رجب -رحمه الله-:
(من مواضع التسوُّك) السواك للصلاة عند القيام إليها، وقد خرَّج الإمام أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي من حديث زيد بن خالدٍ الجهني عن النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم-، قال: «لولا أن أَشُقَّ على أُمَّتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاةٍ»، فكان زيد بن خالدٍ يشهد الصلوات في المسجد وسواكه على أذنه، موضع القلم من أذن الكاتب، لا يقوم إلى صلاةٍ إلا اسْتَنَّ، ثم رده إلى موضعه، وقال الترمذي: حسنٌ صحيحٌ، وهذا مذهب الشافعي وأصحابنا.
وروى أبو يحيى الحماني عن أبي سعدٍ عن مكحولٍ عن واثلة بن الأسقع قال: كان أناسٌ من أصحاب النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- يربطون مساويكهم بذوائب سيوفهم، فاذا حضرت الصلاة استاكوا، ثم صلوا...
وقد أنكر طائفة من العلماء السواك عند إرادة الصلاة المفروضة في المسجد، وقالوا: ليس فيه نص عن النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم-، وإنما كان النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- إذا قام من الليل للتهجد في بيته، وحُكي عن مالكٍ أنه يكره السواك في المساجد، والذي رأيناه في تهذيب المدونة: أنه يكره أن يأخذ المعتكف من شعره أو أظفاره في المسجد، وإن جمعه وألقاه لحرمة المساجد.
وقد روي عن عثمان بن عفان أنه كانَ يخطب يوم الجمعة، فذكر أنه لم يَسْتَكْ، فنزل فاستاك، وهذا يدل على أنه إنما نزل ليستاك خارج المسجد، وأنه رأى السواك في الجمعة عند الوضوء لا عند الصلاة، وخرج الحاكم في أماليه من رواية أبي أيوب الأفريقي عن صالح بن أبي صالح، أظنه عن أبيه، عن زيد بن خالد الجهني قال: «ما كان رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- يخرج من بيته لشيءٍ من الصلوات حتى يستاك»، وهذا غريبٌ، ويستدل به: على أنَّه إنما كان يستاك في بيته قبل خروجه إلى المسجد. فتح الباري (8/ 124-125).
وقال ابن دقيق العيد -رحمه الله-:
ذكر بعضُ المالكية المصنِّفين: كراهةَ السواك في المسجد، وعلَّته: إدخاله في باب إزالة المستقذرات، والمسجدُ منزَّهٌ عنها، وهذا الحديث عندي («لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاةٍ») يدل على خلافه؛ لأنَّ «عند» للظرفية حقيقة، فيعمل بذلك بقدر الإمكان، فيقتضي استحباب السواك بحضرة كل صلاة وعندها، وحينئذٍ لا يخلو من أن يقال بتقديم السواك على الدخول في المسجد، فلا يُوفى بمقتضى لفظة «عند» لا سيما مع ما نُدبَ إليه من انتظار الصَّلاة، وما عُرف من استحباب البكور إلى المسجد للصلاة، وكما دل عليه حديث الرواح إلى الجمعة، وأما أن يُحافظ على مقتضى لفظة «عند» فيقتضي ذلك أن يخرجَ من المسجد عند إقامة الصَّلاة لإقامة سُنة السواك عند الصَّلاة؛ وذلك باطل؛ إذ لم يُنقَلْ عن المسلمين أنهم كانوا إذا أُقيمت الصلاةُ خرجوا بأجمعهم عن المسجد إلى أبوابه والطرقِ المتصلةِ به ليستاكوا، ثم يدخلوا المسجد، وأيضًا فقد ثبت النهيُ عن الخروج من المسجد بعد الأذان، وأمَّا إدخاله في باب إزالة المستقذرات فإذا لم يحصل التفل في المسجد، ولا البصاق فيه، عارضنا ذلك بأنه عبادةٌ على ما دل عليه الأحاديث، وثبت من استحبابه، والعباداتُ محلُّها المسجدُ، والله أعلم. شرح الإلمام (3/ 111-113).
وقال ابن عبد البر -رحمه الله-:
وقد كره جماعة من أهل العلم السواك الذي يغير الفم ويصبغه؛ لما فيه من التشبيه بزينة النساء، والسواك المندوب إليه هو المعروف عند العرب، وفي عصر النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكذلك الأراك والبشام (شجرٌ عَطِرُ الرائحة) وكل ما يجلو الأسنان إذا لم يكن فيه صبغ ولون، فهو مثل ذلك ما خلا الريحان والقصب؛ فإنهما يُكرهان.
وقالت طائفة من العلماء: إن الإصبع تغني من السواك، وتأول بعضهم في الحديث المروي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يشوص فاه بالسواك، أي: أنه كان يدلك أسنانه بإصبعه، ويستجزئ بذلك من السواك، والله أعلم. التمهيد (5/ 215-216).
وقال النووي -رحمه الله-:
ثم إنَّ السواك مستحب في جميع الأوقات، ولكن في خمسة أوقات أشد استحبابًا:
أحدها: عند الصلاة، سواء كان متطهرًا بماء أو بتراب أو غير متطهر، كمَن لم يجد ماء ولا ترابًا.
الثاني: عند الوضوء.
الثالث: عند قراءة القرآن.
الرابع: عند الاستيقاظ من النوم.
الخامس: عند تغير الفم، وتغيره يكون بأشياء: منها: ترك الأكل والشرب، ومنها: أكل ما له رائحة كريهة، ومنها: طول السكوت، ومنها: كثرة الكلام، ومذهب الشافعي أن السواك يُكره للصائم بعد زوال الشمس؛ لئلا يزيل رائحة الخلوف المستحبة. شرح صحيح مسلم (3/ 142).
وقال الشيخ محمد بن علي الإتيوبي -رحمه الله-:
في فوائد هذا الحديث:
منها: أن السواك يطهر الفم، فيصلح الإنسان لمناجاة الله تعالى، وتلاوة كلامه، ودنو الملائكة منه؛ لكونهم يحبون النظافة؛ فإنهم يتأذَّون مما يتأذى منه بنو آدم، كما صح ذلك في الحديث، فينبغي الحرص على هذه الغنيمة الجليلة.
ومنها: أنه سبب لرضا الله تعالى، فعلى العبد أن يلازم ما فيه رضا ربِّه -عز وجل-، فإن رضاه هو الغاية القصوى.
ومنها: أنه يُستفاد منه استحباب أخذ السواك باليد اليمنى؛ لأنه من باب الطهارة، وقد صح عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: «كانت يد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اليمنى لطهوره، وطعامه، وكانت يده اليسرى لخلائه، وما كان من أذى»، وهذه المسألة اختلف فيها العلماء. ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (1/ 268).
وقال الشيخ عبد العزيز الراجحي -حفظه الله-:
فالسواك فيه فوائد ومصالح عظيمة، وقد استنبط منه بعض أهل العلم فوائد متعددة تزيد على مائة فائدة، ومنها: أنه يذكِّر بالشهادة عند الموت، ومنها: أنه يطهر الفم والأسنان ويزيل الرائحة، فهو مستحب. شرح سنن النسائي (1/ 9).